مقال لن يقرأه محمود درويش
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لا تحيا الفلسفة داخل الكتابة الفلسفية فقط، وإنما هي تتأصّل في الكتابة الشّعرية والأدبية والفنية وغيرها... فقد تجد أعمق القضايا والإشكاليات الفلسفية مصاغة بشكل أوضح وأبسط في بيتين من الشعر أو في حكاية سَرْدِيَّة صغيرة، وكما قال "ميشيل سير": (فإن الفلسفة عميقة جدّاً إلى درجة أنها تُدْرِكُ أنّ الأدب أعمق منها).
فقد لاحظ "ميلان كونديرا" أن ميلاد الحداثة الغربية كان علي أيدي أثنين: "رينيه ديكارت" و"سرفانتس". وفي اللحظة التي تناست فيها الفلسفة والعلوم الوجود البشري، لم يكن للرواية من هدف آخر سوى اكتشاف هذا الوجود المنسي والمكبوت، إذ اتاحت الرواية تعدد الأصوات والحوار وطرح الاسئلة، من خلال مواقف حية وشخوص من دم ولحم.
أما " نيتشه " فقد أجهز بمعوله علي "ديكارت" تماما، كما لاحظ "كونديرا" أيضا، إذ زرع الشك في عبارة ديكارت الخالدة (أنا أفكر)! وحجته ان: "الفكرة - أي فكرة - لا تأتي عندما نريد نحن، وإنما عندما تريد هي"، فهي حالة من "الإلهام" أو "الوحي" و"الإبداع"، لذلك فمن الزيف أن ندعي أن الفاعل "أنا" ضروري للفعل " فكر".
كل هذه الخواطر دارت بعقلي حين تأملت الذكري الأولي لرحيل الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش" (13 مارس 1941 - 9 أغسطس 2008)، الذي كان له الفضل الأول في تفتحي الباكر علي " ما بعد الحداثة في الفلسفة "، وأفكار مثل "الحضور الغياب" و"الأثر" و"الاختلاف" و"الطيف" و"الكتابة البدئية" وغيرها، قبل أن أقرأ نيتشه وهيدجر ودريدا وليفيناس ودولوز ولاكان.
كلما ألتقيته في القاهرة، كان يردد هذه الشذرة النادرة أمامي: "الوطن ليس دوما في الوطن، والمنفي ليس دائما في المنفي ". وهي عبارة تستدعي إلي الذهن ما قاله الأديب الأيرلندي الشهير "جيمس جويس"، الذي سئل إبان غربته في القارة الأوروبية إن كان يتوق إلي العودة إلي "دبلن" التي يهواها، فقال: ومتي تركتها ؟. وهي تلامس أيضا ما ذهب إليه أحد الرهبان في القرن الثاني عشر الميلادي الذي قال: "الإنسان الذي يجد وطنه أثيرا، لم يزل غرا، طري العود، أما الذي يري موطنه في كل مكان فقد بلغ القوة".
تذكرت محمود درويش وسقطت مني دمعة، وأنا أقرأ رواية للأديبة العراقية المتميزة "فاطمة البتول"، فقد سافرت إلي أوروبا منذ طفولتها، وظلت تحلم بالعودة مرة أخري إلي بلدها ومسقط رأسها، وحين عادت والحنين يملؤها، قبل سنوات، اكتشفت أنها غريبة في مكان غريب، وأن القصص التي حكيت لها عن العراق لم تكن سوي أساطير، فرجعت من حيث أتت، والحسرة تعتصرها، وكتبت هذه العبارة الصادمة: " لم نعد ننتمي إلا لظل أجسادنا ".
أول قصة عن آلام المنفى موجودة في التراث الفرعوني وتحكي عن تعاسة الغربة وفرحة الرجوع إلى الوطن. وفي الأدب الإغريقي نجد البطل أوديب معاقبًا بالنفي عن مدينته ومملكته، محكومًا بالتنقل في التيه. فاللفظة اليونانية الدالة على "الوطن" هي Patris، أو "أرض الآباء "، وتقع في الكتاب الخامس من "الإلياذة "، ووردت أساسا للتعبير عن عذاب النفي، حيث يقول " بناداروس لاينياس ": " عندما أعود إلى بلدي ثانية القي بصري على أرض مولدي وزوجتي وبيتي المرتفعhellip;". وفي الأديان الإبراهيمية تجد تيمة " الخروج " هي أول ما يصادفك في العهد القديم بعد " التكوين "، وفي العهد الجديد أيضا حيث لم يكن للسيد مكانا ليسند رأسه فيه، ناهيك عن " الهجرة " في القرآن .
ذكري "محمود درويش" تستحضر بقوة مفهوم "الحضور الغياب "كما طرحه "هيدجر" و "ليفيناس" و "دريدا"، وبكلمة واحدة فإن الإنسان والكلمات والأشياء، تحضر حين تغيب، وتغيب في حضورها. الدرس الأول الذي يمكن استخلاصه من مقولته عن (الوطن المنفي، المنفي الوطن)، هو التأكيد علي "الهوية المفتوحة": التي هي انخراط في الكوني انخراطا يكفل الخصوصية الإنسانية للهوية.
التعليقات
ألف تحية لملك الشعر
بهاء -محمود درويش هو أبو العلاء الفلسطيني، لن تموت الكلمات، أول ما هزني كان هذا المقطع من بديع درويش الذي يعيد للإنسان حقه الذي سرقه الكهنة:يا سادتي! يا سادتي الأنبياء لا تسألوا الأشجار عن اسمها لا تسألوا الوديان عن أُمها من جبهتي ينشق سيف الضياء ومن يدي ينبع ماء النهر فهل من معتبر؟
درويش..للحنين بقية
إنجي -الأدب والفلسفة لا ينفصلان, ولا ندري أيهما يسبق الآخر, والعبارات الجمالية وذات الأبعاد هي ما تميز كل كاتب عن اخر وكتابة تشبه نشرات الأخبار عن اخرى تشبه لوحات فنية. لماذا لا يحكم الوطن أديباً أو فيلسوفاً؟ قالوا لابد للحاكم أن يكون عسكري , فلماذ ونحن لا نرفع سلاحاً؟-- لا أعرف هل نبكي على من رحلوا أم نبكي على أنفسنا دونهم؟! .الوطن والذكرى والحنين كلها لدرويش هوية ، تُعرِّفه أينما إرتحل, رأيي أن محمود درويش في حد ذاته هو وطن في قصيدة تضاريسه من أبياتها الشعرية. فيصعب علينا ونحن في هذه المساحة المحددة للكتابة أن نغطي ما يحتويه تراثه الشعري أو بالأحرى تراثه الإنساني0إلا أنه وكلاعباً للنرد سيظل فائزاً كأعجوبة مدهشة يصعب تفسيرها على كل سائل وباحث في كونيته! .قال محمود درويش في أحد المرات مخاطباً مصر..(أعيدينا يا مصر إلى الماضي , أعيدينا للمستقبل)فقد كان يرى في ماضي مصر تقدماً ومستقبلاً , وهذا ما آراه أنا أيضاً , هل نتأسف على حاضر مصر أم على غربة الوطن أم على رحيل درويش, حيث أن البُعد يُمارَس من أجل الإقتراب؟!-- في حضرة غياب محمود درويش سيظل يؤكد أنه قادراً على أن يُخيب ظن العدم , والزيتون والنخل والخيل يراقصه فليس للفارس من رقصة أخيرة, ولهذا فإن العظماء باقون مهما رحلوا0.. شكراً0
جدارية الرحيل
محمد لافي -كزهر اللوز أو أبعد كطيف فراشة حجرية كعيون ريتا وبندقيتهاتكمن روحك في زوايا نفوسنا الصغيرة تلك المساحات شاسعة الضيق رحبة الاختناق تعيد مع الأيام للذكرى مرارتهالنجلس كحكماء العصر ونمجد أيام جمعتنا بك تلقي حرارة آب ووهج شمسه بثقلها على قلوبنا لنقول كما قلت أنت : أما أنا وقد امتلئت بأسباب الرحيل فأنا لست لي ، أنا لست لي ....لكنك لنا يا عزفنا المنفرد يا ترنيمة الوطن وهويته التائهة بين صراعات المقاعد يا روح الزعتر والزيتون أنت مت فلا تعتذر عما فعلت ونحنا نحيا ولا بد أن نقدم الاعتذار للوطن للهوية للأمة لم يبقى لنا من المدن سوى الذاكرة ترسم الجدران وتسمي الأشياء بمسمياتها وفق فلسفاتنا الغريبة ليسعى كل واحد منا بخلق فلسفة ورؤيا تحمل الأفكار نفسها ونصوغها بألوان اللغة ما زلنا كلما تحدثنا تكسونا اللغة ويعرينا الصمت بين الجمل ( كما قالت أحلام مستغانمي)إليك رائعي بهوية أو بغيرها بفلسفة الحدود والقيود أقول كما قلت ليس المكان مكانا حين تفقده ليس المكان مكانا حين تنشده وسيظل عزفك منفرد مهما امتلأنا بأسباب الحضور والغياب قبلة على جبينك ولترقد بسلام
ألف تحية لملك الشعر
بهاء -محمود درويش هو أبو العلاء الفلسطيني، لن تموت الكلمات، أول ما هزني كان هذا المقطع من بديع درويش الذي يعيد للإنسان حقه الذي سرقه الكهنة:يا سادتي! يا سادتي الأنبياء لا تسألوا الأشجار عن اسمها لا تسألوا الوديان عن أُمها من جبهتي ينشق سيف الضياء ومن يدي ينبع ماء النهر فهل من معتبر؟
درويش..للحنين بقية
إنجي -الأدب والفلسفة لا ينفصلان, ولا ندري أيهما يسبق الآخر, والعبارات الجمالية وذات الأبعاد هي ما تميز كل كاتب عن اخر وكتابة تشبه نشرات الأخبار عن اخرى تشبه لوحات فنية. لماذا لا يحكم الوطن أديباً أو فيلسوفاً؟ قالوا لابد للحاكم أن يكون عسكري , فلماذ ونحن لا نرفع سلاحاً؟-- لا أعرف هل نبكي على من رحلوا أم نبكي على أنفسنا دونهم؟! .الوطن والذكرى والحنين كلها لدرويش هوية ، تُعرِّفه أينما إرتحل, رأيي أن محمود درويش في حد ذاته هو وطن في قصيدة تضاريسه من أبياتها الشعرية. فيصعب علينا ونحن في هذه المساحة المحددة للكتابة أن نغطي ما يحتويه تراثه الشعري أو بالأحرى تراثه الإنساني0إلا أنه وكلاعباً للنرد سيظل فائزاً كأعجوبة مدهشة يصعب تفسيرها على كل سائل وباحث في كونيته! .قال محمود درويش في أحد المرات مخاطباً مصر..(أعيدينا يا مصر إلى الماضي , أعيدينا للمستقبل)فقد كان يرى في ماضي مصر تقدماً ومستقبلاً , وهذا ما آراه أنا أيضاً , هل نتأسف على حاضر مصر أم على غربة الوطن أم على رحيل درويش, حيث أن البُعد يُمارَس من أجل الإقتراب؟!-- في حضرة غياب محمود درويش سيظل يؤكد أنه قادراً على أن يُخيب ظن العدم , والزيتون والنخل والخيل يراقصه فليس للفارس من رقصة أخيرة, ولهذا فإن العظماء باقون مهما رحلوا0.. شكراً0
جدارية الرحيل
محمد لافي -كزهر اللوز أو أبعد كطيف فراشة حجرية كعيون ريتا وبندقيتهاتكمن روحك في زوايا نفوسنا الصغيرة تلك المساحات شاسعة الضيق رحبة الاختناق تعيد مع الأيام للذكرى مرارتهالنجلس كحكماء العصر ونمجد أيام جمعتنا بك تلقي حرارة آب ووهج شمسه بثقلها على قلوبنا لنقول كما قلت أنت : أما أنا وقد امتلئت بأسباب الرحيل فأنا لست لي ، أنا لست لي ....لكنك لنا يا عزفنا المنفرد يا ترنيمة الوطن وهويته التائهة بين صراعات المقاعد يا روح الزعتر والزيتون أنت مت فلا تعتذر عما فعلت ونحنا نحيا ولا بد أن نقدم الاعتذار للوطن للهوية للأمة لم يبقى لنا من المدن سوى الذاكرة ترسم الجدران وتسمي الأشياء بمسمياتها وفق فلسفاتنا الغريبة ليسعى كل واحد منا بخلق فلسفة ورؤيا تحمل الأفكار نفسها ونصوغها بألوان اللغة ما زلنا كلما تحدثنا تكسونا اللغة ويعرينا الصمت بين الجمل ( كما قالت أحلام مستغانمي)إليك رائعي بهوية أو بغيرها بفلسفة الحدود والقيود أقول كما قلت ليس المكان مكانا حين تفقده ليس المكان مكانا حين تنشده وسيظل عزفك منفرد مهما امتلأنا بأسباب الحضور والغياب قبلة على جبينك ولترقد بسلام