كتَّاب إيلاف

تركيا وإسرائيل.. ما مدى التغيُّر؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الهبوط في مستوى العلاقة بين تركيا وإسرائيل واضح للعيان، ولكن السؤال عن عمقه؛ هل هو تغير استراتيجي، أم هو ناتج عن المواقف التي تتخذها حكومة اليمين بقيادة نتنياهو وليبرمان؟ وثمة سؤال عن علاقة هذا التغير بالحزب الذي يحكم تركيا؛ فهل لتوجه حزب العدالة والتنمية الإسلامي دور في هذا الفتور؟ وما الموقف الأمريكي من المواقف التركية الأخيرة حيال إسرائيل؟

مؤشرات التغير:
لعل غضبة أردوغان بمؤتمر دافوس في وجه بيرس،عقب الحرب على غزة، أن تكون اللفتةَ الأوضح على بداية تحول في المواقف التركية عن إسرائيل؛ لصالح التقارب مع الشارع التركي، والشعوب العربية؛ إذ غلبت عليه الصفة العاطفية الانفعالية، لكن المؤشر الأخطر كان في إلغاء مشاركة إسرائيل في مناورات "نسر الأناضول" وللتوقيت والأحداث المهمة التي واكبته دلالة؛ إذ لم يكد ينقضي أسبوع من استبعاد إسرائيل من تلك المناورات حتى أعلنت أنقرة عن مناورات سورية تركية مشتركة؛ فكانت رسالة إلى المسؤولين الإسرائيليين،و الصحافة الإسرائيلية التي لم تتأخر في الفهم والتفاعل...
هل هو تغير استراتيجي؟

المعروف عن العلاقات التركية الإسرائيلية الثبات والعمق؛ فقد كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في آذار عام 1949، ووصلت العلاقات بين البلدين إلى مستوى التحالف العسكري في عام 1996،عندما وقع الجانبان على اتفاقية عسكرية للتعاون الاستراتيجي.
ثم لعبت تركيا دور الوسيط في المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، وهي ما زالت مستعدة للعب هذا الدور؛ إذ قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو: "إن إسرائيل تعرف قبل سوريا حياديتها في عملية السلام التي كانت تقودها بين البلدين الخصمين العام الماضي، وإن بلاده مستعدة في أي وقت للاستمرار في الوساطة في حال رغبة أطراف القضية."
وأما عن علاقة هذا التغير بالحزب الحاكم في تركيا وتوجهاته الإسلامية؛ فلا دلائل واضحةً على وجود رابط بينهما؛ إذ لم يتعمق التغير إلى مستويات عميقة في العلاقة، فلم تخفض تركيا، أو إسرائيل مستوى التمثيل الديبلوماسي، مثلا. كما لم نسمع من القوى العلمانية في تركيا، أو العسكر مواقف مضادة للموقف الذي تتخذه الحكومة؛ فهل سكوتهم دلالة هيمنة مطلقة بات حزب العدالة يفرضها على الشعب ومؤسساته؟ قد تحظى توجهات الحكومة "الصارمة" من إسرائيل بشعبية ملحوظة؛ جعلت أردوغان يعزو مواقفه الأخيرة إليها،ولكن ماذا عن الجيش؟ ومؤسسات الدولة التي ما زالت تحرس العلمانية،ولا تسمح بتوسيع الهامش للحكومة ذات التوجه الإسلامي؟
الأرجح أن الغالبية تتفهم طبيعة الموقف الحالي وأسبابه العارضة،وحتى في إسرائيل؛ فقد قالت صحيفة هآرتس، إن ثمة توجهين متناقضين في دائرة صنع القرار الإسرائيلية حيال العلاقات مع تركيا، الأول يرى أن تركيا لم تعد معنية بالعلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل، وأنه ينبغي إعادة النظر في تلك العلاقات، في حين يرى أصحاب الرأي الآخر أنه يمكن إصلاح العلاقات وإعادتها إلى مسارها.

