نلتقي في الحريق المقبل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قبلها احترقت رموز وبنايات وقطارات وأشياء أخرى، مما يعود بذاكرة المصريين الجماعية لتلك الأجواء التي سبقت انقلاب 1952، والتي توجت بحريق القاهرة الشهير الذي التهم ضمن ما التهمه، المبنى القديم لدار الأوبرا المصرية.
زميلنا الصحافي المخضرم الذي يحرص على تغطية الأحداث المهمة ميدانياً رغم قضائه أكثر من 35 عاماً في بلاط صاحبة الجلالة، وقف يتأمل النيران تلتهم المسرح القومي، وقد بدا من فرط الأسى المرسوم على وجهه أكبر كثيراً مما عهدناه، وفجأة انتحى ركناً قصّياً وراح يبكي بحرقة فاجأت جميع زملائه وتلاميذه.
وبحضن لا يخلو من بعض الخشونة لإجباره على مرافقتنا، شاركني زميلان في اصطحاب الرجل إلى السيارة، ورحت أقودها دون هدف محدد، في مدينة تبدو مثل غابة من الأسمنت، تخترق باطنها الأنفاق، وتعتليها الكباري، وتمرح في ربوعها سيارات تبدو أكثر خطورة من الوحوش الكاسرة في الغابات.
ساد الصمت دقائق لنمنح الرجل حقه في التأمل ولملمة مشاعره، وبعدها تحدثنا كثيراً وضحكنا أكثر كعادة المصريين في كل الكوارث، وفجأة "نقح عليّ" ميكروب الفضول الصحافي، فسألته عن سبب بكائه بهذه الحرقة في هذا الحادث تحديداً، وهو الذي رأى كوارث وحوادث لا حصر لها، ومازحته متعمداً استفزازه بقولي، إنه ربما أصبح عجوزاً، لم تعد تحتمل مشاعره المشاهد الصعبة، لكنه رد بهدوء قائلاً إن الأمر يرتبط بذكريات شخصية لا ينساها، فقد كان هذا المسرح هو أول مكان يمارس فيه الصحافة حين أجرى سلسلة حوارات مع كبار الفنانين، هي التي مهدت أمامه الطريق ليحترف الصحافة، أما الأهم من ذلك فإنه تعرف في ردهاته على رفيقة عمره أثناء مشاهدتهما لأحد العروض، وقضى مع تلك السيدة التي تزوجها قبل ثلاثين عاماً أمسيات لا تنسى في هذا المكان، بل وأورثا أبنائهما عشق المسرح، لدرجة إن ابنه الأكبر يعمل كمساعد مخرج الآن، وبالتالي فقد كان المسرح القومي شريكاً وشاهداً على أجمل سنوات عمره.
وبعيداً عن هذه المشاعر الشخصية فإنه يرى أن المسرح القومي تحديداً، مسرح البسطاء المحترمين المتحضرين، وهاهو الآن يرى جزءاً عزيزاً من عمره وذكرياته ولحظات السعادة في حياته، كلها تحترق أمام عينيه، بينما يعجز عن القيام بأي شئ للتصدي لتلك النيران الشرسة.
يتابع: "تشغلني كثيراً هذه الأيام تفاصيل حالة الانحطاط الحضاري التي انزلقنا إليها في مصر خلال العقود الماضية، وكيف تحولت مصر خلالها من منصة لإطلاق الحريات والفنون، وبورصة للأفكار والإبداع، إلى مخزون هائل للتعصب والكراهية، وانعدام الرغبة في الحياة والانسحاب منها، وراح أشرار ينفثون سمومهم لتعميق هذه الحالة، وهكذا تربعت على عروش قلوب الشباب أسماء من فصيلة: "أبو الأشبال السلفي" و"أبو سراقة الأثري"، بعد أن كانت تلك القلوب مسكونة بعشاق الحياة، وباختصار أصبحنا الآن في مصر من أكثر شعوب المنطقة كآبة، وصار المصري المرح مجرد تراث، وأصبحنا مستفزين لدرجة التلذذ بإيذاء بعضنا البعض، ولو لم نحقق من ذلك أي منفعة.. هكذا تحدث الصحافي المخضرم بما يشبه "مونولوغ" ذاتي تعليقاً على عمر عاشه في كنف هذا البلد، وراقب كل أحداثه عن كثب.
كان الزميل المخضرم يتحدث كأنه يفكر بصوت مرتفع، تتدفق كلماته بسلاسة مريرة، يتوقع كارثة كبرى، مبدياً أسفه للعجز عن تسميتها، لأنه ببساطة لا يعرف لها اسماً محدداً، لكنه يتوقع خطوطها العريضة وملامحها التي يؤكد أنها ستأتي على الأخضر واليابس.
