كتَّاب إيلاف

السلام الأهلي في العراق ولعبة توازن القوى الداخلية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمتاز المجتع العراقي بكونه مجتمع طوائف كبرى، وقوميات كبرى، فهو مجتمع متنوِّع بامتياز، كثير من التاريخ وقليل من الجغرافية كما يقولون، وهذه الخاصية ليست عارضة على المجتمع العراقي، بل هي قديمة، ومن حسن الحظ إن جميع أديانه وطوائفه وقومياته لها دورها المتميز في صناعة التاريخ العراقي، وترسيم معالمه الحضارية الرئيسية.
وليس سرّا إن بعض ما يطبع تاريخ العراق بما في ذلك العراق المعاصر هو الصراع بين هذه القوميات والطوائف، وبسبب هذا التنوع كان آلية صراح دولي أقليمي، خاصة بين الأتراك والفرس عبر أكثر من 300 سنة كانت مقلقة ومؤذية ومدمرة، وهو الأمر الذي أدركه العراقيون مرّة وعبروا عنه بأشعارهم وأدبهم النقدي الساخر أحيانا والجاد أحيانا أخرى. وليس من شك إن السلام والأمان والتقدم في أي جزء من أجزاء العراق يؤثر في العراق كله.
اليوم برزت معالم (التقاسم) الإثني أو التعدد الإثني بوضوح في العراق، فقد تبين إن هذا التعدد وفي سياقات متنوعة من السجال والخوف وعدم الثقة والتنافس على مراكز القرار السياسي والاقتصادي والتنابذ والتناحر السرّي كان مُحْتَقََنا على شكل بؤر إنفجاريَّة.
إن ا لتعد د الإثني بالنسبة للمجتمع العراقي حقيقة لا مناص من الإعتراف بها، وإغفالها يعني مكابرة لا داع لها على الإطلاق، وليس من شك إن سياسة الأنظمة التي توالت على العراق سعّرت من مستويات الخوف المُضمَر بين هذه الأثنيات، سواء كانت تتسم بالانحياز الطائفي أو تتسم بمنهج قومي شوفيني أو شبه شوفيني، وليس من شك أيضا، إن غلبة (الطائفة السنية) على التاريخ السياسي للعراق الحديث والمعاصر، ومجيئ أنظمة حكم قومية ذات توجه شبه شوفيني تقريبا كان لهما الاثر البالغ في تحقين هذا الأثنية، وخزنها في الضمائر والنفوس على شكل خوف وقلق وحذر، وانتظار للحظة شاذة تتيح لهذا الاحتقان أن يتفجر، وكان سقوط نظام صدام حسين هو المعبر الحي عن هذه اللحظة المخيفة والمفرحة في آن واحد.
هناك أربعة عوامل تسا عد على ترسيخ وتوكيد واستمرارية هذه اللحظة بكل تداعيتها ومستحقاتها ومخاطرها، وهي: ـ
الأولى: إنعدام الثقافة الاجتماعية الوطنية المتميزة عبر المناهج المدرسية العراقية ومن خلال نشاط المثقفين العراقيين، ورواد الفكر والشعر والفن في هذا البلد.
الثانية: هيمنة الحس الديني الطقوسي على المجتمع اكثر من هيمنة العقل الديني النقدي والاختياري والبحثي.
الثالث: هناك شبه تطابق بين الجغرافية العراقية وبين التقاسم الإثني، والجغرافية المتداخلة ضئيلة نسبيا.
الرابعة: إ ن المتصدرين للقرار السياسي من الشيعة والسنة كثير منهم كانوا من المغمورين اجتماعيا وسياسيا، وهذه الشرائح تحاول الاستفادة العائلية والشخصية من السلطة بتسخير طوائفها وقومياتها بشكل وأخر، وهي ترى في أي مشروع وطني يتجاوز الطائفية والعنصرية وضع حد لهذه المصالح، ليس حبا بالطائفة او القومية، بل حفاظا على هذه المكاسب الكبيرة.