فما دوافع التغير؟
أما طبيعة هذا التحول؛ فما زال البتُّ فيه يحتاج إلى متابعة تطوراته،ولكن المتوفر حتى الآن لا يشير إلى تغير استراتيجي في نظرة تركيا إلى إسرائيل؛ وأما الموقف السياسي الذي تعلنه تركيا على لسان رئيس وزرائها أردوغان عن حصار غزة، فلا يخرج عن السياق العربي الرسمي الذي يشترط تغيرا إيجابيا نحو السلام لأي تحسن في العلاقات الطبيعية،أو التطبيعية مع إسرائيل.
ولا يخلو استبعاد إسرائيل وتقريب سوريا من دلالات تتصل بالتوجه التركي نحو العالم العربي، وعزمها القيام بدور أكثر نشاطا وفاعلية في المنطقة، فالتقارب مع سوريا بالتوازي مع "الانتصار" للقضية الفلسطينية وللمضطهدين في غزة يمهد لأنقرة طريقا واسعا من البوابة السورية والقضية الفلسطينية.

فماذا عن الموقف الإسرائيلي؟
بالرغم من محاولات أوساط إسرائيلية شن حملة على تركيا، واتهامها بمعاداة السامية،والتطرف في ذلك إلى حد الدعوة إلى مقاطعة منتجات تركية، ودعوة الحكومة الإسرائيلية إلى خوض حملة لإقناع دول أوروبا بعدم السماح بضم تركيا لدول الاتحاد الأوروبي، فإن ثمة أصواتا ما زالت تميل إلى التروِّي والتهدئة، ومنها موقف وزير الدفاع "إيهود باراك" الذي لم يعط للقرار التركي بتأجيل المناورات أهمية كبرى؛ إذ قال: "برغم الارتفاع والهبوط، ما تزال تركيا عاملاً رئيساً في منطقتنا، ولا مكان للانجرار إلى حماسة في التصريحات الموجهة إليها. وأما رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" فقد طالب وزراءه بعدم الحديث إطلاقاً لوسائل الإعلام عن أزمة العلاقات الإسرائيلية - التركية.
ولم يكن الوزير "بنيامين بن أليعازر" بعيدا عن موقف باراك؛ عندما قال: "من السابق لأوانه الحديث عن أننا خسرنا العلاقة مع تركيا، فهي ما زالت جارة مهمة لإسرائيل، وعلاقاتنا بها تتميز بمصالح استراتيجية كبرى وعليا؛ ما يحتم العمل على تفادي حصول أي أزمة معها."
وبالطبع، لا تستطيع إسرائيل أن تتعامل مع تركيا كما تفعل مع إيران، أو حتى مع سوريا،وهي الدولة المتمتعة بعلاقات دولية دافئة، ونشاط إقليمي متصاعد بآفاق مفتوحة على غير صعيد،كما ليس من السهل على إسرائيل ممارسة ضغوط اقتصادية على تركيا، واقتصادُها في تنام، يزداد بالانفتاح العربي والإسلامي اطمئنانا، وبعلاقاتها المتميزة مع دول القوقاز قوةً؛ حتى غدا قليل التأثُّر بالأزمة العالمية.
كما أن فرصة إسرائيل للتحريض الدولي على تركيا محدودة؛ لأنها لا تغادر مواقفها "المتوازنة" ودورها التصالحي، وهي تتوسع، وتقترب من الاتحاد الأوروبي برعاية أمريكية مباشرة؛ إذ لم يكن الاتفاق التاريخي بينها وبين أرمينيا بعيدا عن واشنطن التي ألقت بثقلها الديبلوماسي الكبير ممثلا بوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.
ومع ذلك لا يليق بالإدارة الأمريكية إلا اتخاذ المواقف الداعية إلى التهدئة، مع إبداء القلق من التصرفات التركية تُجاه إسرائيل، ولعلها تحاول كبح جماح هذا التغير، أو ضمان ضبطه.

o_shaawar@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تركيازالرؤيةالناقصة
المهندس كاظم الرحمة -

