كتَّاب إيلاف

يهود العراق: عود وانعطاف، إلى أيام الحب والعفاف (3)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يهود العراق، ذكريات وشجون، 43
كتب د. جبار جمال الدين في تعليقه على ذكرياتي رقم 41 في"إيلاف" الغراء: "يهود العراق من أكثر الطوائف التي عرفت بحبها ووفائها للعراق". وحب العراقيين لوطنهم هو شيء عجيب بالرغم من أن المؤرخين أشادوا بحب المصريين لبلادهم وتعلقهم بوادي النيل، حتى أن أحمد شوقي قال عن تعلقه بوطنه مصر:
وطني إن شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه بالخلد نفسي
ولا تكاد تجد قبل القرن العشرين جاليات مصرية مغتربة في العالم. وعندما احتل جيش إبراهيم باشا أبن محمد علي باشا سوريا ودحر جيش الرجل المريض، الإمبراطورية العثمانية، كان الجنود المصريون من الفلاحين يسقطون مرضى، يمتنعون عن الطعام والشراب ولا يجد الأطباء لهم علة، ولكن ما أن يقال للمصري الفلاح، ستعود إلى مصر بسبب مرضك، حتى يعافى في التو واللحظة من مرضه، فكأن كلمة "مصر"، يد المسيح أعادت إليه الحياة بلمستها الرحيمة. ولا تزال بعض العائلات المصرية التي قدمت مع الجيش المصري المظفر تعيش في فلسطين وإسرائيل محافظة على أسمائها مثل عائلة مصاروة والدسوقي والمصري وغيرها. ولكن حب العراقيين لوادي الرافدين يتدفق شعرا وحنينا بين المنفيين والمهجّرين والراحلين عنه عنوة أو بمبادرتهم. والسياب رحمه الله يجد أن شمس العراق أجمل من سواها، حنينا إلى العراق:
الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام
حتى الظلام هناك أجمل
فهو يحتضن العراق!
أما المغني الإسرائيلي يعقوب نشاوي وهو الجيل الثالث من مواليد إسرائيل من أصل عراقي، فقد قال لقراء جريدة "معاريب" بفخر: "أنا، في غنائي باللغة العربية استطيع أن ابكي كل العراقيين في حفلاتي بكلمة واحدة فقط أرددها بصوت حنون حزين وهي: "يمّه، يا يمّه"، فتصبح القاعة مناحة ولا مناحة التاسع من شهر آب في ذكرى خراب بيت المقدس عند يهود بابل، فتنهمر دموع الرجال قبل النساء لهذه الكلمة". وقد سمعته وهو يغني مطلقا زفيره المحرق بإضافة كلمة "أووووف" طويلة بعد "يا يمّة"، وعند ذاك رأيتُ العجب، وحدّث عن الدموع ولا حرج، فقد جرت دموعهم دمًا كأنهار دجلة والفرات أيام التتار. ولماذا؟ ألانهم عاطفيون، يحنون إلى الأم؟ وهل الأم عندهم هي بغداد أو العراق أو جذورهم الممتدة في تربتها وأنهارها مدة 2600 سنة أو أكثر. ولكن هكذا أبدا هو حنين العراقيين إلى مسقط رأسهم. والبغداديون في إسرائيل معروفون بتبغددهم، وما يزالون في أفراحهم واحتفالاتهم يلبسون "البدلة أي القاط والباينباغ والقميص الابيض، ويرشون ليونطة". وفي بداية الخمسينيات من القرن الماضي عندما كان يهود العراق قد غزوا الجامعة العبرية وخاصة في علوم الشرق الاوسط والفيزياء والحساب والطب، كنا نحتار فيما اذا يجب ان نذهب بالبدلة والباينباغ الى الجامعة بين طلاب اشكناز يأتون الى الجامعة بأحذية تشبه الكالة وببنطلون قصير وقميص مفتوح لم يذق طعم الأوتي (المكوى) أبدا. ولكن صديقي عابد (عوبيد بن) عوزير كان يصر على الحضور "بقاط" من قماش انكليزي فاخر صيفا وشتاء "وباينباغ مدنبس" بدبوس ذهبي وقميص "آرو" انكليزي، فيبدو اميرا انكليزيا أمام الطلبة من الكيبوصات والمزارع الجماعية، ولا يأبه بابتساماتهم التي تشف عن غيرتهم من بذخ العراقيين البورجاوزيين. وقد عجب الكاتب الكبير سامي ميخائيل عندما دعي إلى مركز تراث يهود العراق في مدينة أور- يهودا، للاحتفال بصدور روايته "فكتوريا"، حين رأى معظم من شارك في تلك الأمسية من العراقيين الذين يحترمون أنفسهم، ما زالوا يرتدون "البدلة والباينباغ"، واتهموه بأنه "بهدل العراقيين بتصويره الطبقة الدنيا منهم فقط"، ولم يفهم غضبتهم العارمة. فالعراقي الذي يحترم نفسه كان يلبس "أكبر كشخة، قماش انكليزي وبدلة مفصلة على آخر طراز"، حتى أن رئيس الوزراء بن غريون "نزل ابعينهم لما شافوه لابس قميص مفتوح وبنطرون كصير. ولكم هذا أشلون رئيس وزراء، يمشي امبهدل مثل السيبندي؟!" وعندما تشاهد اليوم أفندي محترم بقاط وباينباغ في معظم مدن إسرائيل الكبرى وخالصة في "رمات جان" التي تدعى برمات بغداد (هضبة بغداد) فان مثل هذا الشخص لا بد أن يكون عراقي الأصل من مديري البنوك والحسابات أو المحامين أو الأطباء والقضاة والصيادلة، أما في أيام السبت فإنهم يرتدون البيجامة في بيوتهم وشوارعهم، حتى أن اسمهم أصبح مقرونا بها، فيقولون "عراقي بيجامة" لكي يقولوا "عراقي أصلي"، كما كانوا ينعتون المراكشي بأنه "ماروكي سكين" والروماني بقولهم "روماني حرامي"، وقد عبر الشاعر روني سوميك عن هذا التعريض بموجات الهجرة في إسرائيل في شعره الذي يقول فيه:
ولدت في العراق/، وزوحتي من رومانيا / وابنتي هي حرامي بغداد".
وقالت لي رفقه يادلين زميلتي في قسم اللغة العربية في الجامعة العبرية في الخمسينات من القرن الماضي، عندما رأتني في صحبة فتاة من أصل روماني، قالت تداعبني ضاحكة: "سامي، لا تتزوج من رومانية! فسيكون ولدكم مغتصب نساء وحرامي!". فالعراقي معروف بفحولته، حتى أن احد الأطباء في حديثه عن الإشاعات عن الشعوب والأجناس قال إن فيها شيء من الحقيقة، وأضاف: "وهل سمعتم عن عراقي يحتاج إلى حبوب الفياجرا؟"، إلى آخر هذه النعوت والنكات التي تتميز بها كل جماعة من المهاجرين الجدد القادمين إلى إسرائيل من أطراف المعمورة.
قال الأستاذ فخري آل عيسى من جامعة الكوفة: "لم يكن سامي إلا عراقي إلى النخاع يحزن لحزن العراق ويتألم لألمه ويبكي قبل أن تدمع عيني العراق ويفرح لابتسامة ثغر العراق". نعم، فكل ما كتبته هو حبا في العراق لاستخلاص العبر من الماضي وحرصا على التضامن والمحبة بين جميع سكانه وطوائفه وأديانه وعناصره، وتحذيرا لهم من رفض الغير والفتن المذهبية والدينية والطائفية والعرقية، التي تؤدي إلى المذابح والدمار، فالعنف لا يولد إلا العنف، وقد جاء في الحديث الشريف "الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها" فأيقظوا الفتن وأهدروا دماء الأبرياء، وما زال الحبل على الجرار، والعياذ بالله. وعندي أن كل من ولد في العراق لوالدين عراقيين وتعلق بتربته وخدمه بإخلاص فهو عراقي.
والتضامن بين العراقيين في منافيهم هو أمر عجيب لا يستطيع فهمه الآخرون، وقد علق عليه الشاعر والأديب الدكتور سلمان مصالحة على صفحات "إيلاف" دون أن يستطيع تفسيره. وقد روى أخي ريموند أنه دخل مع زوجته إلى مطعم في كولون في ألمانيا تنبعث منه موسيقى شرقية ورائحة الكباب، سأل صاحبَ المطعم: لمن هذه الموسيقى؟
-هذه موسيقى لبنانية تقبلها الأذن الأوروبية!
-وماكو عندك موسيقى عراقية، جالغي بغداد، يرد الروح؟
-آني ما أحط غنا عراقي، غير كله حزن وبكا ولطم على الحبيب، لو "أوف أوف"، لو "أويلي أويلي"، لو "يمه يا يمة"! ليش تسأل لازم أنت يهودي من العراق؟
-أي تمام، آني من مواليد بغداد، من سكان البتاويين!
انتصب صاحب المطعم واقفا واحتضنه وقبله وهو يصيح:
-والله آني من أبو سيفين، والله آني هم من بغداد! إحنا أنحب اليهود، كانوا جيراننا وأحبابنا، والله هسه أخابر أمي أكوللها آني كاعد بالمطعم ويا يهودي عراقي، والله إذا سمعت راح تبجي ولا راح اتصدك! أمي اتكول إحنا تفرهدنا وأتشردنا بالغرب جيف فرهدنا اليهود واتالي طردناهم وجمدنا أموالهم، تشردنا مثل ما شردناهم".
ثم اقترب منه وهمس:
-أمي تكول، يابني، تعرف شلون شردناهم، مو بس جنا انهينهم ونسبهم بكل مناسبة، جان ابغداد فد ناس ما عدهم وجدان، واحدهم ايحط خنجر باحزامه، ياخذلك فد اجعنكي ويّاه، يكلله تعال نتسّوك عند أبو حسقيل. يدخل الدكان، يكله، أبو حسقيل شلونك؟ ارد اشتري قميص وبنطلون لعبيدك ابني، وإلي همين، وانطيني فد تلث أمتار من هذا القماش أبو الورود الحلوة، نفنوف إلبنتي، وثلث أمتار للحرمة وثلث أمتار للحجية، زين أشكد صار حسابك؟
يأخذ أبو حسقيل القلم القوبيا من وراء إذنه، ويبلله بلعابه ويجمع ويطرح، ثم يقول:
-حسيبك يا أغاتي، 17 دينار ونص، نخصم نص دينار الخاطغك.
-على راسي، زين هسه انطيتك 20 دينار، لازم اترجعلي 3 دنانير.
ويباوع على صديقه الجعنكي وبايده يمسد بالخنجر، وايكله: تمام حساب أبو حسقيل لو مو تمام؟
وأبو حسقيل يكون "أفتهم الدالغة والعونطة"، وايباوع على السما ويكول أبقلبه، "الله، أشقلنا صباح؟" ويدفع الخاوه ويحطها على الله. واتالي يكولون اليوم جنا اكبر صداقة وياهم وكانوا أغنياء ومعزوزين، وخانوا الوفا وسافروا لإسرائيل."
وزفر صاحب المطعم العراقي وهو يقول "أوف أوف، اشسوينا بيكم"، ثم أتى باستكان جاي مخدر وأنواع البقلاوة، وهو يقول، والله أمي اتكول هيج عاملناهم، تريد ميروحن لإسرائيل، أكل عيني أكل، هذا عربون المحبة."
أجابه ريموند: أبكل مكان اكو ناس طيبين وناس مو طيبين، كلها بإيد الله. الله يبارك بيك، شكد الحساب؟
أبى صاحب المطعم العراقي في كولون أن يأخذ سنتا واحدا منه عن الطعام، وهي يحلف له بأغلظ الإيمان أنه ضيفه، وأخي يحلف بأغلظ الإيمان بأنه لا يخرج من المطعم بدون أن يدفع:
-"يا با والله متصير، المطعم مورد رزقك!".
وصاحب المطعم يصرّ:
-"وآني والمطعم فدوه على راسك، أغاتي، ياللا ياللا شفنا عراقي ابهل غرب!!
وزوجة أخي من أصل بولوني جالسة حيرى لا تدرى ماذا جرى ولماذا يتخاصمان ويتصايحان باللغة العربية في وسط ألمانيا، ولماذا ترمى أوراق اليورو على الطاولة، ولماذا يعيدها صاحب المطعم إلى جيب أخي، وهل دفع زوجها مبلغا أكثر مما طلب منه؟ ولماذا يصر العراقي على أن يرسل صحن البقلاوة معه؟ ويقول له،"والله يا خويا، لازم تجي يمي كل يوم! هذا بيتك!"
وبهذه الطريقة الغريبة تعلمت زوجة أخي درسا في حب العراقيين في منفاهم ومهاجرهم وإن لم يعرف أحدهم الآخر من قبل، وهي تردد: "ولله عجيبة، والله غريبة، هذوله غير بشر!"
وفي أيام العزّ كنت أشاهد مظاهر الحب في العراق في كل مكان اذهب إليه. وعندما كان الربيع يقبل على بغداد، ورائحة الشط تفوح عطرة مسكرة، والأرض الزكية تعبق برائحة الحشائش والقداح وصندل النخيل والرازقي والزهور البرية، "كروائح الجنة في الشباب"، والأعشاب تعلوا إلى فوق الركب لخصوبة أرض أم الخيرات، حتى أننا ما زلنا نقول "بالعراق حتى بالجادة هم يطلع ركـّي". وعندما تبدأ ثلوج الشمال بالذوبان، ونهر دجلة ينطلق مزمجرًا كالنمر الأحمر الكاسر (لذلك دعي باسم: تايجريس) يغطي السواحل والجزرات الرملية بالغرين الأحمر الخصب، والعصافير تبني أوكارها، ويبدأ صراع الفخاتي والغربان على أغصان شجرة الكليبتوس في بيت محمود ونـّاس في ظهر بيتنا لبناء أعشاشها، (وكان هذا البيت هو الوحيد المبني بلبنات الطين والتبن، بينما باقي البيوت مبنية بالطابوق الأصفر المحروق). وتسمع أغاني الحب في كل مكان مع صداح الطيور، عند ذاك كنا نسترق النظر إلى بستان مامو وبستان كبه بعد انصرافنا من مدرسة السعدون، بحثا عن العشاق. وفي ذات يوم دعانا زيد ابن وزير المعارف إلى قصرهم وكان يسكن قرب بوابة القصر السائق "أبو دكة الشظر بالحنج"، وزوجته "المكحلة وأم النفنوف الأحمر اللي يلالي مثل الجنبط الجوري"، يطلان من الكراج ليشرفا على الداخل والخارج، تسلقنا شجرة النبق (السدر)، وهي دوحة عالية ظليلة تشرف على بستان كبه، كنا زيد وإياد وخيري وطالب الجابي نفتش عن "الصولات" (الكبيرة الحمراء) من ثمرات النبق، فوقع نظر خيري على عاشقين غائبين في قبلة ولا قبلة تيرون باور مع ريتا هايورث، أو قبلة كلارك كيبل مع الممثلة الجميلة فيفيان لي في فلم "ذهب مع الريح"، فكاد يسقط من انفعاله وكادت تفلت من شفتيه شهقة مع الصيحة المعتادة في مثل هذه المواقف لمعاكسة العشاق:"ولكم اشدتسوون؟". فتمالك نفسه وأشار بسبابته إلى العاشقين، وأدركت لماذا لم يحاول معاكستهما، فقد كان الفتى ضابطا شابا برتبة ملازم ثان، وعلى كتفيه نجمة ذهبية لامعة، وعلى صدره الحزام والقايش وبيده عصا القيادة، والمسدس يتدلى من حزامه. وأن تعاكس ضابطا شابا مثله في مثل هذا الموقف "ترى والله الحكاية تصير مو شقا". أفلتت الفتاة من بين ذراعي عاشقها كأنها غضبى وانتزعت منه عصا القيادة وصارت تضربه بدلال ضربا هو "للحبيب كالزبيب"، وهو يضحك ويحملها بين ذراعيه مرة أخرى ويشبع رقبتها وخديها لثما، ثم غابا عن أنظارنا تحت أغصان أشجار النومي واللالينكي والبرتقال، وبقينا مشدوهين فاغري الفم مما شاهدنا من أسرار الغرام. كانت هذه أول مرة نشاهد ما يحدث بين الفتيان الذين كانوا ينتظرون فتياتهم بعد انصرافهن من المدارس الثانوية وخلوتهم معهن في بساتين البتاويين وكبة والكرادة.
وفي سنة 1944 بعد أن علمنا بالكارثة الكبرى التي أنزلها النازيون بيهود أوروبا، ووصلت إلينا فظائع معسكرات الإبادة والأفران النازية، أعلن يهود العراق الحداد وصار خالي داوود ساسون يأخذنا معه للصلاة وقراءة "القديش" على أرواح ضحايا المحرقة النازية في كنيس مئير طويق في البتاويين، ومعه رزمة من القماش الأسود لفرشها على المقاعد حدادا. انتهينا من صلاة الفجر وسرنا في منتصف بستان مامو ونحن نسمع من ورائنا صياح حماميل سوق البتاويين المرح وقد بدوا بدشداشاتهم البنية كعصافير مزقزقة وهي في عنفوان بناء أعشاشها حين تبدأ بالتلاعب بينها بين نقر وجر لأجنحة الآخرين وذيلهم، وفجأة دفع عصفور كبير عصفورا اصغر منه على كومة حشائش وارتمى فوقه، فانتهز الفرصة عصفور آخر وارتمى فوق الثاني، وهكذا إلى السادس، ثم تغيرت فجأة نغمة الضحك إلى أنين نسائي فيه لذة وألم تتناغم مع حركات الظهر. لم أفهم ما هي هذه اللعبة، ولم أكن قد رأيت مثلها من قبل، وعندما رأيت خالي داوود وقد احمر وجهه خجلا وقد تسمرت عيناه في الكومة المهتزة بدهشة عارمة، أدركت أن الأمر لم يعجبه وأن هناك سرا لا أفهمه. ثم خفتت الأصوات فجأة، ورفع احدهم رأسه فوقعت عيناه علينا، فانتفض واقفا وقد تبللت دشداشته تحت سرته، وصاح "أيهود كواويد شدسوون هنا؟" وقام الآخرون والتفوا حولنا ولكل منهم بقعته الرطبة على دشداشته: "والله أبفرهود اللاخ راح ناخذ كل الذهب البقينالكم، راح تشوفون، كل الذهب، هل كدّه ناخذا إلنا" وهو يفتح ذراعيه ليرينا كمية الذهب الذي سيفرهدوه منا. ثم انطلقوا في اتجاه الشارع الرئيسي المؤدي إلى الكرادة وهم يسمعون أصواتا كأبواق سيارات أم العانة ليستروا خجلهم.
وفي طريقهم مروا بمربط الخيل التي جاء بها السواس لركوب الضباط الانكليز والهنود الكركا والسيخ. فلما رآهم الحماميل الصغار صاروا يعدون ورائهم صائحين: "صاحب، سيكاريت، جوني، سيكاريت!"، وهم يشيرون بإصبعي الوسطى والسبابة إلى شفاههم، فألقى الجنود الأجانب إليهم ببعض السيجاير وبعض النقود وهم يتضاحكون ويقولون "صاحب، بعد، صاحب بعد!"، فنهرهم بعض الشبان قائلين: "خليهم ايوللون، ذولة كواويد، جنود احتلال، عيب لا تنزلون ابنفسكم كدامهم"، والحماميل منهمكون في البحث عن الفلوس الحمراء الصغيرة اللامعة التي ألقى بها الجنود والضباط إليهم ليحببوا أنفسهم إلى الشعب العراقي.
أعتدنا التنزه في الشارع الرئيسي المؤدي الى الكرادة وفي شارع أبو نواس (أبو النويص، كما كان يحلو للبعض تسميته) وكان بعض الشباب يعاكس الفتيات اليهوديات والمسيحيات، بقولهم "فدوه عيني على هل جمال! فدوه على هل طول، ما تجودي علينا بنظرة يا حلوة، آخ يا با، ترى راح أموت!" فيبدين امتعاضهن من مثل هذه المعاكسات أمامنا، ويرسلن نظرات زعل فيها شيء من الحياء والبسمات المكتومة تخفي فرحة عارمة في قلوب تخفق كأنها سرب من الظباء يرقص في ضوء القمر، فرحا بهذا الغزل. أما الجريئات فكن يقلن بدلال "ولك ما تستحي على طولك، تقبل هيج ايسوون بأختك؟"، أما إذا كان الشاب سمجا ولم يلق الحظوة عندهن فكن يقابلنه بنظرات غاضبة شحيحة لا يشوبها حتى شبح ابتسامة مكتومة.
ثم اكتشفت أخيرا أن نظرات الفتيات التي كانت تبدو مرتبكة حييّة، وهن "عاقدا الحاجبين، على الجبين اللجين" بامتعاض، كانت في حقيقة الأمر "تحمّل طرفهن رسائل" إلى العشاق المعاميد. جلست عصرا والشمس تميل إلى الغروب على مقعد في شارع أبو نواس أستعد للامتحان التاريخ المحبب لدي وشمس الغروب تهبط رويدا في أفق كرادة مريم في ذاك الصوب والنخيل على الساحل أمامي تبدو كسرب من العذارى يرقصن وقد "سكرن من خمرة الأصيل". ثم اعترض شعاع الشمس الساطع كالسيف القاطع بَلـَم (زورق) وأعشى نظري ولم استطع رؤية من يتهادى فيه، وكل ما رأيته أربعة أشباح، البلـّمجي بالجراوية ممسكا بالمجاذيف ليقترب من الساحل أمامي، وشاب يتهيأ لصدمة البلم ويقف ليساعد فتاتين على الهبوط إلى الساحل وهو ممسك بأيديهن. ثم اختفت الأشباح وراء الشارع وفجأة برزت ثلاثة شخوص. حدقت فيها جيدا ولم أصدق عينيّ، هذا خاجيك الدون جوان الأرمني الأشقر بعينيه الزرقاوين الواسعتين مع فتاتين يهوديتين أعرفهما جيدا، ماركريت المتزوجة اللعوب، وصديقتها الحسناء مارجوري الجميلة ذات الشفتين الشهاونيتين المكتنزتين. غامت الدنيا في عيني، وسمعت أصوات نساء يهوديات يعولن: "وي أبيل وي غماد، يهوديات كشيرات طلعوا قيسيغون ويا عريلي ياكل لحم خنزيغ!"، (يا للعار ويا للشنار، يهوديات طاهرات، خرجن يتنزهن مع أَغْرَل من أكلة لحم الخنزير!)، إلى أين بلغت وقاحة هاتين الفتاتين، واحدة متزوجة والأخرى يتهافت شباب اليهود لخطبتها، خرجتا للنزهة مع أرمني "عريلي". وتذكرت الكراهية العميقة بين المسيحيين الذين كانوا يتهمون اليهود بأنهم صلبوا المسيح الرب، بينما يذكر اليهود حرق إخوانهم أحياء في اسبانيا ومذابحهم في روسيا القيصرية. لقد نشأنا على عداء الأديان، وتذكرت بخجل كيف أن بعض الأطفال من يهود الكرادة عندما كانوا يسيرون ذات يوم قرب دير للراهبات عثروا على سلسلة فيها صليب، فشفوا غليلهم بكسر الصليب وسحقه بأقدامهم، تماما كما يفعل اليوم مضرمو النار في الأعلام الأمريكية والإسرائيلية في مظاهراتهم الصاخبة.
بلغت الفتاتان مكاني حيث جلست ساهما ونظراتي تقدح شررا غاضبا على تصرفهما المشين. كانت ماركريت أول من تعرفت علي، إذا كانت تمسكني خلسة في بعض الأحيان على انفراد في بيت خالي حاييم حيث تسكن نزولة عنده مع زوجها وولديها الصغيرين، وتشبع نهمها بوابل من القبلات على خدي. صاحت بدهشة: "وي أبدالو لاسمك سامي، كبارة عليك! أش قيعد تسوي هوني؟" (أفدي اسمك، وفداك، وما جلوسك هنا؟). أخبرتها ببرود بأني أتهيأ للامتحان. قالت "خطش لك، ما أنت شاطغ، تال اتونس ويانا، دنّاخذك السينما غازي، أكو تيرون باور وريتا هايورث، وهذاك الغقص وهذيك الونسة. نخاف انغوح ابحدنا ليتحاغشون بينا!" (ما لك وللتحضير، أنت شاطر، تعال تفسح معنا، نأخذك إلى سينما غازي، هناك يمثل تيرون باور وريتا هايورث، ويا له من رقص وفرح. نحن نخشى الذهاب وحدنا، لئلا يعاكسونا). وأمسكت بيدي ودست مائة وعشرين فلسا في جيبي ثمنا لثلاثة تذاكر من الدرجة الثانية، وأنا أعاني من تأنيب الضمير والخوف من اكتشاف ذنبي الأثيم. هل هذه رشوة لكي لا أشي بها عند زوجها المغفل؟ ووقفت ماركريت مع صديقتها وقد أسندتا ظهريهما إلى الحائط خوفا من تحرش الشباب بهما، ينتظران عودتي بالتكتات التي ستضمن عدم بوحي بالسر الرهيب. للحديث تتمة في الفصل التالي (44)
القسم 4

