كتَّاب إيلاف

الثورة الفرنسية وروح القوانين: مونتسكيو

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مونتسكيو : القوانين ظواهر اجتماعية مكتسبةشكلت الثورة الفرنسية منعطفا هاما في تاريخ أوربا والعالم بصورة عامة وتاريخ فرنسا بصورة خاصة لأنها كانت ثورة اجتماعية وسياسية وفكرية، مهدت الطريق لانبثاق عصر التنوير، الذي كان تجليا للحركة العقلانية التي قوضت الصورة الثيولوجية القديمة عن الكون والحياة. وكان في مقدمة مفكري الثورة الفرنسية العظام مونتسكيو Montesquieu (1689-1755) الذي سعى جاهدا الى فسخ العلاقة التي تربط بين النظام الملكي وبين الكنيسة من خلال تأكيده على ضرورة احترام القوانين.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه مفكروا العصر الوسيط القوانين ذات صفة غائبة ومعيارية لا تمثل قواعد العمل والسلوك التي طبعت الحياة الاجتماعية حينذاك لانها كانت ذات صفة واحكام مثالية وانها قامت على أسس قبلية Apriori، أي مسبقة وازلية، كان عصر التنوير قد اعطى للقوانين صفة اجتماعية وربطها بالبيئة الطبيعية والخلقية واعتبرها ظواهر اجتماعية متغيرة وان الانسان هو العنصر الفعال فيها.
اجتماعية القوانين
كان جارلس مونتسكيو اول من ادخل فكرة اجتماعية القوانين الى العلوم الاجتماعية حيث رأى بان القوانين هي اساس تنظيم المجتمع وتوزيع الحقوق والواجبات على الافراد، وبان "القوانين هي العلاقات الضرورية التي تصدر عن طبيعة الاشياء". وبهذا فقد اعطى مونتسكيو ولأول مرة تعريفا اجتماعيا للقوانين باعتبارها ظواهر اجتماعية مكتسبة ونسبية وتتوقف على البيئة الجغرافية والمحيط والظروف والعوامل الاخلاقية.
وقد انطلق مونتسكيو في تعريفه للقوانين من كون ان النظم التشريعية، ومن ضمنها القوانين، انما تستمد أسسها من طبيعة الناس ومن بيئتهم الطبيعية والاجتماعية. فالقوانين هي ظواهر اجتماعية تظهر نتيجة لتفاعل عناصر مختلفة كالطبيعة والمناخ والاخلاق والظروف الاجتماعية.
وقد لاحظ مونتسكيو ايضا، بان الانظمة والقوانين مختلفة بين المجتمعات المختلفة، وحاول معرفة اسباب اختلاف القوانين وتنوعها. وكان الرأي السائد حينذاك بان الملك هو ظل الله على الارض وانه يستمد سلطته المطلقة منه، ولهذا فلا سبيل من التشكك فيما تفرضه الارادة الالهية، لان هذه القوانين مستمدة من القوانين السماوية. ولذلك فان قبول هذا الرأي يعني قبول الظلم والطغيان. ولذلك دعا مونتسكسو الى وجوب ان تكون القوانين مطابقة لروح العصر التي تنشأ فيه، وبذلك اسس مونتسكيو، ولاول مرة، مفهوم "نسبية القوانين". مفندا بذلك رأي توماس هوبز القائل بان "الانسان ذئب لاخيه الانسان". وقد رأى هوبز ان القوانين كانت قد نشأت بنشوء المجتمعات، وانها تتناسب مع نوع الحكومة وطبيعة البلد ونوع الحياة الاجتماعية ومقدار الحرية التي يمتلكها الافراد، وكذلك عقائد الناس وميولهم وتجاربهم المكتسبة. الحرية والقانون
والقوانين في رأي مونتسكيو هي ظواهر طبيعية وسياسية ترتبط بنظام الحكم واشكال السلطة التي تشرع تلك القوانين. فالقوانين التي تسود في الحكم المطلق تقوم على مبدأ الخوف والتسلط، والقوانين التي تسود في الحكم الملكي تقوم على الشرف. اما القوانين التي تسود في الحكم الجمهوري فتقوم على الفضيلة، التي هي المساواة والقناعة في توزيع الحقوق والواجبات على الافراد. ومن اهم كتبه " روح القوانين" الذي صدر عام 1784 والذي دعا فيه الى ان تكون القوانين مطابقة لروح العصر التي تنشأ فيه، كما انتقد فيه نقدا لاذعا القوانين الجائرة، وقال بان قبولها يعني قبول الظلم والطغيان.
