كتَّاب إيلاف

أهمية برامج الرعاية الاجتماعية ومحددات تطبيقها في العالم العربي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تعتبر برامج الرعاية الاجتماعية التي تقدمها كل من المؤسسات الحكومية والمنظمات الأهلية، مكسبا كبيرا في حياة البشرية، باعتبار ما بلغته من التنظيم والتنوع والمرجعية العلمية المعتمدة في رسمها وتطبيقها. حيث حدثت تطورات كبيرة نقلت مفهوم وواقع الرعاية الاجتماعية من أروقة أماكن العبادة وبيوت المحسنين والمتصدقين إلى مؤسسات تحفظ كرامة الفرد وتشرعه بان ما يتقاضاه أو ما يتلقاه من حماية ورعاية، ليس منة ولا صدقة من احد. بل هو حق له باعتباره مواطنا يعيش على هذه الأرض أو أنسانا شريكا فيها.
فالتشريعات القانونية المتحضرة الناجمة عن تغير مفهوم المواطنة والحقوق الدستورية، إذن حققت هذه المكاسب، وعززتها أبحاث ودراسات العلوم الاجتماعية وأكسبتها الصبغة العلمية نظريا وتطبيقيا.
وعلى هذا الأساس نرى البلدان الصناعية المتقدمة تطبق مستوى عاليا من برامج الرعاية الاجتماعية، وبأوجه ومجالات عدة لا تقتصر على أبناء البلد فحسب، بل حتى المقيمين على أراضيه في أحيان كثيرا، حتى ليتخيل للمرء في أحيان كثيرة انه يعيش في مجتمع قارب بلوغ الكمال في مسألة العدالة الاجتماعية وتقاسم الثروة والمساواة في المواطنة.
فأين موقع العالم العربي من هذه المسألة التي يمكن اقترانها بـ"كرامة الإنسان"؟ وماهي محددات وإشكاليات إقرارها وتطبيقها في بلداننا؟

مجالات الرعاية الاجتماعية:
يحدد مفهوم الرعاية الاجتماعية على أنه: تشكيلة من الخدمات التي يمكن تقديمها لدعم الأشخاص الذين هم في حاجة إليها. ( ) ويمكن تقديم خدماتها في عدد كبير وقطاعات واسعة من مجالات الحياة، وفقا لعجز وحاجة من هم في قصور وحاجة إليها. ومن هذه المحددات:
مجال الرعاية الصحية: ويعد هذا المجال أهم مجالات الرعاية الاجتماعية، وذلك لأنه يتعلق بمسألة حياة الفرد، ومدى عجزه. ويتضمن ذلك سد كل أو بعض إحتياجات المريض في تمريضه وخدمته، بما فيها المريض جسديا، ونفسيا وعقليا.
مجال الإسكان: ويخص هذا الموضوع مجال توفير السكن المدعوم أو السكن المستقل، وكذلك دور الرعاية الاجتماعية وخدمات الراحة القصيرة (تعرف أحياناً بخدمات الرعاية للراحة).
مجال الرعاية الشخصية: ويتضمن المساعدة في الأكل وفى الإستحمام أو في ارتداء الملابس من العاجزين والمحتاجين إليها.
مجال الإحتياجات الإجتماعية: يمكن أن يكون هذا في شكل أنشطة ترفيهية وفى أنشطة نهارية وفي تلقي المساعدة من الخدمات الاجتماعية.
العمل: ويتضمن مجال العمل، المساعدة في التحضير للحصول على عمل أو المساعدة في الاستمرار بالعمل.
التعليم: يدخل مجال التعليم ضمن ميدان الرعاية الاجتماعية، حينما يتعلق الأمر بالمساعدة في الالتحاق بالتعليم الإضافي أو تعليم الكبار.
الجوانب المالية: ويتعلق هذا بالمساعدة في الحصول على منح أو تمويل مالي.

محددات تشريع وتنفيذ سياسات الرعاية الاجتماعية في العالم العربي:
توجد مجموعة من المحددات والعوائق التي تحول دون إجراء تشريعات مناسبة للرعاية الاجتماعية، أو تنفيذ تلك التشريعات ووضعها على ارض الواقع. وتتوزع هذه المحددات بين الرسمية المتعلقة بصناع القرار.

الجهل بسياسات الرعاية الإجتماعية عامة وأهميتها:
وهذا ناجم عن قصور النظر وغياب ثقافة الرعاية الإجتماعية على المستويين الرسمي والشعبي، مما يعتبر عائقا كبيرا في إطلاق مشاريع الرعاية الإجتماعية ابتداء من التشريع ووصولا إلى التنفيذ وجعلها أمرا واقعا. ينبغي التثقيف وبناء وعي عال، وتوسيع الإدراك بأن المنح التي تقدم للمستفيدين من الشبكة هو ليس صدقة من أحد أو عطف على مجموعة من المساكين، والتعامل معهم بنظرة قاصرة مسترحمة، بل هو واجب على الحكومة عليها تقديمه لمن يستحق.

غياب العدالة الاجتماعية:
وهذا يعكس مدى التجاوز على حقوق الآخرين والتفاوت الطبقي المبني على أسس سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وغياب العدالة في توزيع الثروات ومساواة فئات المجتمع عامة. في نفس السياق يكون الخلل والقصور في رسم سياسات الرعاة الإجتماعية وفي تنفيذها، غياب ثقافة حقوق الإنسان التي تضمن للفئات المستحقة للرعاية الاجتماعية.

الدكتاتورية والتفرد بالقرارات:
لعل طبيعة الأنظمة الشمولية والدكتاتورية التي تحتكر صناعة القرار، تعتبر سببا رئيسيا في غياب تشريعات الرعاية الإجتماعية. وبهذا يتم تهميش فئات كبيرة من المجتمع، نتيجة الإستهتار بمقدرات الشعب، وإن ما يقدم أحيانا يصنف في عداد "المكرمة" من السلطان إلى الرعية أو فئة منهم.

غياب جماعات الضغط التي تساهم في دفع الجهات المعنية للتشريع والتنفيذ:
يمكن لجماعات الضغط التي تعكس جانبا من روح المجتمع المدني، أن تؤثر في رسم سياسة البلد عامة وفي إقرار تشريعات للفئات المهمشة منه، والتي تستحق الرعاية. فهذه الجماعات يمكن أن تضغط على صناع القرار في سبيل إقرار تلك التشريعات، فضلا عن مساهماتها في تثقيف المجتمع عامة على أهمية ذلك تشريعا وتنفيذا.

غياب سياسات التخطيط الإجتماعي السليمة:
غياب أو ضعف وجود تمثيل الكفاءات الاجتماعية الواعية في دوائر صنع القرار إن وجدت تتسم بالعشوائية والتخبط في التنفيذ

الفساد الإداري:
يؤثر الفساد الإداري بدرجة كبيرة على أمر تنفيذ سياسات الرعاية الإجتماعية خاصة، ذلك حينما يكون هناك سوء استغلال للموارد المالية المخصصة للمستحقين. ويتم هذا الاستغلال من قبل أطراف عدة لعل أبرزها الجهات الإدارية التنفيذية.

التحايل والإدعاء من قبل بعض المواطنين:
للأسف يلجأ الكثير من المواطنين إلى التحايل على الجهات المعنية، وادعاء الحق في شمولهم بالرعاية الاجتماعية. ففي العراق مثلا أنه بعد إعادة تدقيق معاملات المشمولين من قبل اللجان المتخصصة التي شكلتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية "تم قطع مبلغ الإعانة عن أكثر من 321 ألف مشمول بها لثبوت عدم أحقيتهم بها.rdquo; ( )

ضعف البنية التحتية وقلة الموارد البشرية الكفوءة للتنفيذ والتطبيق:
وهو سبب آخر لغياب تشريعات أو تطبيق برامج الرعاية الاجتماعية، حيث تحتاج تلك البرامج إن وجدت إلى أبنية ومستلزمات وكوادر بشرية علمية ومدربة لتطبيقها.

قلة الموارد المالية:
تتحجج سلطات بعض البلدان النامية خاصة، بقلة الموارد المالية عامة في البلد، وضعف الميزانية، مما يجعلها تحجم عن تخصيص ميزانية وتطلق مشاريع الرعاية الاجتماعية للمحتاجين.
إن احترام الإنسان باعتباره قيمة عليا، يعتبر من أسس المواطنة الصحيحة وأحد عوامل الحكم الرشيد. وهكذا تشترك منظمات المجتمع المدني والفاعلون الاجتماعيون وجماعات الضغط والتأثير في المجتمع جنبا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية في تنفيذ مطلب برامج الرعاية الاجتماعية. فتحقيق هذه البرامج هي إقرار للعدالة الاجتماعية والخطو قدما في بناء مجتمع متعاف بقدر معقول.


