أزهار السكورا بين المعارضة الإصلاحية والذكاء التنفيذي
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
احتفلت اليابان قيادة وشعبا، مع بداية الربيع في شهر أبريل الماضي، بتفتح أزهار السكورا، فامتلئت الأشجار ببساط مخملي من الورود البيضاء الناصعة، وأنتشر اليابانيون في مختلف الحدائق والحقول، ودعوا الدبلوماسيين لاحتفالاتهم الرسمية والشعبية. وترافق ربيع هذا العام بأخبار سياسية مفرحة، فعلى المستوى المحلي كرر جلالة ملك مملكة البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة كرمه المعهود بالصفح عن مجموعة من الشباب المحكوم عليهم في قضايا عنف المسيرات. وعلى المستوى العربي عمل سيادة الرئيس المصري حسني مبارك على وحدة الصف العربي الفلسطيني لتحريك ملف السلام في الشرق الأوسط. وعلى المستوى الإسلامي لفت نظر العالم انحناءة الرئيس ألأمريكي، باراك حسين أوباما، لخادم الحرمين الشرفيين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز أل سعود، ملك المملكة العربية السعودية في مؤتمر مجموعة الدول العشرين. وأما على المستوى الدولي فقد بزغ أمل حوار أمريكي كوبي بعد نصف قرن من مجابهة خطيرة كان من الممكن أن تؤدي لحرب نووية مدمرة. والسؤال لعزيزي القارئ: ما الذي غير العالم فجأة من سياسة العصاة والجزرة لبزوغ شمس السياسة الذكية؟ وكبف ستستفيد المعارضة السياسية في الشرق الأوسط من هذه السياسة لتجديد فلسفتها وتطوير أسلوب عملها؟
لقد اعتمدت سياسات الغرب بعد الحرب العالمية الثانية في تعاملها مع دول العالم على هيمنة قوتها الاقتصادية والياتها العسكرية. وقد عانت شعوب العالم الثالث من هذه السياسة، والتي أدت لصراعات خطيرة وحروب مدمرة، وخاصة في أسيا والشرق الأوسط. وقد استمرت هذه السياسة الاستعمارية حتى اليوم في إسرائيل والملاحظة من خلال تعاملها مع الفلسطينيين. وقد علق الصحفي الإسرائيلي تورن سيجي بصحيفة هاارتز في الثلاثين من ديسمبر الماضي على ذلك بالقول: " تبرر إسرائيل حروبها المتكررة بأنها تضرب الفلسطينيين لكي تعطيهم درسا، وهي النظرية التي لازمت المؤسسة الصهيونية منذ ولادتها، والتي تؤمن بأن الإسرائيليين مثل للتطور والتنوير، ومتقدمين بالمنطق والأخلاقيات، بينما العرب فهم بدائيون رعاع عنيفين، وأطفال جهلة، يجب تعليمهم وتدريسهم الحكمة بالعصاية والجزرة، كما يعامل الحمار. كما افترضت الحروب الإسرائيلية بأنها تدافع عن شعبها، ولا تعتدي على أحد، وكأنما لم يكن السبب في مجابهة غزة تعرض القطاع لحصار طويل، قضى على فرص جيل كامل للحياة، حياة تستحق العيش."
