كتَّاب إيلاف

الشرق الأوسط بين لعنة النفط وديمقراطية الغرب (1)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أعتقد بعض خبراء الغرب، بأن تاريخ العالم قد انتهى، بعد أن فشلت التجربة الشيوعية بدكتاتوريتها البلوريتارية، وأثبتت التجربة الرأسمالية الغربية نجاحها بديمقراطيتها الليبرالية، ولم يبق على دول العالم إلا أن يقلدوا هذه التجربة الناجحة التي أخترعها الغرب بعقوله المبدعة. وتسرعت بعض دول الشرق في تقليد هذه التجربة وعملت تهيئ شعوبها لسوق العولمة الجديدة، فتنافست لتحرير قوانينها التجارية والمالية من أية قيود، بحجة أن السوق الحرة تنظم نفسها، وفرضت الخصخصة في كل مجالاتها الحياتية، بل واستغلتها بعض الحكومات للتخلص من مسئولياتها في الرعاية الصحية والتعليم وتأمين التعطل والتقاعد، لتحولها على القطاع الخاص. وقد زادت ثقة الغرب بديمقراطيته، وحاول فرضها على العالم بالقوة، فتجاوز قرارات الأمم المتحدة، ليغزو دول بعذر تحريرها من حكامها ونقلها من عصور الدكتاتورية والظلام لعصر حرية السوق والديمقراطية الغربية. والسؤال لعزيزي القارئ: هل حقق الغرب بنظامه الرأسمالي وبديمقراطيته اللبرالية طموحات شعوبه؟ وهل يحتاج الشرق الأوسط لتقليد هذه التجربة لتحقيق ازدهاره؟
لقد قيم البروفيسور دومبنك موسي، الأستاذ الفرنسي بجامعة هارفارد، التجربة الغربية في مقاله بصحيفة اليابان تايمز في الثالث والعشرين من أبريل الماضي، وتحت عنوان، الثورة الجديدة للجماهير. فعرض البروفيسور ما وصلت له ديمقراطية الغرب برأسماليتها الفائقة لسيطرة قلة من المؤسسات الخاصة العملاقة على حكوماته وبرلماناته وتشريعاته، بعد تحرير سوقه الحرة من القوانين المنظمة، والتي يعتقد البروفيسور بأنها كانت السبب الأساسي لانهيار سوق المؤسسات المالية وبداء الأزمة الاقتصادية الحالية. وتساءل البروفيسور: هل وحدت هذه الأزمة الاقتصادية شعوب الغرب في الغضب، كما وحدته في الخوف؟ فقد بدأت تتوقف الكثير من المصانع عن العمل في فرنسا، وزادت موجة الغضب ضد مدراء المؤسسات العملاقة الخاصة، كما أدى دفع العلاوات الكبيرة لمدراء الشركات الخاصة، التي اعتمدت على بقائها على المليارات من أموال دافعي الضرائب، لغضب عارم في الشارع الأمريكي والإعلام والكونجرس، وزاد شك الشعب البريطاني بالمصرفيين ونواب البرلمان. وتساءل الكاتب: هل فعلا بداء في دول الغرب الشرخ بين الحكام والمحكومين في أجواء هذه الأزمة؟
لقد كان الغضب الغربي متوقعا بعد الأزمة المالية والاقتصادية الجديدة، ويرجع السبب الذي وحد هذه الشعوب لتصاعد غضبها، هو رفضها لتزايد عدم المساواة في المعاملة، وتباين الوضع الاقتصادي بين فئات مجتمعاته المختلفة. ويعقب الكاتب بالقول: "فبقيم الجمهورية الفرنسية في الحرية والمساواة والأخوة، أصبحت الحرية شعارنا جميعا بعد سقوط جدار برلين في عام 1989، بينما أصبحت المساواة شعارنا الجديد بعد أن أنهار اقتصادنا الرأسمالي. وهل المناداة الجديدة للمساواة ستملي الفجوة التقليدية بين الولايات المتحدة وأوروبا؟ وهل سيأخذ الحلم الأمريكي صيغة أوروبية جديدة؟ وهل سيأمل الأمريكيون بعد تواضع اقتصادهم، أن يحلموا بغنى شبيه بغنى الطراز الأوروبي؟ وقد دق ناقوس الخطر حينما ساءت الأوضاع بشدة، بتزايد عدم المساواة الاقتصادية في دول الغرب، مما أدى للشعور بالظلم وليزداد الغضب. كما إنكمش، خلال العقدين الماضيين القطاع الصناعي الأمريكي، على حساب توسع القطاع المالي، وزادت الفجوة بين قلة غنية في القمة ومعظم الفئات الشعبية المتوسطة والفقيرة. كما زادت الأزمة الجديدة الطين بلة، فتآكلت أموال القمة الغنية وزاد فقر باقي الشعب، ففقد الجميع الأمل وزاد يأسهم وغضبهم. ولم يعد الغضب محدود ضمن المتطرفين المعادين للرأسمالية والعولمة، بل انتشر هذا الشعور بالظلم بين مختلف قطاعات المجتمع وزاد عدم الثقة برجال السياسة وبرلماناتهم." والسؤال المحير: كيف ستتعامل شعوب الشرق الأوسط من هذه الأزمة الاقتصادية الجديدة؟ وهل ستستفيد من تبعات أخطائها كفرصة للعمل على بناء ديمقراطية تعتمد على قيم وثقافة وحضارة الشرق، لكي تحقق مستقبل أجيالها القادمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
