كتَّاب إيلاف

فتكم في الكلام

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

....، من الفنون القولية أيضا، التي كانت معروفة في القهاوي: (فن القافية) وهي مباراة كلامية بين شخصين، يتميزان بخفة الظل وسرعة البديهة واللماحية وطلاقة اللسان والقفشة الساخرة، يقول الأول كلاما لاذعا في وصف الثاني، فيرد الثاني عليه بكلمة (اشمعني) وهي اختصار " أيش معني "، فيرد الأول عليه ردا ساخرا.... وهكذا، إلي أن يفحم أحدهما الآخر، وسط ضحكات وقهقهات رواد القهوة.
ومن زعماء (فن القافية) في حي الجمالية بالقاهرة: الأديب الكبير "نجيب محفوظ"، وقلده هذه الزعامة في الثلاثينيات من القرن العشرين، الحاج فهمي الفيشاوي صاحب قهوة " الفيشاوي " بميدان سيدنا الحسين. وكان الحاج فهمي نفسه فتوة حي الجمالية يوما ما، وعنه أخذ نجيب محفوظ شخصية الفتوة الشهم في معظم رواياته، الذي يحمي الضعفاء من الظلم والبطش، وأيضا شخصية السيد أحمد عبدالجواد (سي السيد) في الثلاثية.
وقد نصح محفوظ الفنان يحيي شاهين قبل أن يؤدي دوره في فيلم (بين القصرين) عام 1963، بالاقتراب من الحاج فهمي دون أن يشعره بذلك، حتي يتقمص شخصيته في السينما، واستمر شاهين يراقب الحاج فهمي في سكناته وحركاته مدة شهر كامل، حتي استلهمها تماما.
أما قهاوي وسط البلد، وتوجد بين منطقة الأزبكية مرورا بميدان الأوبرا وحتي ميدان التحرير، فهي خاصة بالفن والأدب والصحافة والطرب، وتشبه قهاوي العواصم الثقافية الكبري في أوروبا: باريس والحي اللاتيني ومونمارت ومونبارس، التي نالت شهرتها من كبار المفكرين والأدباء الذين كانوا يرتادونها أمثال: جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وغيرهما. وفي ألمانيا، حيث كان نابليون بونابرت يجلس في قهوة أبولدا، وكتب جوته رائعته " فاوست " في " قبو أولباخ "، وصب مارتن لوثر كينج جام غضبه في منشوره الشهير علي قهوة " فايمار ". وفي لندن، حيث القهاوي ماتزال منذ العصر الفكتوري تعلق صور العظماء الذين أرتادوها أمثال لورد بايرون وشيللي وغيرهما.
ولعبت قهاوي وسط البلد دورا تاريخيا في الحياة الثقافية والسياسية المصرية، وارتادها جمال الدين الأفغاني وبيرم التونسي وأحمد رامي وسيد درويش ونجيب الريحاني وبديعة مصابني ومحمد التابعي وعلي ومصطفي أمين وزكي طليمات وجورج أبيض والسيدة روز اليوسف، وفيها لحن سيد درويش رواية " العشرة الطيبة " وكتب بديع خيري معظم مسرحيات الريحاني.
وكان الرقص الشرقي من الفنون الأساسية التي تقدم في القهاوي بالإسكندرية مرورا بالدلتا وحتي القاهرة، من خلال الغوازي والعوالم، والفرق بينهما في درجة الاحتشام والثقافة، فالعالمة كانت تسلك سلوكا أكثر وقارا حتي في العري، وهي تتميز بأن لها علم بالموسيقى والألحان والعزف على العود، وأحياناً كانت تحفظ العالمة بعض القصائد والأشعار التي تقوم بغنائها إطراباً للمستمعين، فضلاً عن الرقص طبعا. أما الغازية فهي تخاطب غرائز الرواد فقط لزوم الفرفشة والأنس، ويصاحبها أحيانا شخص يسمي " الخلبوص "، يأتي بحركات خليعة أثناء الرقص وكثير من الإفيهات الجنسية، ومن أشهر هذه الرقصات رقصة " النحلة ".
