كتَّاب إيلاف

روسو وحرية الانسان الطبيعية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الأولىالحلقة الثانية 3-3 العقد الاجتماعي والمجتمع المدني يعتبر جان جاك روسو(1712-1778) واحداً من أبرز مفكري القرن الثامن عشر بفرنسا لإسهاماته الكبرى في عصر التنوير والتمهيد للثورة الفرنسية التي أثرت بدورها في أوروبا أوّلاً ثم في قارات العالم الاخرى.
كان روسو عالماً موسوعيا وله تأثير كبير في كثير من ميادبن المعرفة. فقد كان مفكرا سياسياً وعالم أخلاق وكاتبا بالفنون والآداب والتربية والنقد الحضاري. وقد تأثر في تفكيره التنويري بعدد من الفلاسفة أمثال هوبز ولوك ومكيافيللي وديكارت، منطلقا من عدد من المبادئ التي تقوم على احترام العقل.كما أثر بدوره في عدد لا يحصى من الفلاسفة والمفكرين أمثال كانت وهيجل. قدم لنا روسو نظرية تختلف عن نظريات هوبز ولوك انطلاقا من تحليله للطبيعة البشرية التي اكدت على حرية الانسان الطبيعية وكون الانسان خيرا وطيبا بالفطرة.
ان حالة الفطرة التي دعاها هوبز "حرب الكل ضد الكل" هي عند روسو حالة حرية كاملة تتسم بالمساوا ة والسعادة لكل ابناء البشر. ومع ان روسو انكر كون ان الانسان حيوان عاقل، الا انه رأى بان للانسان خاصية مميزة هي قابليته للكمال، ومعنى ذلك انه من الممكن اصلاح الجنس البشري وتطوره. فبعد ازدياد عدد السكان والتقدم الاقتصادي وتعقد الحياة الاجتماعية، تطورت الحياة الاجتماعية الطبيعية الى حياة اجتماعية مدنية، وتحولت البشرية من حالة الفطرة وبساطتها وسعادتها الى حالة من الفوضى والصراع وفقدان الامن.
ان حالة الفوضى والصراع دفعت الافراد، الذين وجدوا انفسهم ملزمين لكي يحافظوا على حريتهم وامنهم واستقرارهم، الى ان يتفقوا فيما بينهم وان يقيموا مجتمعا مدنيا على اساس عقد اجتماعي، يتنازل كل فرد بموجبه عن حقوقه للمجتمع ويضعها تحت تصرف سلطة عليا، بحيث يصبح كل عضو فيه جزءا لا يتجزأ من الكل او من "الارادة العامة" حسب تعبير روسو، التي هي ليست مجموع ارادات الافراد وانما هي "روح عامة" او "عقل جمعي" يعبر عن المصلحة العامة التي هي مصدر القانون والسلطة. يولد الانسان حرا ولكنه مكبل بالاغلال في كل مكان في كتابه "العقد الاجتماعي". يؤكد روسو على حرية الانسان الطبيعية التي يتنازل عنها للاخرين من اجل الحفاظ على حريته نفسها، حيث تصبح المدينة هي السيادة او السلطة لكل الافراد، مع انها، وبنفس الوقت، تقيد حرياتهم وتكبلها.
يقول روسو: "يولد الانسان حرا ولكنه مكبل بالاغلال في كل مكان" ومعنى ذلك ان الانسان تنازل بموجب "العقد الاجتماعي" عن حقه الطبيعي وكذلك عن حريته الطبيعية، انطلاقا من ان الانسان ليس انسانا عاقلا. الا انه راى بنفس الوقت، بان للانسان خاصية اجتماعية مميزة هي قابليته للكمال، ومعنى ذلك انه من الممكن اصلاح الجنس البشري. لقد تأثر روسو بهوبز حين اكد على ان الحياة الاجتماعية ليست فطرية لان الافراد كانوا قد اضطروا لها لحاجتهم اليها، غير انه اختلف مع هوبز ايضا حين اشار الى ان حياة الانسان الاولى كانت خالية من الشر والشقاء واعتقد بان الانسان طيب بطبيعته، وان جميع الشرور هي من وضع الانسان نفسه. كما قال بان" كل ما هو طبيعي هو حسن وخير، وكل ما هو من صنع الانسان هو فاسد وقبيح".كما سخر روسو من فولتير في رسالة له اليه قال فيها " لو عاد الناس الى تلك الحالة التي تمناها(اي فولتير) لساروا على اربع". مؤكدا على ان عدم المساواة والشقاء بين الناس يعود الى سبب جوهري هو نظام الملكية الفاسد الذي يقوم على عدم توزيع الثروة توزيعا عادلا. يقول روسو: "ان اول انسان وضع يده على ارض معينة وقال انها ملكي، ووجد من حوله قوما بسطاء يصدقون ادعاءه، كان هذا اول فرد انشأ المجتمع المدني. وهو بهذا اول من خلق الجرائم والحروب والقتل والبؤس بين افراد الجنس البشري". ولكن عندما رأى الافراد ما تؤدي اليه الملكية واحتياز الثروة من مظالم واضرار، فكروا في انشاء النظم التي تخفف من مساوئها، وبذلك نشأت القوانين لتمديد حق المالكين المطلق، وهذا ما دعاه بالعقد الاجتماعي. ايميل والتربية
