كتَّاب إيلاف

الموضوع الإيراني والسياسة الأميركية: استمرارية أم انقلاب؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

انشغلت الأوساط السياسية والإعلامية في العالم بالرسالة التي وجهها أوباما لإيران في عيد نورز، مثلما حدثت من قبل ضجة استبشار حين لم يستخدم اوباما في حفل تنصيبه عبارة "الحرب على الإرهاب"، مع أن الإرهاب الإسلامي يشن منذ حوالي العقدين حربا بلا حدود على الحضارة والتقدم البشريين، وعلى الغرب خاصة، وهي حرب لا تواجه بغير الحرب المضادة، سواء سميت حربا أو لا.
إن الأغلبية العظمى من التعليقات والتفسيرات حول رسالة اوباما ذهبت إلى أن هناك تغييرا جذريا في مجمل السياسة الخارجية الأميركية، مناقضا على طول الخط لسياسة الإدارة السابقة.
الواقع إن هناك بعض ما يفسح المجال لتفسيرات كهذه، خصوصا في لهجة الرسالة الفائقة الود، واللباقة، والتنسيق، وهو ما يجعل بعض المعلقين يعتبرون كما لو أن أوباما "يستجدي" القيادة الإيرانية، وهي لهجة لم يكن بوش يستخدمها حول إيران.
لم يضعْ بوش الحرب على إيران في جدول الأعمال ، بل عارض إسرائيل عندما فكرت في هذا الحل، ورغم إدراج إيران في "محور الشر"، فإن ذلك لم يمنع من حدوث اتصالات أميركية مع إيران حول العراق، بل دعت وزيرة الخارجية السابقة إيران للحوار، وكان ضمن خطط إدارة بوش فتح مركز دبلوماسي في طهران بتمثيل متواضع، وفي 2006 وقف بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليدافع عن حق إيران في الحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية.
إن رسالة أوباما الطويلة تضمنت، وسط الكمية الكبيرة من الإفراط والمبالغة في عبارات الود والتذكير بالحضارة الإيرانية، عدة سطور مفادها أن على إيران الكف عن طريق التسلح والإرهاب لو أرادت فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة والمجتمع الغربي: أي على إيران التخلي عن مشروعها النووي العسكري، وعن التدخل في شؤون دول المنطقة وتصدير الإرهاب. لم يأت ذلك بوضوح تام ومحدد، وبوضع النقاط على الحروف، ولكنه مع ذلك متضمن وموجود في الرسالة، علما بأننا نرى أنه، في قضايا دولية ساخنة وحساسة، كالقضية الإيرانية، فإن الخطاب يجب أن يكون واضحا كل الوضوح، وذلك تجنبا لأي إبهام قد يثير الالتباس، فيبلبل الرأي العام الأميركي والدولي، رغم أن المقصود لا يخفى على رجالات السياسة المحترفين، وهو ما فهمه خامنئي،
إن سياسة بوش في الموضوع النووي كانت متطابقة مع مواقف وإجراءات مجموعة 5 + 1، أي الضغط على إيران لتغيير موقفها في النووي وذلك بفرض العقوبات، المقرونة بحزمة من المحفزات. هذا بالضبط ما تعنيه سياسة "الجزرة والعصا"، التي توصف بها السياسة الجديدة، وهذا التطابق هو ما أشار له الزميل كمال غبريال في مقالته منذ أيام حين قال:
" في ماذا تختلف سياسة العصا والجزرة، التي يتجه بها أوباما نحو إيران، عن سياسة العقوبات وحزم الحوافز، التي سبق تقديمها في مراحل عديدة لإيران؟!!" حوافز قدمت دون أن تغير إيران من مواقفها . في هذا المنحى أيضا ذهبت صحيفة الفيجارو الفرنسية، القريبة من الحزب الحاكم، في مقالتها الافتتاحية ليوم 23 مارس 2009، تحت عنوان " حملة أوباما الدبلوماسية." الصحيفة تلاحظ أن التوجه الأميركي الجديد نحو إيران وروسيا وغيرهما، يركز على وضع الدبلوماسية الناعمة في الصدارة على ألا تكون غاية بحد ذاتها، بل أداة لخدمة مصالح واشنطن والغرب، وهذه السياسة لا تأتي بنتائج فورية، ولكنها تسهم في تبديل المناخ، بحيث أن الخصوم لا يمكن أن يردوا على اوباما بنفس عنف الخطاب نحو الإدارة السابقة، و تسترك الصحيفة قائلة:
" غير انه، رغم كل هذا، فإن ثمة قدرا كبيرا من الاستمرارية بين الإدارة الحالية وإدارة بوش. إن هذه الاستمرارية هي التي جعلت شخصية محافظة مثل روبرت كاغان أن يقول عن أوباما [ إنه يتصرف تماما كبوش].. "