وكانت الغازية تؤدي هذه الرقصة علي أنغام الموسيقي الصاخبة التي تصاحب الزار وهي تتلوي من لسع النحل الموهوم، وتغني " النحل يا هوووه... يا ناس حوشوووه ". وأمر محمد علي باشا بمنع هذه الرقصة من قهاوي القاهرة، وكان فرمان المنع هو أول قرار بالمصادرة والحظر في تاريخ مصر الحديث، لتتوالي من بعده القائمة السوداء.
وربما كان متأثرا في هذا القرار بمنع حكومة فرنسا وقتئذ لرقصة (الفرنش كونكون)، لكن علي حين أدركت فرنسا خطأها ورفعت الرقابة سريعا، و اعتبرت مواطنيها راشدين بما فيه الكفاية، لان يميزوا وبحرية تامة بين الصواب والخطأ، اتخذ المنع والحظر والمصادرة في مصر أشكالا أخري، وآخرها قضايا الحسبة. (قبل أيام رفعت دعاوى قضائية تطالب بسحب جائزة الدولة التقديرية التي حصل عليها د. سيد القمني في العلوم الاجتماعية للعام الحالي 2009).
وتوجد قهوتان شهدتا رقصات الغوازي، الأولي في باب اللوق وعرفت باسم " خمسة باب " ومنها جاء اسم الفيلم الذي أحدث ضجة في الثمانينيات بطولة نادية الجندي وعادل امام، وسميت هذه القهوة ب " الحرية " فيما بعد، وكان يرتادها طلاب الجامعة الأمريكية قبل نقلها إلي مدينة القاهرة الجديدة. كما توجد قهوة أخري وسط البلد أطلق عليها العملاق صلاح جاهين اسم " قهوة النشاط " وفيها استقي شخصياته الكاريكاتورية وكتب أجمل أشعاره العامية الساخرة، حيث كان معظم روادها من العواطلية والبصاصين علي النساء من المارة، وأصحاب المعاشات.
وقد سميت بعض قهاوي القاهرة بأسماء خاصة تدل علي نشاطها أو طبيعة روادها، فكانت توجد قهوة في شارع الأزهر تسمي قهوة " أفندية "، مثلت التمازج بين الأفندية من أصحاب الياقات البيضاء والمشايخ سابقا، وقهوة " البورصة " وهي خاصة بالتجار والمضاربين في بورصة القطن، وفيها كانت تدار حركة الأموال والأسهم، كما وجدت قهاو بأسماء أصحابها كالفيشاوي و" يني " و" ريكس " و" عبدالله " وغيرها.
كما توجد قهوة في شارع عرابي بوسط البلد ما يزال يستمع فيها الرواد للحفلات الحية لسيدة الغناء العربي، وهي تحمل اسم " أم كلثوم "، وعلي بعد خطوات منها قهوة " الفن " التي تقع أمام مسرح الريحاني بشارع عماد الدين، وهي خاصة بالكومبارس والريجيسترات ومتعهدي حفلات الفنانيين، حتي اليوم.
وأشهر قهاوي المثقفين، هي: " ريش " التي أعيد افتتاحها أخيرا، و " زهرة البستان "، و " علي بابا "، والجلسة الثقافية، و " التكعيبة " الذى يجلس عليها الأدباء الشبان، وغيرهم.
أما أغرب هذه القهاوي فقد كانت توجد في حارة " حلقوم الجمل " بشارع الأزهر، وعرفت بصراع الديوك الهندية، وهو فن يشبه مصارعة الثيران في أسبانيا، ونطاح الكباش بشمال إفريقيا والشام. والديك الهندي يختلف عن الديك البلدي في ان حجمه ضامر يتميز بالرشاقة وخفة الحركة والشراسة والقدرة علي العراك إلي حد الموت، ونتيجة لكثرة المشاحنات والحوادث بين المتراهنين وأصحاب هذه الديوك، منعت الحكومة المصرية صراع الديوك بالقهاوي.
bull;من مقدمة كتابي: " القاهرة سابقا "، تحت الطبع.
dressamabdalla@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اين المقال يا ايلاف
emeiolio -

