كتَّاب إيلاف

صورة الآخر في الدراما العربية: نقد اجتماعي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

اعتدنا على نقد الإعمال الدرامية الأجنبية، خاصة الغربية منها وبصورة أدق بعض ما ينتج في هوليوود والذي غالبا ما يعرض العربي وفق صور نمطية وقوالب وأحكام جاهزة. فهو إما بدوي راع للإبل، أو زير نساء شبق، ومبذر للمال، ولا حقا إرهابي خطير يهدد حياة الأبرياء.
لعل هذه الصور مؤلمة جدا لخواطرنا وجارحة لمشاعرنا، فلا ينبغي أن نوصََم بحياة البداوة التي فارقناها منذ عقود ولو كأنماط معيشية، مع أنها قيميا لازالت مترسخة لدى أغلبنا. ولا ينبغي أن تعمم علينا صفة الشبق والهوس الجنسي الذي أفقدنا اتزاننا ومالنا في الغرب طالما انه يصدر من أشخاص معدودين لا يمثلون أغلبية رجالنا الذين يحافظون على قيمهم الأخلاقية، ويعملون وفق مبدأ "ياغريب كن أديب" في محطات سفرهم.
وعليه فطالما أن هذه الصور وتلك التعميمات على هويتنا تؤلمنا وتجرح مشاعرنا، ألا ينبغي أن نعامل الآخر بمثلما نحب أن يعاملنا؟ ألا ينبغي أن نكون دقيقين ومنصفين في تقييمنا للآخر، وان لا نكوّن صورا نمطية له ترسََخ في أذهان أبنائنا ونشئنا الجديد فنضللهم ونزيد من جهلهم جهلا؟
وتلك لعمري مسؤولية وسائل الإعلام وصانعي الدراما خاصة، لأنها باتت الأكثر تأثيرا في حياتنا اليومية.

ولكن من هو الآخر؟؟؟
الآخر هو المختلف عنا، الذي لا نضمه معنا حينما نصنف أنفسنا، أو خارج دائرة الـ(نحن). وليس بالضرورة أن يكون عدوا لنا. فقد يكون صديقا أو جارا أو حتى أخا شقيقا لنا.
انظر كيف تقدم الدراما العربية الآخر الهندي، والبنغالي، والسريلانكي والاندونيسي وغيرهم من الجنسين ممن يعيشون في محيطنا باعتبارهم خدما أو عمالا. ولو عملنا إحصائية لصورة هؤلاء، لخرجنا بالتالي على الأرجح:
أشخاص جاهلين، سراق، مجرمين في بعض الأحيان، قذرين، غير مرتبين، يتحدثون لغة عربية مكسرة، غير متأنقين، ملابسهم رثة، يعيشون في قبوات ملحقة في منازلنا الفخمة، يسيئون معاملة أبنائنا...الخ
هذه هي صورتهم. فأين إنسانيتهم؟ أمانتهم؟ حقوقهم؟ ما الايجابي الذي يقدموه لنا؟ وإذا كانوا سلبيين إلى هذه الدرجة، فما الذي يجعلنا نتمسك بهم ولا نكاد نستغني عنهم؟؟
ألا ننظر إلى بلدانهم وما قدمت؟ ألا ننظر إلى تجارب بلدانهم في حكم نفسها وتعايشها السلمي وانجازاتها العلمية؟
وحتى لا نعمم في طرحنا ونظلم، فالحق يقال أن بعض الأعمال القليلة جدا حاولت الدفع بالمعاملة الإنسانية لهؤلاء. لعل أقربها لنا مسلسل "طاش ما طاش" الذي حاول إنصافهم رغم السخرية المفرطة التي يطرح بها أعماله.

الآخر العربي:
أما الآخر العربي، فإن طرحه عبر الدراما العربية مشكل أكبر، لأنه الأقرب بكل أنواع الصلات ومع ذلك نظلمه. خذ مثلا أن صورة المصري في الدراما الخليجية، على الأعم الأغلب تكون إما بوابا لعمارة أو خادما في البيت أو موظفا محتالا أو مرتشيا، وهكذا من الصور السلبية. وصورة المرأة المصرية شغالة أو باحثة عن زوج خليجي. اللهم بعض الاستثناءات أيضا التي ظهرت شخصيات مصرية بصفة أطباء أو مدرسين أو مربيات في بعض المسلسلات الخليجية.
وصورة السوري والفلسطيني في الخليج هي إما حرفيا يعمل بمهنة بسيطة ويتعرض للإهانة في مواقف كثيرة والتندر على لهجته. أو معلما أو موظفا في قطاع السياحة في أحسن الأحوال. وصورة السوداني بواب يثير الضحك على لهجته "غير الفصيحة". وصورة اللبناني رجل "مائع" والمرأة "انثى جميلة مغرية غير محافظة".
وبالمقابل فإن صورة الخليجي في الدراما المصرية والسورية، رجل بملابسه التقليدية لا يتقن فن التعامل العصري، باحث عن المتعة الجنسية وعرضة للنصب والاحتيال. والمرأة الخليجية غارقة بملابسها التقليدية الفضفاضة وتابعة لزوجها ومبذرة لأموالها في شراء الحلي والزينة أو تركض خلف زوجها متقصية آثار مغامراته النسوية.
أما صورة العراقي ففي الغالب سائقا أو عاملا. رغم أن الأعمال الخليجية (الكويتية خاصة) كانت تظهره فاعلا ومؤثرا أكثر في الحياة كطبيب ومدرس، ومنها على سبيل المثال المسلسل الشهير "درب الزلق" الذي أعطى دور طبيب عراقي، وأبرز الوجه الجميل للبصرة كمركز تسوق قريب للكويت وأبي الخصيب القضاء التابع لها كمركز اصطياف لما يتمتع به من خضرة وجمال طبيعة جراء وجود نهر شط العرب وبساتينه. لكن الصورة قد تغيرت بعد غزو الكويت، ولا نريد التطرق إلى بعض المسرحيات الشاذة التي أساءت للمسرح الكويتي قبل إساءتها للمواطن العراقي، وكانت تعبر عن فترة انتقام رمزي وكبت عقب الاحتلال.
وصورة العراقي الآن في الدراما السورية أنه "عالة" على البلد ومزاحما لهم في السكن والمعيشة أو "مناضلا" مشردا عن بلده. كذلك نستثني هنا بعض الأعمال، ومنها المسلسل الذي قام ببطولته الفنان أيمن رضا وأدى فيه دور شاب سوري ينتحل صفة عراقي يقيم في سوريا، يُوقع فتاة سورية بحبه، ويقوم بعملية نصب باسمها تتمثل بتهريب سيارة مؤجرة باسمها...الخ
ورغم أن المسلسل يبقى طيلة مدة عرضه تقريبا يظهر صورة سلبية للعراقي المقيم في سوريا، إلا أن تداركه في الأخير كان جميلا، بعد أن يكشف بطله "أيمن رضا" عن هويته فيقول ما مضمونه "بأنه سوري انتحل صفة عراقي، لأن كل التهم تنسب إلى العراقي الآن، مثل غلاء الأسعار وضائقة السكن والمهن وغيرها، فلماذا لا تكتمل الصورة بهذه".
أما صورة أبناء المغرب العربي، فهي أنهم لا يحسنون التحدث بالعربية ولكنتهم مشوبة بالفرنسية دائما، وكأنهم غرباء عن المحيط العربي.
والخلاصة التي نريد أن نؤكد عليها دائما هي الدور الخطير للدراما على مجتمعاتنا من خلال التأثير الكبير الذي تحدثه، وذلك بحساب القدر الكبير من المتابعة في ظل كثرة عدد المحطات التلفزيونية ما يعني زيادة فرص عرض تلك الأعمال، وسهولة وصولها بحكم وجود البث الفضائي، وامتلاك أغلب البيوت لتلك الأجهزة. ومن هذا المنطلق فإن على المعنيين بصناعة الدراما العربية والمسؤولين عن المحطات التلفزيونية والمسارح أيضا أن يمارسوا رقابة ذاتية في إعادة رسم صورة الآخر وإنصافه مهما كان، بحيث يقدم خطين متوازيين لسلبياته وايجابياته. حتى لا ترسخ صورة أحادية متطرفة إزاءه.
- مختص بعلم الاجتماع- لندن: hashimi98@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الدراما الأفضل
بهاء -

طالما أنك أستاذ حميد تتكلم عن الدراما العربية، حبذا لو أفردت مقالا أو مقالات لمسلسل الحصرم الشامي لأنه بحق أفضل المسلسلات العربية منذ 20 سنة!! لأنه ببساطة لا ينافق مشاعر الناس (كأباضايات باب الحارة) أو (كمعلمي خان الخليلي)، لأنه لا يكذب، فلا يهاب أي تابو ديني أو جنسي أو سياسي. وبنفس الوقت يسلط الضوء على الفرصة الضائعة (سياسات محمد علي باشا وابنه ابراهيم بمصر وسوريا). على فكرة هذا مسلسل لن يجرؤ أي تلفزيون حكومي رسمي على بثه بمن فيهم التلفزيون السوري. لو كان التعليق مقالا لأفضت أكثر. وشكرا للكاتب ولإيلاف.

العقدة والحل
أبو فارس -

أعود مرة أخرى لأثني على جهد الكاتب ومتابعته البحث في قطاع من أهم قطاعات الإعلام وصناعة الرأي العام ، الدراما ، ويمكن لمثل هذا البحث ، بل ويجب أن يفتح باباً أوسع ، للبحث في قضاياأخرى مشابهة كالفن التشكيلي ، والشعر ، والرواية ،والأهم من ذلك كله ، النقد بما يشكلهمن عمود فقري لابد منه لصياغة رؤية جمالية راقية لدى جمهور كل هذه الفنون مجتمعة ، وهذه الرؤية الجمالية هى بمثابة البنية التحتية لتطوير تلك الألوان الفنية السالفة الذكر جميعها . إنها ضرورة الالتفات إلى الثقافة وأهميتها لإنتاج صورة عنا وعن الآخر المختلف ،أمام أنفسنا وأمام الآخر ، أكثر عمقاً وأكثر دقة ، وبالتالي أكثر إنسانية .واسمح لي أيها الكاتب الكريم في نهاية تعليقي البسيط ، أن أعبر عن قناعتي بأن صورتناالنمطية(وهي مبالغة بسلبيتها بلاشك ) التي تحدثتَ عنها في السينما الأمريكية ، إنما تقعمسؤوليتها علينا بدرجة كبيرة ، مثلاً حياة البداوة لم نفارقها كأنماط معيشية ولكن أغلبنا قد تحلل منها قيمياً ،فأنا أخالفك وجهة النظر هذه ، طبعاً والأدهى والأهم عدم قدرتنا على الحوار مع أنفسنا فما بالك بالقدرة على الحوار مع لآخر ؟؟إنها العقدة والحل ، كيف يمكن أن نرتقي إلى مستوى القبول بالحوار بعيداً عن الأفكار المتعصبة والمنغلقة ، وضرورة النظر بعين الواقعية لتراثنا وبُنانا المعرفية والثقافية .وللكلام بقية .

الدراما الأفضل
بهاء -

طالما أنك أستاذ حميد تتكلم عن الدراما العربية، حبذا لو أفردت مقالا أو مقالات لمسلسل الحصرم الشامي لأنه بحق أفضل المسلسلات العربية منذ 20 سنة!! لأنه ببساطة لا ينافق مشاعر الناس (كأباضايات باب الحارة) أو (كمعلمي خان الخليلي)، لأنه لا يكذب، فلا يهاب أي تابو ديني أو جنسي أو سياسي. وبنفس الوقت يسلط الضوء على الفرصة الضائعة (سياسات محمد علي باشا وابنه ابراهيم بمصر وسوريا). على فكرة هذا مسلسل لن يجرؤ أي تلفزيون حكومي رسمي على بثه بمن فيهم التلفزيون السوري. لو كان التعليق مقالا لأفضت أكثر. وشكرا للكاتب ولإيلاف.