العديد من متتبعي وباحثي الصراعات الاقليميةعلى صعيد الشرق الاوسط وليس فقط الصراع العربي الاسرائيلي اهملوا الدور الاقليمي لتركياوالوحيد الذي تعامل معها باحترافيةسياسية هي امريكا...تركيادولة كبيرة لها تاثيركبيروكانت قبل ذلك امبراطورية امتدت على خارطة العالم بشرقها وغربهاوحكم الامبراطورية العثمانية تجاوز عمر امريكا لوقتنا هذا..وبعد الحرب االعالمية الاولى وخسارة تلك الحرب قامت تركيا بالهدؤ المكلق واعادة الحسابات خصوصا مع الجانب العربي الذي لايلزم تركيا بشئ بل ان الاجندة العربية مثقلة بالخيانات للامبراطورية العثمانية هذا مادرسه العلمانيون واتاتورك واوغلوافي تاريخ تركيا...ودرسوا ايظا كيف قدم العرب امبراطوريتهم على طبق من ذهب الذبيحة التركيةالى الغرب وبريطانيا بالذت وعلى جثث الاتراك قامت مماليك وامارات وجمهوريات العرب ليس بالتحرير كما اوهمونا كتاب تاريخناالعربي بل بالخيانة..من ينكر هذا..ولذا ووفق هذه الاجندة التي تقول العرب اكبر من لآذى الامبراطورية العثمانيةالمسلمةقامت العلمانية ترسم خطوط السياسة الجديدةلذا ومن باب الشكر والتقدير والامتنان لتركيا بعدم المعاملة بالمثل ابتعدت تركيا عن الايغال مع الاخرين بدم العرب الابرياءوتركت الامر لهم يختاروا مايشاؤون..وكانت الحرب الباردة مفصل للانتقال الى العالمية وايظا لم تكن تركيا موتورة بل تعاملت مع الامر بذكاء واعطت االتحالف التركي -الامريكي بعدا معقولا بعيدا عن التطرف الاوربي او العربي في تبني امريكا وماعراب البيت الابيض الا عراب يصول ويجول عربيا واوربيا الا تركيا((واقصد الاجندة الامريكية وكيسنجر))...ومع اسرائيل كانت ولازالت العلاقات على مستوى واحدولها ترددات اهتزازية غير محسوسة على مقياس ريختر السياسي..وكذلك الامر مع العرب..وفي الحرب العراقية الايرانية لم تكن الا تركيا هي الدولة الوحيدة التي لم تتوغل في مستنقع الدم وكانت على مسافة واحدة من الجميع في حين العرب ذهبو الى اطراف البوصلة وكانو على طرفي نقيض ومن مثلنا بالتناقض..وفي الازمةالعراقية التركيةوحرب الابادة2003في تخريب العراق بايدي عراقية عربية ايرانية غربية كانت ولازالت تركيا بعيدة عن ماسي المنطقة وتركت الجميع يذبح نفسه بنفسه وفي ازمة غزة الاخيرة يشهد لهاانها الوحيدة والوحيدة والوحيدة الاشرف حتى من العرب العرب العرب اصحاب القضيةايديها انظف ايادي في ماسينا..ان من يريد ان يفهم الح

تركيا العراقة
omar -

شكراللكاتب اسامة عثمان على هذه المقالة الرصينة. مقالاتك دائما واحة ثقافية بتحليلاتها الهادئة وصدقها. شكرا ايلاف

وهل تصدق تركيا؟
جياي -

أن تخرصات أنقرة عن حقوق الانسان وذرفها لدموع التماسيح عن ضحايا فلسطيني غزة خدعة أنطلت على العرب بسهولة, ويتناسى العالم وخاصة العرب تغاضي توركيا عن حقوق أكثر من عشرين مليون مسلم كوردي وهم محرومون من مجرد التحدث والتعلم بلغتهم الأم في القرن الواحد والعشرون؟ فعلى أوردوغان وحزبه أن يبدأوا في حل مشاكلهم وأزمات بلادهم قبل أن تصبح تركيا وسيطا مقبولا لأزمات عالمية.فالتصالح مع أكثر من ربع سكان بلاده وأعطاءهم حقوقهم الدنيا هي مايجب ان تكون ضمن أولى أولويات تركيا, ويقال في مناسبا ت كهذه من يكون بيته من زجاج لا يجدر به رمي بيوت الاخرين بالحجارة,فسجل حقوق الأنسان في تركيا لا تشرف تركيا لكي تؤشر لخروقات هذه الحقوق من قبل الاخرين, بل هي وبوضعها الحالي تكون اخر من له الحق بالتحدث عن حقوق الانسان, لأن الانسان لا يزال يعني به في تركيا الاتراك دون غيرهم؟ورغم ممارسات أسرائيل التعسفية ضد الاخوان الفلسطينيين ولكنها لا تقارن مع ماتفعله وما فعلته تركيا ضد الاكراد .

تحتاج مراجعه
عثمان الحلو -

على الكاتب ان يراجع ما كتب قبل النشرفالمقاله ليس فيها مقدمه او طرح للفكره وليس فيها خاتمه