د. حميد الهاشمي، مختص بعلم الاجتماع:

www.al-hashimi.blog.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اين نحن؟؟؟
عربي -

عزيزي الكاتبان ربطك لموضوع تقديم الرعاية الاجتماعية بكرامة الانسان والعدالة الاجتماعية وبالتالي مفهوم المواطنة ششئ جميل جدا ومهم.فعلا عندما يحس الانسان ان الدولة راعية له في وفي مرضه وعجزه وشيخوخته مثلما في طفولته، فانه سيحس بالانتماء لبلده.أين نحن في الوطن العربي من هذا؟؟؟في بعض بلداننا لا توجد حتى تلك المكرمة والمنة من الحاكم.

اين نحن؟؟؟
عربي -

عزيزي الكاتبان ربطك لموضوع تقديم الرعاية الاجتماعية بكرامة الانسان والعدالة الاجتماعية وبالتالي مفهوم المواطنة ششئ جميل جدا ومهم.فعلا عندما يحس الانسان ان الدولة راعية له في وفي مرضه وعجزه وشيخوخته مثلما في طفولته، فانه سيحس بالانتماء لبلده.أين نحن في الوطن العربي من هذا؟؟؟في بعض بلداننا لا توجد حتى تلك المكرمة والمنة من الحاكم.

تعليق
ن ف -

كان يا ما كان في قديم الزمان بلد يحكمه ديكتاتور. وكان نتيجة لسلوكيات الديكتاور الهوجاء أن فرض العالم حصاراً قاسياً على شعبه. فما كان منه إلا أن منح الشعب دجاجة اضافية واعتبرها ((مكرمة)). وهكذا عُرفت الدجاجة على أنها مكرمة السيد الرئيس. منذ ذلك الحين وأنا أكره الفعل الثلاثي ((كرم)) وتصريفاته قدر ما أكره ((الدجاج)).

تعليق
ن ف -

كان يا ما كان في قديم الزمان بلد يحكمه ديكتاتور. وكان نتيجة لسلوكيات الديكتاور الهوجاء أن فرض العالم حصاراً قاسياً على شعبه. فما كان منه إلا أن منح الشعب دجاجة اضافية واعتبرها ((مكرمة)). وهكذا عُرفت الدجاجة على أنها مكرمة السيد الرئيس. منذ ذلك الحين وأنا أكره الفعل الثلاثي ((كرم)) وتصريفاته قدر ما أكره ((الدجاج)).

نظرة موضوعية
حيدر سلطان -

حياك الله دكتور على هذا التحليل العلمي لهكذا موضوع حساس, فتحليلك كمختص بعلم الاجتماع أهلك لكي تسلط الضوء على ركن أساسي من تركيبة المجتمع الحضاري.وهو كما تفضلت لايكون منة من المانح بل حقهم الطبيعي . وبسواعد الطيبين تنضر الشعوب الى غد واعد.

نظرة موضوعية
حيدر سلطان -

حياك الله دكتور على هذا التحليل العلمي لهكذا موضوع حساس, فتحليلك كمختص بعلم الاجتماع أهلك لكي تسلط الضوء على ركن أساسي من تركيبة المجتمع الحضاري.وهو كما تفضلت لايكون منة من المانح بل حقهم الطبيعي . وبسواعد الطيبين تنضر الشعوب الى غد واعد.

العراق برامج الرعاية
عراقي -

من ثمار التغيير في العراق هو ايجاد برامج الرعاية الاجتماعية مع صعوبة الوضع والتحديات الكبيرة للارهاب ودول الجوار واباطرة الفساد الاداري.نتمنى ان نراك في العلى ياعراق.

العراق برامج الرعاية
عراقي -

من ثمار التغيير في العراق هو ايجاد برامج الرعاية الاجتماعية مع صعوبة الوضع والتحديات الكبيرة للارهاب ودول الجوار واباطرة الفساد الاداري.نتمنى ان نراك في العلى ياعراق.

