كتَّاب إيلاف

النقد السوسيولوجي للدراما العربية: (الريفي مضحوكا عليه)!!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تمتلك المدينة في عالمنا العربي العديد من الخدمات العامة المقدمة للمواطنين مثل الخدمات البلدية، كالماء والكهرباء والمجاري والصحة من قبيل المستشفيات والعيادات الصحية والصيدليات، وخدمات البريد والتعليم والمحاكم وأجهزة حفظ الأمن وغيرها. في حين أن الريف يكاد يفتقر إلى معظم ذلك إن لم يكن كله. لهذا بقي الريف محافظا على نظمه التقليدية شبه البدائية فيما يتعلق بحفظ الأمن من خلال القانون العرفي، والطب الشعبي بديلا عن العلاجات والأساليب الحديثة طالما لم تكن متوفرة، والأمية المتفشية إلى حد كبير، وهكذا مع العديد من انساق الحياة الأخرى.
ووفقا لهذه المقارنة المختصرة، تتسع الهوة بين الريف والمدينة، فتجد أبناء الريف يلجئون إلى المدينة تعويضا لهم عن نقص الخدمات التي يعانوها، وبحثا عن سبل عيش إذا ما شحت سبل العيش الأساسية لديهم. ونتيجة لهذا الفارق الكبير أيضا في الفرص، فإن الريف قد حافظ على تخلفه في هذه المجالات (التعليم، حفظ النظام، الضوابط الصحية، القيم الحضرية الحديثة وغيرها). الأمر الذي جعله أمثولة للتخلف ومضربا للنكتة في أحيان كثيرة من قبل أهل المدينة. وقد خلق هذا حواجزا نفسيةً كبيرة في مسألة التكيف في مؤسسات العمل والجيش والأجهزة الأمنية والتعليم والوظائف، تحتاج إلى وقت أطول ليحصل اندماج يحظى بموجبه ابن الريف بالقبول أو التفهم أو إثبات جدارته. وهذا ما أضر بصورة غير مباشرة بمسيرة بناء المجتمع في عالمنا العربي.
ومن قنوات السخرية التي تمرر عبرها النكات والاستهزاء بأبناء الريف، هناك السينما والراديو والتلفزيون والمسرح، وذلك بطرح نموذج الريفي "الساذج والجاهل"، من خلال الأعمال الدرامية والمشاهد الكوميدية التي تتعكز على هذه الثيمة. فكم من عمل درامي مصري قدم الفلاح المصري على هذه الصورة وخاصة الفلاح الصعيدي (نسبة إلى إقليم الصعيد في الجنوب المصري)، ما خلق صورة نمطية (stereotype)، وتوقعات مسبقة ضد هؤلاء الناس، رغم أن هناك العديد من أعلام مصر من علماء وأدباء وسياسيين قد انحدروا من هذا الإقليم. وغالبا ما نرى ونسمع أوصافا تدلل على ذلك، مثل وصف اسم شخص ما إذا كان تقليديا بأنه "بلدي" نسبة إلى البلد (الريف باللهجة المصرية)، ووصف سلوك ما بأنه "فلاحي" دلالة على تخلفه.
ولعل الأمر لا يختلف كثيرا في باقي البلدان العربية التي تتمايز فيها الحياة الريفية عن المدينية مع فارق شهرة الدراما المصرية. ففي سوريا تتكرر صورة الفلاح البسيط الساذج "مضحوكا عليه" في العديد من الأعمال السورية دون الحاجة إلى ذكر أمثلة من خلال الإمعان في لهجته المميزة حسب منطقته الجغرافية. وفي لبنان والمغرب العربي في تونس والمغرب والجزائر لا يختلف الحال أيضا.