لعلها الفوضى العارمة التي تتغذى على الإهمال المتكرر، والضمائر التي استمرأت البلادة، ولعلها أشياء أخرى كانت تدور في مخيلته لكن المؤكد كما يتنبأ الرجل، ويؤيده كثيرون في هذه النبوءة الشريرة ـ التي ندعو الله ألا تتحقق ـ أن كارثة هائلة بانتظار هذه البلاد، فقد انفصلت تماماً نخبته الحاكمة عن الشارع، فهؤلاء يعيشون في قصور حصينة خارج القاهرة، تحميهم سيارات مصفحة، ويرافقم شباب أشداء لحراستهم في كل مكان، فأنى لشخص يعيش هذا النمط من الحياة، أن يرى ما يعانيه ملايين الفقراء وجحافل العاطلين عن العمل، الذين تقودهم ظروفهم الصعبة إلى دهاليز التطرف الديني، أو التفلت الأخلاقي، أو السقوط في فخ العدمية والانسحاب من الحياة.
أخيراً وصلنا إلى منزل شيخنا المخضرم، فترجل يمضي متثاقلاً، وبعد أن ودعناه كان علينا أن نفترق، وقبل أن يمضي كل منا لحال سبيله، فوجئت بزميلي يكسر حاجز الكآبة بتعليق ساخر لا يخلو من المرارة قائلاً: "نلتقي إذن في الحريق المقبل".
Nabil@elaph.com
التعليقات
غرد يا بلبل النيل
ابو الرجالة -اوحشتنا يا راجل كل سنة وانت طيب يا بلبل وكل المسلمين بخير وسلامة وكل مصر بخير زمان كنت في العيد اذهب لبيت شيخ شهير من طنطا ابنة كان زميل لي في الكلية ناكل ححك ونعاكس الخدامة ايية دنيا المهم في موضوعنا يا هلتري مين حرق المسرح والمجلس ؟ العصفورة بتقول لي اللي حرق الاوبرا هو نفسة اللي حرق القاهرة وهو نفسة اللي عمل العملة دي لاسباب سياسية بحتة ومتهيا لي انت عارف وانا عارف زمان كنا بنقول نكتة بمناسبة انت عارف وان عارف يا تري فاكرها وسلام وكل عام وانت بكل خير ومصر بخير قولوا امين
أسفى على بلدى
ليليان شاكر استراليا -لا تتخيل سيدى مدى الحزن و الكآبة التى حلت بى يوم سماع الخبر وترقرقت عيناى بالدموع على كل ما فات و خوفى الغالى على كل ما تبقى و الذى يحزننى اكثر هم عدم استطاعاتنا كمصريين حماية حتى انفسنا
غرد يا بلبل النيل
ابو الرجالة -اوحشتنا يا راجل كل سنة وانت طيب يا بلبل وكل المسلمين بخير وسلامة وكل مصر بخير زمان كنت في العيد اذهب لبيت شيخ شهير من طنطا ابنة كان زميل لي في الكلية ناكل ححك ونعاكس الخدامة ايية دنيا المهم في موضوعنا يا هلتري مين حرق المسرح والمجلس ؟ العصفورة بتقول لي اللي حرق الاوبرا هو نفسة اللي حرق القاهرة وهو نفسة اللي عمل العملة دي لاسباب سياسية بحتة ومتهيا لي انت عارف وانا عارف زمان كنا بنقول نكتة بمناسبة انت عارف وان عارف يا تري فاكرها وسلام وكل عام وانت بكل خير ومصر بخير قولوا امين
الله .. الله
مواطن حر -أنت موهوب يا استاذ نبيل في أسلوبك وطريقة توصيل فكرتك بحكايات بسيطة وعادية لكنها معبرة جداتحياتي وكل سنة وانت طيب
الله .. الله
مواطن حر -أنت موهوب يا استاذ نبيل في أسلوبك وطريقة توصيل فكرتك بحكايات بسيطة وعادية لكنها معبرة جداتحياتي وكل سنة وانت طيب
بصراحة...
المصرى أفندى -بصراحة ومن الآخر خالص وأرجو إخوانى المسلمين المعذرة فى رأيى هذا التأسلم والتمذهب والعنصرية والجهل مرة ثانية قتلوا مصر للأسف.
بصراحة...
المصرى أفندى -بصراحة ومن الآخر خالص وأرجو إخوانى المسلمين المعذرة فى رأيى هذا التأسلم والتمذهب والعنصرية والجهل مرة ثانية قتلوا مصر للأسف.