وقد بدأ الرئيس باراك أوباما بعد نجاح حملته الانتخابية للتغير، بتغير "سياسة الحمير" بالتعامل بالجزرة والعصاة لسياسة جديدة ذكية، تعتمد على احترام شعوب الدول الأخرى والاعتراف بمصالحهم وحقوقهم في العيش بعدالة ومساواة، وقد أدت هذه السياسة الجديدة لتغير مفاجئ لنظرة العالم للولايات المتحدة. فقد حيت شعوب العالم الرئيس الأمريكي بحرارة وإعجاب في كل رقعة زارها خلال الشهر الماضي. فطوال زيارته لأوروبا لحضور مؤتمر مجموعة العشرين، حيته الشعوب الأوروبية بحماس عجيب، كما أرسل خلال هذه الزيارة رسالة دبلوماسية ذكية، يؤكد فيها بأن الولايات المتحدة تريد أن تعمل مع "شركائها" لمعالجة التحديات العالمية، كما أعلن في البرلمان الأوربي بالقول: "أتيت لأوروبا هذا الأسبوع لكي أجدد مشاركتنا، التي سنستمع فيها لكي نتعلم من أصدقائنا وحلفائنا." وأضاف بعد مقابلته برئيس الوزراء البريطاني جوردون براون بقوله: "جئت إلى هنا لكي نطرح أرائنا، وأيضا أتيت إلى هنا لكي أستمع، لا لكي أحاضر." وأتفق بعد لقاءه بالرئيس الروسي مديفيدف على الرجوع لمحادثات خفض الأسلحة الإستراتيجية في محاولة لأخلاء العالم من الأسلحة النووية، والذي أكده في زيارته لبراغ. كما أعلن في زيارته لتركيا عن سياسة الولايات المتحدة الجديدة نحو العالم الإسلامي فقال: "ليس هناك حرب بين الولايات المتحدة والإسلام، وفي الحقيقة مشاركتنا مع العالم الإسلامي مهمة لموجهة الأفكار المتطرفة التي ترفضها جميع الأديان. ونحن نبحث على تعاون يجمع بين تبادل الاحترام والمصالح. وسنستمع إليكم باهتمام، لنضع جسور بنائه لسوء تفاهمنا، ونبحث على أرضية مشتركة للعمل المشترك، وسنحترم أرائكم حتى لو لم نتفق معها." كما أعلن الرئيس أوباما عن رغبة بلاده في التعاون مع كوبا لحل المشاكل العالقة بينهما، حيث وافق على السماح للأمريكيين من أصول كوبية لزيارات غير محدودة لكوبا ونقل ما يشاءونه من الأموال لأهاليهم في تلك البلاد، وتمنى أحياء العلاقات الأمريكية الكوبية بعد تجميدها خلال الخمسة العقود الماضية. وقد رد الرئيس الكوبي راول كاسترو وخلال ساعات قليلة بعدها بالقول: "لقد أرسلنا رسالة للحكومة الأمريكية نقول فيها بأننا نرغب أن نناقش كل شيء: حقوق الإنسان، وحرية الصحافة، والسجناء السياسيين، بل كل شيء. كما يمكن أن نتحدث عن أشياء كثيرة أخرى، وقد نكون مخطئين، ونحن نعترف بذلك، فنحن بشر." وفي مؤتمر الدول الأميركية الذي جمع 34 دولة من القارة الأمريكية في مدينة بورت أوف سبين، تعهد الرئيس أوباما بأنه سيعمل بسياسية أمريكية جديدة "أكثر برغماتية وأقل رعانة،" كما أكد في خطابه بالقول: "لقد مرت علينا أوقات كنا غير مهتمين، وأوقات أخرى نفرض شروطنا، وأعاهدكم بأننا سنعمل لشراكة متساوية، ولن يكون هناك شريك كبير وشريك صغير في شراكتنا. وأنا هنا لكي أدشن صفحة جديدة لتعاوننا والتي ستستمر خلال فترة إدارتي." كما قام قبل بدأ خطابه بمصافحة الرئيس الفنزيولي هوجو شافاز والذي رد عليه بالقول: "أريد أن أكون صديقا لك." كما صرح للصحفيين بقوله: "لقد تصافحنا كسادة محترمين، وقد كان من الواضح بأن ذلك سيتحقق، والرئيس أوباما رجل ذكي، ويختلف عن الرئيس السابق."