وإذا كان كتاب "العقد الاجتماعي" أهم ما كتب روسو في الفكر السياسي فإن له كتاباً آخر ترك بصماته على الحياة الفرنسية،إذ حكمت محكمة بإحراقه واعتقال مؤلفه، ذلك هو كتاب "إيميل أو التربية"(1762م). و"إيميل" اسم لفتىً يفترض أن روسو يقوم بتربيته منذ ولادته وحتى يصبح رجلا بناءً على قواعد تربوية جديدة وغير معهودة في بيئة ذلك الزمان مما اعتبر هو الآخر ثورة، لكنه دخل بعد ذلك في المنظومة التربوية العالمية. تقوم منظومته التربوية على ضرورؤة تعليم الاطفال بأناة وتفاهم وتجاوب المعلم مع اهتمامات الطفل. وحذر روسو من العقاب الصارم ومن الدروس المملة، ولكن مع الإمساك بزمام الأمور في افكار وسلوك الأطفال. فهو يعتقد بان الناس ليسوا مخلوقات اجتماعية بطبيعتهم، معلنًا أن من يعيشون منهم على الفطرة معزولين عن المجتمع، ويكونون رقيقي القلب، خالين من أية بواعث أو قوى تدفعهم إلى إيذاء بعضهم بعضًا، ولكنهم ما إن يعيشوا معًا في مجتمع واحد حتى يصيروا أشرارًا. فالمجتمع يُفسد الأفراد من خلال إبراز ما لديهم من ميل إلى العدوان والأنانية. أسس عدم المساواة بين الناس وفي " منشأ وأسس عدم المساواة" (1755م)، اعطى روسو للحرية والمساواة أهمية كبيرة وهاجم فيها المجتمع والملكية الخاصة باعتبارهما من أسباب الظلم وعدم المساواة. مثلما انتقد وبشدة زيف المبادئ الأخلاقية التي سادت في مجتمعه.
لقد كان التفاوت واحداً من اكثر اهتمامات روسو الذي كان منتشرا من حوله. ومن أكثر الموضوعات شيوعاً في فلسفته، التي حاول فيها اكتشاف مباديء النظام السياسي التي يمكن أن تقلل التفاوت بين الناس إلى الحد الأدنى. وكتابه في "أصل التفاوت" هو نتيجة تأملاته حول المساواة الطبيعية المقررة بين البشر، وتأملاته حول اللامساواة التي خلفوها. فبالرغم من أن هناك اختلافات وفروقاً طبيعية بين الأفراد واختلافات جسمية وذهنية وكذلك في المواهب والقدرات على الإنتاج والتحصيل، غير ان العلاقات السياسية المختلفة التي استقرت بين الناس إما أن تبالغ أو تقلل اوتعوض هذه اللا مساواة الأصلية. كما ذهب روسو إلى أنه كلما ازدادت القوة أو الثروة، فإنه لا يمكن أبداً خلق الحق المشروع، لان " الخضوع للقوة هو عمل من أعمال الضرورة لا الإرادة، وعلى الأغلب هو عمل من أعمال الحرص. فبأي معنى يمكن أن يعد واجباً؟ وعلى ذلك فلما لا يكون لإنسان بالطبيعة حق السيطرة على إنسان آخر، ولا يمكن للسلطة أن تستمد من القوة، فإنه ينتهي إلى أن الحل الوحيد المشروع لمشكلة السلطة السياسية هو العقد الاجتماعي، فهو الحق الذي يجعل من إرادة الناس ذات سيادة. وبدون هذا الأساس التعاقدي فإن تعهدات النظام السياسي لا يمكن أن تكون سوى خلاف لا معقول، وطغيان خاضع لأعظم قدر من سوء الاستخدام.
وعلى العكس من ذلك يقول في كتابه "العقد الاجتماعي".انه بدلاً من تدمير المساواة الطبيعية وهو الاتفاق الأساسي، تستبدل المساواة الأخلاقية المشروعة باللامساواة البدنية التي أقرتها الطبيعة بين البشر ـ والتي رغم أنهم قد لا يكونون متساوين من حيث القوة والذكاء، تجعلهم جميعاً متساوين عن طريق التعاقد والحق". وعن طريق إعطاء الكل نصيباً متساوياً في القوة المشروعة، فإن النظام السياسي الذي يبنى على نحو جيد يستطيع أن يجعل المجتمع المدني حالة من المساواة أعظم من الحالة الموجودة بينهم على نحو طبيعي. وفي جمع كتاباته السياسية رسم روسو الخطوط العريضة للنظم التي كان يعتقد، أنها لازمة لإقامة ديمقراطية يشارك فيها كافة المواطنين.و يعتقد أن القوانين يتعيّن عليها أن تعبر عن الإرادة العامة للشعب وأي نوع من الحكم يمكن أن يكتسب الصفة الشرعية مادام النظام الاجتماعي القائم إجماعيًا. واستنادًا إلى ذلك، فإن أشكال كافة الحكم تتجه في آخر الأمر إلى الضعف والذبول. ولا يمكن كبح التدهور إلا من خلال الإمساك بزمام المعايير الأخلاقية، ومن خلال إسقاط جماعات المصالح الخاصة.
ومثلما تأثر روبسبير وغيره من زعماء الثورة الفرنسية بأفكار روسو بشأن الدولة ونظام الحكم، أثرت هذه الأفكار في كثير من قادة الحركات الاشتراكية. كما مهد روسو في كتاباته الادبية والفنية لقيام الحركة الرومانسية، التي سيطرت على الفنون والاداب منذ أواخر القرن الثامن عشر، من خلال تغليبه المشاعر والعواطف على العقل والتفكير، والنزوة والعفوية على الانضباط الذاتي والرجوع الى الطبيعة. كما أدخل روسو في الرواية الفرنسية الحب الحقيقي المضطرم بالوجدان، كما سعى إلى استخدام الصور الوصفية للطبيعة على نطاق واسع، وابتكر أسلوبًا نثريا غنائيًا بليغًا وجميلا. المصادر: 1-Iring Fischer,Rousseau Politische Philosophie,Suhrkmp,1989 2-Klaus Fischer,Jean-Jacques Rousseau,Die soziologischen und rechtphilosophischen Grundlagen seines Denkens, Baden,1991 3-Guenter Mensching, Rousseau zur Einfuehrung, Hamburg 2003 4-Jean Jacques Rousseau,in: Phiosophisches Woerterbuch.Kroener Verlag,Stuttgart,1965,S.516f

