قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تعددت برامج دعم القطاع المالي والانتعاش الاقتصادي، منذ اندلاع الأزمة الأخيرة، وتغيرت ملامحها لسبب بسيط وهو أننا مازلنا في مرحلة تجريبية من حالة انهيار مالي واقتصادي يذكر بما حدث في أمريكا في الثلاثينات من القرن الماضي، لكن مع الاختلاف في جذور الأزمة ومظاهرها والأدوات المتاحة للتعامل معها. وبما انه لا يمكن صياغة برنامج الإصلاح بالجدوى المطلوبة دون معرفة الأسباب العميقة للمشكلة توجب علينا مزيد البحث في جذور الأزمة الحالية، وأهمها الابتكارات المالية وثورة تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، أي شبكة الانترنت. أولا: الابتكارات الماليةساعد تطور الهندسة المالية على جمع أصول مالية في حزمة واحدة - مثل الرهون العقارية لدى شركات التمويل العقاري - واستعمالها كأساس لإصدار سندات يتم عرضها للمستثمرين. وسارعت البنوك التجارية (مثل سيتي-جروب في أمريكا) وبنوك الاستثمار في "وول ستربت" (ميريل لينش وليهمان بروذيرز...) لشراء أدوات الدين هذه. كما سارعت البنوك الأجنبية للحصول على حصتها من الكعكة (بنك دويتش بنك الألماني، يوبي اس السويسري ومؤسسات أخرى في آسيا...). خلافا للمقرض الأول (شركات التمويل العقاري في هذه الحالة)، لم يكن بإمكان المستثمرين الجدد التعرف على هوية مالك العقار عن قرب، ومن ثم تقييم درجة المخاطر الحقيقية لأدوات الدين التي بحوزتهم، ومن هنا كان فشل الأسواق المالية في تقدير المخاطر وتسعيرها كما يجب. لكن هذا لا يعني جهلا تاما بالمسالة. عملاق التامين الأمريكي "أي-آي-جي"، على سبيل المثال، نجح فعلا في تقدير احتمال عدم الإيفاء بالديون التي كان يتعهد بتأمينها ( Credit Default Swaps )، وذلك بفضل النماذج الإحصائية التي طورها البروفيسور " Gary Gorton "أستاذ المالية بجامعة "يايل." لكن خطا إدارة الشركة ومن ثم صعوباتها المالية الحالية كانت نتيجة التزاماتها إزاء عملائها (مالكو بوليصة التامين) بتعويضهم في حال انخفاض سعر الأوراق المالية المؤمنة وكذلك في حال انخفاض التصنيف الائتماني لشركة "أي-أي-جي" نفسها. وهي التزامات ما كان للشركة القبول بها في المقام الأول، آو كان عليها تقدير درجة مخاطرها وتوفير المخصصات المالية لمواجهة أي طارئ. ثانيا: شبكة الانترنتسهلت شبكة الانترنت عمليات عقد الصفقات للمشتقات المالية دون تكلفة تذكر، مما ضاعف من حجم هذه العمليات وسهل توزيعها على مختلف مناطق العالم. وأمام النمو الكبير لهذه العمليات وأهميتها، طالب مراقب الخزانة الأمريكي عام 1994 بالرقابة على هذه الصفقات، لكن طلبه هذا جوبه بمعارضة شديدة من الرئيس السابق لبنك الاحتياط الأمريكي "ألان جرينسبان" الذي اعتبر أن الانترنت تساعد على "إعادة توزيع المخاطر على النطاق العالمي." وكما ورد في "نيوزويك" بتاريخ 27 أكتوبر 2008: "رأى جرينسبان في الانترنت وأجهزة الكومبيوتر السريعة الطريقة الأمثل لإعادة صياغة الرهون العقاري في شكل أصول جديدة يتم عرضها على مؤسسات الاستثمار المالية حسب الطلب، داخل الدولة وفي العالم بأكمله. وهكذا تم تناسي المخاطر التي تحيط بمثل هذه المشتقات المالية، حتى انفجار الأزمة." و من المهم التنويه أن نسبة متزايدة من الأصول المالية كانت تتم خارج نطاق السلطة الرقابية المركزية مثل شركات الرهن العقاري الأمريكية التي لا تخضع لترخيص ورقابة بنك الاحتياط الفيدرالي وإنما للرقابة الضعيفة على مستوى الولايات، كما أن صناديق التحوط (Hedge Funds) وشركات الاستثمار المالي (Private equity funds)تكاد لا تخضع لأية رقابة تذكر. وهذا ما أدى لمزيد تجاهل المخاطر الكامنة. لكن هذا لا ينفي حقيقة إن الأزمة المالية الحالية هي نتيجة نجاح علمي وتكنولوجي في المقام الأول، كان من الصعب توقع أعراضه الجانبية وآثاره السلبية. ولحسن الحظ إن مثل هذه الأزمات نادرا ما تحدث - مرة كل قرن تقريبا حسب تقديرات الآن جرينسبان -. لذلك اعتقد شخصيا إن تلافي مثل هذه الأزمات في المستقبل سوف يكون شبه مستحيل. والممكن والمأمول أن يكون هناك استعداد أفضل لمواجهة مثل هذه الأزمات منذ البداية وبكافة الأدوات المتاحة وبأكثر ما يمكن من التعاون والتنسيق بين دول العالم، وفي كل هذا تمثل مواجهة الأزمة الحالية تقدما كبيرا مقارنة بما حصل خلال الأزمة السابقة للانهيار الكبير للعام 1929. كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي وخبير سابق بصندوق النقد الدولي
Abuk1010@hotmail.com