أزمة الجامعات العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تأليف د. يوسف سيد محمود.
الناشر: الدار المصرية اللبنانية القاهرة، طبعة أولى، 2008م.
عدد الصفحات: 236 صفحة.
لئن كان التخلف الحضاري الذي تمر به أي أمة أو حضارة خلال فترة زمنية معينة يفترض أن يكون شاملاً لمختلف جوانب الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، فإن التخلف الحضاري إذ يشمل المجال العلمي يخلق، إن جاز لنا التعبير، أزمة مضاعفة تضرب أسس النهوض المحتملة ومستقبل الأجيال ومستواها التعليمي ونتاجها العلمي وصولاً إلى إجهاض أي جهد يهدف إلى استئناف العجلة الحضارية ومنجزاتها. وعلى الرغم من عدم خلوّ أي دولة عربية من جامعة أو جامعتين على الأقل، وانتشار التعليم الجامعي الحكومي والخاص في العالم العربي، فضلاً عن فروع الجامعات الأجنبية، إلا أن الانتشار الكمي للتحصيل الجامعي لم يمنع وجود تخلف على مستوى النوعية والإنتاجية لما تخرجه تلك الجامعات إلى سوق العمل سنوياً.
يرصد الكتاب سعي الدول الوطنية بعد مرحلة الاستقلال إلى توسيع القاعدة الكمية للجامعات في الدول العربية، بوصفه مطلباً وطنياً ملحاً من متطلبات التنمية. فشرعت العديد من الدول في إنشاء الجامعات المختلفة، مستعينة في الغالب بكوادر عربية لدول أسبق منها تاريخياً في التعليم الجامعي مثل مصر وسوريا والعراق. إلا أنه وعلى الرغم من مرور عقود طويلة على إنشاء تلك الجامعات، فإنها لم تنجح في إثبات وجودها بشكل فعال في المجتمعات العربية، بل تراجعت أهميتها وتدهور مستواها، وهو الأمر الذي دللت عليه عدة أمور، كخلو القوائم العالمية لأفضل الجامعات من أسماء الجامعات العربية، وضعف مستوى الخريجين وعدم ملاءمتهم لمتطلبات سوق العمل، وعدم قيام الجامعات بدور تنويري وتنموي فاعل.
يحاول المؤلف على الوقوف على أهم أسباب تراجع الجامعات العربية، وضعف قدراتها، ويرتكز على تصور نظري يضع العملية التربوية والتعليمية في القلب من التطور المجتمعي. ورغم أن الكتاب يركز بدرجة كبيرة على حال الجامعات المصرية الحالية، إلا أن من الممكن سحب مقولاته وأفكاره على حال الجامعات العربية الأخرى، فعلى الرغم من وجود تفاوت بين الجامعات العربية، سواء في النشأة أو المستوى التعليمي، لكنه تفاوت نسبي لا يخفي خطورتها وأهمية تحديث الجامعات بشكل كبير، وإدماجها ضمن التحولات التعليمية والتربوية.
وتبدو بوادر ضعف مكانة الجامعة في المجتمع، حسب المؤلف، من خلال ميل الجامعة إلى الجانب المحافظ والتقليدي، وضعف الحريات التعليمية، واتساع الهوة بين الجامعة والتطور الاجتماعي والفكر السياسي، كما هبطت وظيفة الجامعة من التفكير والتنظيم للمجتمع إلى إمداد الصفوة الحاكمة بالموظفين من الأساتذة، وانخفاض مستوى العملية التعليمية في جامعاتنا، وضعف ملكات الخلق والإبداع، وفقدان المؤهل الجامعي لبريقه. مما أدى إلى إضعاف مسيرة الجامعات العربية وابتعادها عن غايتها المجتمعية.
يؤكد الكتاب على مسؤولية النشأة التاريخية للجامعات العربية في واقعها، وبشكل خاص الجامعة المصرية. إذ لم تبذل جهود كافية في مصر من أجل التهيئة لفكرة إنشاء الجامعات أو تكييفها وفقاً لمتطلبات المجتمع من خلال عدم ربط الجامعة المصرية حينها بما كان موجوداً من مدارس عليا أسسها (محمد علي)، أو مع مؤسسة الأزهر بوصفه مؤسسة تعليمية تراثية. وهو الأمر الذي جعل الجامعة تبدو في ذلك الوقت مؤسسة نخبوية منبتة عن مجتمعها. ورغم البدايات النخبوية للجامعة المصرية، فإنها تحولت فيما بعد في إطار الدولة الوطنية إلى ساحة لاستقبال الطلاب من جميع الشرائح الاجتماعية؛ دعماً لأيديولوجية الدولة وتوسيعاً لقاعدتها الشعبية، وهو ما أفقد الجامعة أهميتها من ناحية ضعف الإمكانيات المتاحة لها، وانعكس على ضعف المنتج العلمي، سواء على مستوى الكم أو الكيف، مقارنة بغيرها.
