كتَّاب إيلاف

السلام... وثالوث الاستبداد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"المعيار الأول للسلام ليس غياب الحرب بل حضورالعدالة..فأشكال الاستبداد كلها وجميع الاساءات الى حرية الاشخاص وكرامتهم وجميع انتهاكات حقوق الكائن الانساني انما هي اعتداءات على السلام" جان- ماري مولر
منذ عقدٍ من الزمن دعت الجمعية العامة للامم المتحدة الدول الأعضاء لاتخاذ التدابير اللازمة لترسيخ ممارسات السلام واللاعنف على كافة المستويات معلنة العقد الأول من الالفية الثالثة عقدًا عالميًّا لاعلاء ثقافة السلام لصالح أطفال العالم بهدف ترسيخ احترام حياة كل انسان وكرامته دون احكام مسبقة او تمييز من اي نوع كان .
ومن المفارقات المؤسفة أن هذا العقد شهد أحداثًا دموية مفرطة وشهد عنصرية مبالغ فيها وانتهاكات صارخة لحقوق الانسان، يحق ان يوصف فيها بعقد "العنف والطغيان وانهيار الانسان"، فمنذ عام 2001 وحتى الآن تتوالى الاحداث بشكل دراماتيكي مخزٍ بحق الانسانية، بدءًا من احداث الحادي عشر من سبتمبر مرورا بأفغانستان و العراق والسودان وصولا الى حرب تموز، فيما تعد قضية معتقل غوانتنامو وسجن ابو غريب وقضية دارفور من أهم القضايا التي تمثل انتهاكًا صارخًا لحرمة الكائن الانساني.
فكيف يبدو المشهد الآن في يوم يسمى "بيوم السلام العالمي" ونحن نتحاور مع ثالوث الاستبداد المستحكم فيينا المتمثل بعودة الامبرطوريات، والزعيم الإله، واللاهوت المقدس؟
دبلوماسية السلام في عصر عودة الامبرطوريات:
لا يمكن لأي دولة في العالم الادعاء بأنها تعمل من أجل السلام، فيما تسعى الى تملك الاسلحة الحربية والعسكرية الفتاكة، وتعمل على تدريب جيوشها على العدائية تحت شعار "الروح القتالية"، التي في حقيقتها ليست سوى زرع للعدائية والانانية الفردية، وتأجيج مشاعر "الانتقام" والهبوط بالكائن الانساني الى مستوى غريزته، بحيث لا يعي الا مبدأ "استعمال القوة لتحقيق ما يريد "!
فالدول حاليًّا عبارة عن "تجمعات قوى مسلحة احتكارية" وأقطاب متناحرة، ومحاور "اقليمية" ؛ الأقوى فيها هو الذي يسيطر ويحدد مسار السياسة الدولية وما على الآخرين سوى الطاعة والامتثال، ولعل محاور الصراع وأقطابه غدت اشد وضوحا بعد عودة روسيا "امبرطورية القياصرة" بقوة الى القطبية الدولية، وتحول ايران" امبرطورية فارس" الى دولة اقليمية فيما تشكل الولايات المتحدة الاميركية "امبرطورية المادة" اللاعب الاساسي فيه.وهذه القوى كلها تتخذ من شعارات متعددة وسيلة لتحقيق مآربها، ومنها شعارات "السلام" و"الديموقراطية "... و شعار مقاومة السيطرة القطبية وتحقيق العدالة! فيما الامر في حقيقته لا يتجاوز الاطماع والمصالح الاقتصادية والعسكرية وتحقيق مزيد من السيطرة عند كل الاطراف المتصارعة ؛ وهي اذ ذاك تعمل ليلا و نهارًا، على شحن العنف لتحقيق "سلام مزعوم"، من خلال اتفاقيات تكرس بذور الشرور والحروب في طيّاتها ولا تعدو عن كونها سيناريو جديد لاسلوب "التدمير" وتوزيع الأدوار!
اننا نشهد عودة الامبرطويات القديمة التي كانت تتركز في نقطة ثم تعمل على الامتداد التوسعي والتشعب في اتجاهات متعددة وعلى مستويات متنوعة، وفي ظل هكذا استراتيجية توسعية تغيب ديبلوماسية السلام وتتلاشى.
فمعظم دول العالم متورطة في اعادة انتاج شروط العنف وتكريسه، وأنصار نظرية "الحروب الاستباقية " والاحترازية " على الارهاب يناقضون بلا شك دبلوماسية السلام التي تسعى اليها الامم المتحدة. الديموقراطية مفتاح السلام:
على مستوى آخر وعلى الصعيد الداخلي للدول والانظمة، فالمشهد لا يختلف كثيرًا وهو وان كان في الدول الغربية ذي الانظمة الديموقراطية قائمًا على احترام إرادة الشعب، الا ان الادارة السياسية غالبًا ما تعمد الى تنفيذ سياساتها الاستراتيجية الخارجية" بعيدًا عن حسابات "الانسان و حقوقه".
اما الانظمة العربية فحدّث عنها ولا حرج! فالديموقراطية غائبة عنها كليًّا! وكلهم في البلطجة الداخلية سواء! حيث يمارسون عنصرية مقززة بحق الانسان.
فوجود الزعماء العرب عبارة عن تكريس للعنف "الداخلي " والخارجي " على حدٍّ سواء،حيث تستعملهم القوى الخارجية "كأصدقاء" لتحقيق مآربها الاقليمية من جهة، كما تنتقم منهم "كأعداء" وطغاة ان هم خرجوا عن معادلتها الاقليمية، فتعمل على ادانتهم بالجملة والمفرق في المجتمعات الدولية بوصفهم انظمة شمولية تغيب عنها الحريات والحقوق الإنسانية.
ان حكام من هذا النوع يسوّغون شتى انواع العنف ويعتمدون عقيدة الصراع وتمثيل المصالح شعارًا لهم، وهم بذلك يجهلون الخطيئة التي يمارسونها لأنهم صرعى جنون العظمة والأنانية المفرطة. فأي سلام يمكن ان يحققه العرب في ظل ممارستهم الظلم الدائم لشعوبهم؟؟ و كيف يطالب العرب في الامم المتحدة وامام المجتمع الدولي بقضاياهم وهم يمارسون ارهابًا اشد بأسًا واشد تنكيلا ؟؟ وكيف يريدون ان يُظهروا للعالم ان "خريطة طريق بوش وكوندليسا رايس" ليست سلمية ولا تمثل العدالة وهم متورطين في العنف حتى النخاع؟؟
واي سلام يمكن ان تحققه الادراة الاميركية في ظل إحساسها المفرط بالقوة ورغبتها الجامحة في السيطرة؟؟
نعم الديموقراطية هي مفتاح السلام في منطقتنا وهي المطلب الشعبي الأصلي الأصيل، فان فعلنا وتبنينا خيار السلم الحقيقي، فأية حجة تبقى لبوش ومن يأتي بعده في ادانة انظمتنا، فلتبادر الدول العربية الى صناديق الاقتراع اولا لاقرار احترام الانسان ان هي تريد السلام فعلا! أديان من أجل الحرب أم السلام؟
ان نقد الانظمة "الثيوقراطية " العربية وضرورة احلال الديموقراطية ليس هدفًا بحد ذاته بل ان الكائن الانساني هو المعني الأول والاخير، فإرادة السلام الحقيقي تنبع من النواة المؤسسة للمجتمع، ألا وهي الفرد وهذا يحتم علينا الدخول الى البنية الفكرية المؤسسة لممارسات الأفراد ولعل احد مكونتاها هي العقائد والشرائع.
ومن اعجب الأمور ان "الأديان" كلّها ومعظم العقائد "السماوية وغير السماوية" تدعي أنها رسالات سلام ومحبة للبشرية! والوقائع على الأرض تنافي في كثير من الأحيان هذا الادعاء!
فالحروب كانت ومازالت تُشن دومًا بذرائع لاهوتية "فحرب الايقونات في الغرب" "والحروب الدامية في الشرق"، خير دليل على ان الاديان هي اديان حرب لا سلام، لأن الدين عندما يرتبط بالسلطة او السلطة ترتبط به، فإنه يخرج عن دائرته الروحية الانسانية الى ساحة صراع وحرب غرائز يعتقد أصحابها انهم خيرة البشر وانهم يحاربون باسم الاله ومن ثم فحربهم "مقدسة " مباركة!!!وبما ان الشرائع بما فيها المدنية والوضعية متنوعة فإنها تُفرِّق البشر فيما الايمان يوحدهم، وهنا تكمن أهمية نقد "الشرائع " لا سيما تلك التي تتصف بلاهوتيتها، فهل سنمتلك نحن البشر الجرأة الروحية لنقد لاهوتنا وعقائدنا المؤسسة لشرائعنا، وهل بإمكاننا اعادة نقد دساتيرنا وقوانيننا المشرعة لحروبنا التي لا تنتهي ؟! وهل بإمكان ايماننا بانسانية الكائن البشري وآدميته ان يوحدنا من اجل تحقيق سلام كوني؟؟ يتحقق السلام إذن من خلال تحقيق كونية الافراد أولا وذلك عبر مسارين اثنين :
مسار اجتماعي وفي هذا النطاق يتحد الافراد لتحقيق انسانيتهم "المجتمعية " على صعيد المجتمع الواحد وذلك من خلال احلال العدالة بحيث يتجاوز الفرد أنانيته ونزعته بالسيطرة الى مستوى تحقيق السلام لصالح الجماعة.
المسار العالمي : بحيث تتضافر المجتمعات بثقافاتها المتنوعة لتحقيق السلام فيتجاوز كل مجتمع عن "أنويته التاريخية " ويتخلى عن ادانة الحضارات الاخرى والثقافات المغايرة له للوصول الى سلام عالمي يعكس الانسنة الكونية.فهل بإمكان المجتمعات الانسانية كلها دون استثناء ان نتجاوز عن جراحها التاريخية وتكف عن الانتقام من بعضها البعض لاجل سلام كوكبنا الوادع الجميل؟
وهل ستتوقف الدول عن ادانة حضارات واضطهاد أخرى بذرائع متنوعة ؟ وهل ستتخلى أمبرطوريات العصر الحديث عن طموحاتها التوسعية وحروبها "العادلة"؟؟نعم، فالسلام لا يكون بلا عدالة انسانية والعدالة لا تتحقق بعنف الحروب! هامش1- جاء ذلك في الاعلان الصادر في العاشر من نوفمبر 1998 حيث اعتبرت الفترة الممتدة من 2001 وحتى 2010 عقدًا دوليا لاعلاء ثقافة السلام.
كاتبة لبنانية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عقدة الاديان
حسين -

