عندما تجف دموع تيامات: العراق سيفقد نهريه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"ثم وضع رأس تيامات، وأهال جبلاً فوقها... وأطلق دجلة والفرات عبر محجريها..." (أينوما أيليش "ملحمة الخلق البابلية")
في خمسينيات القرن الماضي، رأى خبراء البنك الدولي بأن المعضلة الأساسية التي تواجه إدارة المياه في ارض ما بين النهرين هي تخزين مياه الفيضان لنهري دجلة والفرات وفروعهما، أما اليوم فقد باتت معضلة الفيضان من ذاكرة التاريخ، إذ يرى الخبراء بأن أرض ما بين النهرين التي أطلقت الحضارة البشرية الأولى مهددة بفقدان النهرين نهائيا بحلول عام 2040 نتيجة للسياسات المائية للجارة تركيا، وبدرجة أقل سوريا وإيران، وبالتأكيد لغياب الرؤية المستقبلية لحكام العراق المتعاقبين وانعدام الثقافة التنموية والشعور بأهمية إدارة الموارد المائية على مستويات القرار بحيث بات التصحر والجفاف من أكبر تحديات المستقبل، بل وأكبرها على الإطلاق. فما كنا نعتبره من المسلمات بأن العراق لن يعطش بوجود النهرين "الخالدين" بات نسيا منسيا أمام حقائق الواقع المريرة.
وفي العراق اليوم لا تبدو مسألة المياه، وهي مسألة الحياة بكل أشكالها، ملحة جدا أمام قضايا مثل شكل الدولة وتعريف الفدرالية وصلاحيات المحافظين وصراعات المجلس والدعوة والتحالف والتآلف والتوافق والوفاق والسنة والشيعة والعرب والأكراد وغيرها من المسميات التي عجزت منذ أن ورثت إمبراطورية القمع العتيدة إلا عن إضافة المزيد من الآلام إلى المخزون الطافح بها أصلا. فلا تجد كل تلك الكتل تجتمع مثلا لمناقشة إستراتيجية وطنية تنموية وسياسية ودبلوماسية لمواجهة هذه الأزمة القاتلة، ولا تراها حتى هما شعبيا. فها هو دجلة العتيد الذي روى العراق منذ فجر التأريخ يوشك على فقدان 33 مليون مترا مكعبا من المياه سنويا إذا استمرت سياسات المياه التركية بإيقاعها الحالي، وقد خسر العراق فعلا ثلثي كمية المياه المتدفقة إليه في السنوات الخمس والعشرين الماضية وفق تقرير الجمعية الأوروبية للمياه والذي يرى مستقبلا قاتما تتحول فيه ما كانت يوما تدعى بأرض السواد لكثافة غطائها الزراعي إلى امتداد للصحراء العربية الكبرى.
ليس سرا بأن إقامة المنشآت المائية مثل السدود وغيرها على النهرين الكبيرين وفروعهما من قبل تركيا وسوريا وإيران بدون الأخذ بالاعتبار مصلحة الجار العراقي وأخلاقيات التعامل الدولي واتفاقيات المشاركة في المياه وعلى الأخص معاهدة الأمم المتحدة الخاصة باستخدام المسارات المائية الدولية للأغراض غير الملاحية من أهم أسباب الأزمة مضافا إليها الجفاف وقلة التغذية المطرية في العقود الأخيرة. فلا تزال تركيا تقيم السدود على منابع الأنهار غير عابئة بالتأثير المدمر لذلك على مصباته ضمن مشروعها المسمى بـ "جاب" (مشروع تنمية منطقة جنوب شرقي الأناضول) الذي انطلق حسب الدكتورة منى الرفاعي أستاذ القانون الدولي بجامعة بغداد في العام 1933 عندما بدأت تركيا بإجراء المسوحات الهيدرولوجية في منطقة المشروع معلنة قرارها السياسي بأن مياه النهرين ملكية تركية صرف، وهو ما عبر عنه لاحقا الرئيس الأسبق سليمان ديميريل قائلا بأن "لا حق للعراق وسوريا في المطالبة بحقوق في أنهار تركيا كما لا حق لتركيا في المطالبة بحقوق في بترول البلدين، فالماء ماؤنا والبترول بترولهم.. إنها مسألة سيادة، فليس لهم أن يقاسموننا مياهنا وليس