كتَّاب إيلاف

حيرة الغرب وارتباكه إزاء عدوانية الأنظمة الشمولية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أشرنا في مقال سابق إلى نقاط ضعف الديمقراطيات الغربية في التعامل مع القوى والأنظمة الشمولية، مما يجعلها مرتبكة في غالب الأحيان، ومنقسمة على نفسها، ومكررة أخطاءها القديمة في عهود الحرب الباردة، حين كانت تتراجع، وتقدم التنازلات للكتلة السوفيتية، وتخضع لثقل الدعايات المعادية، المنطلقة سواء من اليسار واليمين المحليين، أو من وسائل إعلام الكتلة الشرقية - السوفيتية.

لقد كان أمن هذه الدول بالذات يتهدد أحيانا بعمليات منظمات إرهابية، كانت تجد عون المال والسلاح من دول كبلغاريا، وألمانيا الشرقية، وهذا ما حدث في إيطاليا وألمانيا وإسبانيا وغيرها. ونذكر مثلا عمليات منظمات مثل بايدر باينهوف، والفيالق الحمر، ومنظمة الباسك في إسبانيا، وكدعم عمليات الاغتيال وخطف الطائرات، التي كانت تنفذها العناصر الفلسطينية المتطرفة.]

إن هذه الأنظمة لا يصعب ابتزازها خارجيا، أو اختراقها داخليا، وذلك بحكم كونها أنظمة ديمقراطية لا أيديولوجية، وتسمح بأوسع الحريات، وتستمع للرأي العام الداخلي، وتأخذ بالحسبان مواقف المعارضة الداخلية.

إن القوى والأنظمة الشمولية هي التي عادة تبادر وتهاجم، فتقابل ترددا غربيا، وحتى تقديم التنازلات لها باسم التهدئة، كما فعل تشمبرلن مع هتلر قبيل الحرب العالمية الثانية. وإن القوى والأنظمة الشمولية هي التي لا تلتزم بالاتفاقات والقرارات المتخذة، التي سبق لها التوقيع عليها، دوليا، أو إقليميا، أو ثنائيا.

لقد وقعت في الأسابيع القليلة الأخيرة أحداث تبرر هذا التحليل، وفي المقدمة أحداث ومواقف إيران واستفزازات كوريا الشمالية. ومن ذلك أيضا تحدي نظام البشير للمحكمة الجنائية الدولية، واعتباره الحديث عن عملية إبادة في دارفور "صناعة خارجية".

نظام الفقيه - باسداران قد خرج للعالم بوجهه الدموي البشع، وأراق دماء المتظاهرين، وراح النظام يتحدى واشنطن ودول الغرب كافة ومجلس الأمن حول النووي باعتباره موضوعا "مغلقا ولا نقاش حوله. وتتالت الحملات ضد الصحفيين الغربيين، واعتقل رعايا ودبلوماسيون غربيون، في محاولة يائسة لاتهام الغرب بتفجير موجة الاحتجاج الشعبية الداخلية.

بيونغ يانغ عادت لإطلاق عدة صواريخ جديدة في يوم 4 الجاري، وهو يوم العيد الوطني الأميركي، وذلك في تحد صارخ لإدارة اوباما.

والغرب؟؟ لم يتخذ الاتحاد الأوروبي تجاه اعتقال الدبلوماسيين البريطانيين في طهران غير إجراء سحب السفراء، ليس إلا، وبرغم كل مواقف نظام طهران وممارساته، وخصوصا خطره النووي، فلا يزال أوباما متشبثا بوهم الحوار، وإمكان إقناع ذلك النظام بالتراجع عن النووي، وبانتهاج سياسة عقلانية مسالمة، وبعدم التدخل في شؤون الدول المجاورة. وقد علق الصحفي الأميركي تشارلز كروتمر في مقال له للتو على سياسة اوباما تجاه طهران بالحديث عن "عبثية الحسابات الجيو- سياسية في التعامل مع إيران، لكونها غير واردة أصلا، وهي غير واقعية، فلا إيران تتراجع عن النووي، ولا هي تكف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، ناهيكم عن عدم واقعية تصور رغبتها في مساعدة واشنطن في أفغانستان. وينتقد الكاتب أيضا موقف اوباما من انتفاضة الجماهير الإيرانية، وما تتعرض له من قمع وسفك دماء وحملات اعتقال، ويسأل:"أين هو رئيسنا؟ إنه يخاف من دس أنفه، يخاف اتخاذ موقف بين من "يكسرون الرؤوس ويفرضون القيود على الناس"، وبين المناضلين من أجل الحرية. "هذا هو ما يصدر عن رئيس يتخيل نفسه الشخص الذي سيعيد إحياء القيم الأميركية في العالم." [ ترجمة المقال في صحيفة "الشرق الأوسط" ليوم 2 تموز 2009]

يقول المفكر الفرنسي الراحل ريفيل إن من الغباء وقصر النظر عدم استيعاب الظروف الهامة الجديدة، ووجوب تكييف السياسات معها؛ ولكن من قصر النظر المضاعف أن تقع تجارب سياسية مماثلة لما حدث في الماضي، تجارب قدمت الدروس، ولكن نسيان تلك الدروس اليوم، وتكرار الخطأ. وفيما يخص إيران، فالتجارب الماضية قريبة جدا، بل وحاضرة متكررة، ونقصد كل المساعي والمحاولات والقارات الدولية حول النووي الإيراني منذ 2002، كما نقصد الواقع البادي للعيان عن تدخل إيران الواسع في العراق ولبنان وغزة واليمن، والبحرين، وحتى في الصومال، المهددة اليوم بالانهيار لصالح قوى الإرهاب الإسلامي. نضيف هذه العلاقات الحميمة مع قطر، التي تفتح منافذ جديدة للتدخل في الخليج.

وبيونغ يان؟ إنها تستفز استفزازات خطيرة من يوم لآخر، دون أن نرى حتى اليوم غير بعض العقوبات الجزئية، التي تتحداها كوريا الشمالية بكل عنجهية، رغم أن هناك احتمالا قويا باستعدادها لتسليم النووي للقاعدة نفسها، فضلا عن دعم النظام الدموي في بورما والنظام الإيراني.

السياسات المترددة والأفلاطونية لأوباما، واختلاف الحسابات والمواقف داخل الاتحاد الأوروبي، تتحمل جزءا كبيرا من مسئولية استمرار التحدي الإيراني، برغم أن النظام بات متخلخلا بعد الانتفاضة، وكذلك من مسئولية تصاعد غطرسة كوريا الشمالية. نقول تتحمل "جزءا كبيرا" من المسئولية، إذ ليست وحدها المسئولة، فهناك مواقف روسيا والصين، في الميل لإيران والعلاقات مع بيونغ يان.

إن هذه المواقف الغربية، والأميركية خاصة، تتجلى أيضا في الموقف من حماس، الذي قام كارتر بإعطائها تزكية سياسية بزيارته لغزة، بينما تعمل على تعطيل كل مصالحة فلسطينية - فلسطينية، بل وتتآمر على حياة أبو مازن. كما هناك تعنت البشير ونظامه، فالسيناتور الأميركي الديمقراطي جون كيري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، يتصل بأقطاب النظام السوداني الشمولي، وقد لمح لهم عن احتمال إلغاء العقوبات المفروضة على النظام، وكذالك وعد برفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب. وهنا، في قضية دارفور، تلتقي مواقف الدول الإفريقية بهذه المواقف الأميركية الجديدة، فقد أعلنت تلك الدول تجميد علاقتها بالمحكمة الجزائية الدولية.

