مطرود مؤقتا من الجنة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وتأخذ هذه المشاعر عند المغترب بُعدا آخر فهو لا يجافي وطنه بأثر رجعى تابع لسنوات غربته ولا ينساه بالحرث في أرض الغير بل يحب وطنه "بالغصب" والغاصب هنا الغربة.
حب كهذا يحتمل التأويل والتهويل ويقع تحت تأثير "السفر قطعة من العذاب" و"بلدي وإن جارت على عزيزة ".
لذلك مهما كان الموطن الذي يقضي فيها المغترب غربته يوفر له قوت اليوم "وقرشين" للغد إلا أنه يظل يحمل بداخله جرحا دائما للنفس وبحثا شبه يومي عن مشاهد للوطن والأهل والأحباب حفظتها الذاكرة عن ظهر قلب ويستدعيها يوميا خوفا من نسيان الزمن وعطبه. غير أن الاشتياق للوطن لا يتعارض مع محاولة التكيف في أرض الغير ومحاولة العيش داخل السرب.
وبالتالي وضع مسميات مضللة عن الغربة وكذلك عن العودة لِتحُمّل الأولى والرغبة في تأجيل الثانية.
ملامح التكيف أو التعّود تظهر في محاولة الجمع بين بلد للعمل والرزق ووطن لأسابيع أو لشهر في السنة. فهناك المغترب مع سبق الإصرار ومغترب مُرافق ومغترب مقاوم، وكذلك هناك وطن مشتاق ووطنٌ منتظر ووطن ملء الانتظار.
وبسبب الوقت تتًكون، مابين المغترب وبلد الغربة، مشاعرٌ تتباين في عدة أشكال، منها:
علاقة حيادية حيث لا يذوب حب في احدهما ولا يتصاعد كره منفر من الآخر؛
علاقة تجاذب يجد كل منهما في الآخر ما كان يبحث عنه، فتتوهج شعلة الحب باضطراد؛
علاقة تنافر واضطرار: أنت تحتاج منّي العمل، وانا انتظر منك المقابل وكل الأحلام والأماني والسعادة في انتظار العودة للوطن ِلتتحقق.
أما أصعب أنواع الغربة فهي تلك التي تُكتب عليك في بلد "شقيق"
لأنك تكتشف أنك "ابن الضرة" فتعيش الغربة بكل تفاصيل آلامها مضطراً فليس في اليد حيلة: لا أرض ترحب بك ولا سماء تبكيك.
لذلك تجد كثيرا ممن قرروا اللعب على حبال الغربة، لم يتعرفوا بعد على أصول هذه اللعبة. أخذتهم السنون حتى احترفوا الخروج والعودة وأصبحت هذه سمة حياتهم ولسان الحال يقول بأي ارض أموت؟
وآخرون وإن كانوا قلائل عرفوا السر وأيقنوا أن اللعب خارج الدائرة أصعب من الدخول فيها واستحالة الخروج منها. فحددوا الهدف وعدد سنوات الغربة... وعندما جاء الوقت عادوا غير مكترثين بما فوتوا واستقبلهم الوطن بالأحضان بعد غياب لم يُرث جفا ولم يولد قسوة القلب ولم يمحَ أي منهما من ذاكرة الآخر.
أما أصحاب السنوات الطوال العجاف ممن قرروا التطبيع مع مشاعر الغربة وزهدوا الوطن بسبب أبنائه وربطوا بين العودة وبين التغيير الجذري لنظام أو حكومات فقد فاتهم حضن الأحباب وضمة الاشتياق وحملت ملامحهم ظُلما قسوة الاغتراب عندما اجبروا القلب على تحويل وجهته لِقبلة أخرى فظهر أثر ذلك على ملامحهم وأصبحوا يعرفون بسيماهم من أثر الغياب.
لذلك إذا قررتَ الغربة، سر إلى وطنك وأعلمه بقرارك وعددِ سنوات غيابك حتى يتحمل الفراق عنك وينتظر عودتك، كذلك إذا استطعت الهجران وَدّعه حتى يكون على بينة منك... فيعاملك كغريب فلا يشتاقك ولا يجافيك بل يعطيك حق الضيافة أياما معدودات ثم يضعك على قائمة المطرودين من جنته.
التعليقات
رائع جدا ( ومبكي )
الصاوي حسن -جزاكم الله خيرا على الموضوع الجميل وبالفعل الموضوع يجسد الغربة بكل انواعها في انتظار المزيد وفقكم الله
الغربه .
د.درويش الخالدي -تركت بلدي الحبيب عنوة. **** الله حزب البعث الذي دمر كل شيء جميل فينا وعاش العراق الحبيب. وشكرا
:)
ن. ن. -الغربه ان تعيش غريب في بلدك وسط اهلك و ناسك روعة الموضوع لا توصف :)
الوطن هو ....
