أوباما ووهم التغيير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بالتأكيد نحن لا ننتوي في هذه السطور أن نخلص إلى أن الوهم أو التوهم هو الذي أتى بباراك أوباما إلى رأس السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، ليتبوأ مكانة أقوى رجل في العالم، شاء هذا من شاء، وأبى من أبى.. ليس الوهم وإنما ميزة -أو إن شئنا فلنقل آفة- التغيير، فللتغيير مفهوم مختلف عند الشعب الأمريكي، كما عند جميع الشعوب التي تعرف طريقها، فراراً من الماضي، وسعياً لمستقبل جديد دوماً ومختلف دوماً.. التغيير عند هؤلاء ليس عملية طارئة ووقتية، يقدمون عليها إذا ما واجهوا طرقاً مسدودة، وهو بالطبع ما نعتبره نحن انهزامية واستسلاماً وانبطاحاً وتفريطاً، وسائر تلك القائمة اللعينة من المفردات.. الشعوب الحية وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرنة، تعتنق التغيير عقيدة، وآلية تتحرك بها نحو المستقبل، الذي تجتهد بأقصى ما تستطيع، أن يأتي مخالفاً للماضي.. بالطبع معدل ذلك التغيير رغم استمراريته، يتغير من فترة لأخرى، فلنا أن نتصوره يتسارع، ويصير أكثر عمقاً، إذا ما صادفت المسيرة عقبات أو إخفاقات، تلك التي تستدعي آلياً موجبات البحث عن طرق جديدة، ووسائل جديدة يتم توظيفها، للتغلب على تلك العقبات، ووصولاً إلى أداء أفضل، يقاس دوماً بما يتحقق من نتائج على أرض الواقع، وليس بالطبع قياساً على رؤى دوجماطيقية، وتنظيرات محلقة في عالم الشعارات والثوابت والعنتريات منقطعة الصلة بحقائق الواقع، كما نرى زعماء نكساتنا ونكباتنا يفعلون على مر التاريخ البعيد والقريب، وكما يفعل الآن زعماء العصابات الإرهابية، حين يعزفون أنغام النصر على جثث قتلى شعوبهم، وعلى أطلال الخرائب التي تخلفت عن انتصاراتهم الإلهية.
خلاصة القول أنه إذا كان من الطريف أن نجد تشابهاً أو تقابلاً بين أفكارنا ونهجنا، وبين أفكار ونهج الشعوب السائرة في طريق التقدم والحداثة، فإن لنا أن نقول أن لكلا الطرفين ثوابت، حيث ثوابتنا هي القعود حيث نحن، مولين وجوهنا شطر ذات الاتجاه أبداً، متشبثين بذات الوسائل، بغض النظر عن فاعليتها في تحقيق ما نأمل، كما نرى إلى الآن من لازال يردد بافتتان، شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، رغم أن ذلك الخيار لم يزدنا إلا انهزاماً وتقهقراً، فيما ثوابتهم هي السعي الدائم نحو التغيير، في كل من التوجهات والوسائل، رغم أنهم يمتلكون بالفعل كل مقومات القوة، التي نحلم ببعض منها.. نستطيع أيضاً في معرض البحث عن تقابل بيننا وبينهم، أن نقول أن ثوابتنا هي إحكام أغلال الماضي وقيمه ونظمه وأفكاره حول رقابنا وأيدينا وأقدامنا، فيما ثوابتهم محلقة في فضاءات المستقبل، الواعدة دوماً بكل جديد ومختلف.
باراك أوباما إذن ليس في الحقيقة مجرد شخص يحمل أفكاراً جديدة، أو ساحر سيخرج حلولاً مبتكرة للمشاكل التي تواجه الولايات المتحدة من تحت قبعته، بل هو عبارة عن راية، أو اسم أُطلق على مسيرة التغيير في هذه المرحلة، التي أراد الشعب الأمريكي أن تكون مسيرة التغيير فيها أكثر سرعة وعمقاً.. وفق هذا المفهوم للتغيير فقط، يكون علينا جميعاً أن نرفع القبعات أو العمائم، تقديراً واحتراماً لباراك أوباما، ولما يمثله من رغبة صادقة في التغيير.