يقول الدكتور علي بحر الدين دينار، المدير المشارك في جامعة بنسلفانيا لمركز الدراسات الأفريقية، إن التغيير في سياسة الرئيس أوباما نحو دارفور قد "شكل مفاجأة حقيقية للناشطين في الشأن الدارفوري"، وقال إن هذا التغيير يتسق لحد كبير مع سياسات اوباما الرامية "إلى فتح صفحة جديدة في تعاطي السياسة الدولية"، مضيفا: " إن هذه النظرة الإجمالية، بوضع كل الدول على قدم المساواة، أمر خاطئ، خاصة في التعامل مع أنظمة قهرية، لا هم لها إلا إهانة شعوبها، وإذلال مواطنيها." ويرتبط بهذه المواقف، تشكيك أحاديث ساسة أميركيين نافذين بوجود تطهير عرقي في دارفور. وكما يقول علي بحر الدين أيضا، "نجد الجنرال غريشن، مبعوث أوباما للسودان، مفتونا للغاية بإمكانية سلام حقيقي في السودان. وهذه نظرة خاطئة وخطيرة، وقد سبقه في الزعم ذاته كثيرون."

أجل، إن الحديث عن "الشراكة"، التي كرر أوباما ذكرها في خطاب القاهرة، يبقى غامضا مطاطا، بل وخطرا، ما لم يجر تحديد وتوضيح مدلول هذه الشراكة، ومع أية دول، وبأية شروط؟ فهل تريد الولايات المتحدة مثلا التعامل مع كل الدول الإسلامية من منظور هذه "الشراكة"، وعلى قدم المساواة بينها، الشراكة التي تفترض الحقوق المتساوية؟؟ أي، هل هذه الشراكة تنطبق أيضا على التعامل مع أنظمة القهر الدموية الشمولية؟!!

إن شعار الشراكة كرره الرئيس الأميركي من قبل في قمة دول أميركا اللاتينية، مما جعل بعض الصحفيين الأميركيين ينتقدون الخلط بين الأنظمة، بدلا من الإعلان بأن النظرة تختلف من دولة لأخرى، لا وضع الجميع في سلة واحدة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
من يخترق الشرعيه
pier -

أكبر إختراق لما يسمى بالشرعيه الدولية هو الإحتلال البربري الأمريكي للعراق و رفض إسرائيل إنشاء الدوله الفلسطينيه والغياب المطلق لأي ضغط على إسرائيل من أجل أن تتدخل في معاهدة منع إنتشار الأسلحة النووية....

اوباما ودع الخلق
مصرى بجد -

منذ خطاب اوباما فى القاهرة والجميع عرف سياستة المبنية على مصلحة امريكا اولا واخيرا ودع الخلق للخالق فهو بمعنى اصح لايريد ان يقحم امريكا فى سياسة الدول الداخلية وجعل الشعوب فريسة فى فم الحكومات الشمولية فى الشرق الاوسط ولكنها سياسة سوف تعود على امريكا بالخراب والدمار مع وجود انظمة مستبدة مثل ايران وكوريا كل ما يهمها امتلاك القوة حتى تتوسع وتتسلط حتى على عتاة الديمقراطية فى عقر دارهم حتى من خلال الارهاب واى وسيلة اخرى تضعف تلك الدول اليمقراطية فلن يستطيع اوباما التفاهم مع ايران وكوريا من خلال الحوار لانها دول محكومة بالكرباج والعنجهية فخير سياسة للتعامل مع تلك الدول هى سياسة اسرائيل التى لا تهادن او تتبع التقية فى الحوار فيا اوباما كفاك تقية لان الايام سوف تثبت ان سياسة بوش مع هذة الدول هو الاصح

المصالح هي الحاكم
محمد سعيد -

تنطلق سياسيات الغرب عموما ليس من المبادئ والقيم التي يامل الكاتب توفرها في الانظمة الراسمالية العالمية بل تتحكمها مصالحها الخاصة. فهي تساند الانظمة الشمولية اذا رات انها تخدم تلك , والتاريخ الحديث شاهد علي ذلك انها دعمت وستظل تدعم كافة الدكتاتوريات ومنها نظام صدام عندماخرب الاقتصاد العراقي ودمر ما فية من مقومات تنموية ومنطلقات نهضوية وحتي بعداستخدامة اسلحةكيماوية ضد شعبة. ان مازق الغرب الراسمالي يكمن في مبدا تصعيد الربح لاغير وان المبادي والقيم الانسانية هي فقط لشعوبة وهي من المحرمات للشعوب الاخري وضرب من الخيال وهي لاتهمة. الديمقراطية ولاغيرها من الشعارات الحرية والرفاة الاجتماعي تصادرليس فقط عند تعارضها مع توفير مستلزمات استمرار هيمنة الغرب علي العالم والتحكم بمصير الشعوب ,بل تصبح عائقا لعملية تعظيم ارباح شركاتة متعددة الجنسيات .ففكرالامال و الرغبات لاينطبق علي كينوية الراسمالية

