كتَّاب إيلاف

أما الحداثة فلا نصير لها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

نعم تُفرض الحداثة على شعوب الشرق فرضاً من الخارج، ليس فقط عن طريق ما يسمى بالإملاءات والضغوط الأمريكية والغربية، وربما كما نحب القول، الضغوط الصهيونية التي ترمي لتغريبنا عن هويتنا، واقتلاعنا من جذورنا المقدسة. . بل تُفرض أيضاً بطوفان التكنولوجيا، وأهم روافدة التطور المذهل لوسائل الاتصالات بكافة صنوفها.. تُفرض الحداثة أيضاً بالترابط المسمى بالعولمة، والذي يربط مصير الجميع اقتصادياً، كأنهم أسرى مربوطة أقدامهم بسلاسل في أقدام البعض، فإما أن يسيروا جميعاً، أو يتوقفوا جميعاً. . حتى المجال الصحي، صار ميكروب واحد يهدد كل البشرية، كأنهم ساكنو غرفة واحدة.
نعم ربْط شعوب الشرق بسائر العالم الحداثي والساعي نحو الحداثة، يحرمهم من الاستقرار الهانئ في قاع تخلفهم وعنصريتهم وجهالتهم العزيزة والمقدسة، لكن هل يكفي كل ما سبق -رغمم عظم شأنه- لكي تسير تلك الشعوب سيراً حثيثاً وطبيعياً نحو الحداثة؟
يخبرنا المنطق، وتدلنا الدلائل على أرض الواقع، على أن الحداثة بالفعل تداهمنا أو تقتحمنا عنوة، مؤسسة لنفسها قواعد ومراكز في العديد من مناحي حياتنا. . لكن ذات المنطق والواقع، يخبرنا أيضاً أن تلك التجليات الحداثية، تبقى شظايا متفرقة وعشوائية، ما لم تجد من شعوبنا استقبالاً جيداً ومرحباً بها، بل وسعياً شغوفاً ومصراً نحوها. . فما لم يتحقق ذلك، فإن عناصر الحداثة المنزرعة عنوة هنا وهناك، تلعب دور إرباك لتلك الشعوب والمجتمعات، وليست فقط دور عوامات متاحة، ليتعلق بها الموشكون على الغرق.
نزعم أن ما ادعيناه هنا صحيح وبجدارة على مستوى القاعدة، حيث الحياة اليومية لشعوبنا تتخبط وتترنح، بل وتسقط أحيانا صريعة الاقتتال والفشل، نتيجة التوتر الناشئ ما بين الحداثة الوافدة، والقيم والتقاليد والأفكار العتيقة الراسخة والمقيمة منذ عصور ودهور. . هذا المزيج غير المتجانس يصير في حد ذاته مصدراً معوقاً لمسرى الحياة، فالأمر أشبه بقاطرة تتحرك عجلاتها الأربع في أكثر من اتجاه، فإنها حتماً لن تذهب إلى أي مكان، بل وربما نتجاسر على القول، أن حياة مثل تلك الشعوب ربما كانت ستكون أيسر، لو تحركت بقاطرتها في اتجاه واحد، حتى لو كان اتجاه التخلف والتقهقر نحو ماض مجيد!!
أما على المستوى البانورامي الواسع، فإن ذات التوصيف المأساوي يبدو جليا وفجاً ومتحدياً بما لا يقاس. . ويكفي أن ننظر لأحوال ثمرة الحداثة الأولى في الشرق الأوسط، لبنان الزهرة والأمنية والمثال المأمول انتثار بذوره في كل أنحاء الصحارى العربية.. تصورنا وتصور العالم الحر معنا، أن العائق بين لبنان وبين استئناف مسيرة الحرية والحداثة، هو القوات المسلحة السورية البعثية، ومخالبها المخابراتية الإرهابية القاتلة في آن.. وكان أن خرجت تلك القوات مرغمة أو طائعة سيان، لنفاجأ بأن الوضع مازال كما كان عليه، بل ويرى البعض أنه صار أسوأ مما كان. . يعتقد كاتب هذه السطور أنه من قبيل الغفلة والتهرب من مواجهة الواقع وحقائقه، نسبة هذا الحال إلى ما يسمى "أياد سورية وإيرانية"، يقال مازالت تعبث في أحشاء لبنان، بأكثر وأشرس مما كان يحدث قبل جلاء القوات السورية.. فتلك الأيادي المنسوب إليها التخريب للبنان الحداثي الحر، ليست غير أياد لبنانية، تحسب يقيناً على الشعب اللبناني، حتى وإن كانت تقوم بالعمل في خدمة أجندات سورية وإيرانية.
في الجهة المقابلة، أو التي كنا نحسبها مقابلة في الساحة اللبنانية، وهي جبهة ما يسمى "14 آذار"، باعتبارها التحالف المناصر للحرية والحداثة والداعي لها، نجد أن ما كنا نقيمه بترددها عن مواجهة من يحاولون جر لبنان إلى هاوية، ودعوناهم مراراً لحسم هذا التردد، ومواجهة ما يتحتم عليهم مواجهته، وكنا نصبر عليهم ونترفق بهم، عملاً بالمثل المصري القائل: "إللي إيده في الميه، مش زي إللي إيده في النار"، وكنا نخشى معهم على لبنان الحمامة الرقيقة، أن تتمزق أبعاضها، كما سبق وأن حدث مرات ومرات. . لكننا بدلاً من أن نشهد تطور أداء معسكر الحرية والحداثة، ولو تدريجياً وببطء مقيت، نحو ترتيب البيت اللبناني، بناء على ما تصر نتائج الانتخابات على تأكيده، نجد العكس تماماً هو ما يحدث، فنجد الشيخ سعد الحريري، المرشح لتشكيل وزارة وفق أغلبية مريحة، يعقد تحت مسمى تشكيل حكومة وحدة وطنية، مباحثات وصفقات غامضة ومشبوهة، لتخرج علينا في النهاية أخبار عن وزارة لا يمكن أن تتمكن من الذهاب بلبنان في أي طريق، إلا لو كان "طريق الندامة" أو "طريق إللي يروح ما يرجعش".
لم يقتصر الأمر اللبناني عند هذا الحد، فالتوافقات اللبنانية الإرغامية والعشوائية، والتي تفتقد إلى أي أساس موضوعي، ظاهرة لبنانية خاصة، يمكن أن نحتملها لبعض الوقت، تحت بند الضرورات المؤقته، لكن ما "يزيد الطين بلة" أو "الصورة سواد" أن نجد زعامات أو بهلوانات السياسة اللبنانية، يبدلون تحالفاتهم كمن يتشقلب في ساحة سيرك، دون حياء أو حرص على مصداقية، كنا قد تصورنا أنهم قرروا السعي إليها أخيراً، بعد تاريخ طويل حالك السواد لهم وللبنان الضحية.
ربما أو دعنا نقول بالتأكيد، للحرية والحداثة في لبنان أنصار، من أفراد (مهما بلغ عددهم) مشتتين ومتشرذمين، لكن من الخيانة للحقيقة، والخداع لأنفسنا، أن نتصور أن أياً من التنظيمات والأحزاب والقيادات اللبنانية الحالية، يسعى بحق وباستقامة، لترميم البيت اللبناني على أسس الحرية والحداثة، بعد ما حاق به من تدمير على يد أهله، وليس -كما يحلو لنا أن نتهرب من مواجهة الحقائق- بفعل مباشر من قوى عبث وتخريب خارجية، كإيران وسوريا، وسائر قائمة ما يسمى بالدول العربية الشقيقة!!
إن كانت تلك السطور قد اتخذت رغماً عنا، شكل مرثاة للحرية والحداثة في شرقنا، إلا أنها -فيما نظن- لا تدخل إلا في باب مواجهة الحقائق، مهما كانت مرة أو مريرة. . فلا يكاد الصراع المحتدم في كل بقاع الشرق حالياً، إلا أن يعد صراع بين عنصريات وطائفيات، تتنازع الكعكة المقددة لشرقنا، ولا ينشد أي منها بحق عالم الحرية والحداثة، فماذا يكمن لنا أن نتوقع من مصير لقضية، لا تجد من يتحمس أو يخلص لها؟!
تناولنا هنا حال أمل قديم جديد في تأسيس واحة للحداثة والحرية على أرض فينيقيا، وربما يتاح لنا فيما بعد جولة أخرى، في أرض الرافدين، مهد السومريين والآشوريين والكلدانيين والبابليين.
Kghobrial@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تعليق
كرمة -