اين المقال يا ايلاف

والله خوش مقال
hmd -

والله خوش مقال مايتعب احد بالقراءة والتحليل او ممكن تكون فذلكة منكم او من الكاتب بهدف معرفة قراء الاستاذ عصام عبد الله بس مو حلوة بحقكم ولا بحق الكاتب ...... ش ك ر ا

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لورا -

ومقال الاستاذ مجدى خليل ايضا مختفى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

لاحظ
عادل -

مقال ظريف لكن رجاء ملاحظة الفرق بين ;مارتن لوثر; الذي عاش في القرن ١٦ و ;مارتن لوثر كنج; الذي عاش في القرن العشرين

النحل يا ناس!
ن ف -

لعلّ ما لفت انتباهي هو أن الكاتب استخدم كلمة ((قهاوي)) جمع ((قهوة)) بدلا من مقهى أو مقاهي. وتلفظ الكلمتان بـ الهمزة في الدارجة المصرية. وما أضحكني في المقالة هو ((النحل يا هووووه.. يا ناس حوشوووه)) علماً أن المقالة رائعة كلها، بل هي ((شربات)) كما يقولون في مصر.

مقالة ممتعة
!!!!!!! -

مقالة ممتعة من كاتب متميز. قرأت في مدونة مقال يقول بأن أحد آسباب تدهور الفكر المكتوب بالعربية هو إختفاء الهجاء. وقرأت تعليقاً أيضاً للسيد ن.ف يقول فيه بأن العرب لايتقبلون النقد. كلام جميل وعميق. وشكراً

فرفشة
رولا الزين -

استاذ عصام نحن الزغاليل - كتاباتك نفحات مصرية تنتشل القراء من قتامة الكتابات السياسية. وهذه المقالة ذكرتني بتعبير هوا العصاري في الليلة الكبيرة لصلاح جاهين او تنهيدة محمد عبد الوهاب في أغنية كل دا كان ليه ( قالي كم كلمة -يشبهو النسمة -في ليالي الصيف ) . بعدين يا اخي ن ف ما تدقش قهاوي ولا مقاهي حارات ولا حواري ... .تسلم ايدك عصام باشا وفتك بعافية ؟؟

الهجاء
!!!!!!! -

الهجاءهذا المقال كتب من قبل أبو هزاع الطلسماني أسباب تدهور الحضارة العربية الحلقة الأولى: إختفاء الهجاء. سيظن البعض بأن مشروعي طموح جداً، ولهذا فسأحاول أن أختصر بشدة. ليس هناك ترتيب معين في هذا المسلسل الذي سأسولفه لكم ولهذا فقررت أن أبدأ بموضوع الهجاء لأهميته الشديدة وكيف أن إختفاءه لدليل على تدهور حضارة معينة.الهجاء فن أدبي وهو نقيض المديح. في الهجاء يمكن للمعنى أن يحتوي بعداً إجتماعياً، أو سياسياً. مثلما حمل الشعر الحديث بعض قضايا الوطن فيمكن أن يظهر نوع متمشكل إسمه الهجاء الملتزم. تذكر أن الهجاء قديماً أتى بعلم كلامي دعي بعلم النقائض. تذكر أنه عندما تلعثم الفكر الغربي في القرن العشرين تجددت الحداثة على يد كل من هجا أخطاء ماسبق. تدين فترة مابعد الحداثة وجودها للمدارس الهجاءة وليس للتوافقيون ومرسلي التحيات اليومية الهزازوا الرؤوس الميكانيكيون. في فضائنا الثقافي اليوم يسود فكر معين لايحترم الهجاء. نرى هذا في الإنترنت التي سمحت للناطقين بالعربية أن يعبروا عن أفكارهم بعيداً عن أجهزة الرقابة التي عرفونها في عالمهم الناطق بالعربية. في ذلك الفضاء خلقت الظروف المعقدة والحياة الصعبة دوماً شخصيات اعتبرت نفسها من بادئ الأمر فوق كل نقد ولهذا فنرى عدم إحترام آراء الهجائين سيد الموقف. المعارك في الإنترنت خلقت مؤسسات رقابة تشابه أجهزة الرقابة الأصلية في بلدان المنشأ للكثير من الكاتبين في الإنترنت. هذه مشكلة كبيرة عندما يخلق البعض أجهزة رقابة بعدما هربوا هم أنفسهم من أجهزة رقابة من قبل. تذكر سيدي الكريم بأن الإنترنت سمحت بوجود نوافذ جديدة لخروج النور. الهجاء في الغرب المتقدم موجود وبكثافه عالية جداً بيمنا يسود المديح الإطرائي في بلدان الشرق الأوسط. لننظر إلى الموسيقا ولنأخد الراب على سبيل المثال، فشتم وحتى تهديد الآخرين أسياد الموقف وقد أصبحا فنوناً يحاول الكثير الإرتقاء إليها. من أنجح العروض في مدينة نيويورك هو مبارزة يدعونها بالبصق حيث يبصق الكلام متبارزان على حلبة أمام حكام وجمهور. نوادي الكوميديا دلالة التقدم وفيها الهجاء على أشده. في بعض المحطات المخصصة للكوميديا يجلب كوميديون مشهورون ويشووا كما يقولون بالتمسخر الشديد منهم وهجاء شخصياتهم و أعمالهم ومن خطهم الفكري. في الأيام الذهبية للغة العربية لم يجد الحطيئة أحداً ليهجيه فهجى نفسه، ومن أغنية أعرفها قال الشيخ إمام

