الحاجة إلى دراسة الدراما اجتماعيا: نحو علم اجتماع الدراما
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تتنوع وتتعدد باستمرار اهتمامات علم الاجتماع (sociology) بتنوع وتعدد القضايا الاجتماعية وتأثيراتها على حياة الأفراد والجماعات. فهناك علم الاجتماع الاقتصادي الذي يتناول النشاط الاقتصادي وعلاقته بحياة المجتمع، وعلم الاجتماع الديني الذي يختص بعلاقة وتأثير الظاهرة الدينية في المجتمع، وهكذا الحال مع علم الاجتماع العسكري وعلم الاجتماع الرياضي وعلم اجتماع الجريمة وعلم اجتماع الأدب وعلم الاجتماع الصناعي وعلم الاجتماع الريفي وعلم الاجتماع الحضري وعلم الاجتماع البيئي وعلم الاجتماع الطبي وعلم الاجتماع الثقافي وعلم الاجتماع الحاسوبي وعلم اجتماع الاتصال وغيرها. وهذا يعني دراسة تداخل هذه الأنساق والقضايا وتأثيرها في حياة الفرد والمجتمع.
ومن الظواهر التي باتت حقائق اجتماعية ومؤثرة في حياتنا، هي الأعمال الدرامية (بمعناها الاصطلاحي) من مسرحيات وأفلام ومسلسلات تلفزيونية، حيث تمارس حضورا كبيرا من خلال إشغال وقت الفراغ في داخل البيئة البيتية خاصة، والقدر الكبير من المتابعة في ظل كثرة عدد المحطات التلفزيونية، ما يعني زيادة فرص عرض تلك الأعمال، وسهولة وصولها بحكم وجود البث الفضائي، وامتلاك أغلب البيوت لتلك الأجهزة، والصورة الكارزمية التي من الممكن أن يتركها بعض أبطال هذه الأعمال، وبالتالي درجة محاكاة الجمهور لهم سلبا أو إيجابا، أو المراتب الاجتماعية والسياسية التي يبلغها أبطال الدراما جراء نجوميتهم. فقد اعتلى بعضهم أعلى المناصب السياسية مثل "رونالد ريغان" الرئيس الأميركي الأسبق، و"ارنولد شفارزنيغر" الذي شغل منصب حاكم ولاية كاليفورنيا، وغيرهم. وهذا ناجم عن درجة حضورهم وتأثيرهم لدى الناس في بلدانهم. يضاف إلى كل ذلك المضامين والرسائل التي ترسلها الأعمال الدرامية إلى مشاهديها. وعليه فهي يمكن أن ترسخ صورة أحادية متطرفة إزاء الآخر مثلا، أو تكرس عادات وتقاليدا وقيما اجتماعية سلبية إذا لم توجه الوجهة الحسنة. وبهذا فهي تلعب دورا خطيرا ذا حدين يمكن أن يكون سلبيا أو ايجابيا.
من هذا المنطلق نجد أن الحاجة باتت ملحة إلى قيام تخصص جديد يعنى بهذا المجال، وهو "علم اجتماع الدراما sociology of drama"، ولا نزعم هنا أن فكرة هذا التخصص هي من بناة أفكارنا، إنما هي بات تخصصا يدرس في بعض جامعات العالم وميدان بحث هام، ولكنه في عالمنا العربي لازال مجهولا للأسف كما يبدو.
إن هذا الميدان يمكن أن يختص بطبيعة صناعة الدراما وصلتها بالواقع وتصنيف الأعمال الفنية ودرجات تأثيرها على المجتمع، سلبا وإيجابا. كذلك تأثير الدراما في ارتفاع درجة العنف مثلا، أو قيم الفضيلة أو الرذيلة والتثاقف (acculturation)، بالإضافة إلى إمكانية استثمار الدراما كعلاج اجتماعي ونفسي، باعتبارها منهج في تطوير التعليم، وما إلى ذلك.
