كتَّاب إيلاف

جُرأة الأمل.. أفكارٌ عن استعادة الحُلْم الأمريكي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


عنوان الكتاب: جُرأة الأمل.. أفكارٌ عن استعادة الحُلْم الأمريكي.
المؤلف: باراك أوباما.
ترجمة: معين الإمام.
الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض، طبعة أولى، 2009م.
الصفحات: 365 صفحة.


لئن شكل ترشح باراك أوباما إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية منعطفاً مهماً في الحياة السياسية الأمريكية بوصفه أول مرشح أسود يسعى إلى هذا المنصب، فإن نجاحه بعد ذلك في اجتياز ماراثون الانتخابات الطويل، وتبوءه لسدة الحكم قد شكل حدثاً تاريخياً فريداً بالنسبة لكل من عانى من آثار ثماني سنوات عجاف من حكم بوش الابن وإدارته المنتمية إلى اليمين المحافظ.
وتنبع أهمية هذا الكتاب من كونه يسلط الضوء على رؤية أوباما التغييرية قبل أن يصل إلى البيت الأبيض (صدر الكتاب في طبعته الانجليزية عام 2006)، خاصة أنه يؤكد على استمداده من أحاديثه مع الناس خلال حملته الانتخابية. وبعد الحديث عن نشأته وأصوله واللمسة الرومانسية التي افتتح بها أوباما كتابه، وإشارته إلى جذوره المنتمية إلى الحضارتين الإفريقية والأمريكية، يشير أوباما إلى بداية عمله السياسي وترشُّحه لمجلس ولاية إلينيوي، واستمراره في التدريس في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو، ثم ترشحه لمجلس الشيوخ، ورغم فشله إلا أنه عَاوَدَ الأمر بعد سنة، مشيراً إلى ضرورة العودة إلى القِيَم الأمريكية التي لا تزال تحرِّك الضميرَ الجَمْعِيَّ الأمريكي، وأنه يشعر بالغضب من السياسات التي تحابي الأغنياء، ولا توفر الفرص للجميع.
يتناول الفصل الأول إعادةَ هيكلة التعليم في الولايات المتحدة وتطويره، لاسيما في مجال الرياضيات والعلوم، والاهتمام بموضوع التعليم بالنسبة للفقراء، وضرورة إعادة النظر في نظام الرعاية الصحية، ويرى أوباما أن معركة أمريكا مع "الإرهاب الدولي" هي صراع مسلَّح وحرب أفكار، داعياً إلى رفض خيار الحرب أو الانعزال في السياسة الخارجية. كما يشير إلى دور الدين في رسم السياسة الاجتماعية في الولايات المتحدة أكثر من دوره في رسم السياسة العامة. منتقداً الأصولية المسيحية وداعياً إلى فصل الكنيسة عن الدولة بغية حمايتهما. ويؤكد على دور الانترنت في تحسين وسائل الحوار والجدل.
في الفصل الثاني، يشير أوباما إلى اهتمام بوش به بعد انتخابه سيناتوراً، ويصف حربَ العراق التي خاضها بوش بأنها خطيئة باهظة التكاليف، ويدعو إلى تحسين لغة الحوار بين فئات المجتمع الأمريكي. وفي الفصل الثالث ينتقد انتهاكَ القانون الدولي من قِبَل إدارة بوش، ويرفض التبريرات التي قُدِّمَتْ لتفسير ذلك. ويشير إلى أن أهمية معركة السيطرة على المحاكم الاتحادية بين الحزبين لاسيما في المحكمة الاتحادية، تكمُن في أنها المَعْقِلُ الأخير لإباحة الإجهاض ومنح الأقليات والنساء والمساواة، وإجازة العلاقات المِثْلِيَّة، واللين تجاه الجريمة. مدافعاً عن النظام الفيدرالي لأمريكا والذي وضعه الآباء المؤسسون لها.
وفي الفصل الرابع، يشير أوباما إلى دور الكنيسة الاجتماعي والتوجيهي، ودور الإعلام في تلميع أسماء المرشَّحين للانتخابات، ودور المال في تحقيق الفوز؛ فالمال هو الذي يصنع السياسات، كما يشير إلى ظهور أشكال مفضوحة من الفساد السياسي، كما يحتاج المرشح إلى الجماعات المنظمة التي تُدير الحملةَ الانتخابية، مثل اليمين الديني وجمعيات وغرف التجارة لدى الجمهوريين، والنقابات وحماة البيئة ودعاة الإجهاض لدى الديمقراطيين. ويسلِّط الضوءَ على دور الصحافة والقنوات التلفزيونية والانترنت في العمل السياسي، ويوجِّهُ نقدًا لاذعاً إلى معتقل جوانتانامو والمعاملة السيئة التي تمَّت مع السجناء ومقدساتهم الدينية.
