الأيديولوجية بين ديكتاتورية الثورة وديمقراطية الإصلاح (1)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليان
منذ أن تحررت دول الشرق الأوسط من الاستعمار العسكري، تحاول شعوب المنطقة إيجاد طريقها المستقل لتحقيق تنميتها الروحية والاجتماعية والاقتصادية. وقد طرحت الحركات السياسية في القرن الماضي أيديولوجيات متعددة للتغير، بين دكتاتورية الطبقة الكادحة بالشيوعية والاشتراكية والقومية، وديمقراطية الأحزاب المتعددة باللبرالية الرأسمالية. وقد نجحت بعض هذه الأحزاب للوصول للسلطة بالثورات والانقلابات لتحكم باسم الطبقة الكادحة وبشمولية نظرية الحزب الواحد. وقد صدمت هزيمة عام 1967 شعوب المنطقة، وأدت لردة فعل عنيفة بين الشباب، لتدفعهم للبحث عن حلول جديدة لتحديات حياتهم اليومية، فلم تتأخر المعارضة في طرح "أيديولوجية" الدين السياسي هو الحل. وقد تبلورت هذه الأيديولوجية في بدايات القرن العشرين بتأسيس حركة الأخوان المسلمين، وقوى عودها بعد تجربة الثورة الإيرانية في عام 1979. وبعد ثلاثة عقود من تجربة الحركات الحزبية للإسلام السياسي، وبعد انتخابات الأردن والعراق ولبنان والكويت والمغرب، وإرهاصات ما بعد الانتخابات الأخيرة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نحتاج لوقفة للدراسة والمراجعة. والسؤال لعزيزي القارئ: هل يواجهه الإسلام السياسي ثورة دكتاتورية "أيديولوجية" نظرية جديدة، أم يعيش تجربة مخاض إصلاحات ديمقراطية برغماتية؟
تناقش البروفيسورة الأمريكية روبن وايت في كتابها الجديد، الأحلام والظلال، معضلة الثورات في الشرق الأوسط، ومدى صلاحية هذا النوع من التغير الفجائي في زمن اللامعقول وعصر تكنولوجية الميكروشبس. فقد أكدت دراسة التاريخ بأن الثورات تأكل عادة بعضها، بالاضطرابات والمذابح وفشل تحقيق مثالياتها النظرية الموعودة، ولتنتهي لرد فعل بإرهاصات جديدة، قد تبذر منها نبتة إصلاحات ديمقراطية طويلة الأمد. فقد أنهت الثورة الفرنسية حكم البوربون وأدت للعدالة والحريات المدنية، ولكنها تفجرت بعهود طويلة من العنف الدموي والإرهاب، واحتاجت فرنسا لقرن من الزمن لتؤسس جمهوريتها الديمقراطية التي لم تكتمل إصلاحاتها حتى اليوم. وأسقطت الثورة الروسية حكم القياصرة، لتنتج مساواة لا طبقية بنظام سوفيتي لحكم شمولي بقى لسبعة عقود، ولينتهي انهياره ببذرة تجربة ديمقراطية "مبهمة" المعالم. وكان لمنطقة الشرق الأوسط في القرن العشرين نصيبها من ثورات قومية اشتراكية، والتي لم تنتهي حتى الآن لإصلاحات تنميتها وديمقراطيتها المنشودة. وفي عام 1979 بدأت تجربة فريدة في إيران، بانطلاق ثورة حماسية جادة، "جمع فيها أية الله روح الله الإمام الخميني الإيمان القديم مع التكنولوجية المعاصرة، لتوحيد اللبراليين مع التقليديين، الديمقراطيين مع الشيوعيين، التجار المحافظين مع نشطاء الطلبة الصاخبين، ليلهم الشعب الإيراني بالثورة." ووصفتها الكاتبة بأنها: "ثورة أصيلة بين عدة انتفاضات هبت على المنطقة خلال القرن الماضي، لأنها أنتجت أيديولوجية سياسية غيرت الطيف السياسي العالمي، وأدت لشكل فريد وعنيف من الإسلام السياسي، وبذرت أفكار جديدة عن الديمقراطية، من خلال ثوارها الذين تخمروا بسرعة ضمن النظام الجديد، ثم ثاروا ضده."
