الديمقراطية في إيران: التاريخ والبحث عن الحرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كنت من المحظوظين عندما قمت بتدريس التاريخ المعاصر لكل من تركيا وإيران على مدى سنوات مضت من حياتي الأكاديمية.. ولقد عنيت بتاريخ أقوى بلدين في الشرق الأوسط الحديث.. وإذا كانت تركيا تمتلك تاريخ نظام سلالي واحد على امتداد القرون الأربعة الأخيرة لما قبل الحرب العالمية الأولى ممثلا بالعثمانيين، فان إيران امتلكت أنظمة سلالية متعددة،منها الصفويين والنادريين والزنديين والقاجاريين وصولا إلى البهلويين وانتهاء بالخمينيين في القرن العشرين.. وإذا كانت تركيا العثمانية قد سبقت إيران بإعلان الدستور وتشكيل الحياة السياسية، الا أن التجربة فشلت.. حتى ولادة الثورة الدستورية في إيران التي تعتبر واحدة من أقدم دول المنطقة نادت بتشكيل المؤسسات الحديثة وولادة الدستور مع تبلور نخبة من المثقفين والساسة الإيرانيين الأوائل الذين كان لهم دور مؤثر وكبير ليس في تشكيل المملكة الإيرانية الحديثة بقيادة الشاه رضا بهلوي عام 1925، بل تأثير أفكارهم على المنطقة.
ملاحظات تنتظر النشر
لعل واحدا من أشهر الكتب التي كنت قد قرأتها حول موضوع الديمقراطية في إيران هو ذاك الذي كتبه كل من علي قيصري وولي نصر، ونشراه بالانكليزية قبل ثلاث سنوات.. وكنت قد سجلت بعض الملاحظات النقدية على هذا " الكتاب " الذي حلل التجربة (الديمقراطية) الجديدة في إيران من داخلها، ولقد استفدت كثيرا من حجم المعلومات التي تضمنها الكتاب بالرغم من اختلافي مع منهجه ورؤيته للتجربة التي ولدت في مخاض التحديات، ولكنني لا اعتقد أبدا بشراكة الإسلام مع الديمقراطية، فلكل منهما فلسفته وطريقته في الحكم ! ويعد موضوع " الديمقراطية في إيران " مهما جدا، وهو بحاجة إلى تفكير محايد، فألاهم هو " الإنسان "، ثم المؤسسات والحريات والمجتمع. وإذا اعجب البعض بديمقراطية إيران، كونها مزدهرة في ظل الإسلام! فان مجرد وجود " ولي فقيه " يقود الدولة والمجتمع معا باسم القداسة الدينية التي شرّعها لنفسه، فهو يخالف ابسط قواعد الديمقراطية، وهذا ما لم يقبله الإمام السيستاني في تجربة العراق مع الإسلاميين مثلا. ان ما شهدته شوارع طهران قبل يومين من فوضى واعتراضات وتظاهرات ونزاعات.. تعّبر جميعها عن انقسام سياسي واجتماعي فاضح في عموم المجتمع!