تحية طيبةاشعر بان معظم كتاب ايلاف لديهم عقدة من الاديان (لا الومهم)كيف تنظر الى الدين وممن نقل لك مفاهيم دينك هي المشكلة,كيف تتعامل مع معطيات الدين هو ما يظهر ان لديك مشكلة مع الدين ام لا,انا تجربتي الشخصية مع ديني الاسلامي الحنيف اعتبرها تجربة رائعةحيث اني ارى الامور في نصابها لا تزمت ولا تفريط دين يعلم الاخلاق الحميدة الى جانب الامعتقد السليمدين يتعامل بنظرية لكل مقام مقال على سبيل المثال المسلم او اي شخص اخر من الاديان الاخري له معاملة اذا كان مواطنا صالحا ومعاملة اخرى اذا كان مواطنا هداماوهو ما يقره الجميع في كل العالم على تعدد واختلاف المعتقدات اذا طريقة فهم الدين هي ما يجعلني انتمي واومن بهاما ما ينتج عن اشخاص ينتمون لهذا الدين فليس بالضروره انه يمثل الدين نفسه اذا من يريد ان ينتقد قضية ما يجب عليه ان يبدا بطريقة حضارية حواريةتهدف الى الوصول للحقائق ووضع النقاط على الحروف وليس الحكم المسبق والهجوم المباشر والصاق التهم ثم النقد يكون للمباديء اولا وشكرا لكل من يساهم في البناء الانساني الايجابي بغض النظر عن دينه ومعتقدةقال تعالى (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) للنقاش ارحب بكم Real_truth_4u@yahoo.com

صناديق الإقتراع
خوليو -

صناديق الإقتراع هي الحل الأمثل للتعبير عن الديمقراطية الإنتخابية، ولكن بوجود دستور علماني يكفل حرية الخاسر في الإنتخابات، لأنه بظل قوانين الدين السياسي، وفي حالة تسلم السلطة أحزاب دينية آتية عن طريق الإقتراع، سيحل الظلام على المجتمع:(منع وتحريم وجلد وقتل وتكفير وفتاوي مضحكة وتحريم النقد وحتى كأس نبيذ أحمر معتق مفيد للقلب سيمنعوه)أمأ بوجود دستور يكفل حرية الكلمة، وكانوا قد قبلوا به قبل الإقتراع سيتيح المجال لقوى النور أن تفضح سياستهم وتظهر مفاصل ضعفهم وفشلهم في قيادة المجتمع في هذا العصر،وبظل دستور علماني متفق عليه مسبقاً، يكفل حرية الكلمة والنقد، لن تفيدهم جملة نحن نطبق شرع الله وستزول الغشاوة من خلايا عقل الموهومين بأن الدين يصلح للحكم، انظري لبنان ياحضرةالكاتبة: يذهبون لصناديق الإقتراع وبعدها يقفلون المجلس ويضعون المفتاح في جيوبهم ويجتمعون كرؤساء طوائف (بريطة وعنق وبدونها)ليتداولون شؤون البلاد على مبدأ من الديمقراطية التوافقية:استر علي أستر عليك ،على قاعدة إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا.