وقد توقع آية الله روح الله الإمام الخميني مجتمع جديد بعد هذه الثورة، وصفه في مقابلة مع صحيفة دير شبيجل الألمانية في عام 1978 بقوله: "مجتمعنا المستقبلي سيكون مستقبل حرا، وسيقضي على كل آليات القمع والوحشية والفرض." وقد عانت الثورة الإيرانية منذ البداية صراعات مختلف القوى الوطنية، وأستاء الإمام بالأخص من صراعات بعض رجال الدين السياسيين على السلطة، وقد وبخهم بمقولته المشهورة في عام 1981: "توقفوا عن عض بعضكم البعض كالعقارب." وحينما تفاقمت النزعات على السلطة في عام 1987 كرر انتقاده لهم بالقول: "زرع النزاعات بين علماء الدين من أسوء الذنوب." فلم يكن راضيا، رحمه الله، بأي دور لرجال الدين في السلطة، لإيمانه بأن إغراءات السلطة الدنيوية قد تفسد، وبأن استلام بعض رجال الدين لهذه السلطة وبإدارتهم للسياسة باسم الدين، قد يحول حكمهم مع الوقت لسلطة مطلقة، قد تعيد تجربة استبداد الشاه من جديد. وقد صرح الأمام الخميني لصحيفة الليموند الفرنسية في عام 1979 خلال رجوعه لإيران بالقول: " نيتنا بأن لا يستلموا رجال الدين الدولة." وقد وفى بوعده حينما تشكلت أول حكومة إيرانية بعد الثورة من مسئولين تكنوقراط، ولم يكن بينهم رجال دين. وحينما بدأ الشعب الإيراني في كتابة دستوره، برزت الخلافات الحادة على السلطة بين التكنوقراط المتخصصين وبعض رجال الدين السياسيين، فعرضت أربعة ألاف صياغة للدستور الجديد، وانتهت بصياغتين أكدتا معا بضرورة استمرار التكنوقراط في السلطة، ومنعت تدخل رجال الدين في الحكم، وطالبت ببرلمان قوي لمنع الرئيس من الاستبداد برئيه، كما اقتبست الكثير من القوانين الأوربية، ولم تعطي جميع أطراف النزاع أي دور سياسي لرجال الدين.
لقد وافق آية الله روح الله الإمام الخميني على الصياغة الثانية للدستور، ومع ذلك لم ينتهي الصراع على السلطة، ليستمر الخلاف وليطالب مجلس الثورة انتخاب فريق جديد لكتابة الصياغة الأخيرة للدستور. وقد ترافق ذلك بخلاف شديد بين الأطراف المتنازعة، ونجح بعض رجال الدين السياسيين، بعد ستة أشهر من بدأ الثورة، الحصول على ثلثي أصوات مجلس صياغة الدستور، بعد أن قاطعت انتخاباته القوى السياسية الوطنية. وقد فصل الدستور الجديد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأيد حق الانتخاب للمواطنين منذ سن السادسة عشر، ونجح بعض رجال الدين السياسيين من "فرض سلطاتهم المتوازية القوية على جميع فروع سلطات الدولة من خلال مؤسساتهم الدينية ومعظمها بالتعين." وحينما زادت النزاعات حول المراكز وقوت مواقع بعض رجال الدين السياسية، اضطر الأمام الخميني رفع الحضر عنهم للمشاركة في السلطة، ليؤدي ذلك لانتخاب آية الله خامنئي رئيسا في عام 1981، بل وليخلف الأمام الخميني بعد وفاته في عام 1989 كالمرشد العام للثورة.
وبعد أن تصاعدت الأصوات المعارضة ضد الدور السياسي المتشدد لبعض رجال الدين السياسيين، استاء المرشد العام للثورة الجديد من تزايد هذه الأصوات لينتقدهم في عام 1995 بقوله: "يحزنني أن أرى الذين يعتبرون جزءا منا، يتفهمون الحقيقة بطريقة ملتوية وينشرونها. فتفسير الدين ليس علما يستطيع فهمه الجميع، فالفقه هو العلم الرئيسي لرجال الدين. وما يواجهه بعض رجال الدين من معارضة يفرح الصهاينة والأمريكيين، لأنهم وجهوا قلوبهم لتحطيمهم. وسيصفع النظام الإسلامي هؤلاء بقوة على وجوههم." واستمرت الخلافات في تفاقم متصاعد بين القوى السياسية الوطنية وبعض رجال الدين السياسيين المتشددين، لينتقد الثورة وتصرفات حكومتها في عام 1989، آية الله علي منتظري، الذي سماه الإمام الخميني بثمرة حياتي وعينه خليفة له في بدايات الثورة، بقوله: " لقد فشلت الثورة في تحقيق وعودها وتحتاج الحكومة لإصلاح حالها. ولا يجوز لها أن تحارب الأفكار المعارضة بالقتل، لأنه لا يمكن حل أية مشكلة بتلك الطريقة، بل يجب الرد عليها بأفكار أقوى. وإذا استمرت الحكومة بتجاهل المعارضة فستتحول كلماتها لرصاصات قاتلة."
