كتَّاب إيلاف

عن التكيف الديكتاتوري مع الأحداث

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نتحدث كثيرا عن الديكتاتور والديكتاتورية، وعن التسلط، والامتداد الزمني في الحكم، عشقا للكرسي، وللبلاط المشمول بالبطانة، والمحاط بأصدقاء الخير، وأهل الثقة. لكننا ربما نغفل أمرا مهما في شخصية الديكتاتور نفسه، وهو قدرته العجيبة على التكيف مع الأحداث والوقائع، فهو في زمن حكمه الدهري المديد يمر بوقائع وتجارب متعددة، من تثبيت الحكم، والاهتمام بالقدرة الأمنية الفائقة، إلى الحروب، والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، والتحديات الدولية السياسية والاقتصادية والثقافية والتقنية وغيرها من الأحداث التي قد تتطلب نوعا من التغيير لا التكيف أو التسكين، لكن الديكتاتور لا يأبه لها، ولا ينجو منها بالاستقالة، أو ارتداء معطفه وإنزال الستار، بل يظل يكيف نفسه بين عقد وآخر، وبين لحظة زمنية وأخرى متعايشا مع الأحداث، فهو وقت الحرب الفارس المغوار، والقائد المحنك، صاحب الأسطورة العسكرية، وهو وقت السلم: باني الدولة الحديثة، والمفكر، وصانع الحضارة، وقرة عين الفقهاء والشعراء والكتاب والكتبة أيضا. هكذا يتكيف الديكتاتور مع زمنه، مهما جد من أحداث ومهما تغير من وقائع، ونظرة طائر على مختلف الديكتاتوريات في العالم تؤكد على ذلك.. فانتصار الديكتاتور في بقائه على سدة الحكم أطول مدة ممكنة، وليس مهما أن تتغير الأحداث، أو تتوجع الشعوب التي عليها أن تلوذ بالصبر، وأن تتأسى بقائدها العظيم.

الفرعنة أو صناعة الديكتاتور

هذا التكيف الديكتاتوري مع الأحداث قديم وأصيل في منطقتنا منذ آلاف السنين، نتبصره على سبيل المثال لدى فرعون موسى الذي خاطب شعبه:" ما علمت لكم من إله غيري" وتكيفه مع الحدث الأساسي الذي قدمه النبي موسى من خلال العصا وهو حدث " السحر" حيث ذكر فرعون للسحرة: أنا كبيركم الذي علمكم السحر، وتحول من " إله" يمارس ديكتاتوريته اللا متناهية إلى " ساحر" لكن قوم موسى خالفوه لأول مرة في حياتهم وسجدوا لله.
والمثال الآخر الأسبق في تكيف الديكتاتور نجده عند " النمرود" في زمن النبي إبراهيم - عليه السلام- حينما ذكر إبراهيم للنمرود أن الله يحيى ويميت، فأكد النمرود أيضا - تكيفا وتحولا مع الحدث- أنه يحيى ويميت أيضا، فأتى برجل وقتله، وأتى بآخر وعفا عنه. هذه هي النظرة الديكتاتورية للأشياء للحياة والموت، للأحداث.. تكيف معها وتغير للتدليل على أن الديكتاتور عليم بكل شيء، وخبير، وراء، وفقيه، وعالم ببواطن الأمور، وخير خلف لخير سلف، ومن هنا لا نستغرب كثيرا الأوصاف التي يطلقها الإعلام الرسمي على الديكتاتور فهو: الزعيم التاريخي، والفارس، والعالم، والمثقف، والرئيس الرياضي، والحاكم الحضاري، وصاحب العظمة، وهو الفخم، والجليل، والإنسان، والقائد، والملهم، وأمير المؤمنين، والسلطان، والمهيب الركن، والخليفة، ورب العائلة.
ولا تختلف النظرة للديكتاتور بعد الإسلام عنها قبل الإسلام، فقد لقب الحاكم المسلم أولا باللقب الشهير:"أمير المؤمنين" وعلى الرغم من وجاهة هذا اللقب، واتصاف بعض من لقبوا به بالعدل مثل عمر بن الخطاب إلا أنه لم يمنع الفتن والاغتيالات الدموية التي شهدها العالم الإسلامي منذ فتنة عثمان بن عفان حتى اليوم.
كما أن لقب: "الخليفة" وهو أعلى الألقاب ديكتاتورية لأن الخليفة استلهم مسماه من كونه: "ظل الله على الأرض" لم يمنح ظل الله على الأرض القدرة الكافية لمنع الفتن والحروب والقلاقل والمذابح الدموية طوال فترة الخلافة الإسلامية، ولم يستطع " ظل الله على الأرض" أن يوقف القوى الخارجية التي احتلت واستوطنت ديار الإسلام من الفرنجة، والصليبيين، والمغول، حتى وقوع أغلب بلدان العالم الإسلامي تحت نير الاستعمار البريطاني والفرنسي والإسباني والإيطالي، ثم الإسرائيلي والأمريكي.
ومع أن لقب:" الخليفة" كما جاء في القرآن الكريم هو لقب عام يشمل جميع بني البشر باعتبار أن الإنسان هو خليفة الله على الأرض:" إني جاعل في الأرض خليفة" فقد استحوذ عليه الديكتاتور، وسمى به نفسه، محتكرا الخلافة، والسلطة، والبلاط، والثروة، والتاريخ، وألسنة الشعراء.

