أوباما بين تمثال تشرشل ولنكولن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
لقد لفت نظري في الشهر الماضي، خبر قرار الرئيس أوباما، بوضع تمثال أبراهم لنكولن بالقاعة البيضاوية في البيت الأبيض، بدل تمثال ونستون تشرشل، الذي أهداه رئيس الوزراء البريطاني طووني بلير للرئيس بوش الابن. كما حيرني سؤال، أرجو أن يساعدني القارئ العزيز بالإجابة عليه: ما الذي أدى بالرئيس أوباما لإرجاع تمثال تشرشل للسفارة البريطانية في واشنطون، واستبداله بتمثال أبراهام لنكون؟ ألم يكن تشرشل الزعيم العظيم الذي أنقد العالم من دمار النازية؟ وهل فعلا كان لينكون الزعيم اللاعنصري الذي ألهم الأمريكيين؟
كتب المؤرخون الكثير عن عبقرية ونستون تشرشل وإنسانية أبراهام لنكولن، ولو تفحصنا التاريخ الغربي لوجدنا الكثير من المعلومات المخفية التي لم تظهر على السطح. فلنحاول دراسة تاريخ هذين الزعمين العظيمين، لنتعرف على حقيقة هامه تؤكد بأن القيادات التاريخية يمكن أن تتغير أفكارها مع تطور خبرتهما، وبأنه غير معصومة بل من حقها أن تخطأ، بقدر ما هو من واجبها إصدار القرارات الصائبة. ولنبدأ بتصفح كتاب لديفيد فرومكن وبعنوان، السلام الذي أنهى كل سلام، والذي يناقش فيه أسرار قرارات رئيس الوزراء البريطاني تشرشل، والتي غيرت خارطة العالم، وزرعت بذور معضلاته المزمنة.
لقد عاشت منطقة الشرق الأوسط ولمدة خمسة قرون تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية، ومع قرب انتهاء سلطتها في بدايات القرن العشرين اختفت الحدود بين ولاياتها. وفي عام 1918 بدأت بريطانيا تخطط لتقسيم منطقة الشرق الأوسط، فبعد أن انتصرت مع حلفائها في الحرب العالمية الأولى، بدأت في عام 1922 برسم خارطة المنطقة للقرن الواحد والعشرين. وقد جمع ديفيد فرومكن الوثائق التاريخية اللازمة لمعرفة حقائق القرارات البريطانية في تلك المرحلة. وعلق في مقدمة كتابه بالقول: "الشرق الأوسط الذي نعرفه اليوم تكون من قرارات الحلفاء خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. وقد أخفوا حقيقة هذه القرارات في مذكراتهم الكاذبة، كما حاولوا أن يخفوا تدخلاتهم في الشؤون الدينية الإسلامية، وتظاهروا بأنهم دخلوا الشرق الأوسط لكي يحرروه، وهو هدف لم يؤمنوا به قط. ولم تظهر الحقائق إلا بعد أن رفع الحظر عن الوثائق الحكومية والرسائل الخاصة. وبدأت أبحاثي في عام 1979 حينما أصبح ممكنا أظهار الحقيقة، ويناقش كتابي القرارات التي صدرت بين عام 1914 وعام 1922، حينما كان سياسيو أوروبا وأمريكا الوحيدين الجالسين على الطاولة."