ويتناول الفصل الخامس الشركات العملاقة في مجال المعلومات والاتصالات، مثل "غوغل"، والتي أصبحت منذ منتصف 2004م رمزًا التحوُّل السريع الذي أصاب الاقتصاد العالمي. كما يتناول تأثير أحداث سبتمبر على قبول الجامعات للطلبة الأجانب بسبب صعوبات التأشيرة، وهو ما ساهَمَ في اضطرار هذه الشركات في سبيل الحصول على مصممي البرمجيات والمهندسين إلى الانتقال للهند والصين، فضلًا عن المنافسة التي لاقتها الشركات الأمريكية هناك، ويرى أنَّ الاستثمار في مجال التعليم والطاقة سيحرِّر أمريكا من الاعتماد على النفط الأجنبي. وأشار إلى حجم تهديد القاعدة لوَارِدَاتِ النفط، وأنَّ أيَّ هجوم ناجح على إحدى المنشآت النفطية في الخليج يمكن أن يُسبب إرباكًا شديدًا للاقتصاد الأمريكي. كما تطرق إلى التغيُّر المَناخي المترتِّب على تلوُّث البيئة والاحتباس الحراري، داعياً إلى تمويل أبحاث الطاقة البديلة، كما تناول مسألة الضمان الاجتماعي وتضخم تكاليف الضمان للعمال.
يرى أوباما أنَّ الأمريكيين شعبٌ متديِّن، وأن 95% من الأمريكيين يؤمنون بالله، وأن أكثر من الثلثين ينتمون إلى إحدى الكنائس. وهو يشير إلى أن كارتر كان أول من أدخل مفردات المسيحية الإنجيلية في قاموس السياسة الأمريكية الحديثة، مشيراً إلى تحوُّل الكنائس البروتستانتية إلى الكنائس الإنجيلية اللاطائفية. وأن تجربته الدينية كانت متنوعة، فقد كان في بيت والدته الإنجيل والقرآن وأغنية الرب الهندوسية إلى جانب أساطير اليونان، وأن زوج والدته الاندونيسي كان ملحداً، رغم إشارته إلى الْتحاقه بمدرسة إسلامية بعد المدرسة الكاثوليكية، وأنه يؤمن بالمعنى الإيجابي للدين ودوره في حل أكثر المشكلات الاجتماعية. داعياً إلى المصالحة بين مَنْ يحرسون الحدود الفاصلة بين الكنيسة والدولة وبين أولئك الذين يؤمنون بدور الدين في الحياة والدولة، ورغم تدينه والتزامه، فإن أوباما له وجهة نظر في الإجهاض والإباحية ويعارض زواج المثليين دون أن ينكر حقهم في شكل العلاقة.
يخوض الفصل السابع في مسألة التمييز العنصري ومعاناة الأقليات في أمريكا منها، ويشير إلى أن أمريكا بعد عام 2050 لن تعود أمة غالبيتها من البيض، ورغم أنَّ الأغلبية من أبناء المجتمع الأمريكي قادرة على تجاوُز مسألة العِرْق عند الحُكم على الناس، وتحسن وضع السود واللاتينيين؛ إلا أن أجر العامل الأبيض لا يزال أعلى، ولحل هذه المشكلة يقترح وضعَ جداولَ زمنيةٍ وأهدافٍ لتوظيف عُمَّالِ الأقليات، مطالباً برفع مستوى السود عبر تقليل ساعات مشاهدات التلفزيون والتدخين والطعام الدسم، والتزام الهدوء في خطابهم السياسي والابتعاد عن الجريمة والمخدرات. كما يعالج أيضًا مشكلة الهجرة وتداعياتها على المجتمع الأمريكي، ويؤكد على تعاطفه مع الأمريكيين العرب والباكستانيين بعد أحداث سبتمبر، إلا أنه يؤيد قانون الهجرة الذي صدر عام 2006م لمعالجة مشكلة الهجرة غير القانونية.
ثم يتناول أوباما دور العولمة في التأثير على صناعة القرار السياسي الخارجي في أمريكا، مشيرًا إلى أنه طالما أدَّت العولمة إلى جعْل أمْنِ أمريكا واقتصادها وصحَّتِهَا رَهْنًا للأحداث التي تجري في الطرف الآخر من العالم، وأنه يجب رفضُ سياسة العُزْلَةِ التي تَنَامَتْ في صفوف الحزبين، ويرى أن التهديد اليوم لا يأتي من الدول المركزية، وإنما تلك الأجزاء من العالم التي تقع على هامش الاقتصاد العالمي، والتي غالبية سكانها من الفقراء، ويَشِيعُ فيها الفسادُ السياسي والمالي، وأنَّ من حق أمريكا اللجوءُ إلى العمل العسكري الأحادي لمواجهة أي تهديد والقيام بضربات استباقية. لكنه يرى أن من الأفضل أن تكون الأهدافُ مشروعةً وأخلاقيَّةً والتصرُّفَ بأسلوب جماعي لا أحادي لأن ذلك يخفف من عبء العمل العسكري، ويحسِّن الوضعَ الأخلاقيَّ لأمريكا. كما يدعو إلى اضطلاع أمريكا بدور أكبر على المستوى الدولي، مؤكداً أن الديمقراطية يجب أن لا تُفرض من الخارج، وأن مساعدة أمريكا تكون عبر حماية حقوق الإنسان والصحافة الحرة والانتخابات النزيهة والضغط الاقتصادي والدبلوماسي. كما يدعو إلى تحسين أداء البنك الدولي في معالجة الفقر في العالم، وإعادة النظر في نظام المساعدات الخارجية الأمريكية للدول.
في النهاية، يرى أوباما أن شعار التغيير الذي طرحه لا يأتي إلا بتعبئة الناس على المستوى الشعبيrlm;،rlm; وأن من المهم أن يتوفر الفهم الاجتماعي اللازم لإدراك طبيعة العلاقات الاجتماعية بين فئات المجتمعrlm;.rlm;rlm; وضرورة استعادة الطبقة الوسطى في هذه العملية المجتمعية على اختلاف أعراقهاrlm;.rlm;


كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف