السياسة الخارجية الأميركية تجاه حركة حماس

عنوان الكتاب: السياسة الخارجية الأميركية تجاه حركة حماس.
تأليف: عبد الحي علي قاسم.
الناشر: مكتبة مدبولي، القاهرة، طبعة أولى، 2009.
عدد الصفحات: 192 صفحة.

تحكم العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عوامل عديدة ترتبط بالظروف الإقليمية التي نشأت فيها الحركة، وجذورها الإسلامية وبالتالي مخاوف الولايات المتحدة من "شبح" الأصولية الإسلامية"، وهوية حركة حماس المقاومة والرافضة للوجود الإسرائيلي على أرض فلسطين. إلا أن تورط الإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط عبر حربها في العراق، ونجاح حماس في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي شهدت الولايات المتحدة ذاتها بنزاهتها وشفافيتها، واتساع رقعة شعبيتها في الشارع الفلسطيني في ظل تدهور شعبية نظيرتها (فتح)، وانفتاح حركة حماس على دعوات الحوار الغربية، وبالذات الأوروبية، جعل الولايات المتحدة "مضطرة" للاعتراف بوجود الحركة والتعامل معها.
يحاول كتاب "السياسة الخارجية الأميركية تجاه حركة حماس" تقديم مساهمة لفهم أبعاد السياسة الأميركية تجاه الحركة من خلال مقاربة رؤية موضوعية تكشف مدى تأثير البعد الديني الإنجيلي واللوبي الصهيوني في السياسة الأميركية تجاهها. إذ يركز على العامل الإسرائيلي، باعتباره المتغير الأساسي الذي يحكم العلاقة بين الطرفين، فإسرائيل هي حليف مهم لأمريكا لأسباب أيديولوجية قبل أن تكون دعامة أساسية تستند إليها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي تقع فوق حسابات المصالح السياسية الاقتصادية وقبلها، ويجب الحفاظ على أمنها ودعمها عسكرياً وأمنياً من قبل أي إدارة أميركية مهما كان توجهها.
يشير الكتاب إلى محددات السياسة الأميركية تجاه حركة حماس، فيؤكد على البعد الديني في السياسة الأميركية الذي ظل من أهم أدوات السياسة الخارجية الأميركية طوال الحرب الباردة، لكن وتيرته ازدادت بعد ذلك مع تصاعد تأثير تيارات اليمين الديني والسياسي في صياغة شكل هذه السياسة، ويأتي اليمين الأميركي ومدى تأثيره في السياسة الخارجية الأميركية من خلال تحالف يضم عدداً كبيراً من القوى والجماعات التي يصعب، وينقسم اليمين الأميركي إلى جماعتين رئيسيتين: الأولى تضم قوى اليمين الرئيسية أو الأصولية، والجماعة الثانية تضم القوى المتحالفة معها.
ويشرح أهداف السياسة الخارجية الأميركية تجاه حركة حماس، إذ تبرز الأهداف الأيديولوجية الناجمة عن القابلية المتنامية لأطروحات الحركات الإسلامية في أوساط المواطنين العاديين في البلدان الإسلامية، وترى الولايات المتحدة أن ما حدث لها في 11 سبتمبر يعود بالأساس إلى أفكار الدعاة والمفكرين الإسلاميين المعادية للوجود الأميركي وهيمنتها في المنطقة الإسلامية والعربية، لذلك فإن ما تقوم به الولايات المتحدة هو مكافحة تلك الأفكار في دول المصدر أي "الدول الإسلامية"، وخصوصا فلسطين وما حولها.