نعم
د .مؤنس اليزجي -

نعم يا اختاه انت على حق ومقالاتك جريئه ومطلب كتير من كتابنا حتى وعسا ان يتغير العرب وشكرا

الأخت مروة تتمتع فكر
كركوك أوغلوا -

متحضر وثقافة عالية !!..حبذا لو أدلت بدلوها في المقالة الأخيرة في كتاب أيلاف للعفيف الأخضر ؟؟!!..يمكنها تحرير أختها المرأة في تحريرها من تلك العبودية في هذه الأوقات العصيبة ؟؟!!..وشكرا وكل عام وأنتم بخير

مقال جيد
علي حرب -

جدير فعلا ان نتوقف مليًّا عند المقال بتأني بالغ لدقة الكاتبة في الطرح ... اتنبأ لللكاتبة مستقبل جيد لانها ترسل اشارات تنم عن ان قناعاتها ورؤيتها جديدة ، فهي لا تكره الدين على طريقة العلمانية ، ولا تحب الشرائع على طريقة الفقهاء ورجال الدين ، هي ليست تدعو الى العولمة الاقتصادية على طريقة الاميركيين ولا تتبنى مشاريع الانغلاق والشموليةعلى طريقة الروس وغيرهم .... هي ليست قومية على طريقة العرب ولا تكره العرب على طريقة الاميركان ... انها انسانة مبدعة حقا استطاعت ان تبلور رؤية كونية في السياسية يحسدها على ذلك كثير من الكتاب المشهورين ... وانا من موقعي اعلم ذلك . فشكرا

بعيد عنكم وبريء منهم
واغد محمد -

إن الكلام المنمق الممزوج بألفاظ وتعبيرات حول وعن السلام، لا تعني بأي حال من الأحوال أنه مستند إلى منطق أو نابع من فكر أو رؤية تحليلية للماضي واستشرافية للمستقبل البعيد أو القريب، لأنها ليست المرة الأولى التي يحاول البعض منا فيها القفز إلى الخلف ليُرجع كل مآسينا ونكباتنا إلى تمسكنا بالدين، الذي يمثل حسب منظور هؤلاء المحرك والوازع الداخلي للفرد أو الجماعة إلى اختلاق الحروب رغبة في الدمار والانهيار.ربما تكون الأديان الحالية -باستثناء الإسلام- بعدما حُرفت وعُدل فيها بما يتوافق مع رؤية ومصالح القلة، موظفة من قبل إجراميين في التحريض والدعوة إلى الكراهية والعنف والقتل من جهة أو نشر ثقافة الانهزام والاستسلام والدعوة للمعتدي بالهداية والرشاد من جهة أخرى. إن البعض من مثل تلك الأديان هي بحق من تدعوا إلى التطرف والعنصرية وقتل البشر بانتقام ووحشية ودم بارد، وما الحملات الصليبية إلا خير شاهد على غزو ارض العرب والمسلمين زمن صلاح الدين الأيوبي ، ذاك القائد المسلم الذي عرض على الغزاة إن هم حقا متمسكون بتعاليم المسيحية السمحة التي يحاربون تحت لوائها، العودة من حيث أتوا حفاظا على الأرواح وحقنا للدماء وأن يطمئنوا على مسيحيي الشرق إن كانوا محقين في تدينهم.إنها التعاليم الإنسانية الراقية لهذا الدين الإسلامي، الذي عبر عنها صلاح الدين بمقولة: الدين لله والوطن للجميع، ذلك الدين الذي لا يسعى إلى استعمال القوة أو العنف إلا في حالة الدفاع أو إلى السعي إلى امتلاكها إلا لأخافت وإرهاب العدو بما يعرف اليوم بتوازن الرعب. فما كان في هذا التوجه والسياق فانه من الإسلام الحق وما كان في غيره فإنها اجتهادات مغلوطة لا يتحمل إلا فعليها كل الوزر والعقاب.