تعليق على مقالة
إبراهيم الجوف -

بسم الله الرحمن الرحيم ليس لدي أي تعليق على الفقرة الأولى بكل صراحة تسكر بدون مسكر، فمتى تصبح الأعمال الخيرية والاجتماعية مائة في المائة مقننة بقوانين تحفظ ماء الوجه للمحتاجين في البلاد العربية ؟ الفقرة الثانية وهي أن تشمل الرعاية الاجتماعية في البلدان العربية والنامية كل الناس بما فيهم المقيمين هذا شىء رائع وربما كانت الدول الإسكندنافية قد حققت سبقا في ذلك، ولقد قرأت بالمناسبة أن العولمة كان لها تأثير في تدني هذه الخدمات بالقياس، على اعتبار أن رؤوس الأموال بدأت تغادر تلك المناطق مما ساهم في انخفاض واردات تلك الدول من الضرائب الهامة في تأدية واجباتها، وذلك لوجود فرص أكثر فائدة للمستثمرين تحت تأثيرات وسلبيات العولمة على هذه النواحي الاجتماعية التي تحتاج للصرف عليها أموالا طائلة ربما دون مردودات كبيرة قياسا بالأعمال التجارية الأخرى فالتاجر يهمه الربح، ولا أريد أن اتوسع في هذه النقطة. الفقرة الثالثة أقول مسكين العالم العربي في مسائل على هذا المستوى من الأهمية، خاصة وأن موضوع الرعاية الاجتماعية تزداد أهميته أكثر فأكثر في البلدان النامية بسبب تدني مستويات الدخل وزيادة الفقر والأمية وحتى الكوارث الطبيعية عنها في بلدان غنية .. الخ بعد إذن الدكتور ليسمح لي أن أضيف إلى أنواع الرعاية نوعا يكاد يكون جديداًَ، وهو وجود احتياطي مالي اجتماعي كبير للكوارث الطبيعية، فقد قيل أن الهند وهو الدولة التي يشار إليها أنها فقيرة أو أن لديها فائض من العمالة، يرفضون أحيانا المساعدات الخارجية مع كثرة حاجتهم إليها، أظنه يدخل ضمن ذلك.. بالطبع لصناع القرار الرأي الفصل في هذه المحددات التي ذكرها الدكتور حميد. أما عن المعوقات في البلدان النامية فهي كثيرة تناولها الدكتور حميد ببعض التفصيلات أما النواقص في العالم العربي والنامي ههي أكثر ، والله المستعان.. اخوكم الباحث في الدكتوراه : إبراهيم بن عبد الرحمن الجوف

تعليق على مقالة
إبراهيم الجوف -

بسم الله الرحمن الرحيم ليس لدي أي تعليق على الفقرة الأولى بكل صراحة تسكر بدون مسكر، فمتى تصبح الأعمال الخيرية والاجتماعية مائة في المائة مقننة بقوانين تحفظ ماء الوجه للمحتاجين في البلاد العربية ؟ الفقرة الثانية وهي أن تشمل الرعاية الاجتماعية في البلدان العربية والنامية كل الناس بما فيهم المقيمين هذا شىء رائع وربما كانت الدول الإسكندنافية قد حققت سبقا في ذلك، ولقد قرأت بالمناسبة أن العولمة كان لها تأثير في تدني هذه الخدمات بالقياس، على اعتبار أن رؤوس الأموال بدأت تغادر تلك المناطق مما ساهم في انخفاض واردات تلك الدول من الضرائب الهامة في تأدية واجباتها، وذلك لوجود فرص أكثر فائدة للمستثمرين تحت تأثيرات وسلبيات العولمة على هذه النواحي الاجتماعية التي تحتاج للصرف عليها أموالا طائلة ربما دون مردودات كبيرة قياسا بالأعمال التجارية الأخرى فالتاجر يهمه الربح، ولا أريد أن اتوسع في هذه النقطة. الفقرة الثالثة أقول مسكين العالم العربي في مسائل على هذا المستوى من الأهمية، خاصة وأن موضوع الرعاية الاجتماعية تزداد أهميته أكثر فأكثر في البلدان النامية بسبب تدني مستويات الدخل وزيادة الفقر والأمية وحتى الكوارث الطبيعية عنها في بلدان غنية .. الخ بعد إذن الدكتور ليسمح لي أن أضيف إلى أنواع الرعاية نوعا يكاد يكون جديداًَ، وهو وجود احتياطي مالي اجتماعي كبير للكوارث الطبيعية، فقد قيل أن الهند وهو الدولة التي يشار إليها أنها فقيرة أو أن لديها فائض من العمالة، يرفضون أحيانا المساعدات الخارجية مع كثرة حاجتهم إليها، أظنه يدخل ضمن ذلك.. بالطبع لصناع القرار الرأي الفصل في هذه المحددات التي ذكرها الدكتور حميد. أما عن المعوقات في البلدان النامية فهي كثيرة تناولها الدكتور حميد ببعض التفصيلات أما النواقص في العالم العربي والنامي ههي أكثر ، والله المستعان.. اخوكم الباحث في الدكتوراه : إبراهيم بن عبد الرحمن الجوف