مما مر ذكره اعلاه يبدو واضحاً أثر النزعة العقلانية التنويرية على تفكيره، إذ يرى أن "القانون، بشكل عام، هو العقل البشري، متحكماً بكل شعوب الأرض، وعلى القوانين السياسية والمدنية في كل الأمم أن تكون الحالات الخاصة التي يطبق فيها هذا العقل البشري. وهو بهذا يؤكد على أن العقل الإنساني هو مصدر القوانين والشرائع، التي تحكم العلاقات بين البشر، وهي قابلة للتعديل والتغير بتغير الزمان والمكان.
ومن خلال تحليله التاريخي والاجتماعي والسياسي للقوانين، ركز مونتسكيو على مسألة تطور القوانين، منطلقا من أن مقياس تطور القوانين هو المدى الذي تتيحه هذه القوانين لحرية الإنسان الفرد، وان أفضل نسق للقوانين هو الذي يحقق - في ظروف تاريخية ومادية معينة - الحد الأقصى من الحرية للأفراد، مؤكداً على أن الحرية هي الحق في ممارسة كل ما تبيحه القوانين. وأن الطرف النقيض لهذا الحد الأقصى، وهو الحد الأدنى، إنما يوجد في ظل النظام الاستبدادي، أي عندما تتصرف السلطات العامة بطريقة تعسفية تماماً بلا ضابط أو اعتبار للقوانين، حيث تصل حرية الأفراد في ظل الاستبداد إلى حد التلاشي والزوال، ذلك ان النظم الاستبدادية تتطلب الطاعة السلبية، ولهذا لا يمكن لها ان تبقى وتستمر الا باشاعة الخوف. روح القوانين والفصل بين السلطات
اكد منتسكيو في كتابه "روح القوانين" على مبدأ الفصل بين السلطات حيث شرح الفرق بين ثلاثة أنواع من أنظمة الحكم:
اولا : نظام الحكم الملكي حيث يرث الحاكم فيه السلطة
ثانيا : نظام الحكم الدكتاتوري حيث يحكم الحاكم فيه وحده دون حدود قانونية ويثبّت حكمه بواسطة إرهاب المدنيين
ثالثا : نظام الحكم الجمهوري حيث يحكم فيه الشعب او ممثلوه، وهو النظام الأمثل الذي يضمن حرية الإنسان.
ومن أجل ذلك دعى مونتسكيو الى الفصل بين السلطات الثلاث للحفاظ على التوازن بينها. كما اكد على ان الحرية لا تتحقق الا بتقييد السلطة أياً كانت وان جمع السلطة في يد واحدة يعد خطراً على الحرية ولا يمكن تحقيق الحرية بجمع السلطات الثلاث، فالفصل بينها هو الوسيلة الوحيدة الفعلية لتأمين الحرية وذلك للاسباب التالية :
اولا- ان تجارب البشرية أثبتت ان من يتمتع بسلطات واسعة وغير محددة سيسيء استعمالها، وهذا ما يؤكد ضرورة ان يقوم النظام السياسي على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.
ثانيا- ان مبدأ فصل السلطات هو الوسيلة الوحيدة التي تكفل احترام القوانين وتطبيقها بصورة صحيحة.
ثالثا- ان النظام الانجليزي( في عصره) كان يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات.
ولتحقيق هذا المبدأ يشير مونتسكيو إلى ضرورة ان تتمتع كل سلطة بالقدرة على البت في الأمور التي تدخل في اختصاصها. فالبرلمان يسن القوانين وهكذا بالنسبة لبقية السلطات، كما انه يجب ان تتمتع كل سلطة بقدرة المنع، أي ان لكل سلطة الحق في منع السلطات الأخرى في ان تتدخل باختصاصاتها.
وكان هدف مونتسكسو الاساس في ذلك سقوط الحكم المطلق من اجل قيام حكم "الملكية المنورة" على النمط الانكليزي. وكان تأثيره واضحا وكبيرا في الثورة الفرنسية وكذلك في حركات توحيد الولايات المتحدة الامريكية وفي دستورها.
المصادر :
1-Susan Gorden,The Franch Philosoph who shaped Modern Goverment,Rosen Publishing Group ,2005,
2-Hartfiel Guenter, worterbuch der Soziologe, Montesquieu,Stuttgart, 1972, s. 454ff.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
Thanks for this good
Dr hayek -

thanks for this good article, i hope your readers will understand this, and how it relates to our arabic world, and i hope some leaders in the arabic and islamic world will finally take the initiativ to go on this road!!!hmmm