لقد جرت عملية هائجة، مستمرة لتشويه وأبلسة سياسة بوش، والتشنيع بشخصه، وعرضوه كالوحش المتعطش للحروب والدم، ونسبوا لسياساته عوامل التوتر، سواء مع إيران، أو غيرها، مع أن إدارته، وكما مر، كانت مساهمة في إجراءات ومواقف مجموعة 5 + واحد، ومع أنه لم يصعّد التوتر مع روسيا بعد غزو جورجيا، كما أنه دعاها مرارا للمباحثات حول موضوع الدرع.
إن هذا المنطق الأعوج يجعل بوش مسئولا عن توتر المجتمع الدولي مع إيران، أو الغزو الروسي لجورجيا، ومدها إيران بخبراء النووي، ومناوراتها العسكرية في الكاريبي، وبناء القواعد البحرية العسكرية هنا وهناك. أما في القضية الفلسطينية، فما هي فوارق المواقف بين الإدارتين؟ ألم تجعل غونديلا رايس من المنطقة محط زياراتها المكوكية؟ ألم يدعُ بوش خلال ولايتيه لقيام دولة فلسطينية؟ إذن فما الجديد؟!! ألم يضغط أكثر من مرة على إسرائيل عندما كانت تبالغ في عنف الرد؟ ثم هل يمكن لأوباما القبول بتهديد من إسرائيل؟ كلا بالطبع.
إن ما مر لا يعني أن إدارة بوش لم تقترف أخطاء كبيرة، خصوصا في سوء التخطيط لما بعد الحرب في العراق، كما لا يعني انه ليس هناك الجديد الأميركي في السياسة الخارجية، كاحتمال التخلي عن مشروع الدرع الصاروخي مقابل مساعدة روسيا في لجم النووي الإيراني، أو الاتجاه نحو الحوار مع "معتدلي طالبان." إن هذه الجدة، لو طبقت، فستكون نوعا من مغامرة تجارب الخطأ والصواب، ومضيعة للوقت، ليعود أوباما بعد ذلك مضطرا إلى جوهر السياسات السابقة إذا أراد حماية الأمن الأميركي، وصيانة وحدة الموقف الغربي؛ فروسيا لن تقبل بأقل من الاعتراف لها بأن منطقة القوقاز والجمهوريات الشرقية السابقة تدخل ضمن مناطق نفوذها، وفي أفغانستان، وكما ورد في مقال سابق، لا يمكن الحديث عن معتدلين ومتشددين بين طالبان. أما عن إيران، فقد برهنت التجارب والوقائع منذ ست سنوات على أنه لا طريق للتعامل معها غير تشديد العقوبات، مع الالتزام بقيام علاقات دبلوماسية أميركية معها، وتقديم الحوافز، فإيران لن تتخلى عن المشروع النووي، وهذا ما أعلنه للتو مساعد لأحمدي نجاد، حيث صرح أنه ما من أحد يستطيع وقف البرنامج النووي الإيراني.
إن الرد الإيراني على رسالة أوباما تميزت بالمكابرة والمغالطة، اللتين تذكّران بخطب صدام. ربما تعتقد إيران أن أميركا في حرج وفي موقف ضعف، وأن اوباما سيكون كارترا جديدا، وكان خميني قد وصف كارتر بأنه تصرف مع إيران "كدجاجة بلا رأس"؛ غير أن الموقف الإيراني يخفي، في الوقت نفسه، القلق من العزلة الدولية الشاملة، ومن الأزمة الداخلية، والطموح الداخلي المتزايد، خصوصا بين الشباب، نحو التغيير الحقيقي، إذ هناك أزمة حقيقية، اجتماعية، اقتصادية، سياسية، فكرية، سنعود لتناولها في مقال قادم.
نعم، إنها مكابرة وتحد، ولكنهما يخفيان القلق أيضا، خاصة من العزلة الدولية الشاملة، بل حتى خيار الحرب لا يستبعد نهائيا، وفي نهاية المطاف، فيما لو أصرت إيران على صنع القنبلة، وكان وزير الخارجية الفرنسية كوشنر قد صرح قبل حوالي شهرين بأن الحرب قد تكون ورادة، بل الدكتور البرادعي نفسه، وهو صديق إيران، قد صرح خلال وجوده قبل أسابيع بباريس، في برنامج أعدته قناة "تي 5 في العالم"، و"إذاعة فرنسا الدولية"، وصحيفة "لوموند" بأنه:
" يمكن استخدام القوة حين تكون الخيار الوحيد، والأخير، والأفضل المتاح، وحين نكون قد استنفدنا كافة الخيارات السياسية، وأعتقد أننا لم نفعل ذلك."
أجل، لا نرجح أن يخرج أوباما، بعد امتحان التجربة الجديدة مع إيران لفترة ما، عن سياسة بوش، ونأمل أن لا يقع في مطب انتظار الانتخابات، وفي مصيدة المناورات الإيرانية الجديدة، وأن يثبت لخامنئي أنه ليس بسذاجة كارتر، وأن أميركا قوية رغم الأزمة الاقتصادية، والوضع الصعب في أفغانستان، وأن مشكلة إيران ليست مع واشنطن وحدها، بل مع المجتمع الدولي كله.
على كل، فالمستقبل كشاف!!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ايران صديقة حتى ....
س .السندي -

ايران العدو الصديق لامريكا حتى لاشعار اخر ...عندما تدنو الساعة فامريكا ليس لديها لحية مسرحة..