التجربة التاريخية: الحركة الدستورية 1906
إن الديمقراطية ليست وسيلة لتحسين السمعة السياسية، وكان الرئيس الأمريكي الأسبق قد اعتبر إيران واحدة من ( محور الشر )، ولكنه اضطر للجلوس معها على ارض عراقية في لعبة الأدوار والمصالح. إن الديمقراطية نظام كامل للعناية بالإنسان وحرياته الشخصية والفكرية والسياسية، وان يتوفر في البلاد عدة أحزاب مدنية. السؤال: هل تعتبر الانتخابات العامة التي جرت في إيران مؤخرا، معّبرا أساسيا للديمقراطية فيها؟ وإن كانت هناك تجربة ديمقراطية حقيقية فيها، فما سر انقسام المجتمع الإيراني بين محافظين وإصلاحيين؟ وبين مهاجرين وصامتين؟ وهل اخذ رأي الشعب الإيراني في مسائل حيوية، منها ما هو خطير ويثير قلقا بالغا سواء بالنسبة لاستقرار المنطقة، أو سلامة المجتمع العالمي؟
إن التاريخ السياسي الحديث لإيران، قد أثقل بالأحداث المهمة، بدءا بانطلاق دستور ليبرالي 1906، انتقالا إلى تأسيس المملكة 1925، وانطلاق الأحزاب، والتأثر بالماركسية مرورا بـتأميم النفط من قبل مصدّق.. وانتهار بالثورة الإيرانية 1979 وتأسيس حكم ولاية الفقيه. السؤال: هل يمكن لتجربة إيران الدينية ( = ولاية الفقيه ) استعارة الآفاق الديمقراطية؟ وكيف يقتنع أي مؤمن بالديمقراطية أن تزدهر تجربة جمهورية إيران الإسلامية؟ وهل نجح هذا المنتج الوحيد إسلاميا، حتى يكون أنموذجا تاريخيا حيويا تتعلم منه بقية شعوب العالم الإسلامي؟ وهل يبقى الترويج لإيران كونها رائدة الحركة الديمقراطية في العالم الإسلامي؟ ويرّوج أنصارها أنها ولدت فجأة بلا أي تطورات عن ماضي إيران، وإنها لم تستورد من الغرب! فهل حققت تجربتها ابرز القيم الديمقراطية وابسطها على الأرض؟ كيف يمكن نكران ماضي إيران السياسي؟ إن التجربة لا يمكنها أن تكون إلا مدنية ولا تحركها أية يد مهما بلغت من القداسة شيء كما تدّعي!
مفهوم الديمقراطية بين عهدين
يبدو مفهوم الديمقراطية الإيرانية اليوم، أنه رد فعل على الحكم الاستبدادي الذي كان يمارسه الشاه، ولكن هل الديمقراطية مجرد شعارات وصناديق انتخاب لأشخاص معينين يؤمنون بمبدأ ولاية الفقيه، أم هي الحريات، والإنسان، والفكر، والأحزاب، والتمدن، وهيئات المجتمع المدني..؟ ونحن نعرف أن المجتمع الإيراني له تعقيداته وتشابكاته التي كونتها في القرن العشرين قوى اجتماعية وسياسية رئيسية كان لها أدوارها الحقيقية في البنى والمؤسسات، ناهيكم عن تباين الهويات القومية والعرقية والدينية، فضلا عن نسيج المصالح المتنافرة. وعليه، لا يمكن المناورة على تاريخ نضالات الإيرانيين، وحركات أحزابهم باسم ديمقراطية مشّوهة!
إن تاريخ إيران المعاصر هو بقايا مجتمع شرقي قديم بدأ ينهض فجأة، ويمتلك الوعي بماضيه العريق.. وطالبت النخبة الحية بالدستورية لاول مرة قبل قرن كامل.. وعند نهايات العهد القاجاري، وقد كان لتأسيس الإيرانيين المدهش أول دستور ليبرالي لهم منذ 1906 تأثيره البالغ في شؤون الشرق الأوسط برمته.. وعندما نقارن نصوص ذلك " الدستور " الأول بالدستور الحالي لإيران، نجد كم نجحت إيران للاسف الشديد في سجن نفسها عن الحياة بمضامينها المتقدمة، ومثلما كان لها تأثيرها الأول في مجتمعات المنطقة، غدا لها تأثيرها اليوم أيضا! ومثلما فشلت التجربة الأولى على أيدي الشاهات، فان التجربة الثانية فشلت أصلا، كونها ولدت في رحم ولي