التعليم والسلام العالمي (1/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في كتابه العلامة: "مستقبل الثقافة في مصر" عام 1938، كشف طه حسين (1889 - 1973) بحرفية عالية، عن وشائج القربي بين التعليم والثقافة والمواطنة، علي مر العصور. ورغم أن القضية المحورية للكتاب قد تمحورت حول التعليم وآلياته وكيفية النهوض به، فقد عنون كتابه ب" مستقبل الثقافة "، ليؤكد علي أن وظيفة التعليم الأساسية هي إعداد الفرد ليكون مواطنا مثقفا، ويتعامل بوعي مع ثقافة العصر وتحدياته وآفاقه، أي عصر.... فما هي طبيعه العصر الذي نعيشه اليوم؟ وأية ثقافة نريدها من تعليمنا الحالي، أو المأمول، حتي نحقق السلام العالمي؟
هناك قول لاتيني مأثور هو: "للكلمة قوة الفعل" hellip; verba valent usu hellip; لا ينطبق قدر انطباقه اليوم على لفظة - Globalization - التي ترجمت إلى "العولمة" في عالمنا العربي، رغم أن الأقرب إلى الدقة اللغوية مفردة أخرى هي "الكوكبية"، ذلك أن "لفظ الكوكبية" Globalization مشتق من اللفظ اللاتيني -Globus- أي كوكب الأرض. ومن ثم فإن الكوكبية تعني التعامل مع الأرض على أنها وحدة غير مجزأة. وكان تيار دي شردان هو أول من تنبأ بالكوكبية. يقول في كتابه "بناء الأرض": "إن عصر الأمم قد ولى ومضى، والمهمة الملقاة علينا الآن، إذا تجنبنا الفناء، هي أن نبني الأرض". وأفضت هذه العبارة إلى التعامل مع الأرض على أنها تمثل حضارة واحدة".(1)
من هنا فإن استخدامنا للفظة "العولمة"، والتي سبق وأجازها مجمع اللغة العربية بالقاهرة، نقصد به كوكب الأرض أو الكوكبية، وليس "الكونية"، Universalism-، من الكون، أو "العالمية" -Mondialisme وهو ترجمة للمصطلح في صورته الفرنسية، وذلك منعًا للبس أو الخلط. ولأن المصطلحات النظرية لا تصف كميات دقيقة يمكن تدوينها وضبطها في صيغ رياضية، وإنما هي تعبير عما يسمعه الناس فيها أو يريدون سماعه فيها، فإنه من الطبيعي أن يتفاوت فهم الأفراد للفظة "العولمة"، ومضامينها المختلفة، وبالتالي يصعب حصرها في تعريف واحد مهما اتصف هذا التعريف بالشمول والدقة.
أبرز تعريفات العولمة - Globalization، تدور حول فكرة " دمج العالم " في نسق واحد يشمل كل المجالات، ويجمع أطراف الكرة الأرضية في مجتمع عالمي واحد، فالعولمة هي: "كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع واحد" (مالكوم واترز). وهي "اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش" (رونالد روبرتسون). وهي "مرحلة من مراحل بروز وتطور الحداثة، تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي" (انتوني جيدنز). وهي "ترتبط شرطيًا بكل المستجدات خصوصًا المستجدات الاقتصادية التي تدفع في اتجاه تراجع حاد في الحدود الجغرافية والثقافية والاجتماعية القائمة حاليًا" (كينشي أوهماي).
وهو ما أدي إلي ثورة جديدة في مجال الوعي الإنساني:" إذ إن الانتقال من مجتمع الصناعة الى مجتمع ما بعد الصناعة ( أو المعلومات) - كما يقول أستاذنا السيد يسين - قد ولد نوعاً جديداً من " الوعي" يمكن أن نطلق عليه " الوعي الكوني" الذي يتجاوز كل أنواع الوعي السابقة: الوعي الوطني بكل تعريفاته من وعي اجتماعي، ووعي طبقي، ووعي قومي؛ هذا الوعي الكوني سيفرز قيماً إنسانية عامة فـ الكونية هي روح القرن الحادى والعشرين، ومما يؤكد ذلك أن تنمية شبكات المعلومات الكونية باستخدام الكمبيوتر وكذلك الأقمار الصناعية ستعمق التواصل والتفاهم بين الشعوب المختلفة، مما من شأنه ان يتجاوز المصالح القومية، والمصالح الأخرى المتباينة. من ناحية أخرى فإن الأزمات الكونية المتعلقة بنقص موارد الطبيعة وتدمير البيئة الطبيعية والانفجار السكانى والفجوات الاقتصادية العميقة فى العالم، ستولد حلولاً جماعية،إذ لا تستطيع دولة بمفردها أو مجموعة دول مهما عظم شأنها أن تتصدي وحدها للمشكلات الكونية، وهو ما أثبتته الأزمة الأقتصادية العالمية الأخيرة عام 2008.
الأهم من ذلك، هو أن دمج العالم وإلغاء حدوده الجغرافية، لم يكن ممكنا دون إلغاء الحدود العقلية والمعرفية أولا، والتي درجنا عليها منذ ديكارت والحداثة الغربية بدءا من القرن السابع عشر، وأسفرت عن تقسيم المعارف والعلوم إلي علوم طبيعية وعلوم إنسانية، وإلي التخصص الشديد وتعدد المناهج العلمية وتباعدها.
لذلك تسعي برامج التعليم ومناهجه في العالم اليوم إلي "اجتياز المناهجية" Transdisciplinarity من أجل إعادة تشكيل الوعي الإنساني وصياغته من جديد، ليواكب الثقافة الإنسانية الكوكبية - Globalization الصاعدة، وفتح آفاقًا جديدة له في الألفية الثالثة hellip; إنها باختصار مساهمة جادة في استعادة التوازن المفقود بين العقل الإنساني وتكامل المعرفة ووحدتها ( 2 )..... وبين ما خاص وما هو كوني، وما هو وطني وما هو عالمي.
يعد العام 1994 عاما فاصلا، بالنسبة لموضوعنا، حيث تبنت مجموعة من الفلاسفة والعلماء والتربويين والأدباء والفنانين، من معظم أرجاء العالم، ومن بينهم الشاعر العربي الكبير " أدونيس "، ميثاقًا بعنوان: " العبر مناهجية "، يعتبره العديد من الباحثين في العالم اليوم، بمثابة المكافئ لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي جاءت به الثورة الفرنسية عام 1789، في المجال الفكري والروحي.
الهدف من هذا الميثاق، إعطاء توجه مشترك للمناهج والمعارف والعلوم، ومحورتها حول حاجات الإنسان وتطلعاته، بتطوير رؤية جديدة للواقع ستصبح قاعدة للعمل الإنساني، في سبيل التحول التدريجي نحو أنموذج جديد - Paradigm ينطوي بدوره على مفاهيم وقيم جديدة.
الهوامش والمراجع:
1 - وهبه (مراد): ابستمولوجيا الكوكبية، ضمن أبحاث المؤتمر الدولي الرابع "حضارة واحدة وثقافات متعددة"، القاهرة - ديسمبر 2000، الجمعية الدولية لابن رشيد والتنوير، المحرران: مراد وهبه ومنى أبو سنة، مكتبة الأنجلو المصرية، 2002، ص - 6.
2 - عبد الله (عصام): علم تاريخ الأفكار، مركز زايد للتنسيق والمتابعة، دولة الإمارات العربية المتحدة، 2002.
التعليقات
ردود فعل (خوليو)
khalil -دور الثقافة العربية والإسلامية بشكل عام، هو دور ردود فعل لاأكثر، لأن تلك التعاليم والمعلومات نفذت صلاحيتها ولا تستطيع أن تلعب دوراً مؤثراً وموجهاً في الثقافة الكونية التي تفرض حضورها في جميع المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية، دور الثقافة العربية يشبه دور الأب الذي يعتقد بأنه يستطيع منع الحداثة عن أولاده بتحطيم التلفاز وبتكبير قفل الباب، والحداثة تدخل من وراء ظهره، دور الأب هذا هو ردود فعل لما يشاهد من حوله ولايستطيع فعل أي شيئ سوى المنع، ودور المؤسسات الدينية والتعليمية البالية في تلك الديار يشبه دور الأب المسكين، سيل الحداثة لايمكن أن يقف في طريقه شيئ، والحداثة آتية من أصحاب العقول العلمية وهي ليست عند الشعوب التي تعتمد بشكل رئيسي على تعاليم يسمونها علماً مع الاعتذار من العلوم الحقيقية.
وعد الاخرة
داريوس حرب -Globalisation = و جعلنا بعضكم يموج في بعض سورة الكهف وبعدها سيأتي وعد الاخرة: حروب و فتوحات و سلامثم نفخ في الصور و جمع للبشر و بداية الحساب
شكرا ...
M.Saidely -مقال جيد بداية بحث مهمةأتمنى الاستمرار في كتابة تكملة لهكذا مقال .. لاأدري..لماذا ذكرنتي كلمة العولمة هنا..انه عندما أذهب لاحد المولات .. طبعا كله يشبه بعض !