يختلف هذا جذرياً عن الوهم المتعلق بأوباما، والذي قد يخايل البعض من الأمريكيين، ومعهم البعض من مستنيري منطقتنا، من أن لدى أوباما حلولاً سحرية، تحيل الأرض التي سارت عليها الولايات المتحدة، في حملتها على الإرهاب، وسعيها لتوطين الديموقراطية والحرية في صحراواتنا، والمفروشة بالأشواك والصخور والمتفجرات، تحيلها إلى أرض سهلة، وممهدة لاستزراع الحداثة والتنوير.. نعم نحن معه، ونشد على يديه وهو يسعى لاكتشاف أساليب جديدة أكثر فعالية، مادام ما سبق تحقيقه من نتائج في هذه المجال، لا يمكن أن تعتبر مرضية وفق أي مقياس.. دون أن يعني هذا وقوعنا في شرك تصورات وتقييمات ساذجة، تصم أساليب ونهج الإدارة الأمريكية السابقة بالحماقة أو ما شابه، وتسند لتلك الحماقة المزعومة، ما قد نرصده من فشل، أو على الأقل تدني فاعلية تلك الأساليب.. الفشل المنسوب للإدارة الأمريكية، يرجع بالدرجة الأولى لقدرة شعوبنا المذهلة على مقاومة الحداثة، وإلى هيامها الانتحاري بأيديولوجيات العنف والكراهية ورفض الآخر، وهو ما لم يسبق لمعسكر الحرية مواجهته، في ألمانيا وإيطاليا واليابان مثلاً، بعد مآسي صراع الحرب العالمية الثانية، وما من المفترض أن يكون ذلك الصراع قد خلفه من مرارات وعداوات.. ردود أفعال شعوبنا على هجمة التحرير والتطوير والتطهير الغربية لمنطقتنا، كانت غريبة ومذهلة بكل المقاييس.. هنا المعضلة بالتحديد، تلك التي نأمل أن تجد لها بعثة التغيير بقيادة باراك أوباما حلاً.
على الشاطئ الشرقي هناك من ينتظرون نوعاً آخر من التغيير، سبق أن تناولناه في مقال بعنوان "أوباما والحلم العربي"، حلم بتغيير توجه أمريكا في محاربة الإرهاب واستزراع الديموقراطية والحداثة، وأن تترك أمريكا إيران تصنع قنبلة نووية، وتمد أياديها لتعبث بأحشاء الشعوب المسماة بالعربية، تزرع فيها الفتن والانقسام وعصابات المرتزقة.. من حق المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي أن يقول، أنه لا يرى أي تغيير في الموقف الأمريكي تجاه إيران، وأن يؤكد أن إيران مستعدة للتغيير في حال غير الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما موقف بلاده منها.. من حق آية الله أو خليفة الله خامنئي أن يحلم بالتغيير الذي يشاء، أن تنقلب أمريكا على نفسها، وعلى ما تمثله من قيم إنسانية، هي القوة الدافعة لقاطرة تطور البشرية، ومن حقنا في نفس الوقت أن ننظر إليه في إشفاق، ونحن نرى مصيره، ومصير ما يمثله من توجهات، نراه على ضوء خبرات البشرية عبر مسيرتها الطويلة، فرغم الانكسارت بل والتراجعات، التي كثيراً ما واجهت مسيرة الحضارة، إلا النهاية كانت دوماً، هي المزيد من الانتصارات للحضارة وروادها، أما من حاولوا الوقوف لسد الطرق أمامها، فلا متسع لهم إلا في مزبلة التاريخ.
مع احترامنا لصناع السياسة ومخططيها في العالم الغربي، إلا أنه يبدو أننا دخلنا إلى موسم للسذاجات، تلك التي تصدر الآن عن الساسة الغربيين.. حين نجد أوباما يتوجه بدعوة إيران للحوار، وكأنه يأتي حقاً بجديد، وكأن إدارة بوش لم تلتزم بأقصى درجات ضبط النفس معها، ولم تترك الأمر للاتحاد الأوروبي، عله يكون أكثر قبولاً لدى الإيرانيين، مما يعتبرونه الصلف أو الهيمنة الأمريكية، ومع ذلك فشلت تلك المحاولات لإثناء إيران عن توجهاتها، عبر دورات ودورات من الحوار غير المجدي، لسبب واحد لا غيره، هو أن إيران وما تمثله، لايجدي معها أي حوار، فاللغة الوحيدة التي تفهمها إيران، وأذرعها الأخطبوطية الممتدة بالمنطقة، هي القطع والبتر، ولا شيء سواه.. نفس تلك النغمة الساذجة الواهمة نسمعها أيضاً، صادرة عن السياسة البريطانية، تتحدث عن حوار مع حزب الله، ولسنا ندري أي حوار بين حزب الله وحزب الشيطان الذي تمثله بريطانيا، على الأقل في مخيلة ومقولات هذا الحزب الإلهي، وقائده خليفة الله في أرضه؟!!