فقيه كما عد نفسه فوجد نفسه سيدا لإيران! إن الأحداث المريرة التي رافقت الانتخابات الحالية وانقسام المجتمع الإيراني اليوم إلى محافظين وإصلاحيين له معاني كثيرة جدا، علينا أن نبحث لها عن أجوبة حقيقية، سواء كّنا نصفق للولي الفقيه، أم كّنا ضده. لقد اتهم الاصطلاحيون المحافظين بالتزوير في عموم البلاد، بدعم من الولي الفقيه وحكومة المحافظين! ولكن هل تعدم إيران من الصامتين الذين لا يؤمنون أصلا بمبادئ إيران الإسلامية.. ناهيكم عن المهاجرين الإيرانيين في العالم من ملكيين يمينيين وشيوعيين يساريين وسياسيين ليبراليين.. الخ
هل ثمة ديمقراطية لمن لم يقبل بولاية الفقيه؟
لا يمكن مقارنة حكم الشاه محمد رضا بهلوي الذي غّيب الديمقراطية والمناقشات الإيديولوجية في كل من الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، فكان بذلك قد سمح لقوى البازار بالتحالف مع رجال الدين، فتبلورت قوة سياسية ناضلت ضده إلى جانب بقية القوى السياسية الأخرى التي اشتركت جميعها في صنع الثورة الإيرانية والتي تحّولت بسرعة خارقة لصالح الإمام الخميني الذي غدا سيدا ماردا لإيران عام 1979 ليؤسس نظام حكم ديني ينطلق من إيديولوجية ولاية الفقيه.. ويخلفه في القيادة الإمام خامنئي الذي يعدّ اليوم سيد إيران بلا منازع، من دون ان يصل أعلى سلطة في البلاد من خلال صندوق انتخاب، إذ يعتبر نفسه قدرا إلهيا.. إن مجرد وقوفه على رأس إيران، ولا تراجع عن قراراته يعني انتفاء للديمقراطية، وان مجرد مساندته المحافظين ضد الإصلاحيين لا يجعله الأب الروحي لإيران.. وان مجرد جعل الانتخابات الرئاسية منحصرة بين أسماء تؤمن بقداسة النظام، بعيدا عن ممارسة الجميع حرياتهم وممارساتهم السياسية، يفقد الديمقراطية محتواها الحقيقي. إن المحافظين يخافون جدا التغيير الجذري من الإصلاحيين، فإذا كان المحافظون لا يقبلون بالإصلاحيين، فكيف يقبلون إذن بمن لم يؤمن بولاية الفقيه أصلا؟ إذن، أين الديمقراطية إذن؟
الديمقراطية بين الاسلام الايراني والاسلام التركي
ايران، بحاجة ماسة الى الإصلاح والإصلاحيين، وهم إيرانيون يطمحون إلى تحقيق مطالب وطنية حقيقية وعادلة تتمّثل بإرساء مجموعة مثل ومبادئ جديدة، وسيادة قانون، ومنح المرأة حرياتها، وإصلاح الدستور، واحترام الحقوق الفردية، والحريات الفكرية والسياسية المدنية والانفتاح على المعاصرة. إنهم ليسوا أعداء للنظام، بقدر ما هم من المصلحين له، فهم هنا يريدون بناء نظرة جديدة لإيران من قبل العالم سياسيا، وانفتاحا اقتصاديا، وتحررا اجتماعيا بعد الانغلاق على كل الأشياء، كما يريدون ترسيخ فهم جديد للطريقة التي يمكن أن تتطور الديمقراطية في بلد يعد من أمهات البلدان الإسلامية. إن مشكلة إيران اليوم ليست بين محافظين وإصلاحيين فقط، بل مشكلة نظام هاجسه ليس المحافظة على إيديولوجيته، بل الحفاظ على تسويقها منذ ثلاثين سنة إلى كل من العالم الإسلامي، والعالم. وتدرك إيران أن صراعها اليوم هو ضد كل من لم يستوعب أجندتها الحقيقية، وتختلف بذلك في تجربتها ( الديمقراطية ) عن تجربة تركيا، وكلتا التجربتين يخوضها الإسلاميون بحماسة منقطعة النظير، ولكن شتان بين الاسلامين الإيراني والتركي، أي بين إسلام متشدد وإسلام منفتح، تجربة ايرانية لا تقبل حتى بالتعايش مع العلمانيين وتجربة تشارك العلمانيين نظام الحياة!
وأخيرا: التغيير سيبدأ منذ اللحظة
اعتقد ان التغيير كان سيصيب إيران لو زاول الاصطلاحيون الحكم، ولكن يبدو أن هذا الأمر سيحسمه الزمن القادم الذي سيشهد استيعابا لدراما الإيديولوجيات المتضاربة، والوعي السياسي عند القوى الاجتماعية، وتألب الحركات السياسية، ونمو الفصائل الجديدة ( ومنها تلك التي تقودها اليوم زهرا اشراقي حفيدة الإمام الخميني نفسه مع زوجها الدكتور رضا خاتمي شقيق الرئيس السابق ).. وستشهد ايران عدة متغيرات بعد إخفاق المحافظين في الوقوف ضد مبادئ الحرية والديمقراطية والمساءلة، واستبدادية الإيديولوجية، وسترتكب حماقات كبرى كانت كلها ستحسم باستخدام الإصلاح والتغيير بعيدا عن أمريكا وأجندتها، علما بأن غزلا إيرانيا أمريكيا قد بدأ علانية، واذا كانت الديمقراطية مجرد سلعة للمحافظين، فهل من الديمقراطية ان يشتم محمود احمدي نجاد الاصلاحيين شتما مقذعا في خطاب النصر الذي أذاعه ليلا؟ ألا يعتقد أن ثورة شوارع طهران ضده وضد المحافظين برمتهم لها معاني كبيرة.. وان إضرام النار في الهشيم سيأكل كل الأبواب المغلقة مع مرور الزمن؟
التعليقات
الدستور الثوري
وسام الوائلي -كل اقلام المحللين السياسين الغرب تقريبا اجمعت على ان الديمقراطيه في ايران هي صوريه لان سلطة الدوله هي سلطة الدستور الثوري وان الكلمه الاخيرة هي لفخامة السلطان الاوحد ولي الفقيه خامنئي وان سياسه ايران لن تتغير بغض النضر عمن يفوز.الخلاصة ان ايران ستبقى في عزلة دائمة وسيبقى الفرد الايراني يجني مازرع من هتافات ثورية زائفه جعلت منه فرد غير مرغوب فيه في معظم مطارات العالم وان الدعاية لايرانيه لديقراطيات صوريه منقوصه لم ولن تنطلي على صقور السياسه الغربين.
فخ دستوري
مازن الشيخ -الشعب الايراني ثار في بداية السبعينات احتجاجا على المهرجانات الاسطورية التي نظمها الشاه احتفالا بمرور 25 قرنا على ميلاد الامبراطور الفارسي كورش.حيث بذخ الشاه كثيرا جين كان الشعب يعاني من الازمات الاقتصادية. والحقيقة ان الثورة اشعلتها وقادتها الجبهة الوطنية بزعامة كريم سنجابي,ومساعده المهدي بزركان,واستمرت بذلك حتى دخل الخميني على الخط فبي منتصف السبعينات,وشارك الجبهة الوطنية واعطاها زخما اضافيا,لذلك فقد اطلق على الثورة لقب الدين المناضل,وهندما انتصرت الثورة بزعامة الخميني بداية1979وعين بزركان رئيسا للوزراء,وسنجابي وزيرا للخارجية( لانه كرديا ليس فارسيا,لم يعين رئيسا للوزراء)ذلك اكبر دليل على اعتراف الخميني بدور الجبهة(العلمانية) في انتصار الثورة.بعيد الانتصار,وفي قمة النشوة التي كان يعيشها الشعب بانتصار الثورة وهزيمة الشاه طرح الخميني نظام ولاية الفقيه للاستفتاء,فوافق الشعب بالغالبية ظنا منه انه اسلوب جكم جديد سيأتي بالخير والرفاه الى الشعب.وبذلك فقد سقط البلد في هذا الفخ الدستوري الذي رسم بعناية,تم بعدها تم التخلص من قادة الجبهة الوطنية الذين غابوا تماما عن المسرح السياسي,منذ ذلك الحين. اليوم يمكن القول بكل موضوعية ان الجيل الجديد في ايران لم يكم مسؤولا عن الموافقة على نظام ولاية الفقيه,لان الذي عمره الان 47 عاما لم يستفتي,كذلك الاقل عمرا,لذلك فلابد من اعادة التصويت واعطاءه الفرصة ان يختار النظام السياسي الذي يريده.ذلك ابسط قواعد ومبادئ الديموقراطية
طائفية بغيضة
حسام جبار -الى المعلقين بأسم وسام الوائلي ومازن الشيخ مادمتم من عشاق الديمقراطية كما تدعون فهل الديمقراطية في اكبر بلد عربي المحروسة مصر لاتهمكم !! ياترى لماذا لم نقرأ لكم أي تعليق على مقال الكاتب صبحي فؤاد ( هل هنالك بديل أخر غير التوريث امام المصريين ) !! أم هي الطائفية والعنصرية البغيضة دافعكم الوحيد لكتابة التعليقات ؟؟؟