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تحية ليهود العراق
مؤرخ الاضطهاد -

تحية الى الكاتب الرائع فلعمري لقد شررحت مكنون قلوب العراقيين اين ماكانوا فتحية للعراق لارضه لنهريه لشمسه لنخيله لليشهد التاءريخ اننا على عشقه باقون الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا

شيء من التاريخ
سعد الغريري -

اولا قبل ان يتهمني البعض مسبقا, كما فعلوا هنا, باني كذا وكذا فانا مسلم سني والحمد لله عراقي مقيم في الارجنتين منذ العم 1982, حين غادرت العراق نادما ولكن الايام اثبتت إني على حق. فانا وإبن عمي رائد الغريري, إستشهد إبان قادسية صدام , كنا طلاب في احسن مدرسة في تاريخ العراق الا وهي فرنك عيني. عندما قرر والدي رحمه الله الحاج فيصل الغريري على إرسال ابنه الوحيد الى مدارس اليهود قامت قائمة العشيرة, لكنه اصر على ذلك وعانى من ذلك الاصرار كثيرا, ولكنه كان على حق, وسار عمي, شقيقه الحاج فاروق الغريري على خطاه وارسل إبنه الثالث رائد (رحمه الله) الى تلك المدرسة. كنا في الصف الاول الابتدائي حين قامت ثورة 1963, وراينا بام اعيننا ما فعله الحرس القومي بحق تلك الجالية اليهودية و يلقبونهم (الطائفة الموسوية), حيث الاهانات والتحقير لمجرد انهم يهود, علما بان قسم منهم يعود تاريخه الى السبي البابلي ايام نبوخذ نصر , حيث عاشوا في العراق لاكثر من الفين وخمسمائة سنة. ومع هذا اصبحوا اناس غيرمرغوب فيهم بعد مجيء سلطة 1963 الى الحكم. الايام التي قضيتها في تلك المدرسة كانت احلى ايام حياتي, لم القى اي تعامل فظ من اي طالب او مدرس او مدرسة, الاحترام السائد بين الجميع كان هو الحاكم بيننا, علما ان القسم الاكبر من عباقرة العراق تخرجوا من المدارس اليهودية وكلية بغداد ومدرسة يهودية اخرى تدعى مناحيم صالح دانيال وجامعة الحكمة. وبعد حرب حزيران عام 1967, بدا مسلسل الارهاب الذي رايناه بام اعيننا, فكان إعتقال اولياء امور الطلبة لا لشيء سوى لكونهم يهود!!!, وثم يختفي احد طلاب الصف ونسمع التهامس في اليوم التالي انهم اجبروا على ترك العراق, وكنا نسال لماذا؟ واحيانا كنت انا نفسي اعتقد انهم يهاجرون ولكن الحقيقة المؤلمة بانت يوم شاهدنا صديقنا يوسف حياوي وعائلته اقتيدوا معصومي الاعين خلال شوارع بغداد ومن ثم عرفنا انهم اقتيدوا الى الحدود الايرانية وتم إبعادهم, ولا احد يعرف السبب ليومنا هذا. وبعد عام 1968, حدث ولا حرج, اخذ عدد طلاب المدرسة يتقلص بشكل يومي , بعد ان تخرجت من فرنك عيني, التحقت مع الشهيد رائد الى كلية بغداد وبعدها جاء تاميم التعليم و الباقي معروف للجميع. اثناء زيارتي الى لندن عام 1987, التقيت باحد العراقيين صدفة في هارولدز, وبعد حديث قصير وبعد ان إطمئن إني لست من عملاء المخابرات او السفارة العراقية, تبين ان

لقد لمست شغاف القلب
ابو يسر -

الرائع بحب العراق الاستاذ سامي موريه والله لقد لمست شغاف القلب بحبك للعراق ....استاذي العزيز والله وانا اقرأ كتاباتك هنا ابكي واضحك كثيرا حتى اطفالي يغمزون الى امهم بنظرة تشوبها الكثير من الشك عندما يشاهدونني اقرأ لك ((هل جن ابانا بحب هذا اليهودي العراقي الاصيل )) والله العراقيين الذين يكنون هذا الحب للعراق لو حكموا العراق لما كنا الان نحن المسلمين العراقيين نحنن لتربه العراق ولوجع العراق ولا يفصلنا عن العراق سوى ثلاث ساعات ونصف بالطائرة لمشاهدة العراق ....فشكرا اخي واستاذي العزيز على هذه المشاعر الصادقه التي اي عراقي اصيل وشريف مهما كان دينه يحس بوجعها واصالتها ....شكرا مرة اخرى

تحية
احمد الواسطي -

تحية لك يا سامي , تحية لك يا ابن العراق الشريف , تحية لك ولكل يهود العراق الذين شردتهم المخابرات البريطانية بمعونة الصهيونية العالمية والامن العراقي في ذلك الوقت , نعم ان في العراق سحر حتى انا لا اعرف كنهه , فنحن نحبه بالرغم من ظلمه لنا , وهكذا هم يهود العراق يحبونه بالرغم من كل هذا الزمن الطويل من التهجير والتشريد , انه ليوم سعيد ونرى اهلنا اليهود يعودون الى وطنهم العراق وتعود لهم املاكهم المسلوبة منهم عنوة , لا بد للحق من ان يعود الى اصحابه ولابد للطيور من ان تعود الى اعشاشها ولو الى حين .