في ماذا تختلف سياسة العصا والجزرة، التي يتجه بها أوباما نحو إيران، عن سياسة العقوبات وحزم الحوافز، التي سبق تقديمها في مراحل عديدة للنظام الإيراني؟
وعن ماذا يمكن أن تسفر المحادثات البريطانية مع حزب الله، أكثر مما أسفرت عنه مباحثات جماعة 14 آذار اللبنانية، مع هذا الحزب العصابي الإرهابي والفاشي؟
بل وأي أمل يمكن أن يرجى في حوار جديد أو متجدد يجري الآن في القاهرة، بين السلطة الفلسطينية الشرعية، وبين عصابات المرتزقة والإرهابيين، خدام أولياء نعمتهم وثرواتهم، ومحركيهم كقطع الشطرنج في طهران.. أي تغيير هنا من الممكن أن يكون مفيداً، وأي أمل في ردع هؤلاء المجرمين والخارجين على القوانين الدولية والإنسانية، إن لم يكن الردع عن طريق تجريدهم من سلاحهم وتمويلاتهم، ووضعهم خلف قضبان العدالة؟!!
لا نقف منتظرين أوان الشماتة في دعاة التغيير، فالتغيير هو دماء الحياة والحضارة المتجددة، لكن يبقى السؤال: أي تغيير هو المطلوب، وأي السبل هي الأنجع، لتطهير أرضنا وشعوبنا من وباء الإرهاب والعنف والكراهية؟!!
kghobrial@yahoo.com
التعليقات
....
عبدالعزيز آل حسين -الغرب يحاور قوى المفاومة ويتجاهل قوى الاعتدال مثل ما قال عبداللباري عطوان ولا عزاء للمغرب
اوهام اوباما
عزت المصرى -يعتقد اوباما انة بمهادنة الاسلاميين يمكن ان تحل مشاكله مع الارهاب وهو اعتقاد سيثبت فشلة الزريع لان الاعتقاد الراسخ عند الاسلاميين ان الغرب الكافر يجب ان يزعن لهم وان يدفع لهم الجزية
قرار شعب
فلسطيني/عمان -الوطن البديل في الاردن سيقضي على كل مشاريع الحالمين
ليس تماما
سلام - كندا -موضوع مبني بشكل جيد و ترابط منطقي يستحق الاحترام . لكني اختلف مع الكاتب في تركيز الضوء على بقعة واحدة هي ربما اقوى في عرف موجبات الحوار..كما ان محاولة الحوار لا تلزم تيقن النجاح ، بل هي تنطوي تحت نفس الهدف الذي ذهب اليه الكاتب في معالجته لمفهوم التغيير .. ان ايران و حزب الله لم ياتوا الى الشعوب بالاكراه بل باختيار يمتلك شرعية( نسبية) اكثر من شرعية النظم و التجمعات التي لا يسندها شيء سوى سلطة المال النفطي..كما ان اوباما او النهج الجديد حينما يلجآ للتغيير و مد اليد للطرف الاخر فانه لا يلغي السبل التقليدية و لكن يتمهل في استخدامها ..ان باب الحوار مع النظم و التيارات المتطرفة سيعود( من وجهة نظري بنتائج ستذهل الكثيرين و منهم الكاتب)كما ان ايران ( مع كل اختلافي مع نهجها السياسي) اكثر قدرة على التغير و ادارة الحوار من المعتدلين الذين لم يعتدلوا عن حكمة بل عن ضعف...و اعتقد ان ايران وفرت بتعنتها فرصة مثلى بعودة توازن القوى و منها ما نشاهده من دور روسي و صيني اخذ يتنامى بفضل ( اللعبة الايرانية) ...شكرا للحوار الحر الناضج الذي يحاول ان يرتقي بالقاريء ...سلام - كندا
بأي منطق
بهاء -يتبع المقال طريقة الأصوليين الدينيين بتقييمهم للعالم، فالحكومات الأمريكية بمن فيهم سيء الذكر جورج بوش يمثلون الحق المطلق ولم يكن سعيهم المبرور إلا لإرساء الديمقراطية والحرية والرفاه في الشرق الأوسط والعالم، بينما يمثل الآخرون الشر المطلق وكل همهم تدمير وحرق البشرية!!! وهذا الأسلوب بالنقاش ليس جديدا فقط دفعت شعوب الأرض كلها وخلال آلاف السنين الملايين من القتلى والمظلومين تحت أكاذيب الخير والشر المطلق وللأسف أن صوت كلا الطرفين (أدعياء الديمقراطية البوشية) و (التيارات المتعصبة دينيا وعرقيا) يسيرون بالبشرية نحو الهلاك.
أوباما
هاني -كل الناس ثعالب إلى من رحم ربك فلا فرق بين ثعلب أبيض وأسود في بيئة شعارها الثعلب الحر في الخم حر دعه يعمل دعه يمر
شروط النشر
إدريس -يقول الكاتب: ـ وأي أمل يمكن أن يرجى في حوار جديد أو متجدد يجري الآن في القاهرة، بين السلطة الفلسطينية الشرعية، وبين عصابات المرتزقة والإرهابيين، خدام أولياء نعمتهم وثرواتهم، ومحركيهم كقطع الشطرنج في طهران..ـ، من شروط النشر الابتعاد عن الشتائم.
أوباما والتغيير
بشير أبراهيم -لا شك أن الرئيس أوباما يريد تغييرا في السياسة الخارجية الامريكية بحيث تتعامل الولايات المتحدة الامريكية مع غيرها من الدول على أساس التفاهم المتبادل والمصالح المتبادلة بدلا من فرض الارادة الامريكية على الجميع كما كان الحال عليه في السياسة الامريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . مثل هذه السياسة لأوباما ستتير عليه كثيرا من المشاكل مع خصومه ومع مؤيديه . فهل يستطيع ان يفرض رأيه على اصحاب القرار السياسي في امريكا وحتى على مشتشاريه المقربين ؟ براك اوباما شب في بيئة مضطهدة وعاشر الامريكيين السود وخاصة المسلمين منهم , كما الرتبط بعلاقات وطيدة مع المتقفين من العرب والمسلمين في امريكا . كما انه تأثر بأ فكار بعض الامريكيين والرؤساء العظام وزعماء الطوائف الأمريكية الذين ارسوا مبادئ الحرية وحقوق الأنسان في امريكا والعالم . وقد أتضح هذا في كتابه عن حياته قبل الجامعة وبعدها والسبب في ذلك أنه كان يريد ان يعرف عن اصوله المسلمة والافريقية . ولهذا فهو يعرف التناقض بين هذه المبادئ والقيم والمصالح الامريكية التي تسيطر عليها الطبقة الراسمالية التي تمثل القوة الامريكية المادية والمسيطرة على مقاليد السلطفة في الولايات المتحدة الامريكية . التوفيق بين هذين التيارين الجارفين الأخلاقي والمادي ليس بالامر السهل ويتوقف نجاح الرئيس أوباما على عوامل كثيرة لا اعتقد أنه يستطيع السيطرة عليها . من هذه العوامل الهامة أنه يحتاج ألى تجاوب من الدول الاخرى التي تمثل شرائح مختلفة مثل الرأسمالية المستغلة في الدول الأوربية واليابان والدول ذات المطامع التوسعية مثل روسيا والدول الصاعدة في المجال الدولي مثل الصين والهند والدول النامية التي تتوق ألى تحسين أوضاعها الاقتصادية وطموحاتها القومية . فهل تتجاوب هذه القوى مع سياسة الرئيس أوباما . انا كما ذكرت أعلاه اشك في ذلك . وتحقيق هذا التجاوب لسياسة اوباما أو تفكيره في الولايات المتحدة الامريكية يتوقف على استمرار شعبيته ونموها فالشعب الامريكي كغيره من شعوب العالم يحب الخير والعدل كما ان مصالحه المعيشية تحتل جزءا اكبر من اهتمامه ومدى تجاوبه يتوقف على نجاح اوباما في المجالين الاخلاقي والمادي ومدى تعاون الأعلام المعندل . اما نجاحه في الخارج فيتوقف على مدى استعداد الولايات المتحدة الامريكية لمشاركة قوى العالم الاخرى النفوذ والاقتصاد العالمي