لقد افرزت الأنتخابات البلدية الأخيرة (2009)حقيقة مرّة، تلك هي رسوخ ا لمعادلة الأثنية الطائفية والقومية سياسيا واجتماعيا بل وحتى فكريا بشكل صارخ وموجع، وكل ما قيل عن تجاوز هذه الحالة لمزعجة مبالغ فيه، ويبدو إن الحا لة مرشّحة للدوام والاستمرار، ويمكن وصف المعادلة العراقية في هذا المجال إنها حالة وسطى بين اللبننة والصوملة. ولعل بقاء الأمن بحماية الدبابات والحرس الوطني العلني والجدر الكونكوريتية من علائم هذه الحقيقة.
إن السلام الاجتماعي في ظل معادلة كهذه ليس له طريق سوى توازن القوى الداخلية، فإن لعبة التوازن هي السبيل الوحيد لمنع نشوب الحراب والاقتتال الطائفي والقومي في العراق، ولعبة التوازن الداخلي تستوجب قوة كل الطوائف وتمكنها من حقوقها السياسية والاقتصادية والتربوية والفكرية والدينية، وبدون طوائف وقوميات متكافئة بالقوة والحقوق لا سلام حقيقي، ولا أمن مدني، ومن ثم، لا تنمية ولا أزدهار ولا تطور في هذا البلد.
إن التعويل على إيجاد تيار عراقي عريض جدا عابر لمعضلة التخندق الطائفي والقومي يكاد أن يكون مؤجلا، وينتظر جهودا كبيرة وطويلة الأمد، تتضطلع بيه عقول مثقفة وإمكانات سياسية متقدمة، تسبح ضد هذا التيار المزعج لأزمان ليست بالقصيرة.
إن لعبة توازن القوى ليست لعبة خارجية وحسب، بل هي لعبة تاريخية، ولها تطبيقاتها الطبيعية والسياقية في كثير من الأنظمة والمؤسسات الا جتماعية، فقد نجد لها تطبيقا في الشركات الكبيرة و الفرق الرياضية المشهورة وفي الدوائر المهمة في صنع القرار السياسي الوطني والاقليمي والعالمي، وليس بدعا في أن تجد طريقها الى العراق كمشروع حل، ولو مؤقت، وليس من شك إن الاستراتيجية الامريكية في العراق اختطت في المرحلة الاخيرة بعض معالم هذه الاستراتيجية، بدليل إتصالها بالجمعات المسلحة وإغرائها بالاشتراك بالعملية السياسية وبالتعاون مع الحكومة العراقية، وتأسيسها لمشروع الصحوات، وضغطها على الحكومة العراقية باتجاه التساهل مع مشروع عودة ضباط الجيش العراقي السابق، فإن الحصيلة لهذه المواقف هي فكرة توازن القوى، أي الطوائف والقوميات بالدرجة الالى، ويبدو إن الاستراتيجية الامريكية مستمرة بالعمل وفق قواعد هذه اللعبة وفنونها المتجددة والمتغيرة حسب تجدد الظروف وتغيرها.
إن البلد الذي تتقاسمه الكيانات الاثنية الدينية والطائفية والقومية لا مناص له من نظرية التوازن الداخلي، وإن ضعف كل مكون هو ضعف للبلد كله، تعريض له لحرب اهلية سواء عاجلا أم آجلا ويبقى في نهاية المطاف قدرة الحكومة وصناع القرار السياسي على تحقيق لعبة التوازن هذه بدقة ومن خلال الحوار والتفاهم.
إن الخلاص من ظاهرة الرسخ الطائفي والمذهبي والقومي شي جميل، وأمنية كل عراقي مثقف مؤمن بتراب هذا الوطن الجميل، ولكن ليس بالتمني تتحقق الآمال، وما لا يدرك كله لا يترك جله، وعلى صناع القرار السياسي العراقي تفهم هذا الواقع الصعب، وأن لا يخدعوا شعبهم وطوائفهم بشعارات لا رصيد له من الحقيقة، بل يجب مواجهة الحقيقة بشكل صارخ ومؤثر وفاعل، فتلك بداية الحل، وإلا سيكون الطوفان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
....
حميد -

انت تنكر دور ايران في تاجيج الصراع الطائفي في العراق وتاتى بمسلمات لتحاول التمويه على دور ايران التخريبى انت تضخم التنوع وانت تعرف جيدا ان الطائفية الشيعية مرتبطة بانتشار الامية بين سكان الجنوب .ان حصول كل انسان عراقي على حقوقه كاملة هو الضمانة لالغاء الطائفية وانت لم تتحدث عن هذا الشى مطلقا

بدون مبالغة
سرهات كركوكي -

استاذ غالبلا ابالغ ان قلت هذه اول مرة اقراء لكاتب عراقي يشخص بدون لف ودوران ويتجرأ في تشخيص العلل وطرح الحلول المعقولة كلها في مقالة واحدة.نعم يجب مواجهة الحقيقة بشكل صارخ ومؤثر وفاعل، فتلك بداية الحل. بدون مبالغة او مغالات. علينا ايجاد تواز القوى واعطاء كل طرف حقه، ثم الشروع وبعد طمأنة الاطراف الطائفية والاثنية الى بناء فكر وثقافة عراقية تعكس وهنا اهم نقطة، تعكس رؤية كل الاطراف لكي يصبح مصطلحي العراق وعراقي المرادف الجامع وليس المختزل للتنوع الموجود على ارض الواقع. وهذا يأخذنا الى السؤال التالي- هل يمكن ايجاد مناخ يقبل بالتنوع ام نبقى نطمح في اختزال الانتماءات لتصل بنا الى ما آل اليه العراق، من قوميات الى قومية واحدة، من اديان الى دين واحد، من طوائف الى طائفة واحدة، من احزاب الى حزب واحد، من محافظات الى محافظة واحدة، من عشائر الى عشيرة واحدة، من العراق ككل الى عائلة ثم فرد واحد!وشكرا لكاتب المقال

مبدع
لمياء -

لاستاذ الشابندرانت متألق دائما و مبدع في طرحك و تحليلك العميق للامور

نظرة محترمة
فراس -

اعتقد ان مضمون الرؤيا جميل حيث ان الكاتب اختصر الكلام في مدلول واحد وهو (ان البلد لا يمكن ان يسير ويتقدم ويزدهر بدون شراكة سياسيةحقيقية بعيدة عن التخندق المذهبي والقومي) والانتخابات الأخيرة ما هي إلاّ درس علمه أصحاب أعرق حضارة عرفها التأريخ ان القيادة الحقيقية للبلد لا يمكن ان تتقدم بقطب واحد. واعتقد أني سألاحظ هذه التجربة في انتخابات أقليم كردستان.

غزاي
تحليل عميق -

هذا التحليل يكشف عن قدرة تحليلية سياسية اكاديمية ، ويستحق ان يقراه كل السياسيين العراقيين

لا تلومون حكومتنا
ابو الوليد -

أن الكتاب في أيلاف يكتبون وكأنهم في مدينة فاضلة..الكل يجب أن يعلم أن الفقر والدين والحرب تعيد تفكيك أي مجتمع حتى ولو كان أمريكا..والمرحوم صدام حسين لم يقصّر في هذا الموضوع فقد نشر الفقر والجهل نتيجة لطائفيته التي ميزت الدليم والجبور والتكريتيين عن أخوتهم في الجنوب وغيرهم..الحروب التي أشعلها صدام حسين دمرت البلاد ومزقته ألى طوائف ..الدين كذلك عامل أشعله صدام بحربه مع أيران والغرب..كل شيء يعود الى أصله بعد زوال عامل التأثير وعندما تضعف الدولة -أي دولة كانت-تعود الى طوائف وهذه حقيقة لا نلوم عليها العراق فقط..ايها الكتاب رجائي منكم ان تنصفوا العراق ..