الى !!!!!! رقم (8) .
الحكيم البابلي . -

الهجاء أصطلاح يخص الشعر ، وهو أن يهجو الشاعر شخصاً أو قوماً ما ، ويقول المُنجد : هجو ، هَجَا ، يَهجُو هجواً وهيجاءًوتَهجاءً ، أي : عدد معايبهُ ووقع فيه وشتمهُ ، فهو هاجٍ وذاكَ مهجو . وأعتقد بأن هزاع الطلسماني يخلط بين معنى الهجاء ومعنى النقد ، لأنه يتكلم عن النقد في الغرب ويسميه هجاءً . النقد في الغرب شائع ومعروف ومرغوب ، بعكس النقد في الشرق والذي يُعتبر شتيمة وإهانة وقد يؤدي بصاحبه الى الموت أحياناً . وفي الغرب يأتي النقد بأشكال وطرق لا تُعد ولا تُحصى ، ولا ينجو منه أحد حتى رئيس الجمهورية ، وهذا دليل حضارة وليس وقاحة وتطاول كما تتصورها مفاهيمنا وثقافاتنا الشرقية المتزمتة . وأجمل طرق النقد في الغرب وأقربها الى نفوس الناس هو ما يدعونه stand up comedy وله مشاهيره الكثيرين وكان أشهرهم في السنوات الأخيرة george carland والذي توفي قبل أشهر ، وهو كوميدي شجاع جداً ، وكان ينتقد كثير من الظواهر الأجتماعية حوله وخاصة الديانة ، وكان نقده للأشياء يأتي عن أسلوب مُقنع ومنطقي ومعقول ومدروس ، ومن الصعوبة بمكان محاججته . أما الهجاء ، فمعروف عند العرب وخاصة في الجاهلية ، وله شعراء كثيرين منهم : الحطيئة ، فرعان بن الأعرف ، الفرزدق ، جرير ، المتنبي ، وغيرهم الكثير . وهناك ما لا يقل عن ثلاثين شاعر عربي قتلتهم قصائدهم الهجائية ، ومنهم المتنبي . أما قول السيد هزاع الطلسماني ( ولا أعرف من هو ) بأن أختفاء الهجاء دليل على تدهور حضارة معينة !!!، فهذا موضوع آخر أترك لغيري الخوض والبت فيه . تحياتي .

إلى الحكيم
!!!!!!! -

تحية: لاأدري من هو هذا الأبو هزاع الطلسماني ولكن منطقه أعجبني. كلامه مختصر ومفيد وأعتقد أنه عنى تماماً ماقالته حضرتك لأن الهجاء كما ورد في مقاله هو النقد. الStand up comedy التي تكلمت عنها هي ماقصدها هذا الطلسماني في قوله نوادي الكوميديا. الشخص الذي تكلمت عنه حضرتك إسمه George Carlin ولاأزال اتمتع بخفة دمه وسرعة بديهته الناقدة بعد وفاته وكنت أشاهده قبل ذلك أيضاً. مقاربه الطلسماني بين الهجاء والنقد، برأي المتواضع، دقيقة. ماأعجبني في كلام الطلسماني هو الإختصار والدقة. مع التحية