متى تقوم الثورة
وليد شعبان -هذه الاحداث الكوارثية التى لو حدث ربعها فى اى مكان فى العالم لقامت الدنياة ولم تقعد فكارثة واحدة كفيلة تهز عرش اجدع رئيس ولكن فى مصر الناس ضاعت او ماتت. واصبحت المقولة الشهيرة شعار الشعب المصرى مفيش فيدة
متى تقوم الثورة
وليد شعبان -هذه الاحداث الكوارثية التى لو حدث ربعها فى اى مكان فى العالم لقامت الدنياة ولم تقعد فكارثة واحدة كفيلة تهز عرش اجدع رئيس ولكن فى مصر الناس ضاعت او ماتت. واصبحت المقولة الشهيرة شعار الشعب المصرى مفيش فيدة
كلماتك
ولعه -يا سيدي عنوانك معبر جدا يا سيدي انت تحاول الدفاع عن وطننا ضد المخربون عمدا اواهمالا - الكلام - علهم يفيقوا - احترامي لك و لكل اصدقاؤك و لحزن صديق - نبيل - النبيل لازالت الحياه و الوطن يستحقا ان ندافع عنهما لطالما وجد امثالكم يا سيدي احترامي فاصل ثم نواصل الحرائق مجددا
إلي نبيل شرف الدين
مواطن -تقول (فقد انفصلت تماماً نخبته الحاكمة عن الشارع، فهؤلاء يعيشون في قصور حصينة خارج القاهرة، تحميهم سيارات مصفحة، ويرافقم شباب أشداء لحراستهم في كل مكان، فأنى لشخص يعيش هذا النمط من الحياة، أن يرى ما يعانيه ملايين الفقراء )كلام جميل ولكني قرأت لك مقالات اخري اراك تدافع فيها عن هذه النخبة بطريقة غاية في الذكاء تشبه طريقة الاعلام الحكومي المسمي بالصحف القومية وذلك بتحويل الانتباه عن الفاعل الحقيقي للاوضاع المأساوية للمصريين بالقاء التهمة علي النفطستان والاسلاميين والسلفيين وتترك المفسدين للحياة السياسية والاقتصادية وناهبي الاراضي والثروات من جانب الفئه الحاكمة والذين قاموا بتبرئة مجرمي الحزب مثل ممدوح اسماعيل وهاني سرور عن طريق محاكمات هزلية تنتهي بالقاء الاتهام علي المجني عليهم وبراءة الجناة إلي جانب قتل الفنانات وتزوير الانتخابات وتفصيل التعديلات الدستورية تمهيدا للتوريث القادم لواحد من هذه النخبة ،يقال أن الوسط الصحفي به واحد كان يعمل ضمن هؤلاء الشباب الاشداء الذين يحمون مواكب النخبة !!
حريق دائم
Open Heart -مصر تحترق منذ أكثر من نصف قرن ، نحن نحيا فى حريق دائم يانبيل فلا تحدثنى عن قادم ، خربوها وقعدوا على تلها .. لم يعد يبقى لنا إلا الذكريات التى نشاهدها فى أفلام الأبيض و الأسود ، أما أفلامهم فصارت أسود وبس ..
سنواصل بعد العيد
بيان المجاهدين -اعلان من الاخوة المجاهدين سنتوقف خلال ايام العيد المبارك عن الحرائق لكى نعطى هيئة المطافى وقتا لتاكل كحك العيد و سنعود لنشاطنا المعتاد بعد العيد وكل حريقة وانتم طيبين
حريق دائم
Open Heart -مصر تحترق منذ أكثر من نصف قرن ، نحن نحيا فى حريق دائم يانبيل فلا تحدثنى عن قادم ، خربوها وقعدوا على تلها .. لم يعد يبقى لنا إلا الذكريات التى نشاهدها فى أفلام الأبيض و الأسود ، أما أفلامهم فصارت أسود وبس ..
صلحوا البوصلة
اف من الحر -انا موش عارف بوصلة المحظورة باظت ولا ايه ؟؟ زمان كانوا بيحرقوا فى الشتا اهو يدفوا الناس بالحريقة لكن دلوقت مصر والعة فى الصيف والحر مميت وموش ناقصة حرايق تولعها زيادة ياريت تجيبوا ابو جلمبو ولا صلاح المصرى ولا ابو وش عكر ,يصلح البوصلة ويوريكم اصول الشغل بتاع زمان و كفاية تحرقوا فى الشتا يا محظورة
إلي صلحوا البوصلة !
سفروت -إلي صاحب التعليق المعنون بـ (صلحوا البوصلة)واضح أنك خفيف الظل وبتطلع احقادك، ولي سؤال هل انت اذكي واعلم من العشرات من اجهزة الامن المصرية ؟؟بالتأكيد لا ولو كانت معلوماتك صحيحة ماانتظرت هذه الاجهزة بلاغك الكاذب لهاالذي ينضح بالاخلاق العالية اخلاق الصيد في الماء العكر وتقديم البلاغات الكاذبة في الخصوم وتجريم الابرياء ،واظن أن الاسماء التي ذكرتها وهي (ابو جلامبو و صلاح المصرى و ابو وش عكر ) هي السبب في الحالة النفسية السيئةالتي تعاني منها لان الشرفاء لايتهمون من يختلفون معهم في الفكر بااتهمات باطلة فقط لتصفية الحسابات كمايفعل اي فرد في عصابة للمافيا لايحكمه خلق ولاضمير ولا القيم التي دعا اليها السيد المسيح عليه السلام الذي يحرم الكذب والتزوير اليس كذلك ياخفيف الظل ؟؟!!