تلاحظ عزيزي القارئ كيف تحول العالم بين ليلة وضحاها من عالم حرب على الإرهاب، وعالم صراع الحضارات، وعالم معنا أو معهم، لعالم تعاون بين مجموعات الدول العشرين والدول الأخرى. وقد يتساءل البعض ما الذي غير العالم بهذه السرعة؟ هل هي العولمة وتحول العالم لقرية كونية صغيرة؟ أم الأزمة الأمنية والمالية والاقتصادية التي بينت مدى تشابك مصالح دول العالم وشعوبها؟ أم لذلك علاقة بزعمائها وحكوماتها ومعارضتها السياسية؟ وقد يتساءل البعض في زخم هذه الأحداث السريعة: أين المعارضة الإصلاحية الديمقراطية في المنطقة؟ وهل تحتاج لفلسفة إصلاحية جديدة لكي تساعد شعوبها وحكوماتها على التعامل مع تحديات العولمة المعقدة؟ وهل انتهى زمن المعارضة الثورية الدكتاتورية التقليدية بعد أن فشل حكمها في معالجة تحديات مجتمعاتها وكلفت دكتاتوريات صراعاتها وحروبها الكثير؟ وهل أصبحت الحاجة ماسة، بعد انتهاء مرحلة الاستعمار، لمعارضة تستطيع التعامل مع تحديات عصر العولمة: المالية والاقتصادية والبيئية والسكانية والأمنية والإسكانية والتعليمية والصحية؟ وهل تحتاج هذه المعارضة لزعامات تنفيذية ذكية مستنيرة؟ وهل ستوجه شبابها للغرف من بحور العلم والمعرفة، واحترام الوقت وتقديسه، والالتزام بالنظام والقانون، والانضباط في السلوك، وتطوير مهارات حل المعضلات الحياتية بكفاءة واقعية متزنة؟
لقد ناقش معضلة الزعامة والذكاء التنفيذي الكاتب جوستن منكس، المدير الإداري للمجموعة العالمية التنفيذية الذكية، في كتابه، ما الذي يجمع الزعماء العظام - الذكاء التنفيذي. يقول الكاتب في مقدمة كتابه: "من المعروف بأن المواهب العظيمة تخلق المؤسسات المؤثرة، إن كانت هذه المؤسسات سياسية أو حكومية أو تجارية خاصة. وتحتاج هذه المؤسسات لنجاحها لخيرة من المواطنين كأعضائها وقياداتها. وقد بينت الأبحاث العلمية المختصة باختبارات الذكاء والمهارات الذهنية، بأن الذكاء التنفيذي هي مجموعة من المواهب تجتمع في بعض القيادات التنفيذية." وقد أكتشف الدكتور منكس من خلال مقابلة المئات من الزعامات التنفيذية والتي ضمت ثلاثين من كبار مشاهير القيادات العالمية بأنه، كما يجمع عظماء علوم الرياضيات ماهرات خارقة في حل المعضلات الرياضية، يجمع عظماء الزعامات التنفيذية مهارات ذهنية معينة مهمة للقيادة التنفيذية لمؤسساتها المختلفة. ويقسم الكاتب مسئولية الزعامة التنفيذية لثلاثة أجزاء: تحقيق المهمات، كفاءة العمل مع الهام الآخرين، والاهتمام بالتقييم الشخصي. ويشمل كل جزء منها مهارات ذهنية محددة تبين مدى كفاءة القدرات التنفيذية، كمهارة تحديد المعضلة، والتعرف على أولويات التعامل معها، وتقيم المعطيات المتوفرة والمعطيات الإضافية اللازمة معرفتها لإصدار قرارات صائبة. وهناك حاجة لتطوير مهارة وضع خطط العمل، وتفهم الرواء المختلفة، وتوقع الانفعالات العاطفية المضادة لتنفيذها. كما نحتاج لمهارة التعرف على أخطائنا، وتشجيع الآخرين على نقدنا بإيجابية بناءة، وضبط سلوكنا الشخصي لنتحمل هذا النقد. وتلعب هذه المهارات الذهنية دورا رئيسيا في نجاح القيادات التنفيذية، ومع الأسف تركز المؤسسات في اختيار قياداتها على مظاهر الشخصية وليس على مهاراتها الذهنية، كما تستفيد المنظمات السياسية من صفات زعاماتها الشخصية لرفعة حرارة عواطف الشارع السياسي. كما أن ما يحققه الزعماء الناجحين ليس بسحر، بل هي انجازات تحققت بفضل ماهرات نوعية محددة والتي يمكن قياسها وتعلمها. وبتفهم الذكاء التنفيذي، تستطيع القيادات والمؤسسات أن تطور كفاءاتها ومواهب أعضائها لكي تحقق المهمات الصعبة. والسؤال لعزيزي القارئ: هل ستراجع المعارضة السياسية في الشرق الأوسط فلسفتها وطرق عملها لكي تتحول لمعارضة أصلاحية بناءة، ولتتزعمها قيادات تنفيذية ذكية متمكنة من التعامل مع التحديات المعقدة لعالم العولمة الجديد؟ سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف