أبواق النصر نحو (عالم جديد)!!

هل "ستتَطْلْبن" باكستان؟! وهل صحيح قول بشار الأسد بأن " المتغيرات أثبتت صحة الرؤيتين" الإيرانية والسورية؟ وهل يحق لأحمدي نجاد أن يقول من دمشق: "النصر قد حلّ علينا"، و" إن الأميركيين يركضون وراءنا الآن ووراء السوريين وذلك جراء صمودنا..." و"إن لم تتمسك إيران بالمشروع النووي وعدم تراجعنا عنه لفقدنا عنصر القوة عندنا، وانهرنا أمامهم.."؟؟
هذه تساؤلات مثارة اليوم بحدة، فيما تواصل قوات طالبان القتال الشرس في وادي "سوات"، ولم تعد تبعد بأكثر من مائة كيلومتر عن العاصمة الباكستانية.
إن الوضع الباكستاني خطير جداً ولعله أخطر وضع في العالم لاحتمال وقوع القنابل النووية في أيدي طالبان والقاعدة، وهذا احتمال قائم، كما يؤكد المبعوث الفرنسي لأفغانستان وباكستان، بيار لولوش. إن الإدارة الأميركية باتت تدرك الخطر وتعمل مع كرزاي وزرداري لمعالجة الموقف، وقد طلبت من الكونغرس تخصيص ما لا يقل عن 7 مليارات ونصف المليار عونا غير عسكري لباكستان.
السؤال اليوم: هل إن حكومة زرداري قادرة على حماية باكستان وقنابلها من السقوط في أيدي طالبان، وهي الحكومة المهتزة والتي تواجه معارضة داخلية شرسة؟ وهل يحق لإدارة أوباما أن تنتظر الحل لدى نواز شريف الذي كان خلال رئاسته للوزارة قد قدم تنازلات كبرى للإسلاميين المتطرفين، شأنه في ذلك شأن بينزير بوتو التي كانت باكستان في عهدها أول دولة تعترف بطالبان؟
مع تفاقم خطر طالبان على باكستان والأمن العالمي كله، تنهار إحدى الخرافات الكبرى لأوباما، ونعني خرافة الحوار مع "معتدلي طالبان"؛ فكما أنه لا يوجد معتدلون في القاعدة، فليس هناك معتدلون طالبانيون، علما بان القاعدة وطالبان مندمجان.
تقول إحدى الصحف الفرنسية بأنه بينما يواصل الإستراتيجيون الأميركيون بحث خطط العلاج نظريا على أساس حل أفغاني - باكستاني مترابط، فإن طالبان راحوا يأخذون المبادرة ميدانيا، وهم يتحركون بحرية على جانبي الحدود الباكستانية - الأفغانية. أما الحملة العسكرية الباكستانية المعاكسة والجارية حاليا، فهي أمام الخطر الجدي لأن تكون ذات حدود ضيقة كما تقول الفيجارو، وإن المبعوث الفرنسي يؤكد أن هناك حوالي سبعة مراكز قرار في الإدارة الأميركية حول باكستان وأفغانستان.
أما عن إيران، فإن كانت هناك سبع مراكز قرارات عن أفغانستان وباكستان، فالأرجح أن العدد هنا أكثر، كما يظهر من تعدد الاجتهادات وتضارب المواقف المتناقضة؛ يضاف لذلك ما ينصح به الدعاة اليساريون، الأميركيون والبريطانيون وغيرهم، من أمثال الغارديان والإندبندت ونيويورك تايمس، ولاسيما كاتبها روجير كوهين. الأخير نشر على مدى أكثر من شهرين سلسلة مقالات لصالح إيران، كان آخرها مقالا، [ نشرت الشرق الأوسط ترجمته العربية]، يتقدم بمشروعه لحل العلاقات الأميركية-الإيرانية، ولو محصنا المشروع جيدا فيمكن تلخيصه كالتالي: "على إيران التعهد بعدم تقديم الدعم لحماس وحزب الله ومقابل ذلك يجب رفع العقوبات عنها وتزويدها بكل ما تحتاجه من تقنيات ومواد نووية، بما في ذلك منحها مفاعلا نوويا فرنسيا. بعبارات مكثفة: إن المشروع يضمن حسن نوايا طهران ويستخف بلا حد بالخطر النووي الإيراني.]