فقد قررت بريطانيا في تلك الفترة مع حليفتها فرنسا بتقسيم منطقة الشرق الأوسط، كما دعمت الخارجية البريطانية علنا إنشاء دولة يهودية في فلسطين، بعد اقتناعها بإمكانيه تغير سياسات آسيا المسلمة بتأسيس "دول مصطنعة". وتبدأ القصة بقرار اللورد كتشنر مع بداية الحرب العالمية الأولى، بخطة تقسيم الشرق الأوسط بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، وتعين مارك سيكس للعمل على تنفيذها. وتجتمع تفاصيل التقسيم في وثائق عام 1922 من إعلان "الن بي" للاستقلال الجزئي لمصر، لانتداب فلسطين وورقة شرشل البيضاء التي أدت لإنشاء إسرائيل، والانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، وتعين بريطانيا ملكا في مصر والعراق، ومطالبة روسيا لتثبيت حكمها في آسيا الوسطى الإسلامية. وقد أنهت تقسيم المنطقة اتفاقيات عام 1922 والتي تفاوض عليها مارك سيكس وبالتعاون مع فرنسا وروسيا، حيث حصلت فرنسا على اقل من نصيبها، بينما سمح لروسيا الحفاظ على ما احتلته قبل الحرب، واحتفظت بريطانيا بما تريد. وحكمت بريطانيا منطقة نفوذها بصورة غير مباشرة، كحامية للممالك العربية المستقلة جزيئا، وأعلنت نفسها راعية للقوميتين العربية واليهودية. ويعتقد الكاتب بأن أفكار السياسيين البريطانيين قد تغيرت مع الوقت بين عام 1914 وحتى عام 1922 ليصبحوا غير مقتنعين بما كانوا يريدون تنفيذه. فمثلا في عام 1914 كانت ترحب الحكومة البريطانية بروسيا وفرنسا في الشرق الأوسط، بينما اعتبرت الحكومات البريطانية بعد الحرب روسيا خطر محدق، وفرنسا مأساة مورطة في المنطقة، كما تحول مناصري الصهيونية في عام 1917 لأعدائها في عام 1922. ويعتقد الكاتب بأن الأزمة السياسية والحضارية التي يعاني منها الشرق الأوسط اليوم هي نتيجة تدمير نسيج البنية التقليدية للمنطقة في عام 1918، والتي لعب دورا في تخطيطها لويد جورج وودرو ولسون وكتشنر ولورانس العرب ولينين وستالين ومسوليني، وقاد تنفيذها ونستون تشرشل. وقد بدأت لعبة التقسيم بأسلوب وصفه جورج كروزون، نائب ملك بريطانيا في الهند، من قبل بقوله: "تركمستان وأفغانستان ودول البحر الأسود وبلاد فارس، هي أسماء قد تدل على البعد، واعترف بأنها بالنسبة لي كانت قطع شطرنج للسيطرة على العالم." كما سمى آرثر كونولي السياسة الخارجية البريطانية في آسيا "باللعبة العظيمة" على جبال هملايا وسهول آسيا الوسطى، والتي انتهت بسجنه من قبل أمير الأزبك في بئر مليء بالزواحف والثعابين، وبقطع رأسه بعدها.
وقد كافح تشرشل لكي يحقق للصهيونية حلمها، وقد عارضته فئات عديدة في المجتمع البريطاني، وتنبأت صحيفة التايمز اللندنية في عام 1922 بتكاليف رغبة تشرشل حيث علقت: "التجربة الصهيونية في فلسطين مثيرة للاهتمام، والسؤال: هل قدرنا تكاليفها؟" وحينما ارتفعت الأصوات في مجلس اللوردات برفض معاهدة بلفورد، وهاجم نواب البرلمان تشرشل في محاولته لتنفيذها، شرح أسباب دعمه بالقول: "على بريطانيا تنفيذ التزاماتها بوعد بلفور، ليس فقط لأهمية استحقاقاتها، بل أيضا لأهمية الدعم اليهودي في صراع بريطانيا لكسب الحرب." وتناسى ذكر أهمية أصوات اليهود لفوزه في الانتخابات البرلمانية. وقد نجح في إقناع البرلمان لصالحه بموافقة 292 نائب ضد 35، بعد أن أكد بأنه سيخفض التكلفة لإدارة فلسطين للنصف، لمليوني جنيه إسترليني. وقد استنكر العرب خطته، وحينما زار القاهرة في الثلاثين من مارس عام 1921، صرح بالقول: "من حق اليهود المتفرقين أن يكون لهم وطن، وليس هناك أفضل من فلسطين التي ارتبطوا بها منذ ثلاثة آلاف عام، وقد يكون ذلك مهم ليس فقط لليهود، بل للعالم وبريطانيا، وأيضا للعرب، الذين سيشاركون في فوائد الصهيونية وتطورها."