صالح الكويتي
علاء -

اخي شموئيل (سامي) موريه تحيه طيبه واشكر روح العراق الساكنه فيك كتبت كثيرا عن العراق واليهود لكنك لم تتطرق الى الفنان صالح الكويتي هدا الفنان العراقي الاصيل علما اننا في لمؤسسه العراقيه الاستراليه للثقافه والفنون قامت بامسيه تخليدا لهذا الفنان الفذ حيث ان الفنان اسماعيل فاضل اجاد غنء الفنان صالح الكويتي وصورت اللامسيه كل من السيدين صباح فنجان واسيد ادور هيدوا تحيه ليهود العراقيهود وصابئة العراق ملح العراق

دجلة والمسسبي
صفاء مرمرجي-اميركا -

بعد سقوط النظام كتب علينا النفي في ارض الله فقد تفرق جمعنا وتفرقت العائلة الواحدة بين القاهرة ودبي وسدني وحلب وافيون التركية ، ثم شاء الله ان يجمعنا في منفى واحد في مدينة سانت لويس في الولايات المتحدة الاميركية ، وهلني منظر نهر المسسبي حين رايته لاول وهله فهو شديد الشبه بدجلة الخير ، تمشيت على ضفافه وقد ملأت انفي رائحته التي الفتها من قبل ، نعم نفس رائحة دجلة ، وعندما نزلت الى جرفه وجدت نفس الطمى و(الزميج) التربة المزيجية كما كنا نسميها في بغداد ، ثم صدقت الحلم فاكملت المشي على ضفاف المسسبي لعلي اجد فيه ما كنت اعهده في ضفاف دجلة ، وهنا خاب ظني فلا سمك مسقوف ولا ابو جاسم ولا مقهى البغدادي ولا اشجار الكالبتوز ولا شهريار تحكي قصص الف ليلة وليلة ولا شهرزاد يصغي اليها ، فبكيت حتى حسبت دموعي تنافس امواج المسسبي .

ذكريات
يوسف -

شكرا للأستاذ سامى على كتابته الشيقه اذ يعود بنا الى ايام بغداد الجميله فيصف الواقع كما كان بحلوه ومره . صحيح ان العراقى يبقى عراقيا حتى اذا غادر لتلفات الدنيا . نرجو من الأستاذ ان يستمر بسرد ذكرياته فيمتعنا بها وشكرا .

سلمت يااستاذ
علي المدني -

كلما أقرء لك مقالا لاأتمالك نفسي من البكاء حنينا للعراق وعلما لدي صديق يهودي في السبعين من عمره ابا داوود اتجاذب معه الحديث فوجدته محبا للعراق وزارعا هذا الحي بقلوب اولاده ؟

hi
adel -

hi safaa we are al fan of sami we wait from time to time to read what is he saying we live in saint louis to we want to know where u live in saint louis please write ur tel number in this website afreind from baghdad

الحب في العراق اجمل
عروس الالهام -

كلما اقرأ لك استعيد ما غاب عني واصبح في تخوم الذاكرة..تلاشت الصور في مطحنة الحياة..استذكرت ايام بغداد التي منها العشق والحب يخجل..ايام كنا نبدي للفتيان تمنعا اذا ما عبروا عن مشاعرهم لكننا نتحرق شوقا لنصادفهم في الطرقات او في ناديي العلوية والمنصور..او عند انصرافنا من المدرسة الثانوية..وكان يزعجنا شاب يلعب دور ابو جاسملر..ويتصدى للجميع ليمنعهم من ملاحقتنا..وكانت مدرستنا الثانوية تجري احتفالا سنويا مع اقتراب نهاية العام الدراسي..وهو اليوم الموعود..للالتقاء بالشباب وتبادل النظرات والابتسامات والتمنع والغنج واحيانا البدء بعلاقات جادة انتهت بالزواج وانجاب الاطفال.. وساعة السودة ياحب.... ومحد نصحني..سامي ياعاشق العراق.. قلمك المبدع يستثير الهمم ويحفز على ركوب الصعب من اجل العراق..ليوحي بفكرة تنهض بها لتشكيل تجمع عراقي عبر المنافي والشتات ..يكون منبرا لتبادل الذكريات وتقوية الروابط واتخاذ مواقف مجتمعية لدعم الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية والعرقية..وصدقا لا اجد عبارة تفيك حقك ويكفينا فخرا انك عراقي ابن دجلة والفرات...

الصول والسيبندي
ام محمد -

لم اسمع بهاتين الكلمتين (الصولات والسيبندي ) منذ اكثر من15 سنه..عندما طوتنا الغربة بأوجاعها غربة في الوطن وغربة المنافي...وسامي يعود بنا الى ايام الحب الجميل يتبغدد علينا ويصول ويجول مقلبا صفحات الذاكرة بقلمة الانيق وعباراتة الجزلة..الا ليت عمري..والزلف هجرك فضضه كما يقول النواب ورد فضضه ويبدو مامش رجوع..متى سنلتقي ياعمر العمر ياعراق؟

الصول والسيبندي
ام محمد -

تكرر الرد تم نشر السابق

اهلنا
ام ريم -

قتل الانسان ما اكفره..لو عاد الزمان لأهل العراق لما فعلوا مع اهليهم اليهود ما فعلوا...