Un penseur éclairé
صبحي -

Montesquieu, éminent politique et fin observateur de la société a influencé par ses écrits les auteurs de la constitution française. Sa théorie sur la séparation des pouvoirs est au coeur même de toutes les démocraties modernes

روح القوانين والشرق
رمضان عيسى -

في الشرق الاسلامي وخاصة العربي ، يسود التفكير الصحراوي ، وطبيعة علاقاته الاجتماعية عشائرية والتي تنطلق من تعظيم شيخ العشيرة الذي هو كل شيء ولسانه هو القانون الذي يجب أن يخضع له الجميع ، ومع تطور المجتمعات ، أصبح الحاكم الملك ، والملك كفرد ، يجب أن تكون له صفات خاصة يتميز بها عن غيره ، فلكي يستمر حكمه يجب أن يستند الى الدين ، والذي من اولياته الايمان بالاٍله الواحد الذي تعني ضمنا التسليم بنظام حكم الفرد الواحد ، ملك ، خليفة ، أمير ، سلطان ، لهذا نرى أن أنظمة الحكم الملكية والفردية تستند الى الأديان لتستمد منها ديمومتها ، وبعد التجربة الطويلة والمريرة لهذا النوع من الحكم ، رأت شعوب الغرب أن تتخلص منه ، و نظرا لتأثر الشعوب بفلسفة التنوير أدركت أن القوانين هي من صنع الانسان فقامت بالثورات الاصلاحية وأزالت الملكية ومنعت تدخل الكنيسة في الحكم ،واعتمدت العلمانية ،أي فصل الدين عن الدولة وسنت القوانين التي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع من جهة وبين المجتمع ونظام الحكم ، وبالتالي أصبح للشعب الحق في تغيير نظام الحكم الجائر . واستطاعوا اقامة أنظمة حكم ديمقراطية تؤمن بالتعددية وتداول السلطة والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية . أما في الشرق الاسلامي ، فلم تصل الشعوب فيها الى سن الرشد حتى تنادي بفصل الدين عن الدولة وتتبنى قوانين تتناسب مع روح العصر وتنظم العلاقة بين أفراد المجتمع بشكل أرقى ويضع الجميع متساوون أمام القانون بغض النظر عن اللون أو الدين أو الجنس . ان الكثير من ساكني هذه المنطقة الجغرافية لم يدركوا خطورة استنباط القوانين من الدين ، والذي يضفي القداسة على أنظمة الحكم الملكية والديكتاتورية التي تتماهى مع المقدس والذي يصبح ازالتهم عن الحكم من رابع المستحيلات . ولو تركت كل أمة في العالم تستوحي قوانين حياتها من الدين ، لتعددت القوانين بعدد الأديان ، والتي لا تقبل بعضها بعضا ، وبهذا تدور الصراعات الدينية بين الشعوب والأمم والتي تهلك الكثير من خيرات الشعوب بدلا من استغلالها لرفاهية الانسان وتطوير حياته نحو الأفضل .

أمريكا أسبق
مصرى وبس -

تعليمى وثقافتى الأولى فرنسية لغة وثقافة ولا أستطيع التشكيك فى مونتسكيو وفولتير وجان جاك روسو رواد التنوير فى اوروبا والعالم وكنت أظنهم سباقون فى ذلك المضمار منفردين به, حتى تبحرت فى تاريخ الثورة وبناء الدولة الأمريكية التى سبقت الثورة الفرنسية فوجدت أن الأباء الأمريكان المؤسسين هم الأسبق زمنيا وتطورا من فلاسفة الثورة الفرنسية العظام.

tribute
roula alzain -

I would like to pay tribute to Dr.Haydari for his in depth articles. Elaph should also be praised for its remarkable efforts towards enlightening its readers. . I believe this is the only arabic site where writings about philosophy are given a special care. I hope that more comments are made to shake up arabs sleepy minds

merci
أمايمة -

merci beaucoup pour ces informations car ils me paraissent trés importantes pour les étudiants comme moi