كما أختلف علماء الثورة على فلسفة ولاية الفقيه، فالبعض أيدها بشدة، بينما تحفظ عليها البعض الآخر لاعتقاده بأنها تخالف الفلسفة التقليدية للدين الإسلامي. ومن أوائل ثوار ومفكري الثورة الذين تحفظوا على هذه الفلسفة، هو المفكر الإسلامي الإيراني محسن كاديفار، والذي شرح تصوراته بالقول: "كل فرد في المجتمع، وكل فرد في الحكومة محكوم بالقانون، ولا يمكن أن يكون أحدا فوق القانون، فالجميع لهم حقوق متساوية. وتعتمد جذور فلسفة ولاية الفقيه على عدم المساواة، وتفرض بأنها فوق القانون. فجاء الوقت لكي يلزم مركز المرشد العام للثورة بالدستور، فهذا المركز ليس لرسول من الله، ولا لأمام معصوم عن الخطأ، بل هو مركز لبشر مثلنا. فقد حول هذا المركز القوة المطلقة لولاية الفقيه، لقوة غير عادلة وغير شرعية، كمثل سلطة الشاه الغابرة. وفي الحقيقة من واجب رجال دين التبحر في الدين ونشر أخلاقياته الروحانية الدائمة، لا أن يتنازعوا في متاهات سياسة المصالح الدنيوية الفانية. وسيرجعون هؤلاء بأفكارهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للوراء بدل أن يدفعوها للأمام في اتجاهه المستقبل."
وحينما زادت أوضاع الثورة تعقيدا، ولاحظ آية الله حسين كاظماني بوروجيردي خطورتها على سمعة الدين الإسلامي علق بقوله: "أن أكثر الضحايا إصابة من هذا النظام هو الدين الإسلامي نفسه، فيصر النظام أن يلتزم الشعب بالإسلام السياسي، أو يدخل السجن أو ينفى أو يقتل. ويبدو بأن الشعب قد مل من الدين السياسي، ويطالب بالرجوع لدينه التقليدي الروحاني." وقد امتد هذا الخلاف حتى ضمن عائلة المرشد العام نفسه، فأخوه الأصغر الشيخ هادي "ثائر غير عادي،" وقد سجل اسمه كمرشح لانتخابات عام 1998 لمجلس الخبراء، الذي من اختصاصه اختيار المرشد العام للثورة ويراقب أدائه، فرفضته السلطة بحجة عدم تأهله، وقد علق على الأوضاع السياسية في البلاد بقوله: "أهم شيء ننظر له اليوم في إيران هو تطبيق القانون. ويعني ذلك بأن لا أحد منا، مهما يكون مركزه، فوق القانون. ومع الأسف، الموجودين في القمة لا يريدون قبول هذا الحق الأساسي، ويعتبرون أنفسهم فوق القانون. وغالبية رجال الدين ليسوا في السلطة، وهم مقتنعين بما أقوله، ويعارضون الحكم السياسي الديني." كما علق أكاديمي جامعة طهران هادي صيمتي بقوله: "بأن هناك على الأقل 95% من رجال الدين الذين لم يستفيدوا من الثورة، فبعضهم حصل على المال والسمعة، ولكن الأغلبية فقراء ولم يكونوا يوما جزءا من تركيبة السلطة." ويبدوا بأن الحقد قد انتشر بين الشعب الإيراني ضد بعض رجال الدين السياسيين المتشددين، لذلك بدأ الفقراء من رجال الدين البعيدين عن السلطة، بالإحساس بالإهانة في المجتمع الإيراني، ويعكس ذلك رواية أحدهم بقوله: "تركت قريتي وذهبت بقرب الشارع وانتظرت التاكسي تحت ظلال شجرة في عز حر الصيف، وحينما وصلت السيارة وأخذني السائق معه، وإذا به فجأة يتوقف ويطلب مني النزول، فحينما سألته عن السبب قال: لأحرم عليك التظلل بظلال الشجرة، ولكي تعاني هنا من حرارة الشمس الحارقة في وسط الشارع، قبل أن تحرقك نار جهنم." وتعكس هذه الحادثة مدى شدة الصراع في المجتمع الإيراني حول أيديولوجية الدين السياسي، وانشغال بعض رجال الدين السياسيين بالنزاعات الدنيوية، وعدم تفرغهم لأمور دينهم وممارسة اختصاصهم بنشر قيم وأخلاقيات والسلوك الروحاني بين أفراد المجتمع، والذي في أشد الحاجة له مجتمعات عالمنا المادي اليوم. ولنا لقاء.