تدخل خارج التخصص
مراقب ايلافي -

مع احترامي للكاتب ولاهمية ما يكتب الا اني ارى انه يكتب خارج تخصصه وعلى علم الاجتماع ان يبقى كتب في قضاياه مثل الجريمة والطلاق وغيرها.مثل هذه الامور تترك لاهل الدراما انفسهم.وشكرا لايلاف

i with you
hala -

جميل جدا انا نرى عيوبنا ونرى عيوب الدراما العربيه وكيف تنظر للاخر طوال السنوات الاخيره ونحن نتذمر من صورة العرب بالدراما الغربيه ولكن لا ننظر الى صورة العربي بالتلفزيون العربي مهزله وعنصريه وفوقيه وكل انواع اللاموضوعيه تجدها بصورة العربي بالتلفزيون العربي

تدخل خارج التخصص
مراقب ايلافي -

مع احترامي للكاتب ولاهمية ما يكتب الا اني ارى انه يكتب خارج تخصصه وعلى علم الاجتماع ان يبقى كتب في قضاياه مثل الجريمة والطلاق وغيرها.مثل هذه الامور تترك لاهل الدراما انفسهم.وشكرا لايلاف

تحليل جميل
محمد عامر -

أشكرك أستاذي في سردك لهذا المقالأعجبني فيك منطقيتك التي نفتقدها دائما عندما نتحدث عن الأخرللأسف نحن نعيش في مرحله فقدان هويه تجعلنا نتزمت في دائره ;الأنا; بشكل مؤسف. لكننا نعول عليكم يامثقفينا بأن تخرجونا من هذه الدهاليز المعتمه

تحليل جميل
محمد عامر -

أشكرك أستاذي في سردك لهذا المقالأعجبني فيك منطقيتك التي نفتقدها دائما عندما نتحدث عن الأخرللأسف نحن نعيش في مرحله فقدان هويه تجعلنا نتزمت في دائره ;الأنا; بشكل مؤسف. لكننا نعول عليكم يامثقفينا بأن تخرجونا من هذه الدهاليز المعتمه

ثناء وتشجيع
احسان الحسناوي -

اثني على السيد الدكتور الهاشمي على اختياره الدقيق لهذه الملاحظات بارك الله فيك ادعو لك بنجاح

الى تعليق رقم 3
اجتماعي عربي -

بل لا بد من تدخل علم الاجتماع وهذا ميدانه.اعلم ان علم الاجتماع باستطاعته التدخل في كل مجالات الحياة الانسانية خاصة ليحللها.وهل رأيت نقدا بهذا المستوى سوى علم الاجتماع، وما طرحه هنا في نقد الدراما؟؟؟شكرا للكاتب الذي فتح لنا آفاقا جديدة في نقد المجتمع.

الى تعليق رقم 3
اجتماعي عربي -

بل لا بد من تدخل علم الاجتماع وهذا ميدانه.اعلم ان علم الاجتماع باستطاعته التدخل في كل مجالات الحياة الانسانية خاصة ليحللها.وهل رأيت نقدا بهذا المستوى سوى علم الاجتماع، وما طرحه هنا في نقد الدراما؟؟؟شكرا للكاتب الذي فتح لنا آفاقا جديدة في نقد المجتمع.

انه نقد فعلا
ساهر الجوزة -

أعتقد ان ماطرحه الاخ الکاتب هو نقد موضوعي ينم عن خلفية ثقافية جيدة بخصوص الدراما واتمنى أن يتحفنا بالمزيد و ليت لو سلط الضوء على مهزلة باب الحارة!