لقد أعربت مصر ومجلس الخليج والأردن عن القلق من النووي الإيراني ومن احتمال عقد صفقة أميركية - إيرانية على حساب قوى الاعتدال. هذا قلق مشروع، فالحقيقة أنه منذ تبوأ أوباما لولايته، رفعت قوى التطرف والإرهاب رؤوسها عاليا، بينما ازداد الشعور بالقلق في المنطقة. صحيح إن إسرائيل هي القلقة أيضا، وموقف إسرائيل يستحق مقالا مستقلا من حيث العلاقة بين القضية الفلسطينية والنووي الإيراني: هل هما ملتحمان تماما، أم مترابطان، ولكن مستقلان في وقت واحد؛ بمعنى استقلالية كل قضية من حيث سبل معالجتها. لكن نقول هنا إنه متى شعرت إسرائيل بخطر جدي على كيانها بالذات فسوف تقصف بقوة، سواء رضيت أميركا أو عارضت، وسيكون لسان حالها "علي وعلى أعدائي يا رب"، فتقع المنطقة كلها في كارثة الكوارث ويحل فيها الخراب الشامل.
لقد نشرت "واشنطن بوست، مقالا بعنوان " أوباما: عالم من المشاكل" لجاكسون ديهيل، وهو مقال نشرت ترجمته "الشرق الأوسط بتاريخ 7 مايس الراهن.
يقول الكاتب:
" يبدأ الرؤساء الأميركيون وكأن معظم مشاكل العالم نتيجة لخطأ أسلافهم، وباراك أوباما لا يمثل استثناء"، ويواصل المقال فيتحدث عن خطوات أوباما باسم تصحيح بوش، المتهم بالأحادية والترويج للحرب والاستهزاء بالحوار مع الأعداء. لقد ربح أوباما أرباحا سهلة عند قاعدته وحلفاء لأميركا في أوروبا، والآن، وكما يقول الكاتب، "يأتي الجزء المثير للاهتمام: عندما يظهر الدليل على أن بوش لم ينشئ دولا مارقة أو حركات إرهابية أو يتسبب في نزاعات دموية في الشرق الأوسط أو ولعا روسيا بالقتال، وإن التغييرات في المساعي الدبلوماسية، بغض النظر عن تنويرها، ربما لا يكون لها تأثير كبير على هذه القضايا." الدليل: مواقف كوريا الشمالية وتحدي نجاد النووي بالإعلان عن توسع جديد في تخصيب اليورانيوم، كما يصطدم جورج ميتشيل بانقسام الحركة الفلسطينية، ورفض حماس والجهاد للاعتراف بدولة إسرائيل، وصعود قوى التطرف في إسرائيل.
إن التغييرات المتسرعة وغير المدروسة في السياسة الأميركية الجديدة، وكثرة المناشدات ومد أيدي الحوار لحد التهالك، لن تنجح في حل المعضلات الشائكة المحتدمة، وكما يقول جاكسون، فإن أوباما سيدرك، برغم كل حسن نواياه ودعواته، بأن كوريا الشمالية وإيران لا تعتزمان التخلي عن برنامجيهما النوويين، بحوار أو من دونه، بينما تظل روسيا مصرة على استعادة نفوذها على جورجيا؛ بمعنى آخر: "ما يحدث لم يعد خطأ جورج دبليو بوش، وذلك ما توضحه لنا الأيام المائة القادمة."
الخلاصة: إن الوقت يمضي بسرعة، وإن قوى وأنظمة التطرف والإرهاب هي المستفيدة، والخطر النووي معرض للتمدد والاتساع، وهذا ما كتبنا عنه عشرات المرات دون اكتراث لصراخ وتشنج ومغالطات معقبين مؤدلجين ضد أي كاتب يتحدث عن مخاطر السياسات الإيرانية. إن من هؤلاء من يفسرون الفضح والمطالبة بالحزم بكونها دعوة لقصف أميركي فوري لإيران، والحال إن المقصود العودة لقرارات مجلس الأمن ومنظمة الطاقة ومجموعة 5 + 1، وتشديد العقوبات وفرض العزل الاقتصادي والدبلوماسي التام. أما الخيار العسكري، فليس مستحيلا في آخر المطاف وبعد استنفاد كل الجهود الدبلوماسية والحوافز، وهذا ما قاله البرادعي نفسه قبل أسابيع.
محمود أحمدي نجاد يتحدث عن "نهاية العالم الحالي"، ومن "الصدف" أن أوباما كان قد صرح خلال حملته الانتخابية وبعدها بأنه يدعو لعالم جديد "لا يصوغه روزفلت وتشرشل في غرفة وأمامهما البراندي"، مضيفا: "هذا ليس العالم الذي نعيش فيه، ولا يجب أن يكون كذلك." إن هذا التوجه هو ما يشجع أحمدي نجاد على التصريح بأن إيران تتطلع للمشاركة في إدارة العالم. "
ترى أي عالم هذا الذي تسهم في صنعه كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وزيمباوبوي وسودان البشير وإيران وأمثالها"!!ا إن "العالم الجديد" الحقيقي هو الذي تبنيه قوى التنوير والتسامح والديمقراطية والتقدم وسياسات الحزم الكلّي تجاه التطرف والإرهاب والعدوان.