الديكتاتورية الحالمة

الزمنان المحببان للديكتاتور هما: زمن الماضي، وزمن المستقبل، فهما يتيحان له فسحة لا نهائية من الوقت لمخاطبة شعبه بالأمجاد والتاريخ والحضارة التي شهدتها بلاده، وأن استعادة هذا الماضي التليد العريق ممكنة، وأن الاسلاف هم بناة الحضارة القديمة التي استلهم منها العالم حضارته، ومن هنا وجب الاقتداء بهم، والسير على منوالهم في البقاء في السلطة حتى آخر نفس، وفي الاستحواذ على كل شيء كي نعيد هذا المجد الذي لم يضع لأنه محفوظ في الماضي وفي المتحف.
فيما إن لحظة المستقبل تمنح الديكتاتور القدرة على ممارسة الحلم، سواء في المنام أم في اليقظة، فهو في منامه قد يرى سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سمان، وقد يرى السنبلات الخضر، وفي صحوه ويقظته قد يرى شجرا يمشي، أو أنه محاط بالملائكة في البيت الأبيض !! ومن هنا فإن حديث الديكتاتور لشعبه - من خلال الخطابات المتتالية- يمارس فيه الهروب الزمني دائما إما للوراء حيث الماضي التليد، أو للأمام حيث الأحلام والرؤى وتحقيق التنمية، والاستقرار، والنهضة، والتقدم. أما الحديث عن الواقع وعن لحظة الحاضر فهو الأمر الأكثر إزعاجا للديكتاتور لأنه يوقع به في دائرة المساءلة، وهذا أمر مرفوض تماما لدى الديكتاتور، لكن مع ذلك فإن ما يزعج الديكتاتور بالطبع ثلاثة أمور تتمثل في: الموت، والزمن، والمعرفة.

المفارقة الشعبية:

