كتَّاب إيلاف

شباك اللغة (1)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
قال عنه "سقراط": "ما فهمته منه شئ رائع، أما ما لم أفهمه فإنني أؤمن بصحته، غير أنه يحتاج إلي غواص من ديلوس!". وأكتفي معاصروه، إما بتسفيه آرائه وأفكاره، أو بإطلاق الألقاب عليه جزافا: المعتم.. الغامض.. الباكي.. فما سبب ذلك؟.
وسط الليل الروحاني الذي كان يلف اليونان القديم، ظهر "هيراقليطس" كنبي يتحدث بلسان الحقيقة، وأعلن بجرأة: "لست أري إلا التحول والتغير. لا تخدعوا أنفسكم ولا تلوموا حقيقة الأشياء، بل لوموا قصر نظركم إن ظننتم أنكم تبصرون أرضا ثابتة في بحر الكون والفساد. أنتم تخلعون علي الأشياء أسماء، وكأنما هي ستبقي إلي الأبد: ولكن النهر الذي تنزلون فيه للمرة الثانية، ليس هو النهر الذي نزلتم فيه أول مرة".
هذه القدرة الفريدة علي التمثل الحدسي جعلت هيراقليطس (وحده)، دون سائر الفلاسفة السابقين عليه أو اللاحقين له، يتحدث داخل (المباشرة) ذاكرا ما يراه وليس ما قد تعلمه. ولكن.. فيما بعد، أي بعد أن وقع الفيلسوف في " شباك اللغة " حسب تعبير " نيتشه "، أي داخل مفاهيمه ومعرفة عصره، تحول من (المباشرة) إلي العمل كوسيط أو كسمسار، كما يقول "لوفيفر".
لقد أصبح الفيلسوف بعد هيراقليطس، يعلم ويكتب عن حقيقة ذات وجود سابق، وواقعا قبليا، وهذا هو صميم عمل "الوسيط" وجوهر عملية "التوسط". وتكشف شذراته التي وصلت الينا أنه لا يعرض آرءه بطريقة منتظمة، ولم يقدم تحليلا شاملا لها، بل لا يوجد عنده نظام متناسق ومترابط لعرض أفكاره، وإنما توجد "وحدة داخلية لتصوراته عن العالم وأسلوبه" فأحدهما مشروط بالآخر والعكس صحيح. وهو ما يفسر _ إلي حد بعيد _ بنظريته عن اللغة ومفهومه للعلاقة بين الكلمات والأفكار.
فقد ارتبطت بإسمه، كما يشير ثيوكاريس كيسيديس، نظرية أصل اللغة المسماة (النظرية الطبيعية). ونظرية الأصل الطبيعي للغة التي يوحي بها هيراقليطس دون أن يحاول صياغتها، تكمن من حيث الجوهر فيما يلي: "أن الكلمات وأسماء الأشياء ليست اشارات عبثية أو موضوعة وفق هوي الناس، بل هي تولد بالارتباط مع الأشياء وتعبر عن طبيعتها. لذلك فاللغة والكلمات وما يعبر عن هذا وتلك مرتبطة دائما بشكل وثيق فيما بينها من حيث هي شكل الفكر، فالكلمة بالنسبة له تتطابق مع المحتوي الموضوعي للفكر، ومع ما يعنيه هذا الفكر، أي موضوعه. ولهذا يعتبر هيراقليطس أبا لنظرية التماهي بين اللغة والفكر.
فالصورة الايجابية للنهر التي يستخدمها للتعبير عن فكرة التغير الدائم والحركة المستمرة للعالم، عن السيل الجارف للأشياء، في المقاطع التالية من شذراته: " أولئك الذين ينزلون في الأنهار عينها تغمرهم مياه متجددة بإستمرار " (ش - 12). " لا يمكن النزول مرتين إلي النهر نفسه، ولا لمس مادة زائلة مرتين وهي في الحالة نفسها " (ش - 91). ليست مجرد استعارة ورمز، وإنما هي " النهر " بالمعني الحرفي للكلمة.
هيراقليطس لا يلعب دور الوسيط، لأنه لا يوجد عنصر وسيط بينه وبين ما يراه ويسمعه. " ليس هناك تجريد بعد أو منطق أو حجاب ايديولوجي أمام عينيه، ولا يقصد أبدا بلورة نسقية للملموس عبر المجرد ". وحين يقول: "النار فنان الكون" فهو يقصد النار نفسها، التي يراها تعمل في كل شئ: داخل المنزل والمدينة والمعبد مثلما توجد في الحرائق والبراكين والبرق، والشئ نفسه بالنسبة للصراع بين الأضداد.
وكما لاحظ نيتشه في كتابه " الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي ": فإن الصراع عنده يرجع أساسا إلي الجدل الخاص بالإنسان اليوناني،
والألعاب الرياضية (المصارعة)، والمجادلات الفنية وصراعات الأحزاب السياسية ولعبة الديموقراطية بين المدن.وهو تصور يرتقي إلي أعلي درجات التعميم، إلي الحد الذي أصبح يشكل العنصر الذي يتحرك داخله محور "العالم".
لكن كيف صاغ هيراقليطس مفاهيمة الخاصة جدا، دون أن يقع في شباك اللغة في عصره؟
dressamabdalla@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ما فهمت
حسون -

عليي الحلال ما فهمت عليك شي!!!!!