وزعيمنا الآخر هو الرئيس الأمريكي، أبراهام لنكولن، والذي درس شخصيته الكاتب الأمريكي هنري لويس جيتس جونير في كتابه القادم، لنكولن حول العرقية والعبودية. وقد لخص أفكار كتابه بمقال بصحيفة اليابان تايمز الصادرة في الحادي والعشرين من فبراير الماضي، فاعترف بإعجابه بالرئيس لنكولن في صغره، ولكن تشوشت أفكاره حينما قرأ في المدرسة الثانوية مقالا للكاتب ليرون بنيت جونيور بعنوان: هل كان لنكولن عنصريا أبيض؟ وزاد قلقه حينما أطلع، وهو طالب بجامعة يل، على مقال لدي بويس في عام 1922، يوصف فيه الرئيس لنكولن بأنه شخصية متناقضة، تجمع القسوة والرحمة، واحتقار السود والسماح لهم بالتصويت، وحماية العبودية وتحرير العبيد. وقد أغضب هذا الوصف الكثير من السود مما أدى بالكاتب دي بويس بالرد باقتباس جزء من خطاب لنكولن في عام 1858 الذي قال فيه: "لم أكن قط أؤيد المساواة الاجتماعية والسياسية بين العرق الأبيض والأسود، ولم أفضل قط أن يصبح السود ناخبين أو محلفين، أو تهيئتهم للمناصب الحكومية، ولا حتى أن يتزاوجوا من البيض. وأومن بأن هناك فرق جسمي بين العرق الأبيض والأسود، والذي سيمنع عيش العرقين بمساواة اجتماعية وسياسية. وبما أن عليهم التعايش معا، فيجب أن يكون هنالك العرق المتفوق والعرق الدوني التابع، وأنا وكالآخرين، أفضل أن يكون العرق الأبيض هو المتفوق عرقيا." ولم يكن الرئيس لنكولن متأكدا، حتى قرب نهاية فترة رئاسته، إن كان عليه أن يحرر العبيد، وكيف سيفعل ذلك، وماذا سيفعل بهم بعد تحريرهم؟ فمع أنه فكر في تحريم العبودية، ولكنه لم يفكر في المساواة الاجتماعية، فمثلا فكر بإرسال السود بعد تحريرهم لمستعمرات جديدة، وطالب بميزانية لتأسيس جمهورية لهم في باناما، وبنقل بعضهم لليبريا وهياتي. ويرجع الكاتب سبب تغير لنكولن أفكاره عن السود، لاكتشافه أهمية مشاركتهم في الحرب الأهلية. وحينما انتصر في الحرب بمشاركتهم، سمح لمائتي ألف من "السود الأذكياء" الذين شاركوا في الحرب بحق التصويت، وذلك في الاحتفال بانتصار الاتحادين، وقبل ثلاثة أيام من اغتياله. وقد علق الكاتب بالقول: "فقد بدأ في عام 1858 كزعيم معارض للسود، وبعد نهاية الحرب الأهلية تحول لرجل يدعم السود وحررهم من العبودية، وقد استمر صراعه مع عنصريته حتى موته." نلاحظ كيف يهتم الغرب بديمقراطيته، ويحترم أنظمته وقوانينه ودستوره، ويتجنب تأليهه زعمائه. كما يقدر قياداته ويحترمهما، ويتدارس قراراتهم الخاطئة، ويستفيد من منجزاتهم للتفاخر بها وليلهم الأجيال القادمة، ويحاول أن يسجل تاريخهم بقدر واقعي من الصحة والدقة. والسؤال: هل ستستفيد مجتمعاتنا العربية من تاريخ تمثالي أوباما لخلق بيئة ثقافية لاحترام زعمائها، وتتفحص تاريخهم بتجرد ودقة، وتسجله، لكي تلهم الأجيال القادمة بانتصاراتهم، وليتجنبوا أخطائهم؟
سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات
شباب
قطة برية -يالله شباب ,وين تعليقاتكم؟
إجابة
Majida Katela -الأستاذ حسن/ تحية وبعدالسيد/ونستون تشرتشل كان رجل دولة إنجليزي ويعتبر أحد أهمالزعماء في التاريخ البريطاني والعالمي الحديث. من أحد أقواله;الشجاعة هي أن تقف وتتحدث ، وهي أيضاً أن تجلس وتستمع.وأيضاً ; إن السياسي الجيد هو ذاك الذي يمتلك القدرة على التنبؤوالقدرة ذاتها على تبرير لماذا لم تتحقق نبؤته..أماAbraham Lincoln قاد دعوة تحرير العبيد في أميريكا ودفع حياته ثمناً لها. وكسبهاأوباما وبجدارة .. له مقولة عظيمة ; كل ما أريد معرفته موجود فيالكتب , وخير صديق لي هو من يقرضني كتاب..