يصنف الديكتاتور شعبه، وهو قائدهم الملهم، إلى صنفين: الأول: الجماهير الوطنية السعيدة التي تسعد بمرآه، تهتف له، وتصفق، وتبايع، وترفع الرايات بيضا وحمرا وخضرا وسودا، والثاني: "القلة المنحرفة" التي همها إثارة القلاقل، والفتن، والبلبلة. هذه القلة هي القلة المنبوذة من عطايا الديكتاتور، وهي - حتى إن وصلت إلى الملايين- موسومة بكلمة: "قلة" وهي ليست قلة وطنية أو منتمية أو متوافقة مع رغبة الجماهير السعيدة، بل هي: "منحرفة" أي لا تسير وفق ما يسير عليه القطيع، أو وفق ما تمضي عليه القافلة.
هذه القلة مصابة بجرثومة "المعرفة" وهذا مكمن خطورتها بالنسبة للديكتاتور، ولذلك فهو يتجنبها، لأن المعرفة تفضي إلى التحليل والاستبطان والوصول إلى نتائج، وإلى قراءة المرحلة بمختلف مجالاتها، وقراءة الواقع والسلطة وتحولاتهما، وهذا هو السيف المسلط على رقبة الديكتاتور سيف المعرفة.
ولكسر هذا السيف أو تحويله إلى سيف خشبي دون كيشوتي، يلجأ الديكتاتور إلى معادلة: "العصا والجزرة" ويلجأ الفقهاء في بلاطه إلى نشر مفاهيم مثل:" الطاعة" و" الولاء" و" الانتماء" فطاعة الحاكم من طاعة الله، والولاء والانتماء للوطن مرهونان بالرضى بالحاكم، فهو "الكل في واحد" و" في كل خير".
هكذا يستمر هذا التصنيف الدائم للشعب من قبل الديكتاتور وبطانته، حيث يبقى في حال ثنائية بين أغلبية راضية مطيعة، وبين" قلة منحرفة"، بين جماهير تبايع - وقد تنتخب - بنسبة (99.99 %) - وقد خففت لاحقا النسبة إلى 90% فقط - وجماهير منبوذة مثيرة للفتن والقلاقل والبلبلة!!
بيد أن الشعوب يتأجج ذكاؤها في هذه المعارضة المبطنة للديكتاتور، فهي حين تصفق أو تهتف تفعل ذلك بشكل وقتي حتى تمر المناسبة، وهي تستخدم الأحاديث الهامسة أو المستترة لمواجهة طغيان الديكتاتور، ولكنها تستخدم أحد الفنون الفكاهية الساخرة التي تحمل قدرا كبيرا من إيصال الرسائل المشفرة أو الواضحة الجلية وهو فن: "النكتة" وهو الفن الأكثر انتشارا بين الجماهير بصنفيها.
عبر هذا الفن يلقي الشعب بكل شحناته الرمزية والدلالية وطاقاته الذهنية لا بحثا عن الابتسامة المفارقة فحسب في النكتة السياسية، بل لإظهار مهاراته القولية عبر هذا الفن الذي يعتمد على التضاد، والمقارنة بين الشخصيات، واللعب باللغة والكلمات، وتصغير الكبير والعكس عبر خيال التصغير أو التكبير، وتحريف العبارات والأقوال، وتغيير أنماط البنى التعبيرية، وتقليد الأصوات، والتشخيص، كذلك لإيصال رسالته إلى الديكتاتور الذي ربما يتكيف أيضا مع النكتة ويطلب سماعها أكثر من مرة، لكنه بالتأكيد يخشى أن يموت من الضحك!!
بالطبع هناك استثناءات ديكتاتورية، وهناك أمراء للمؤمنين، وخلفاء، وولاة، وسلاطين، وأصحاب عظمة مختلفون، ولهم أدوارهم التاريخية البارزة، ولكن الديكتاتورية هي هي لا تتغير، حتى لو تم تجميلها بهذه الأهزوجة الضاحكة: المستبد العادل!!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
دكتاتورية الاخوان
محسن والى -

طبعا المقال يريد ان يقول انه يحرض على رفض مبارك الذى يصفه الكاتب الاخوانى انه ديكتاتور و فى الحقيقة لم نسمع ابدا عن اخوانى غير ديكتاتور و اكبر دليل ايران و هى النموذج الذى قوم الاخوان بالترويج له فى مصر و لاجله قتلوا انور السادات فى 1981 و ان كان الشعب الايرانى المسكين قد ضج بالملالى و الفقيه و عبروا عن رايهم و وثقوا فى مير موسوى و بعدما فاز مير موسوى بغالبية الاصوات كان تم تزوير الانتخابات لصالح احمدى نجاد و باوامر من الفقيه الذى قال عدة نقاط تدل على الديمقراطية الحقيقة فى ايران: اى شخص يعارض النظام يستحق الاعدام و يعتبر خائن يستحق الاعدام- تزوير الانتخابات يباح طالما يؤدى الى مصلحة الشعب طبعا وفقا لراى الفقيه- حملة الاعتقالات لعشرة الاف متظاره و القتل العشوائى الذى ادى لمقتل شابة اسمها ندى عمرها 26 سنة بلا ذنب- اطباق نظام الفقيه فوق صدر الايرانيين 30 عاما ايضا- اما المرشحين الاربعة فمن اختارهم؟ الفقيه اختار الاربعة! ثم ماذا؟ قال للناس انه هو يرجح احمدى نجاد! ثم قام نجاد بتغيير الطاقم الموجود فى وزارة الداخلية قبل الانتخابات بشهور بفريق تابع له- ثم رغم رفض الشعب لاعادة انتخابه ظل يبتسم للكاميرات!!!!

فين ايام عبدالناصر
فين ايام السادات -

فين ايام عبد الناصر اللى مجرد ذكر اسمه بيخللى الاخوان يرتعبوا اللى كان بيعتقلهم و ينزع اظافرهم و اللا السادات اللى سجن الاخوان لما عرب نواياهم الخبيثة بعدما احتضنهم فى البداية فقتلوه اما عن سوريا فليس عندهم معرضة و كل من يثبت انه اخوانى يتم اعتقاله و كل من يتكلم بالسوء عن الحكومة يتم اعتقاله حتى لو اتكلم فى سره عشان كده هم سعداء و نصف القنوات اللى تقول عكس ما يريدون محجوبة و نصف المواقع على الانترنت محجوبة الا التى يسمحون بها و تمدحهم و راضيين بالامر الواقع