إلى حسون
أحمد -

ستفهم إذا ثقفت نفسك

لم افهم قط
حسان -

وعليي الطلاق والحلال ما فهمت ولاشي . وثقافتي اكثر من ثقافة صاحب التعليق الثاني الاخ احمد .

هونها يا مراقب شوي
فيصل آورفــاي -

يا لفرحة الكاتب وهو يقرأ التعليقات اعلاه ، بانهم لم يفهموا شيئا مما يتحدث فيه . ولا شك ان هذا يسبب مسرة كبيرة و يظهر ان الكاتب هو اكبر بكثير من ان يفهم من قبل القراء .

تنعس
حبيبك آورفــاي ما غيرو -

الرد خالف شروط النشر

علم لا ينفع
مواطن عربي -

أرجو من إيلاف النشر عملا بحرية الرأي والرأي الآخر. دأب بعض الناس على خداع البشر فهم لا يحسنون صنعة ولا يتقنون حرفة ولا يعرفون مهنة يقتاتون من ورائها سوى تنميق الكلام وزخرفته يبيعونه إلى السفهاء من الناس. إليكم بعض الأمثلة: منذ زمن ليس ببعيد فرضت وزارة التربية والتعليم في مصر على تلاميذ الصف الأول الثانوي دراسة كتاب الميثاق الوطني في مادة القراءة. القارئ لهذا الكتاب لا تفوته أناقة العبارة ويلحظ بلاغة البناء اللغوي وقوة الألفاظ. لم يمض وقت طويل ثم انكشف كذب الميثاق الوطني ومنافاته واقع الحياة وفقدانه الصلة بما ينفع الناس. إنها لآية للناس أن يلحظوا أن الصحفي الناصري الذي كتب الميثاق الوطني انقطع عن ذكر هذا الكتاب فلم يعد يشير إليه من قريب أو بعيد. لا أرى لذلك تفسيرا إلا أن مثل هذا الكلام استنفد غرضه ربما في توطيد نظام الحكم أو ربما تجميع الناس على فكر واحد وراء الزعيم الملهم أو إلهاء الشعب أن يفكر فيما ينفعه وينشط وراء حقوقه فيسبب القلاقل للحاكم. تفقد هذه الكتب أسباب وجودها بموت الزعيم الذي روج لها أو هزيمة نظام سياسي يدعو إلى فكر اجتماعي لم يحقق أي نجاح. الشيوعية ومن نظّر لها من فلاسفة مثل كارل ماركس ومن تبناها من زعماء أمثال لينين وماوتسي تونج وغيرهم هم مثال ثان لشياطين الإنس يوحي بعضهم لبعض زخرف القول غرورا. لن أستفيض في شرح الزيف الذي اشتملته وعود الشيوعية التي حوت كتبها الكثير من بلاغة الصياغة في الوعد برفع الظلم وجلب العدل والمساواة. يكفي المراقب لتاريخ الشيوعية أن يسجل القهر والظلم والإذلال الذي عانته تلك الشعوب في دول الشيوعية البوليسية والتي لم تكن سوى سجن كبير لا ينعم فيه أحد إلا الحاكم. لم يكن من نتيجة طبيعية للشيوعية إلا أن لفظتها شعوبها وثارت على جلاديها كما حدث في رومانيا وبولندا والاتحاد السوفييتي وكل دول المعسكر الشيوعي. مرة أخرى يثبت زيف كلام الفلاسفة. المنظرون للرأسمالية الداعون لإفلات الحبل للأفراد أن يفعلوا ما يشاءون متى شاءوا ليسوا بأفضل حال. ها قد رأينا بوادر انهيار الرأسمالية التي توحشت في نهب أموال الناس بالباطل في ظل ضعف رقابة الدولة. لا أرى الأزمة المالية العالمية وما نجم عنها من خسارة الناس ثرواتهم ووقوع تلك الثروة في أيدي فئة قليلة من أباطرة الرأسماليين إلا مثال آخر لفشل فلاسفة الرأسمالية الغربية. كتاب المقالات عندنا هم أهون من هؤلاء الفلاسف

إلى أحمد
حسون -

عليي الحلال انت كمان يا أحمد ما فهمت ولا شي

هيراقليطس
القيصر العربي -

واقول ما قال سقراط:ما فهمته منه شئ رائع، أما ما لم أفهمه فإنني أؤمن بصحته،