ربي زدني علما
العزاوي -

هل تمت أزاحة صدام بدون أتفاق مع أيران؟؟كيف تم نقل مجموعة العمائم فوق الدبابات ألأمريكة...؟؟؟هل أبدلت أمريكا عميلها صدام بوطنين عراقين يناصبون ألأستعمار العداء؟؟؟؟

قال المجتمع الدولي
حسام جبار -

اعلل النفس بالامال أراقبها مااضيق العيش لولا فسحة الامل..حلوة هذه جملة المجتمع الدولي كله ياترى هل تشمل ماليزيا ومنغوليا وفنزويلا والبرازيل ونيجيريا والسودان !!!!

بس كفاية
محمود مرزوق -

أنت تشغل بالك كثيرا بالموضوع الإيراني ويبدو أنه يسبب لك كثيرا من القلق والإزعاج لذلك ننصحك بترك هذا الموضوع خوفا على صحتك فهى غالية

شهر العسل
طارق -

أولا يجب ألا ننسى أن بوش وجه رسالة مشابهة للشعب الايرانى فى نفس المناسبة العام الماضى...... تحقيقا لوعوده الانتخابية, و اتفاقا مع طبيعة شخصيتة التى ظاهرها أنه مستمع جيد و أنه متأنى و غير مندفع, يأخذ أوباما بعض الخطوات الناعمة. هل هو ضعف-سذاجة-مثالية أم حنكة؟ أتفق مع الكاتب أن الأيام وحدها ستكشف هذا لكن بالنظر الى فريق الأمن القومى حول أوباما, أنا أميل الى الاعتقاد أنه دهاء سياسى و أن أوباما ليس لديه ما يخسره باتخاذ الخطوات التى اتخذها حتى الآن فى ملف ايران.

تزول الجبال ولاتزل
احمد حسين تواق -

الاستاذ العزيز عزيز الحاجاعتقد ان تحليك صحيح عن سياسة اوباما وما ستؤدي اليه هذه السياسة. المشكلة ليست في اوباما, بل المشكلة هي ان نظام الملالي لايمكن ان يبقى الّا من خلال خلق الازمات والحروب وممارسة الارهاب في الخارج والقمع في الداخل ضد ابناء الشعب الايراني و من خلال الحصول علي السلاح النووي. لكن المشكلة الرئيسية لهذا النظام هو ان الشعب الايراني لايريد هذا النظام ويبحث عن تغيير حقيقي ديمقراطي. وهذا الشعب شعب حي. له ردود فعله تجاه تصرفات النظام. فمع ان النظام الايراني يعلن رسميا بان عدد سكان ايران اصبح ضعف ما كان في آخر عهد الشاه لكن عدد السجناء اصبحوا ثلاثين ضعفا. اليست هذه الاحصائية لوحدها تكفي لمعرفة مدى عدم انسجام هذه النظام مع المجتع الايراني وانه لايستطيع ان يبقي الّا من خلال فرض قمع شامل. كما نري ان لنظام الملالي الرقم القياسي في عدد الاعدامات في العالم. هناك مؤشر آخر اهمّ لحيوية الشعب الايراني وهو وجود مقاومة منظمة تتمثل في منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الايرانية. ومع ان النظام لم يدّخر اي جهد في القضاء على هذه المقاومة لكن هذه المقاومة لاتزال حية ونشطة. والقارئ العربي يعرف ان نظام الملالي اعدم اكثر من مائة وعشرين الفا من المنضوين في صفوف حركة المقاومة من اعضائها وانصارها, لكنها لاتزال تقاوم وتعطي الامل. ويكفي ان نلقي نظرة الى ما يجري هذه الايام في مدينة اشرف حيث ان مجاهدي خلق محاصرين في هذه المدينة والنظام الايراني يستخدم كل امكانياته لانهاء وجود اشرف. لكن مجاهدي خلق في اشرف وضعوا نصب اعينهم ما قاله الامام علي بن ابي طالب لابنه محمد الحنفية تزول الجبال ولاتزل

اصوله ايرانيه ..؟
ابو ربيع البغدادي -

الى التعليق رقم 4انشغال الرفيق عزيز بالشأن الايراني بعود الى اصوله الاولى ابرانية وهذه حقيقة يعرفها الجميع لذلك من حقه ان يهتم بالشان الايراني ومواقفه معروفه تجاه الحزب الشيوعي العراقي الكل يعرفها لذلك لاتستغرب نت هذا الاهتمام ارجو ان ينشر تعليقي