لنا أن نقاسمهم بترولهم".. هكذا وبكل وقاحة في مخالفة صريحة للمادة السابعة من معاهدة الأمم المتحدة الخاصة باستخدام المسارات المائية الدولية للأغراض غير الملاحية والتي تنص على حق الدول الواقعة على مسارات المياه (الأنهار) الدولية في استخدامها على أن تتخذ الإجراءات الضرورية لضمان عدم إلحاق الضرر بالدول الأخرى التي تمر فيها تلك الأنهار". ولو رأى سد "اليسو" المفترض إقامته على نهر دجلة النور لكانت الكارثة محققة سيما لو عرفنا بأن نهر دجلة يغطي 60% من احتياجات العراق المائية والتي ستصل إلى 77 مليون متر مكعب سنويا عام 2015 أمام تدفق متوقع المياه في العراق يصل الى 43 مليون متر مكعب سنويا فقط. هذا ناهيك عن إيران التي لا تنفك تحول مسارات الفروع الصابة في دجلة وشط العرب بلا كلل أو ملل رغم أصدقائها الذين يملئون كراسي الحكم في بغداد والذين يبدون في ملكوت آخر. وبالطبع فإن تدمير النشاط الزراعي في العراق فرصة ذهبية لتركيا وإيران وسوريا لتصريف بضاعتهم الكاسدة التي باتت سلة الغذاء الرئيسية في أرض ما بين النهرين اليوم. "فليشربوا بترولهم"، هذا ما أراد ديميريل أن يقوله.
قبل سنوات امتشقت القاهرة سلاحها الجوي بعد ان اعتزمت أثيوبيا بناء سد ضخم عند منابع النيل في فكتوريا، ولم يعد الهمس الباكستاني عن التعبئة النووية في مواجهة النقص المحتمل في موارد المياه عبر الأنهار الستة المتدفقة من الهند سرا، فالماء هو الحياة والدفاع عنها هو صراع وجود. ويخطئ من يعتقد بأن العالم لن يذهب إلى الحرب من أجل المياه، فسيفعل وقريبا جدا، ومن هنا مرد الأقاصيص الخيالية في العراق عن "الدولة المسالمة التي لا تحتاج جيوشا" والهادفة إلى القضاء نهائيا على أرض ما بين النهرين في عالم بدأ نشأته وبنى مدنياته قديما وحديثا على أساس الصراع على الموارد، وأي من الموارد أهم من الماء، فأرض بلا ماء هي بالنتيجة أرض بلا شعب، وأرض بلا شعب ليست بوطن لأي أحد. وقد رأينا بوادر ذلك في العراق ذاته حينما احتدم الجدل قبل أسابيع بين دولة الديوانية وجمهورية السماوة مقرونا بالتهديدات المتبادلة حول حصص المياه.. نعم حصل ذلك في وادي الرافدين.
اليوم بات التصحر يجتاح أراضينا بعد أن اجتاح عقولنا، وبتنا مهددين بفقدان أنهارنا وأهوارنا، وبالعطش الشامل وانعدام الزراعة، وبابتزاز الجيران لنا من أجل قطرة ماء، ولا أدري ما قيمة "الصداقات" الأميركية والإيرانية والسورية والتركية لحكام اليوم إذا لم تسهم في إنقاذ العراق من الكارثة المحدقة، وما قيمة الموازنات الانفجارية في وطن سيصبح يوما بلا ألوان كما رآه يوما المرحوم جواد سليم، وما العراق بلا دجلة والفرات؟
قبل أكثر من ستين عاما قرر الصينيون مواجهة التصحر ففرضوا على كل فرد زراعة ثلاث إلى خمس شجيرات في العام والعناية بها حتى نجحوا في غضون ربع قرن من زيادة المناطق الخضراء من ثمانية بالمئة إلى اثنتي عشرة، واسترجعوا كثيرا من الغطاء النباتي المفقود بفعل زحف الصناعة واستهلاك الأخشاب، بل وعملت المساحات الخضراء الجديدة على زيادة خصوبة الأراضي المجاورة وعلى استدرار المزيد من مياه الأمطار، وهكذا عملت كوريا الجنوبية وغيرهما. أما نحن فلدينا هموم أكبر بكثير من الماء والخضراء والغذاء والدواء، وهو ذلك الجدل الايديولوجي الميثولوجي العقيم الذي لا ينتهي، والذي بات يعمينا عن زحف الصحراء الكاسح الذي يكاد يكتسحنا تماما.