فيما تحتل الأهداف الدفاعية أهمية قصوى لدى صانع السياسة الخارجية الأميركية، فالسياسة الخارجية الأمريكية يرتبط نجاحها بالحفاظ على الأمن الإسرائيلي باعتباره خط الدفاع الأول عن المصالح الغربية. وعليه، فالتهديد المباشر من قبل حركة حماس وضع هذه الأخيرة في دائرة الأخطار التي تهدد حليفتها الإستراتيجية "إسرائيل". وتهدف السياسة الخارجية الأميركية من خلال المواقف العدوانية تجاه حركة حماس إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، منها: الحفاظ على الأمن الإسرائيلي، وضمان استمرار التفوق العسكري الإسرائيلي من خلال تدفق المساعدات والمعونات العسكرية لتحقيق الأمن الإسرائيلي والحفاظ على وجودها والإبقاء على السيطرة الإسرائيلية وتفوقها العسكري في المنطقة.
يتطرق الفصل الثاني إلى الاستراتيجية الأميركية تجاه حركة حماس خلال فترة بوش الابن، وهى الفترة التي أخذت فيها السياسة الأميركية أشكالاً مختلفة حدد إطارها الاستراتيجي البعد العقائدي أكثر منه المنطق السياسي، فاتبعت سياسة رفع اليد عن الشرق الأوسط، بمعنى ترك المواجهة الإسرائيلية مع الفلسطينيين تأخذ مداها كي تتمكن الآلة العسكرية الإسرائيلية من كسر إرادة المقاومة وإرغام الفلسطينيين على القبول والتفاوض.
كما حاولت الولايات المتحدة احتواء حماس سياسياً في حدود بعدها العربي من خلال لقاءات على مستوى القمة، فعقد مؤتمر القمة العربية الأميركية في شرم الشيخ في يونيو 2003، الذي أسفر عن النجاح الدبلوماسي الأبرز لبوش الابن في حملته ضد حركة حماس، متمثلاً في انتصار رغبة بوش الابن لتدعم موقف شارون، ومن جهة أخرى دعوة الشعب الفلسطيني إلى احتضان قيادته الجديدة التي تريد الإصلاح والديمقراطية ممثلة في "أبو مازن". وعلى المستوى الإقليمي بذلت الإدارة الأميركية جهوداً لمحاولة وقف الدعم الإيراني لحزب الله وحركة حماس، وانعكست هذه السياسة تجاه إيران في شكل ضغوط دولية في مسألة برنامجها النووي، وإنشاء تحالف دولي وإقليمي يرفض استمرارها في مشروعها النووي.
كما يتناول المؤلف الإجراءات الاقتصادية والإعلامية ضد حركة حماس، إذ وضعت الإدارة الأميركية مؤسسات العمل الخيري العربية والإسلامية في قفص الاتهام، وقامت بتجميد أرصدة العديد منها في البنوك التجارية الأميركية، كما وضعت أنشطة هذه الحركات وتحويلاتها المالية تحت المراقبة، بذريعة أن هذه المساعدات تصب في خانة الحركات الإرهابية وتشكل خطراً على أمن "إسرائيل".
أما عن ضد حماس، فيما تمحورت الإجراءات الإعلامية لأمريكا حول رسم صورة نمطية لحركة حماس كحركة إرهابية على المستوى الدولي والإسلامي والعربي والفلسطيني، وأنها لا تؤمن بالسلام، وقد استخدمت الولايات المتحدة وسائل متعددة لتقويض الحركة منها مراكز البحوث والجامعات المتخصصة في دراسات العالم الإسلامي. ومارست على المستوى الدولي الإقليمي ضغوطاً على الاتحاد الأوروبي أسفرت عن إدراج الجناح السياسي لحركة حماس على قائمة المنظمات الإرهابية، وفق التصنيف الأوروبي.
تبدو دراسات الكتاب موضوعية إلى حد بعيد، إلا أنه يغفل من حساباته اختلاف موازين القوى وتغير الظروف الإقليمية والدولية بعد وصول إدارة أوباما برؤيتها التغييرية إلى البيت الأبيض، فضلاً عن جملة الانكسارات التي تتعرض لها الآلة العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان وغيرها، ومنعكسات الأزمة المالية العالمية.

كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com