مل من الدين السياسي، ويطالب بالرجوع لدينه التقليدي الروحاني." وقد امتد هذا الخلاف حتى ضمن عائلة المرشد العام نفسه، فأخوه الأصغر الشيخ هادي "ثائر غير عادي،" وقد سجل اسمه كمرشح لانتخابات عام 1998 لمجلس الخبراء، الذي من اختصاصه اختيار المرشد العام للثورة ويراقب أدائه، فرفضته السلطة بحجة عدم تأهله، وقد علق على الأوضاع السياسية في البلاد بقوله: "أهم شيء ننظر له اليوم في إيران هو تطبيق القانون. ويعني ذلك بأن لا أحد منا، مهما يكون مركزه، فوق القانون. ومع الأسف، الموجودين في القمة لا يريدون قبول هذا الحق الأساسي، ويعتبرون أنفسهم فوق القانون. وغالبية رجال الدين ليسوا في السلطة، وهم مقتنعين بما أقوله، ويعارضون الحكم السياسي الديني." كما علق أكاديمي جامعة طهران هادي صيمتي بقوله: "بأن هناك على الأقل 95% من رجال الدين الذين لم يستفيدوا من الثورة، فبعضهم حصل على المال والسمعة، ولكن الأغلبية فقراء ولم يكونوا يوما جزءا من تركيبة السلطة." ويبدوا بأن الحقد قد انتشر بين الشعب الإيراني ضد بعض رجال الدين السياسيين المتشددين، لذلك بدأ الفقراء من رجال الدين البعيدين عن السلطة، بالإحساس بالإهانة في المجتمع الإيراني، ويعكس ذلك رواية أحدهم بقوله: "تركت قريتي وذهبت بقرب الشارع وانتظرت التاكسي تحت ظلال شجرة في عز حر الصيف، وحينما وصلت السيارة وأخذني السائق معه، وإذا به فجأة يتوقف ويطلب مني النزول، فحينما سألته عن السبب قال: لأحرم عليك التظلل بظلال الشجرة، ولكي تعاني هنا من حرارة الشمس الحارقة في وسط الشارع، قبل أن تحرقك نار جهنم." وتعكس هذه الحادثة مدى شدة الصراع في المجتمع الإيراني حول أيديولوجية الدين السياسي، وانشغال بعض رجال الدين السياسيين بالنزاعات الدنيوية، وعدم تفرغهم لأمور دينهم وممارسة اختصاصهم بنشر قيم وأخلاقيات والسلوك الروحاني بين أفراد المجتمع، والذي في أشد الحاجة له مجتمعات عالمنا المادي اليوم. ولنا لقاء.
د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات
الشعوب تصنع مصائرها
وسام الوائلي-امريكا -انا لا اعرف لماذا لا يتجرأ القلم العربي بانتقاد الشعوب حيث الجهر بالاعوجاج اعلى رتب الاصلاح.نحن نتفق ان الديكتاتورية الايرانيه مستمره بغض النظر عمن يفوز حيث ان السلطه والقانون النهائي هي بيد الملك الكهنوتي خامنئي,لكنه من صنع هذا الكهنوت؟ ومن ارسى اسسه؟ ومن اعطاه هذه القوه؟نحن لا ننكر انه استمده من الشعب الذي صنع الثوره الاسلاميه ونادى بقياده الخميني زعيمهم الاول .وهم انفسهم من دعموا خامنئي .اذن عملية التغير لايمكن ان تكون الا ايرانيه شعبيه دمويه كما بدئت بمعنى(اصلح ماجنت يديك ايها الشعب)
الشعوب تصنع مصائرها
وسام الوائلي-امريكا -انا لا اعرف لماذا لا يتجرأ القلم العربي بانتقاد الشعوب حيث الجهر بالاعوجاج اعلى رتب الاصلاح.نحن نتفق ان الديكتاتورية الايرانيه مستمره بغض النظر عمن يفوز حيث ان السلطه والقانون النهائي هي بيد الملك الكهنوتي خامنئي,لكنه من صنع هذا الكهنوت؟ ومن ارسى اسسه؟ ومن اعطاه هذه القوه؟نحن لا ننكر انه استمده من الشعب الذي صنع الثوره الاسلاميه ونادى بقياده الخميني زعيمهم الاول .وهم انفسهم من دعموا خامنئي .اذن عملية التغير لايمكن ان تكون الا ايرانيه شعبيه دمويه كما بدئت بمعنى(اصلح ماجنت يديك ايها الشعب)