وإنصافا نقول بأن عددا من المسئولين والجمعيات الأهلية والمنابر الأكاديمية والإعلامية باتت تنادي بخطورة مشكلة المياه على مستقبل العراق، إلا أن الجهد الوطني الشامل لمعالجة أزمة المياه والتصحر على جميع المستويات بما فيها الاستنجاد بالعالم أجمع بات أولوية قصوى تتلاشى أمامها جميع الأولويات، فإن جفت دموع تيامات فلن يبق ثمة عراق، ولن تعد هنالك أية قيمة لكل هذا الجدل ولا لأي حديث عن الأعمار والبناء والتنمية، فلا قيمة لأرض بلا بشر، ولن يكون ثمة بشر في أرض بلا مياه.
التعليقات
...
لور -يا سيدي لمن تكتب المقال، ليس السياسيون وحدهم هم الفاسدون، لاحظ انه لا يوجد حتى تعليق واحد على موضوعك المهم والمصيري ولو كتبت في المقدمة جملة واحدة تستفز فيها المشاعر الطائفية لوجدت التعليقات بالمئات ولتحولت الصفحة الى ساحة حرب بين جنود عميان للارهاب وجنود اعمى منهم للطائفية وكلاهما خاسر قبل ان يشهر سلاحه فمن منهم تأمل ان يعي مقالك المهم!!... العلة في ضعفنا وتخلفنا وليست بتركيا او ايران ...الكوارث المحدقة بنا من كل جانب هي استحقاق منطقي وعادل لكل الشعوب الغارقة بالجهل والغباء، العراق للاسف سفينة غارقة نخرها صدام ويتمها الان من اتى بعده فحاول القفز منها وانقذ نفسك قبل فوات الاوان
الحل
عواد -شكراً للاخ الكاتب على هذا الأهتمام ,خضرتك ذكرت الأسباب والمخاطر التي تحدق في عراقنا ولكن لم تذكر الحل!!سوى أنك لمحت للحرب ,ننتظر الجواب .
مقال جميل
!!!!!!! -واوافق المعلقة رقم واحد بكل ماقالته.
مقال واقعي .
عراقي - كندا -مقال واقعي وصائب ولكن لاحياة لمن تنادي !! أشباه السياسيين قد أعتادوا على الصراعات من أجل الزعامة والمنصب ونهب المال العام وعامة الناس إما مكتئب حزين الى ماآل إليه وضع العراق وإما غير مبالي لكل الآحداث , دول الجوار خاصة تركيا لاتهتم إلا بمصالحها في مجال المياه , فلماذا لانهتم نحن بمصالحنا أيضا , هذا إذا كنا نحب أرض العراق فعلا وليس قولا فقط !!
العبرة
الامنتمي -إذا ما تحقق حلم ;الأخوة والأصدقاء الأعداء من جيران العراق; في تحول البلد إلى أرض قاحلة فسيتحول سكان البلد إلى أسبارطيين أشداء - وهم في طور ذلك التحول الآن - ويأتون على الأخضر واليابس في العلمانية المتأسلمة تركيا والفارسية المتشيعة أيران لأن الجوع لا يرحم. أقرأوا التاريخ ففيه دروس وعبر. ولكن لا حياة لمن تنادي. إذا لم يتفق ساسة البلدان المعنية بتفاهم أزمة المياه في العراق مع قياداته الطارئة فسيجنون على شعوبهم مستقبلا. ألا يجدر بحكومات تركيا وايران والعراق وسوريا التعلم من تجربة الأتحاد الأوربي في التعايش السلمي على أساس المصالح المشتركة؟ أم أن أولئك من كوكب ونحن من كوكب ثان؟ لقد كنت أختم تعليقاتي سابقا بعبارة ;والعبرة للعقلاء، ولكني أتسائل اليوم هل بقي عقلاء في هذا الجزء من العالم لكي يعتبروا؟;
شكراً على هذا المقال