Thanks for this good
Dr hayek -

thanks for this good article, i hope your readers will understand this, and how it relates to our arabic world, and i hope some leaders in the arabic and islamic world will finally take the initiativ to go on this road!!!hmmm

Un penseur éclairé
صبحي -

Montesquieu, éminent politique et fin observateur de la société a influencé par ses écrits les auteurs de la constitution française. Sa théorie sur la séparation des pouvoirs est au coeur même de toutes les démocraties modernes

روح القوانين والشرق
رمضان عيسى -

في الشرق الاسلامي وخاصة العربي ، يسود التفكير الصحراوي ، وطبيعة علاقاته الاجتماعية عشائرية والتي تنطلق من تعظيم شيخ العشيرة الذي هو كل شيء ولسانه هو القانون الذي يجب أن يخضع له الجميع ، ومع تطور المجتمعات ، أصبح الحاكم الملك ، والملك كفرد ، يجب أن تكون له صفات خاصة يتميز بها عن غيره ، فلكي يستمر حكمه يجب أن يستند الى الدين ، والذي من اولياته الايمان بالاٍله الواحد الذي تعني ضمنا التسليم بنظام حكم الفرد الواحد ، ملك ، خليفة ، أمير ، سلطان ، لهذا نرى أن أنظمة الحكم الملكية والفردية تستند الى الأديان لتستمد منها ديمومتها ، وبعد التجربة الطويلة والمريرة لهذا النوع من الحكم ، رأت شعوب الغرب أن تتخلص منه ، و نظرا لتأثر الشعوب بفلسفة التنوير أدركت أن القوانين هي من صنع الانسان فقامت بالثورات الاصلاحية وأزالت الملكية ومنعت تدخل الكنيسة في الحكم ،واعتمدت العلمانية ،أي فصل الدين عن الدولة وسنت القوانين التي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع من جهة وبين المجتمع ونظام الحكم ، وبالتالي أصبح للشعب الحق في تغيير نظام الحكم الجائر . واستطاعوا اقامة أنظمة حكم ديمقراطية تؤمن بالتعددية وتداول السلطة والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية . أما في الشرق الاسلامي ، فلم تصل الشعوب فيها الى سن الرشد حتى تنادي بفصل الدين عن الدولة وتتبنى قوانين تتناسب مع روح العصر وتنظم العلاقة بين أفراد المجتمع بشكل أرقى ويضع الجميع متساوون أمام القانون بغض النظر عن اللون أو الدين أو الجنس . ان الكثير من ساكني هذه المنطقة الجغرافية لم يدركوا خطورة استنباط القوانين من الدين ، والذي يضفي القداسة على أنظمة الحكم الملكية والديكتاتورية التي تتماهى مع المقدس والذي يصبح ازالتهم عن الحكم من رابع المستحيلات . ولو تركت كل أمة في العالم تستوحي قوانين حياتها من الدين ، لتعددت القوانين بعدد الأديان ، والتي لا تقبل بعضها بعضا ، وبهذا تدور الصراعات الدينية بين الشعوب والأمم والتي تهلك الكثير من خيرات الشعوب بدلا من استغلالها لرفاهية الانسان وتطوير حياته نحو الأفضل .

أمريكا أسبق
مصرى وبس -

تعليمى وثقافتى الأولى فرنسية لغة وثقافة ولا أستطيع التشكيك فى مونتسكيو وفولتير وجان جاك روسو رواد التنوير فى اوروبا والعالم وكنت أظنهم سباقون فى ذلك المضمار منفردين به, حتى تبحرت فى تاريخ الثورة وبناء الدولة الأمريكية التى سبقت الثورة الفرنسية فوجدت أن الأباء الأمريكان المؤسسين هم الأسبق زمنيا وتطورا من فلاسفة الثورة الفرنسية العظام.

tribute
roula alzain -

I would like to pay tribute to Dr.Haydari for his in depth articles. Elaph should also be praised for its remarkable efforts towards enlightening its readers. . I believe this is the only arabic site where writings about philosophy are given a special care. I hope that more comments are made to shake up arabs sleepy minds

merci
أمايمة -

merci beaucoup pour ces informations car ils me paraissent trés importantes pour les étudiants comme moi