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الدين كمرجعية للحرية
الايلافي -

نعم ولكن ماهي مرجعية الحرية عند روسو ؟! اذا اختلفت انا وانت حول سلوك ما اعتقد انا انني فيه حر وانت تعتقد عكس ذلك فما هي المرجعية ؟! لاحظنا اهما ل روسو للدين هنا ودوره كمرجعية للحرية هل يعول على العقل ام الثقافه في منطقة العقل ما يراه عقلك ان جيد قد يراه عقلي انه سيء والعكس بالعكس اذا لا مناص من مرجعية وكمسلمين مرجعيتنا صريح القرآن وصحيح السنة كونهما مرجعية محايدة بين طرفين يدعيان ان الحق معهما اعتقد ان هذا الامر مريح لنا جميعا اليس كذلك ؟

القيد والحرية
رمضان عيسى -

أتساءل : كم قيدا حولي ؟ وأكتشف أنني مثقل بالقيود ، قيد اسمي وقيد والدي ، قيد وطني ، قيد الميراث الاجتماعي. والسؤال : كيف أتعايش مع هذه القيود ، كي أكتسب بعضا من الحرية ؟ ولا تصبح هذه القيود ثقيلة تحشرني في خانة فقدان الماهية ،السلبية ، الانتحار . بحثت عن الجواب ، وبعد طول بحث واستقصاء ، لم أجد غير المعرفة والثقافة هي الملجأ لك من هذه القيود ، فالمعرفة تجعلك تسبر غور الأشياء ، وتفهم ماهيتها ، ما اختفى من الأشياء ، واذا عرفت المستور ، عرفت كيف تبدأ الأشياء وكيف تنتهي ، زال العجب ، زال الاندهاش ، زالت القداسة ، زال الخوف من المجهول ، زال الخوف من الظالم ، زال الخوف من الظالم ، زال الخوف من السلطة ، زال الخوف من الطبول الجوفاء التي تتجلبب بالوقار ، زال الخوف من الديكتاتوريين ، وفعلا ستعيش في بعض المعاناة من هذه المعرفة وسينالك الضرر لأنك تعرف ، ولا بد أن تتصرف وفق هذه المعرفة ، وفق هذا الفهم للأشياء والنظم والأفكار التي تعيش معها ، ولكنك بالمعرفة ستكون أكثر وعيا وشعورا بالحرية ، لأنك ستمارس العمل بصدق ، والفعل ورد الفعل بوعي كامل لايتبعه ندم أبدا ، هذه هي الحرية ، انها فهم ما حولك ، من الطبيعة ، من الناس ، من النظم ،من القيود ، فالحرية هي فهم الضرورة ,