عن أية حداثة تتحدّث يا استاذ؟ ما تسميه حداثة، يسميه البعض ((بدعة)). وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار!! ابتدع واستحدث كلمتان مترادفتان Synonyms. نستنتج من ذلك أنَّ العقلية العربية والاسلامية تحديداً لا تقوى على الإبداع والتحديث خوفاً من النار! أو لنقل خوفاً من التهلكة، ولكن عذراً سادتي فقد عشت جلّ حياتي في الغرب: شهدت وسمعت وقرأت ورأيت كل ما يدعو إلى التقدم والرقي الحضاري ولم أشتمُّ رائحة الشواء!

تعليق
كرمة -

عن أية حداثة تتحدّث يا استاذ؟ ما تسميه حداثة، يسميه البعض ((بدعة)). وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار!! ابتدع واستحدث كلمتان مترادفتان Synonyms. نستنتج من ذلك أنَّ العقلية العربية والاسلامية تحديداً لا تقوى على الإبداع والتحديث خوفاً من النار! أو لنقل خوفاً من التهلكة، ولكن عذراً سادتي فقد عشت جلّ حياتي في الغرب: شهدت وسمعت وقرأت ورأيت كل ما يدعو إلى التقدم والرقي الحضاري ولم أشتمُّ رائحة الشواء!

الى المبدع كرمة
عصفور كناري -

كلامك غريب و ينم عن جهل بمعنى البدعة في الاسلام أو تجني متعمد لحاجة في نفس يعقوب ! البدعة في الحديث الشريف - الذي تسخر منه و من قائله - هي (كل بدعة في امور الدين ,سواء بزيادة او نقص في الفرائض او الاحكام أو العبادات ..الخ, اي ادخال شيء في الدين لم يكن فيه)... و لا ينسحب معناها على الحياة العامة !

تعليق 2
يونس حنون -

هل تريد ان ندلك على الاف الفتاوي التي تقول ان الشطرنج بدعة وكرة القدم بدعة واطالة الشوارب بدعةولبس ربطة العنق بدعة والجلوس على الكراسي بدعة والقول ان الارض كروية بدعة ؟فما علاقةهذه المواضيع بامور الدين ...اليست كلها امور متعلقة بالحياة العامة؟الخطا ليس في الحديث الشريف لكنه في جعل الدعاة مراجع للعقل وومعظمهم ساقط في الثانوية العامة.

تعليق 2
يونس حنون -

هل تريد ان ندلك على الاف الفتاوي التي تقول ان الشطرنج بدعة وكرة القدم بدعة واطالة الشوارب بدعةولبس ربطة العنق بدعة والجلوس على الكراسي بدعة والقول ان الارض كروية بدعة ؟فما علاقةهذه المواضيع بامور الدين ...اليست كلها امور متعلقة بالحياة العامة؟الخطا ليس في الحديث الشريف لكنه في جعل الدعاة مراجع للعقل وومعظمهم ساقط في الثانوية العامة.

استيضاح من كناري
علاءالدين -

هل ماجاء بين القوسين في تعليقك هو نص الحديث الشريف الذي تشير اليه؟هل كان النبي يستخدم (الخ) في احاديثه؟

استيضاح من كناري
علاءالدين -

مكرر

اعاقة !!!
محمد كليبي -

أعتقد ان العالم العربي سوف يبقى بعيدا - كل البعد - عن الحداثة , وما بعد الحداثة أيضا , وذلك لأسباب منها الاسلام ( كدين وفكر و ثقافة ) والقبيلة . فهذان العاملان يشكلان اعاقة امم أي تطور عربي حداثي . ولن يحدث اي تحول عربي نحو الحداثة الا مع التحول باتجاه العلماني الفكرية والسياسية والاجتماعية و الثقافي , وهو ما لا يزال غريباعن الوعي الجمعي العربي .لقد شهد العالم العربي - ولعىيدي المسيحيين الموارنه في لبنان , في ستينات وسبعينات القرن الماضي - بشائر التحول الحداثي , الا انه - لاحقا , وعلى يدي الاسلاموية متمثلة في حزب الله الايراني وثقافته المقاومة !!! الى جانب الوهابية و الاخوانية طبعا - القضاء على هذه البشائر المضيئة