وفي حال مشابه تقريبا حاولت بعض الأعمال الدرامية العراقية ترسيخ صورة تقليدية حول فلاح الجنوب العراقي وخاصة أبناء أقصى الجنوب أو الهور تحديدا. والغريب أن الأغلبية الساحقة من كتاب الدراما والممثلين والمخرجين ينتمون إلى الجنوب أو "الثقافة الجنوبية" من لهجة وتقاليد اجتماعية وإن لم تفرق كثيرا عن مثيلاتها في باقي مناطق العراق، خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن حي الثورة (الصدر حاليا) يعتبر صورة مستنسخة تقريبا من مدينة العمارة (جنوب شرق)، لهجةً وارتباطات والتزامات اجتماعية وثقافية. وقد خرجت هذه المدينة العديد من أعمدة الثقافة والرياضة خاصة في العراق.
وفي الفهم العراقي لدى ابناء المدن في الوسط والجنوب العراقي، هناك نعت "معيدي" لوصف تخلف الفرد الريفي. رغم أن المعيدي والمعدان كما هو شائع أيضا هم مربي الجاموس وباعة اللبن ومشتقاته الذين يعيشون في الهور (مستنقعات مائية واسعة يشتهر بها جنوب العراق) أو على ضفاف الأنهار قرب المدن.
مما لا شك فيه أن هناك العديد من العيوب والسلبيات في سلوك أبناء الريف وفي مظهرهم أحيانا، وهذا لا يعني نفي العديد من تلك الصفات عن ابناء المدن، ولكن هل ينبغي الإمعان في نعتهم بالتخلف والجهل والسذاجة والتندر عليهم؟؟ وهل ينبغي تكريس الصور السلبية التقليدية حولهم خاصة من خلال وسائل الاعلام وفي الاعمال الدرامية التي تمارس تأثيرا كبيرا على عقل وذاكرة المشاهد وبالتالي تساهم في سلوكه واحكامه وتوجهاته القيمية.؟؟
لماذا لا نكرس صورة الفلاح المنتج، والكريم والشهم الذي يؤثر غيره على نفسه. الوطني الذي يدافع عن وطنه، المخلص لأرضه، المتعاون مع أبناء محيطه الاجتماعي، مثلما ننتقد التعصب القبلي لديه واضطهاد المرأة والسلوك الجاف في بعض الأحيان، والتصرفات التي نعتبرها "غير متحضرة"؟؟ فهذه الصفات والطباع هي نتاج بيئته الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية. فلو توفرت له سبل العيش والخدمات المتوفرة لدى المدينة، لكان سلوكه مشابها لأبنائها إلى حد كبير. أنظر كيف ذابت الحواجز بين الريف والمدينة في البلدان الصناعية. فهناك لا تكاد تميز بين ابن الريف ونظيره ابن المدينة. بل إن ابن الريف يعد محسودا لدى ابن المدينة، كونه يعيش في بحبوحة اقتصادية مؤكدة لما يمتلكه من استقرار اقتصادي واستقرار المسكن الذي يقع عادة في محيط عمله، بالإضافة إلى توفر كل الخدمات الموجودة في المدينة، من كهرباء وماء صالح للشرب وتليفون وخدمات انترنت وغيرها.
إننا نناشد هنا وسائل الإعلام عامة وتلك التي تنتج وتبث الأعمال الدرامية ذات التأثير الأقوى بينها أن تعدل من توجهاتها تلك، وأن تساهم في تنمية الريف والشخصية الريفية، من خلال طرح مشاكلهم والبحث عن حلول ومعالجات لها، بدلا من تكرار السخرية منهم. ففي تنمية الريف تنمية للبلد عامة، حيث أن رفع ثقافة ووعي الريفي سيعود مردوده على ابن المدينة الذي يأكل منتجاته الحيوانية والنباتية ومطلبه فيها أن تكون نظيفة وصحية على أقل تقدير. وفي استقرار ابن الريف في قريته أو أرضه الزراعية تخفيف من الأعباء على الخدمات التي تقدم له (ابن المدينة)، واستقرار لأمنه الغذائي وتوفير فرص عمل أكثر. وبالنتيجة هي تنمية للبلد عامة.