كما لا يفوتنا أن نشير إلى الدور النقدي (critical) الذي يمارسه علم الاجتماع بصورة عامة، فالنقد الاجتماعي جانب مهم من مهام علم الاجتماع يضاف إلى الجوانب والأدوار التي يؤديها مثل التوصيف والتشخيص والتحليل ووصف الحلول العلاجية والوقائية من السلبيات أيضا. وليس بالضرورة أن نصل إلى مجتمع مثالي، خال من الأمراض والعلل الاجتماعية، لكن إلى تقليص السلبيات إلى أقصى حد ممكن بأساليب علمية شتى ليست وعظية، منها التوصيات والمقترحات التي يقدمها وفقا للدراسات العلمية التي يجريها، والمشاركة في صنع القرار ورسم السياسات الاجتماعية والنقد الاجتماعي.
وهكذا فإن للنقد الاجتماعي دور في تقويم الأعمال الدرامية بشكل علمي، وهو بهذا لا يحل محل الناقد الفني والمسرحي والسينمائي، ولا يتقاطع معهم. فلكل من هؤلاء دوره الذي يؤديه في تقييم وتقويم الأعمال الدرامية في جوانبها الأدبية والفنية والجمالية والمنهجية وما إلى ذلك. لكن الدور النقدي والرقابي لعلم اجتماع الدراما سيكون على أساس تصويب السلبيات الاجتماعية والثقافية والسلوكية التي ترافق العمل بغية تجنبها. فهو يمكن أن يوجه إلى تصحيح الصور النمطية تجاه فئات معينة من الناس، ويوجه برفع الظلم الاجتماعي عنهم. كما يمكن أن يسهم برفع الذائقة الجمالية ويقيس اتجاهات الجمهور نحو العمل الدرامي وغير ذلك.
ووفقا لهذا فلعلنا لا نذهب بعيدا حينما نطالب أن يكون هناك خبير اجتماعي (sociologist) لكل عمل درامي، حتى يخرج بالصورة المتوافقة مع هذه الأسس.
متخصص بعلم الاجتماع- لندن: hashimi98@yahoo.com
التعليقات
That''s it
sarah -نطالب أن يكون هناك خبير اجتماعي (sociologist) لكل عمل درامي، حتى يخرج بالصورة المتوافقة مع هذه الأسس.
وما زلنا نيام
ابو محمد -لعل المسلسلات التي تعرض في عالمنا العربي بمختلف مضامينها واتجاهاتها, تلعب دورا كبيرا في التأثير في حياتناالشخصيه والاجتماعيه والفكريه والثقافيه , ولهذا واجب على الحكومات ان تدعم الجهود بمختلف امكانياتها وكوادرها العلميه وبرؤى علميه وحضاريه لاجل صقل التأثيرات السلبيه وحصرهافي مايفيد المجتمع, ولكن يبدو أن الحكومات في الوطن العربي لم تنتبه الى الدور الكبير التي تلعبها الدراما في حياة الشعوب و ناهيك عن العلماء في الوطن العربي عكس ما موجود في الغرب يريدون ان تخدمهم شعوبهم وبدون مقابل, الا لكونهم علماء فقط الا ماندر .