رمضان عيسى -الوطن هو من حولك من الناس ، فاذا كانوا يعترفون بك وبانسانيتك وبقدراتك وبحقك أن تعيش كانسان ، فاٍني أحس بالانتماء لهم وللبقعة الجغرافية التي نعيش عليها ، أما اٍذا كان الناس ممن لا يسمح لك بأن تعيش كانسان ، وفشلت كل الوسائل لاصلاح الوضع ، وأصبحت الحياة معهم لا تحتمل ، صباحك ومسائك ، نومك وصحوك ، عملك وسكنك ، فلا مفر من هجرانهم
مالوطن؟
ليث الياسري -أطلتي هذه المرة علينا .. موضوع ولا أروع ، وتشابيه واستعارات ولا أجمل ، زكالعادة في صميم همومنا وبلغة اشبه بأن تكون شعرية .. سيدتي لقد وضعتِ اصبعك على الجرح فلا أدري والله اهونتي عليه ، أم نكاتيه دون قصد؟ جرح نحمله معنا مذ بدأنا ندرك الأشياء ، وازداد التهاباً حينما تصورنا بأننا غادرنا همومنا بتركنا أوطاننا فإذا الهم يزداد والجرح يتعمق ، وكلما قفزنا فوق الجرح شدما إليه ثانية ، وكما ذكرتي ، فان الجرح اعمق ، والألم أشد حينما تكون غربتنا في بلد شقيق ، وكانها خطة لدفعنا جميعاً إلى الغرب البارد ، ولكن .. مالوطن ؟ اهو الأحجار والأشجار؟ اهو الشوارع والأنهار؟ ام ان هذا كله مرتبط بالناس؟ انا ارى ان الوطن هو الناس الذي فيه ، وكل ذاكرة المكان إنما هي مرتبطة فيهم ، فلا وطن دون أهل وأحباب وأصدقاء بل وحتى اعداء نحن لهم حيناً ، فأرجو أن لا تكوني قصدتي بالوطن الذي ينتظرنا ويشتاق إلينا بمفهوم من أرادوا مسك الأرض وحكمها بحجة التراب والحجر والشجر .. دام قلمك ، وسلمت يداكِ
الغربة هي من داخلنا
غربتي هي وطني -يا سيدتي المح فيك لهفه العوده لوطنك... عودي وعيشي في بلدك مصر وتمتعي بالحياه وكفى اهتمام بالنقود التي لن نشبع منها نحن البشر وعلى راي المثل الفلوس تروح وتيجي ولكن العمر يذهب ولا يعود...عيشي ماتبقى لكي بين احبابك طالما لم تجديهم في الغربة والعيب فينا وليس في الزمان يا سيدتي
الفلوس مش كل حاجة
فوزي البحطيطي -احب اقول ايش اللى حادك علي الغربة ياهانم؟اذا كان جوابك القرشين او الملاين احب اقولك الماده مش كل شي؟؟؟ ليش تهاجمين البلد الشقيق ???هذى هو رد الجميله له عندك؟والمثل يقول اللي عاوز الدح مايقولش احوايد تعلق رقم ((6)) بكل مافيه بالكامل
أدمعتي العيون وابكيت
أحمد شرعي -كأنك دخلت الى عقولنا فقرأت ما يعتمل فيها من الاسى.. شجن لا شبيه له.. هو شجن الغربة والفراق والبعد عن الاهل والاحبة في بلاد حقيقة نحن فيها ابناء الضرة.. ولكن وكما قال تعالى في كتابه العزيز للذين ضيق عليهم في بلادهم " ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها" اغتربنا من اجل عيشة كريمة لا من اجل رفاهية.. اغتربنا بعيدا عن ظلم ذوي القربى لانه شديد المرارة شديد القسوة على نفوس الاحرار.. كلنا يتمنى العودة الى الديار ليس محملا بالاموال ولكن مطمئنا بانه سعيش في بلده مرفوع الرأس غير مهان.. فهل يوجد من يضمن لي ذلك؟؟؟؟؟
طال غيابي عنك
الكاتب: أحمد العدنان -مذ أن تعرفت على قلمك وما تكتبين وأنا شديد الحرص على مطالعة جديدك، مقالك الأخير وجدت فيه صدقا، وهذا نادر في أيامنا، فكلنا يكتب ليعجب اللآخر به، ويمشي متبخترا وسط الناس ، وأنت تكتبين لتفرغي شحنة وإرهاصات، فيخرج الحديث منك مسترسلا دونما تكلف، دعك ممن إنتقدك فمن الواضح أنهم لم يكملوا الرواية، أو لم يعوها جيدا لك مني كل التحية سيدتي