استيضاح من كناري
علاءالدين -

مكرر

الحداثة المسخ
اوس العربي -

لبنان الطائفي العشائري مهما لبس اهله من بدلات السموكن لا يصلح كمعيار للحداثة بل هو مكب نفايات لافكار الغرب التي انتهت مدة صلاحياتها اعتقد اننا بالامكان ان نوازن بين الحداثة والاصالة خاصة وان ممن يستمون باللبراليين وكانوا بالامس يساريين وهذا واضح من نفسهم الاستبدادي ـ يجب ان تفرض الحداثة فرضا ـ كما فرضت الشيوعية على الشعوب فرضا احلتهم دار البوار ـ هؤلاء من محدثي اللبرالية والحداثه ان كانوا يقصدون الحداثة في معناها الغربي والعلماني والالحادي فهي مرفوضة مرفوضة لان معناها القطيعة التامة مع ديننا مع ثقافتنا مع تاريخنا مع الجيد من تقاليدنا هم يريدوننا نسخة كربونية رديئة للغرب وهذا ما نرفضه ولنعد الى الوراء ولنكتشف ذواتنا اننا كنا نحن اهل الحداثة فيما كانت اوروبا تغط في دياجير الظلمات ومن غريب الامور ان اوروبا التي استيقضت على انوارنا رفضت الدين الاسلامي واخذت ماعداه وسيجت عقيدتها ضد عقيدتنا باساطير وخرافات لتصد شعوبها عن النور القادم من الشرق ان الحداثة التي يدعونا هؤلاء اصحاب النفس الشعوبي والمعادي للعروبة والاسلام والمقاومة هي حداثة الميكاب والنيو لوك شعور صفراء وعدسات زرقاء وبشرة حمراء ؟!! كلا اننا نرفض هذه الحداثة المسخ والماسخة ؟!! الشبيهة بمايكل جاكسون في قبحه ومسخه

خسروا الدنيا والآخرة
عمرو بن العاص -

بعض السفهاء من ذوي النفوس المريضة جعلوا من إيلاف ومنبرها الحُـّر المتسامح منطلقاً لغاية واحدة فقط وهي شتم المسلمين والهجوم المتكرر على الإسلام العظيم . ولهؤلاء نقول: موتوا بغيظكم ( سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) وكفى بالله عليكم رقيبا.

الحداثة المسخ
اوس العربي -

لبنان الطائفي العشائري مهما لبس اهله من بدلات السموكن لا يصلح كمعيار للحداثة بل هو مكب نفايات لافكار الغرب التي انتهت مدة صلاحياتها اعتقد اننا بالامكان ان نوازن بين الحداثة والاصالة خاصة وان ممن يستمون باللبراليين وكانوا بالامس يساريين وهذا واضح من نفسهم الاستبدادي ـ يجب ان تفرض الحداثة فرضا ـ كما فرضت الشيوعية على الشعوب فرضا احلتهم دار البوار ـ هؤلاء من محدثي اللبرالية والحداثه ان كانوا يقصدون الحداثة في معناها الغربي والعلماني والالحادي فهي مرفوضة مرفوضة لان معناها القطيعة التامة مع ديننا مع ثقافتنا مع تاريخنا مع الجيد من تقاليدنا هم يريدوننا نسخة كربونية رديئة للغرب وهذا ما نرفضه ولنعد الى الوراء ولنكتشف ذواتنا اننا كنا نحن اهل الحداثة فيما كانت اوروبا تغط في دياجير الظلمات ومن غريب الامور ان اوروبا التي استيقضت على انوارنا رفضت الدين الاسلامي واخذت ماعداه وسيجت عقيدتها ضد عقيدتنا باساطير وخرافات لتصد شعوبها عن النور القادم من الشرق ان الحداثة التي يدعونا هؤلاء اصحاب النفس الشعوبي والمعادي للعروبة والاسلام والمقاومة هي حداثة الميكاب والنيو لوك شعور صفراء وعدسات زرقاء وبشرة حمراء ؟!! كلا اننا نرفض هذه الحداثة المسخ والماسخة ؟!! الشبيهة بمايكل جاكسون في قبحه ومسخه

المشكلة الأولى
!!!!!!! -

هي بيتحويل أي نقاش مهما كان موضوعه إلى ساحة للمهاترات الدينية وذلك من قلة حيلتهم وحوزتهم على الوقت الكثير ممايدل على أن باص الحداثة لن يمر من عندهم أبداً لأنهم ببساطة في القرون الوسطى

المشكلة الأولى
!!!!!!! -

هي بيتحويل أي نقاش مهما كان موضوعه إلى ساحة للمهاترات الدينية وذلك من قلة حيلتهم وحوزتهم على الوقت الكثير ممايدل على أن باص الحداثة لن يمر من عندهم أبداً لأنهم ببساطة في القرون الوسطى