الدراما الاجتماعية
إبراهيم بن عبد الرحم -بسم الله الرحمن الرحيم قرأت كامل مقالة الدكتور المتألق حميد الهاشمي، وهو من أهل مكة الذي يعرف شعابها، وإذا كانت هناك من اهتم بهذا التخصص وهو علم الدراما الاجتماع، في العالم، فهاهو الدكتور الهاشمي يسن سنة طيبة له أجره وأجر من عمل بها، بإذن الله تعالى، وأزعم أنه مخترع ومبتكر هذا العلم، من واقع اختصاصه فيه فهو بيت خبرة ولا ريب.. وعلى كل حال فقد ناقشت استاذا كبيرا في مسسألة أن يدلي بدلوة في هذه الدرامات التي غزت تلفزيوناتنا العربية مؤخراً فأبدى بعض الإمتعاض من أن يكون له يد فيها بحجة أنها تشوه حقيقة التاريخ، حسبما قال، من منطلق أنه مؤرخ كبير ويخشى أن تأخذه موجهة مايعرف ب (الفانتازيا)، التي تهدف إلى تحوير التاريخ بمدخلاته الحقيقية الواقعية إلى مخرجات هزيلة همها فقط إرضاء المشاهد، وبيع المنتج التلفزيوني باسعار عالية، غالبا ما تكون بالسنتيمر لشريط المسلسل كما سمعنا، وليس من منطلق القيمة الفنية أو التاريخية لهذا المسلسل أو ذاك، لذلك فصديقنا المؤرخ وربما غيره من المؤرخين ربأ بنفسه عن المشاركة فيها بالرغم من أحقيته كاختصاصي، ولأنها أيضا تدر دخلاً هو أولى به من غيره، هذا ما فهمته منه..هناك من انتقد هذه المسلسلات الدرامية وهو من نفس بيئتها زاعما أنها تعيده إلى الماضي السحيق وتمجد تلك العادات التي سماها بالبالية، على حساب المنظومة الاجتماعية الحالية الحضرية، مؤكداً أن كل كلمة فيها تعبر له شخصيا بخاصة أنه لم يتبق لدينا أية أخلاقيات أو سلوكيات مستقيمة، وأن كل شىء كان جميلا ورائعا وشجاعا كان من مخلفات الماضي، وهذا غير صحيح، ولقد انتقد شخصية (القبضاي) ومن يحمي الديار في غياب أهلها، ومن يذود عن أهل حارته ويدافع عنهم بشده.. إلخ مشددا على أن هذه القيم مبالغ فيها، وأنها غير عصرية وأن تكريسها يعني أنننا مجتمعا لايستحق الإشادة، ولكن هناك من يعترض على ذلك وبكل شدة من أن تمجيد هذه العادات هو بمثابة طلب غير مباشر للعودة إليها، بعد أن تفرق الناس وهجروا حاراتهم وأزقتهم، وتباعدوا بل وتجافوا، ولم يهتم أحد إلا بنفسه، حتى أن الميت يموت ويتعفن في منزله ولا أحد من أقاربه يعلم عنه شيئا..إلخأعود إلى مقالة الدكتور حميد الهاشمي فأقول: بارك الله فيك، فهذه دعوة إلى التبصر في مثل هذه الدراميات التي يبدوا أنها تعطينا السم في العسل، وتخرب لنا تاريخنا العريق، فعلى الأقل يذكر في صدر كل منها بعبارات واضحة: (
تحليل سطحي
متابع -الاخ حميد الهاشمي للاسف يدور حول المشكلة ويخشى او بالاحرى لايستطيع الغوص فيها خشية الغرق في مجاهل التحليل الذي لايمتلك أدوات كافية فيه.. فهو أشبه بالذي يضع الأكل بجانب الصحن أي يثرد بصف الماعون كما يقال بالعراق. وهو بقي على هذا الحال يراوح في مكانه يضرب بطناش كما يقال بالعراقي أيضا. اتمنى له أن يحسن الاطلاع وامتلاك أدوات التحليل الصحيحة وليس الفارغة. مع احترامي لحماسه.
حراك علمي
سليم -حراك علمي جميل في مجال علم الاجتماع ذلك الذي يحدثه استاذ علم الاجتماع دكتور الهاشمي. مواضيع جميلة ومجالات غير مطروقة وسبق عربي في مجال علم اجتماع الدراما.
ليس تطفلا
ايلافي -لا اجد في طرح الدكتور الهاشمي تطفلا من قبل علم الاجتماع على الفن والدراما بالذات. فعلم الاجتماع يجب ان يأخذ مداه، وهناك قصور في النقد الدرامي بحيث مرت وتمر الكثير من الهفوات الاجتماعية التي تحتاج الى خبير اجتماعي يعالجها.