لقد اعتمدت دول الشرق الأوسط خلال القرن الماضي على اقتصاديات النفط الريعية، ولم تعاني من ضغوط ملحة لتنويع اقتصادها وتطوير تكنولوجية تصنيعها، وتهيئة قواها البشرية، ومراجعة دساتيرها وأنظمتها. كما أصبحت هذه الدول شريان الطاقة المغذي لاقتصاد الغرب وأمنه، لذلك حاول الغرب المحافظة على سيطرته ومستعمراته. وبنضال شعوب المنطقة ضد الاستعمار، وبالاعتراف الدولي لمبادئ حقوق الإنسان، تخلصت هذه الشعوب من أغلالها، فحررت مواردها النفطية وأسست شركاتها الوطنية، وتركت أسعار نفطها لتوازنات السوق. فاستمرت أسعار النفط في الصعود لتصل لأرقام غير مسبوقة في العام الماضي، فجمعت هذه الدول ثروات طائلة، وملئت صناديقها الادخارية، وغطت تكلفة خططها ومشروعاتها الطموحة. وقد أدت الأزمة الاقتصادية الحالية لذوبان أموال صناديق ادخارها وانخفاض قيمة احتياطي ثروتها النفطية. والسؤال: هل سيستفيد شعوب المنطقة من هذه الأزمة للتخلص من لعنة النفط، وتعمل دولها لبناء مجتمعات تكنولوجية صناعية معاصرة، تجمع بين احترم القانون والالتزام بقيم حضارتها، لكي تحقق تنميتها الاجتماعية والاقتصادية المنشودة؟
لقد علق الاقتصادي البريطاني ديفيد هوول، عضو مجلس اللوردات والوزير السابق، بمقال بصحيفة اليابان تايمز، في الثاني من شهر مايو الماضي، وبعنوان الشرق الأوسط والنفط الرخيص، يقول فيه: " لم يكن هناك أدنى شك بأن دول الشرق الأوسط ستزداد ثراء، في أيام الفقاعة الذهبية، حينما كانت سوق الأسهم في تصاعد مستمر بارتفاع سعر برميل النفط لأكثر من المائة والأربعين دولارا. فجمع المنتجين العرب أموال طائلة في صناديقهم الادخارية واستثمروا في كل بقاع العالم، وتمتعوا بحياة مرفهة مريحة. وبعد أن تغير الوضع الآن، فهل سيؤدي انخفاض أسعار النفط، والرغبة العالمية لتقليل الاعتماد عليه، لأن تراجع دول الشرق الأوسط أولوياتها وخططها المستقبلية؟" فمن الواضح بأن هناك قلق كبير بين الدول المنتجة للنفط، وهم يلاحظون الخطط الغربية الجديدة للتعامل مع التلوث البيئي، بخفض الاستهلاك النفطي وزيادة الاعتماد على تكنولوجية كفاءة استهلاك الطاقة، وعلى طاقة المواصلات الكهربائية والطاقة النووية والنظيفة.
وقد عبر بعض قيادات المنطقة عن قلقهم على الطاقة النفطية بأقوال عديدة ومنها: "الحديث عن التغيرات المناخية تعرض بقائنا الاقتصادي للخطر." و "يجب ألا نستخدم عبارة الطاقة البديلة، فكأننا نحاول التخلص من النفط، بل علينا استخدام عبارة جديدة وهي الطاقة المزدوجة، الأحفورية والنظيفة." و"علينا الاستثمار في تطوير تكنولوجيات تحويل الطاقة الملوثة لطاقة نظيفة." كما "علينا أن نستخدم طاقة النفط بكفاءة وحكمة قبل نضبها، لتستمر الحاجة للطاقة المزدوجة، النظيفة والأحفورية معا." كما أن هناك حوار عالمي حول أسعار النفط التي ستحتاجها الدول المنتجة للمحافظة على نمو اقتصادها بدون أن تؤدي لبطئ نمو الاقتصاد العالمي. ومن الواضح بأنه قد بدأت تعتمد خطط بعض الدول النفطية المتشائمة على تقديرات باستمرار انخفاض أسعار النفط، فعملت على تنويع مصادر دخلها بتطوير تكنولوجية التصنيع وتهيئة مواردها البشرية. بينما استمرت الدول المتفائلة بارتفاع الأسعار على الانتظار لتنفيذ خططها، أما الدول المعتدلة التفاؤل فاستمرت في الاستثمار في تطوير تكنولوجيات الطاقة المزدوجة الملوثة والنظيفة لتستطيع المحافظة على تنفيذ خططها الإنمائية. وينهي الكاتب مقاله بالقول: "بين كل هذه التقديرات هناك رويأ لعالم عربي أكثر استقرارا وازدهارا، متخلص من لعنة النفط ومن مجتمعاته الغير متوازنة والمتباينة في توزيع ثرواتها. وقد تكون اشراقة لبدء مجتمعات أكثر حيوية وإبداعا، ليرجع العصر الذهبي للقيادة الفكرية العظيمة للعرب، والذي نظر العالم بأسره للاستنارة بإبداعاتها في العصور الوسطى." ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
خرافة
امل -

ان هذا من المستحيل ان يكون تقليل الاهتمام بالنفط ولكن العملية تجري كما هو يقال تحوير المسائل لكي يتسنى لنا العمل بالشكل المناسب لنا وهذا ما يحدث فاذا كان حقيقة ان النفط اصبح ثانوي لوجود بدائل فهذا وقتي والدليل انظر الى كل الصحف والبحث المتواصل عن مواقع النفط في اماكن اخرى في العالم من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب ... اذا كل هذه الصفقات تعني شيء واحد وهو تعبير مجازي ومحاولة اثبات قوة ... لنحلل التاريخ الاقتصادي لانه من خلاله سنقف على نقاط نبهرنا ونعجز عن تصديقها