دكتاتورية الاخوان
محسن والى -

طبعا المقال يريد ان يقول انه يحرض على رفض مبارك الذى يصفه الكاتب الاخوانى انه ديكتاتور و فى الحقيقة لم نسمع ابدا عن اخوانى غير ديكتاتور و اكبر دليل ايران و هى النموذج الذى قوم الاخوان بالترويج له فى مصر و لاجله قتلوا انور السادات فى 1981 و ان كان الشعب الايرانى المسكين قد ضج بالملالى و الفقيه و عبروا عن رايهم و وثقوا فى مير موسوى و بعدما فاز مير موسوى بغالبية الاصوات كان تم تزوير الانتخابات لصالح احمدى نجاد و باوامر من الفقيه الذى قال عدة نقاط تدل على الديمقراطية الحقيقة فى ايران: اى شخص يعارض النظام يستحق الاعدام و يعتبر خائن يستحق الاعدام- تزوير الانتخابات يباح طالما يؤدى الى مصلحة الشعب طبعا وفقا لراى الفقيه- حملة الاعتقالات لعشرة الاف متظاره و القتل العشوائى الذى ادى لمقتل شابة اسمها ندى عمرها 26 سنة بلا ذنب- اطباق نظام الفقيه فوق صدر الايرانيين 30 عاما ايضا- اما المرشحين الاربعة فمن اختارهم؟ الفقيه اختار الاربعة! ثم ماذا؟ قال للناس انه هو يرجح احمدى نجاد! ثم قام نجاد بتغيير الطاقم الموجود فى وزارة الداخلية قبل الانتخابات بشهور بفريق تابع له- ثم رغم رفض الشعب لاعادة انتخابه ظل يبتسم للكاميرات!!!!

كله بالوراثة
عواد سعيد -

اتعجب جدا مما يقوله الكاتب فمصر افضل بلد عربى فى الحريات و لديهم ما يحسده لعيهم كل العرب المقموعين و ايران ايضا و كل دول العرب ملكية اى ملك ثم يحكم ابنه و هكذا و لا يعترض احد و حتى الجمهوريات كلها حكم حتى الوفاة ثم حكم للابن و حتى دول اجنبية فيها ملكية ووراثة مثل اسبانيا و انجلترا! فين الدكتاتورية دى؟

باستثناء الاخوان
مها -

الاخوان المسلمين يجب منعهم من الترشيح لانتخابات رئاسة مصر: اولا: اهانوا مصر على بعضهاثانيا: اهنوا شعب مصر بحاله ثالثا: اهانوا البرلمان: لما نائب اخوانى يرفع فى مجلس الشعب على نائب و ممثل للشعب تحت قبة البرلمان الذى يحمى الدستور يكون بطريقة غير مباشرة و بصورة مبطنة يهين مصر و دستورها رابعا: هم فقط حناجر تتسابق على القنوات و الصحف خامسا: الاخوان خانوا مصر لولى الفقيه سادسا: الاخوان قتلوا رئيس مصر السابق انور السادات سابعا: الاخوان شاركوا فى مؤامرات راهابية فى حرب غزة و مع خلية حزب الله و جماعه الجهاد و غيرها ضد مصر ثامنا: الاخوان طريقة تفكيرهم رجعية الى عصور خلت و ليس لديهم منطق عصرى يناسب العصر او يقود للتقدم تاسعا: الاخوان ليسوا مصريين بل يهمهم الجهاد و الانتماء الاخوانى للجماعات فقط و ليس يهمهم مصر عاشرا: الاخوان رمز الدكتاتورية المطلقة اسوة بالخوينى

كله بالوراثة
عواد سعيد -

اتعجب جدا مما يقوله الكاتب فمصر افضل بلد عربى فى الحريات و لديهم ما يحسده لعيهم كل العرب المقموعين و ايران ايضا و كل دول العرب ملكية اى ملك ثم يحكم ابنه و هكذا و لا يعترض احد و حتى الجمهوريات كلها حكم حتى الوفاة ثم حكم للابن و حتى دول اجنبية فيها ملكية ووراثة مثل اسبانيا و انجلترا! فين الدكتاتورية دى؟

فكر الكر والفر
ربيع الاصلى -

أتعجب من الكاتب الذى تكلم عن أشياء كثيرة تخص الديكتاتورية والديكتاتورين والكثرة السعيدة من الشعب والقلة المنحرفة ونسى ان يذكر المنافقون الذين يمدحون وهم يسبون ويلعنون وهم يرقصون . دا طبعا لأن الفقرة الأخيرة فى المقال ستكون فاضحة لعورة فكر الكاتب