Baghdady
Salem -

Your articles bring very good memories to us allWe used to live in peace and harmony but that was a long time a go.A while a go I met Iraqi Jewish in New York he was so happy he called all his Family to meet me and asked me so many questions about Iraq. What are you writting is true and interesting that no one want to admit it especially from the officials. Its a good lesson for all humans to learn to love each other.Some one has to compensate the Jewish People for thatBut humans are different there are a good and bad peoplePlease keep writing. I look forward to your articles all the time

أنسان ووطن وذكرى .
الحكيم البابلي -

لا يملك العراقي الأصيل بصورة عامة ، والبغدادي القح بصورة خاصة إلا أن ينسجم ويتناغم مع إنسياب أحداث وذكريات هذا المقال ، وما تؤججه الذكرى من أشواق ، ( ولا يعرف الشوق إلا من يكابده ) . لا زلتُ أتذكر طفولتي في منطقة البتاويين في بغداد ، ايام العهد الملكي ، وكان بيتنا في شارع تونس ، الذي يبدأ من ساحة النصر ، حيث تمثال عبد المحسن السعدون ، ويخترق البتاويين الى القصر الأبيض . من جيراننا كان هناك ثلاثة أو أربعة بيوت يسكنها يهود نسيت أسماء عوائلهم وحتى أسماء أولادهم من الذين كانوا بعمري أو أكبر . وقرب بيوتنا كان هناك محل للبضائع اليومية (دكان) ليهودي عجوز أحمر الشعر إسمه إبراهيم ( أبو شعر الطماطة ) . هذا وقد ورد في مقالك يا سيد سامي ( أشقلنا صْباح ) ، وضحكتُ كثيراً حين قرأتتها ، وهي جائت عفوية جداً ، وأذكر أن اُمي كانت قد حكت لي قصتها ومعناها . شكراً سيدي على مقالكم الممتع ، وإلى مقال آخر يعيدنا الى ذكرى الأيام الحلوة ، وإن كُنا إفترقنا جميعاً لأسباب مُختلفة ، فنحنُ نلتقي جميعاً على حُب الوطن الأم . تحياتي .

من نحن بغير العراق
عبد الجليل المحامي -

يا سيدي العزيزيا اأيها المحكوم عليه بالعشق الأبدي منذ الاف السنين ، المفتون بالذكريات ، الفارق في الحنينان هذا العراق هو قدرنامكتوب علينا ان نكون ابنائهلا يشبعنا غير تمر نخيله ولا يروينا سوى ماء فراته ، يعذبنا يعريناينفينا ، هو قدرنا يصلبنا فيصبح كل واحد منا المسيح يذبحنا وكأنه في عيوننا الذبيح 00فمن نحن بغير العراق

من نحن بغير العراق
لقاء احمد -

شكرا لك يابروفسور سامي على هذه الذكريات هي اسطورة من اساطير العراق القديم وهي لوحة حب صادق بين عاشق ومعشوق لم تفرقهما بعد المسافات او طول الاوقات وشكرا لك مرة اخرى لانك فتحت لنا صفحة كانت مطوية من الزمن الجميل لبلد غاب عنه الجمال منذ سنين0

من نحن بغير العراق
لقاء احمد -

الرد مكرر تم نشر السابق

حمائم دجلة والفرات
أحمد جبار -

يهود العراق وما أدراك ما يهود العراق حمائم سلام حطت زمناً طويلاً على شواطئ دجلة والفرات لكن عواصف الحقد والكراهية أجبرتها على الرحيل ورغم كل ما حدث تسامت هذه الطائفة النبيلة على جراحها وظلت عواطفها صادقة جياشة نحو وطنها الأم وظلت حرقة الفراق مشتعلة في قلوب أبنائها ولا أحسب أن لها نهاية وكثير ما رأيتهم في لقاءات تلفزيونية يذرفون الدموع حبا بالعراق ولكن هيهات لدموع أن تطفئء حرقة النفوس المشحونة بالذكريات أذكر هنا حادثة طريفة يرددها الناس من أهالي الديوانية حيث كانت تقيم هناك جماعة من يهود العراق وحين أضطر أحد أبناء هذه الطائفة للرحيل من المدينة ومغادرة العراق قال هذا البيت من الشعر الشعبي المسمى بالدارمي المعبر عن مرارة الفراق (مد أيدك على الروح اهنا يهل مار _____________ما ترضى تمشي وياي مجلبة بالدار ) ومعناه تلمس الروح أيها المار في الطريق فهي لا تقبل الهجرة معي متمسكة بالدار تحية حب واعتزاز للأستاذ الفاضل سامي موريه حامل لواء أدب الذكريات تحية لهذا الذهن المشحون بذكريات أيامه الحلوة التي عاشها بالعراق وفي الختام لا يسعني إلا أن اردد ما قاله الشاعر الفقيد أنور شاؤول حيث قال خبت المشاعر في الضلوع وأورثت________ للذكريات مجامرا لم تخمد