يا لبراءة هذا الغرب
غسّان-كندا -

نعم، يا للبراءة في عيون هذا الغرب المعذّب بنشر الحضارة و الإنسانية و العدالة! و بالمناسبة نرى أنه من الواجب تضامنا مع هذا الغرب العطوف الرحيم أن نشجب شعب فلسطين الذي هجر أرضه و عرّض نفسه للقتل بالنابالم و طائرات إف 16 و ما شابه. و كذلك، نرجوا أن يطال شجبنا شعب الجزائر الذي نحر ما يقارب المليون فرد في صده عن تلك البراءة و تيك الحضارة. و يجب أن لا ننسى إدانة شعوب العراق و إيران و أفغانستان و كذلك باكستان و غيرها مما تسببت بقتل الملايين من أبنائها تنكرا و هربا من الديموقراطية و الحرية و التمدن و التحضر. و رجاؤنا أن تعم براءة هذا الغرب و حضارته أرجاء المعمورة و لو بإبادة كل ما قد يعترضه من قاذورات! مع التأكيد على أن هذه الإبادة ستكون حتما على يد هذه القاذورات و الغرب بريء من هذا الفعل براءة الذئب من دم يوسف!

الفرق
رشيد -

كاتب محافظ أكثر من غلاة المحافظين الجدد، والغريب هو أنه لا يريد تصديق أن التدخل الأمريكي في العراق لا يمكن إعادة تكراره كتجربة في أي بقعة من العالم، لأنه على إثره أصبحت دولة العراق دولة طالبانية وفقا لتعبير سابق لذات الكاتب، فلقد انتهى هذا التدخل إلى فضيحة بجلاجل، كما يقول المثل المصري الشائع، .

الباطن والظاهر
معاوية -

يمكن تشبيه العلاقة بين اسرائيل وايران وكذلك دمشق وحسن الايراني بالعلاقة، بين المدير أو المسؤول وسكرتيرته، ..........، حيث يطلب المدير من سكرتيرته عدم إدخال أحد عليه وخاصة فلان، وعندما يحضر فلان الذي يعتقد بأنه الصديق الأوحد للمدير تحاول السكرتيرة منعه بشتى الوسائل وعندما تفشل ويدفع الباب بقدمه ويدخل يعتذر له المدير ويوبخ السكرتيرة ويخصم عليها بضعة أيام وهي ضمنيا تضحك لأن الخصم يعني مكافأة ، فهذه العلاقة ظاهرها غير باطنها وقد يكون متزوجها سرا فهي بمثابة خط الدفاع الأول له تحميه حتى من زوجته التي تشتكي لها ظلم وقسوة زوجها كلما رأتها لإبعاد الشبهة. وهنا أيضا علاقة اسرائيل بإيران وأذنابها ظاهرها غير باطنها وغرابة تصرف الإتحاد الاوربي وامريكا يفسره إنصياعهم للوبي الصهيوني ، والأمثلة كثيرة منها إستقبال احمدي نجاد على مدرجات الجامعات الامريكية الذي يؤجج العداء ضد العرب والاسلام ويدر العطف ويزيد المعونات لاسرائيل وتحليق الطائرات الاسرائيلية فوق قصر الاسد كان لحمايته وإنذارا لأي محاولة لتهديد عصابته وكذلك تزويده بالمعلومات ومنها التي أدت الى نحر كنعان وكانت أول رسالة لرفعت اسد الى اسرائيل يطلب موافقتها على إنقلابه على اخيه حافظ، فهذه الأدوات تسقط فقط عندما ترفع اسرائيل الغطاء عنها ولكنها لن تفعل الآن على الاقل لأن خدماتهم لا زالت جليلة.