متخصص بعلم الاجتماع- لندن: hashimi98@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لازم إجراء دراسه
جنوبي -

الجنوب وماادراك مالجنوب، كلهم اصحاب مشاكل في كل البلدان ،جنوب العراق ، جنوب لبنان ، جنوب السودان ، جنوب الفلبين .. حتى في الولايات المتحده الولايات الجنوبيه ( جورجيا، الاباما، مسيسبي..) ، لازم إجراء دراسه على اهل الجنوب ومعرفة التأثير المغناطيسي للقطب ال(جنوبي) على أدمغتهم.

لازم إجراء دراسه
جنوبي -

الجنوب وماادراك مالجنوب، كلهم اصحاب مشاكل في كل البلدان ،جنوب العراق ، جنوب لبنان ، جنوب السودان ، جنوب الفلبين .. حتى في الولايات المتحده الولايات الجنوبيه ( جورجيا، الاباما، مسيسبي..) ، لازم إجراء دراسه على اهل الجنوب ومعرفة التأثير المغناطيسي للقطب ال(جنوبي) على أدمغتهم.

رد
bob الدوحة -

اعتقد انك طرحت مشكلة وطرحت حلها ايضا فاءن توفرة العوامل ا لمتوفرة لابن المدينة لابن القريةاو الفلاح اوغيره لن تكون هناك فوارق كما ذكرت وانت تعيش فى الغرب وتعرف ذلك ونعود ايضا الى مشكلةعدم وجود العدالة فى حكوماتنا وحتى في مثقفيناوكتابنا فالظلم نمارسه بالسليقة وشكرا

الى معلق -1
تعليق التعليق -

ادمغة الجنوب في العراق ولبنان والمسيسيبي انتجت اعظم الشعراء والفنانين والكتاب والسياسيين، الخلل في عقلية المعلق رقم -1 وهم ليسوا اصحاب مشاكل بل مهمشون وفقراء ومعدمون.

اين المعلقون ياهاشمي
المهندس كاظم الرحمة -

اغفل السيدالهاشمي القارئ العربي الذي ربما كان اهتماماته تتعلق بجانب واحد كان يكون علمي او رياضي او اقتصادي وليس ضليعا بعلم الاجتماع..واحب ان اؤكد للكاتب اني من مدينة الثورة واصلا من العمارةواتحدث لالالمانية والانكليزية وايظا لي نشاطات شعرية وديوان((غفوة ابليس))وجاجستيرهندسةولي قراءات لل د:علي الوردي واهتمام بعلم الاجتماع الذي يلامس حياتنا بشكل او باخر...اولا وللامانة الادبية وللقارئ اود توضيح لغم الكاتب..علم السوسيولوجي هو علم البيولوجيا الاجتماعية..ظهر سبعينيات القرن الماضي..يقضي بظهور عدد من المؤسسات الاجتماعية انطلاقا من النظرية الحديثة للتطور..نطاق العلم دراسةحول علم الحيوان لمعرفة بعض ظواهر المجتمع الانساني وهذا ماحول العلم الى النقاش الايدلوجي وهذا مازج الكاتب به نفسه..اشهر العلماء الفرنسي بيار بورديه..وله في ((العنف الرمزي))يشبهه بعنصرية ضد اللوطيين من المجتمع..وتشابه العنصريةالتي يعاني منها ذوي البشرة السوداء في المجتمع الابيض..عموما هذا للاخوة قراء ايلاف..واما اطروحة الكاتب فهي عاجزة وليست عرجاء بل كسيحة لانه عند استعراضه المجمع العراقي اغفل متعمدا الاسباب وان المسالة سياسية بحته ضد مجتمع الجنوب تدار باله رهيبة هدفها التغييب القسري من الاقطاع الملكي الى البعث الدموي كان منذذلك الزمن يزرع النجاح ابناء الجنوب ويحصده وبقوة السلاح وبالتعاون اللاشريف مع قوى عالميةوبسياسة الدم ابناء عشائر كانت متمرسةاتذكر طلاب الجامعة التكنولوجيه يعدمون لاتفه الاسباب لانهم من الجنوب وكلية الطب سيق الطلاب الى الخطوط الامامية بعد تهديدهم بعوائلهم والوحيد الشريف هو الذي وقف ضد الانكليز في ثورة العشرين هو اهل الجنوب والوحيد الذي ناضل ضد صدام من اجل العراقهم اهل الجنوب والمنطقة الوحيدة التي اعدم منها صدام بغزارة هي مدينة الثورةواكا البقية اصطفو مع الانكليز واصبحو ساسة المندوب السامي واصبحو رجال ونساء صدام بل هم اكثر منه صدامية...الكاتب يناشد التلفزيون وهو حلقة واحدة في فلك السياسة..والامر برمته سياسي بحت منذ امد بعيد والتنظير من خلال البعد الاجتماعي عاجز بل كسيح..انها فوبيا الكتابة ياسيدي الكاتب فحكمة الشمس لاتحجب بغربال انت من تصدق وتامن بها لانك تتسم الجزئية دائما ولكن لنا حكمتنا وهي((الحقيقة لاتعرف المغيب))وشتان مابين الحقيقة التي اغفلتها في تقريرك وسوسيولوجيتك ..انها فوبيا الكلمات

الى معلق -1
تعليق التعليق -

ادمغة الجنوب في العراق ولبنان والمسيسيبي انتجت اعظم الشعراء والفنانين والكتاب والسياسيين، الخلل في عقلية المعلق رقم -1 وهم ليسوا اصحاب مشاكل بل مهمشون وفقراء ومعدمون.

اين المعلقون ياهاشمي
المهندس كاظم الرحمة -

repeated comment

اين المعلقون ياهاشمي
المهندس كاظم الرحمة -

repeated comment