فاعل خير -أوافقك الكلام صديقي العزيز. وأن مهد الحضارة الانسانية ستتحول إلى مزبلة في القريب العاجل إن لم يتم التوقف على هذا الأمر بكل جدية من كافة التيارات والقوى العراقية الديمقراطية. لأن القوى المتنفذة اليوم في عراقنا الحبيب لا همَّ لها سوى تنفيذ إملاءات دول الجوار وهي لا تعد ولا تحصى. ونشكر الدول الاوروبية التي سحبت تمويلها لسد أليسو على أنه سبب في خراب البيئة والقضاء على جيوب تاريخية تعود لآلاف السنين.وعلينا ألا ننسى موقف قوات الدفاع الشعبي الكردستاني التي اصدرت بياناً تتوعد فيها تركيا بأقصى الهجمات إن هي أصرت على بناء هذا السد الخطير. ولكن مع الاسف نرى أن رؤوساؤنا العراقيين يلهثون من أجل التوجه نحو تركيا ليقتاتوا مما تبقى على موائدهم، بحجة محاربة العمال الكردستاني والقضاء على قواته الانصارية.وهذه القوات هي ظهير وورقة رابحة بيد العراق ضد تركيا ومشاريعها الشوفينية والفردانية في المنطقة وعلى الجميع أن يدعمها ويساندها في نضالها ضد تركيا، ولكن مع الاسف اخي الكاتب ماذا اقول ومسؤولينا كانوا اليوم في اجتماع في انقرة يتباحثون مع امريكا في كيفية القضاء على هذا الحزب.وليعلم الجميع أن العمال الكردستاني هو الصرخة الاخيرة لإحياء إينوما إيليش من جديد وإبعائها للحياة كي ترى ما هو حال نماردة اليوم في عراقنا الحبيب.
إعادة تهيئة للعقول
اللامنتمي -الصراحة يا إستاذ سعد المشكلة الأساسية تكمن في عقولنا إلي يحتاجلها (ري فورماتنك) وعلى كولة أخواننا جماعة التعريب (إعادة تهيئة) وتنصيب برنامج ويندور فيستا قابل للتحديث لبرنامج ويندوز ;سفن على أن تكون نسخة أصلية وكذلك جميع البرامج المستخدمة مع وجودأنترنت مو بس سريع (طلقة) لأن على كولتك كومبيوتر بدون أنترنت هو عبارة عن حديدة وأخيرا أتمنى على قراء أيلاف بعد الأطلاع على ما فيها من أنباء الاستماع الى أغنية الراحل محمد عبد الوهاب التي يقول فيها أنسى الدنيا وريح بالك الشكر موصول دائما لإيلاف الجميلة 160;
(إعادة تهيئة)
اللامنتمي -مكرر
iraquna al habib
shakir al oreji -لأن القوى المتنفذة اليوم في عراقنا الحبيب لا همَّ لها سوى تنفيذ إملاءات دول الجوار وهي لا تعد ولا تحصى. ونشكر الدول الاوروبية التي سحبت تمويلها لسد أليسو على أنه سبب في خراب البيئة والقضاء على جيوب تاريخية تعود لآلاف السنين
----
عراقي -كل ما تفضل به الكاتب هو الان واقع و حاصل فعلا و سنودع دجله و الفرات و ان التصحر مقبل على العراق لا محال ولذلك نرى الحكام و المسؤلين و رؤساء الاحزاب الحاكمه استنفروا كل جهودهم ليس لمعالجة الحاله و التفاهم مع دول الجوار و لكن مضاعفة جهودهم في السرقه و تحويل اموالهم في البنوك السويسريه و غيرها قبل ما يحل التصحر في بلد الرافدين و يترك الاخرين من الشعب العراقي ليعودوا الى حياة البداوه و الترحال
تناقضات
حيدر -1- فلاحو العراق ما زالوا يزرعون الرز وهو من المحاصيل التي تحتاج الى كميات وفبرة من المياه التي هي شحيحة أصلاً في دول الشرق الأوسط كافة.2- دول الخليج تبني جضارتها بلا أنهار .3- توجد مياه جوفية في العراق تكفي لزراعة العراق باكمله.
سد اثيوبيا
عاشق الوسوف -والله انتوا عالم تعبانة ياناس المفروض دى اتفاقيات دوليةمينفعش انها تتنقض