لافائدة في سنة العراق
صالح -

لا فائدة سنة العراق لايريدون الاعتراف بحجمهم الطبيعي بكونهم اقلية ,وبما انهم يعتمدون التجار والمخابرات العربية للدول الطائفية فهم سوف يستمرون بتدمير العراق,من جهة اخرى الشيعة ليس لديهم خبرة ويحتاجون الى وقت طويل ,المشكلة مستمرة اذن.ونحن بحاجة الى وضع الرمادي وتكريت داخل حجر صحي يعيد تأهليهم بعد ادران الذهنية البعثية الشوفينية .من اجل تعلم حب العراق واهل العراق بدون ولاء دول مابعد الحدود والجهة التي تدفع اكثر..طريق المواطنة لايزال بعيد.

لا تزعل من الحق!
المهاجر -

لم أر ولم أسمع مثقفا عراقيا واحدا يعيش في خارج العراق وهو منصف لتجربة العراق الديمقراطية الناشئة التي عبرت طريق الدم..لا والله ..الكاتب لم ينصف العراق ..المقال سوداوي لا يحمل أملا ..أنها أرتدادات وتأثيرات الغربةوالوحدة على العراقيين وقد دفع ثمنها العراق في مقالاتهم..الكل يهاجم العراق الناشئ والكثير منهم ساعد على الطائفية من خلال كتاباته وشعره لأن الانسان العادي يميل بطبعه الى الأنانية والتناقض مع الذات لذلك نرى هنا أن الكاتب يدين نفسه من حيث لا يدري وكأن الله تعالى يريد ان يظهر الحق ..يقول الكاتب غالب حسن الشابندر أن أحد عوامل انتشار الطائفية هو إنعدام الثقافة الاجتماعية الوطنية المتميزة عبر المناهج المدرسية العراقية ومن خلال نشاط المثقفين العراقيين، ورواد الفكر والشعر والفن في هذا البلد..مع العلم أن المقال أعلاه لا يبني شيئابالرغم من أن الكاتب قد يعتبر نفسه من رواد الفكر في بلد كالعراق..الكل في الهوى سوى ..والسلام والمحبة على الجميع..

رائع
عويره ابو الباقلا -

استاذي انت دائما رائع في هذا المقال

التوازن الداخلي
غريب -

أكثر المجتمعات العربية خليط من الا ثنيات ولكن المجتمع العراقي متميز بذلك ، لقدم هذه الاثنيات ودورها في بناء العراق كما ذكر الكا تب ، وقد كانت عرضة للتغرير ببعضها من قبل الدولة العثمانية والصفوية ، ومانراه اليوم من تجاذب بين هذه الأثنيات وتنافر منحدد من تلك الحقبات التاريخية السود ، وبعد سقوط صدام ظهر هذا التنافر الحاد بقوة وشراسة ، ومن الصعب بعد تهميش طائفة أو قومية في ا لعراق ، والحكومة القوية هي التي توازن بدقة بين هذه المكونات ، ومن غير التوازن سيكون هناك هلاك للجميع ، سوف تبقى هذه المكونات على جمر من نار ، وتحية لإيلاف

مصيبة
عراقي مرتحل -

المصيبة هو في أن معدل الولادات في العراق كانت في السنوات الاربعين الماضية مرتفعة جدا في الاوساط المهاجرة من جنوب العراق الى الوسط مما خلق وضعا ديموغرافيا صعبا كان لصالح القيادات الدينية الشيعية والتي حصلت على كنز من المكاسب بسبب الخلل الديموغرافي من اكثرية سكانية جاهلة وعاطلة عن العمل ومسلحة ومستعدة للقيام بأي فعل مشروع وغير مشروع لضمان البقاء لأطول فترة ممكنة (معدلات خريجوا الكليات التقنية والطبية يحصل فيها الجعفرية على اقل النسب مقارنة بالنسب السكانية للأثنيات السنية والكردية)