مقترح العودة لبنوك القرن 19

مع تعاظم الورطة التي يوجد فيها القطاع المالي في الوقت الحاضر و تعدد الآراء حول انجع السبل لتلافي تجددها في المستقبل، سوف اعرض في هذا المقال مقترح البروفيسور "Edmond Phelps"، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، و رئيس مركز "الرأسمالية و المجتمع" بجامعة كولومبيا بنيويورك، و الداعي ببساطة إلى العودة لنموذج بنوك القرن 19. يؤيد البروفيسور "فيلبس" الرأي القائل "بان " إلغاء عدد من القوانين و التشريعات المصرفية منذ بداية السبعينات من القرن الماضي بهدف تحرير القطاع المصرفي و المالي قد شجع على المزيد من المضاربة و اللجوء المفرط للدين الخارجي لتمويل التوسع في الأصول، دون الأخذ بعين الاعتبار بما فيه الكفاية المخاطر الناتجة عن هذه العمليات." على هذا الأساس، يقترح البروفيسور العودة لنموذج بنوك القرن 19 التي كانت تقتصر على القيام بالعمليات المصرفية بمعناها الضيق فيما يعرف بــ "Narrow Banking". تنادي التوصية بضرورة أن تقتصر " البنوك على الودائع التي تحصل عليها من العملاء كمصدر أساسي لتمويل القروض التي تمنحها للمستهلكين و للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة." في هذه الحالة، تكون المخاطر اقل بحكم "العلاقة الشخصية و المباشرة بين البنوك و المقترضين" على حد "فيلبس"، و هذه بطبيعة الحال ميزة كبرى، مقارنة بما حصل خلال الأزمة الحالية، حيث استثمرت المؤسسات المالية في أصول مالية ترتكز على الرهن العقاري دون معرفة دقيقة بمخاطر المستفيدين من هذه الرهون و مدى قدرتهم على السداد. بالنسبة لبنوك الاستثمار أيضا يقترح البروفيسور فيلبس العودة لنموذج القرن 19، حيث النموذج الأفضل يتمثل في شخص "J. P. Morgan" الذي يعتبرالرجل المصرفي الأكثر تأثيرا في القرن 19 و الذي مازال بنك الاستثمار الشهير يحمل اسمه إلى اليوم. أسس "جي-بي-مورجين" البنك عام 1895، و لعب من خلاله دورا رئيسيا في تمويل "مؤسسة الحديد و الصلب" التي أسست للصناعة الثقيلة في أمريكا، بالإضافة لتمويل الاندماجات الصناعية التي أنتجت مؤسسات عملاقة من بينها"جينيرال الكتريك." و بطبيعة الحال لا مجال في هذا النموذج للتركيز على الاستثمار في الأدوات المالية ذات الدرجة العالية من المخاطر. و هنا لا يدعو البروفيسور فيلبس إلى تجاهل المبتكرات المالية الحديثة و أهميتها، لكنه يوصي بان يبقى الاستثمار في هذه الأدوات المعقدة من نصيب صناديق التحوط "Hedge Funds" و المؤسسات الأخرى المؤهلة لذلك، و التي هي بطبيعتها صغيرة الحجم و لا يمكن لإفلاسها -إن حدث- إن يؤدي إلى انهيار النظام المالي ككل. الدعوة للعودة للتقاليد المصرفية للقرن 19 تشمل أيضا أدوات التحليل المالي بما في ذلك العودة للتركيز على مجمل الأصول و الخصوم و التأكد من الموازنة المستمرة بينها، خلافا للتركيز الحالي على حساب الإرباح و الخسائر للبنوك الذي ساهم في إنتاج الازمة الراهنة. يقول الخبير المالي "Nicholas Webb" بعد مراجعته لطريقة العمل القديمة لمؤسسة باركليز التي يعمل بها:" خلال القرن 18 و القرن 19 كان يتوجب على المصرفيين التعرف على مصدر الأموال و مختلف استعمالاتها و لا يتم تحديد الأرباح إلا بعد التأكد من الموازنة بين الأصول و الخصوم." و هذا هو المطلوب من البنوك التي تعمل في الوقت الحاضر.
المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
Abuk1010@hotmail.com