ثم دبّ الضعف إلى الجامعة وانتفت أهميتها المجتمعية في ضوء ما تقدمه للمجتمع وإسهاماتها في خطط التنمية المختلفة، بحيث اقتصر دورها فقط على النواحي التعليمية ومنح الشهادات الجامعية لآلاف الخريجين سنوياً. ثم انعكست ظروف النشأة وما تلاها من سيطرة الدولة القومية على طبيعة الصراع بين التيارات الفكرية المهيمنة على الساحة التعليمية الراهنة، والتي اشتملت على التوجه الحداثي الذي يدعو إلى الاقتداء بالنماذج الغربية، ونقل آخر المستجدات العلمية والفكرية المختلفة، وهو اتجاه لم يحقق قدراً كبيراً من النجاح في دعوته، بسبب صدامه مع الأفكار السائدة، وعدم تهيئته السياق لطرح أطره وأفكاره الجديدة. فيما لم ينجح الاتجاه الأصولي أيضاً في تحقيق أهدافه، حسب الكتاب، بسبب أطره المفارقة للواقع المعيش، وعدم قدرته على تحديث الواقع. أما الاتجاه التوفيقي، فقد حاول الجمع بين الاتجاهين السابقين، ولم ينجح هو الآخر في إنجاز شيء مهم، مما انعكس على غياب فلسفة محددة موجهة للتعليم في جامعاتنا العربية، وعلى طبيعة شخصية الفرد كما يتم تنشئتها في الجامعة، حيث نجدها شخصية وسطية دوماً.
ويطالب المؤلف أن تتبنى الجامعات العربية فلسفة محددة بحيث تصبح مؤسسة قادرة على قيادة المجتمع في عصر العولمة. وتبني فلسفة محددة تساعد على تحديد طبيعة وظائفها التعليمية والمجتمعية المختلفة. فتحديد طبيعة الاشتباك بين الجامعة والمجتمع مسألة هامة في ظل حالة التخلف التنموي العربي. ويؤكد على ضرورة أن تضطلع الجامعة بالدورين التعليمي والمجتمعي، وإلا فإن مستقبل الجامعات العربية سوف يقتصر على تخريج دفعات جديدة إلى سوق العمل ورفع نسبة البطالة التي عجزت الدولة الوطنية في العالم العربي عن اجتراح حلول ناجعة لها.
كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com
التعليقات
جامعاتنا
المويشير -كنت أتمنى أن أقرأمقالا أو كتاباعن دور الجامعات في بلاد العرب. الحمدلله فقد قام الدكتور الفاضل يوسف بالكتابة عن هذا الموضوع ونتمنى أن نجد الكتاب قريبا ونقرأه لأهمية الموضوع. ان المتابع لشأن الجامعات في البلاد العربية يلاحظ ألانتشار الواسع للجامعات بشكل يماثل انتشار الاسواق المركزية. غغي حين أن الاسواق المركزية عندما تفتح أبوابهانجدها قد أعدت العدة من تجهيزات وكادر متخصص ؛ ولكن جامعاتنا تفتح أبوابها وتستقبل الطلبة بدون اعداد او تجهيز كافي: فالمدرسين غير موجودين بأعداد كافية والمقاعد لا تكفي للطلبة والمكتبات والبحوث حدث ولا حرج. والاغرب من ذلك اسلوب الادارة في الجامعات: فنسمع مثلا عن مركزية في الادارة وكأن الجامعة وحدة عسكرية أو أمنية وليست جامعة تتفاعل مع بيئتها (المجتمع). كما نسمع أحيانا عن موظف واحد يتولى الكتير من المناصب في الجامعة (وكأنه سوبرمان) كأن يقوم بعمل جميع وكلاء الجامعة وعمل أريع أو خمس عمداء لكليات وفي تخصصات يجهلها. ........لقد فعل الكتور يوسف خيرا في الكتابة عن هذا الموضوع الهام لنا جميعا.
جامعات ازالة الأمية
د. ابوعلي عـلاّري -كل ألأحترام للدكتور يويف السيد الذي تطرق الى هذا الموضوع الهام . الا أنني أعترض على الفقرة الواردة في المقال أو الكتاب / استيعاب الطلاب من جميع الشرائح ألأجتماعية دعما لأيدولوجية الدولة وتوسيعا لقاعدتها الشعبية /. نعم الدولة تتحمل كامل المسؤولية عن ترديالمستويات التعليمية في كل المراحل ، سواء الأبتدائية او ألأعدادية او الثانوية أو الجامعية أو العليا منها .أما كل الشرائح ألأجتماعية فليس ذنبها لأن الكثيرين من أبناء الفقراء على سبيل المثال لا الحصر هم من أصحاب المعدلات العالية في التحصيل المدرسي ( شهادة الدراسة الثانوية العامة ) أي المترك او التوجيهي ان لم يكونوا من العشرةالأوائل . أن الخطأ الفاضح يكمن في المناهج التعليمية وفي البرمجة لها بالأضافة الى قدرة طاقم التدريس او الأساتذة فهم أيضا تقع عليهم جزءا من المسؤولية . وهنالك فوضى عارمة في الكثير من الجامعات الخصوصية التي لا يهم صاحبها الا القسط الفصلي او السنوي . اي أنها أصبحت مؤسسات تجارية أكثر مما هي تعليمية . وللأسف هذا متوفر في كل البلدان العربية . وما دمنا نقول أن العلم بحر أجد أن الجهل في بلادنا محيطات !
اتاسف
اولاد سيدي زيان -الرد خالف شروط النشر