بنية الاقتصاد في الدول العربية وأخلاقيات المجتمع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عنوان الكتاب: البنية الاقتصادية في الأقطار العربية وأخلاقيات المجتمع.
المؤلف: مجموعة من الباحثين.
الناشر: المنظمة العربية لمكافحة الفساد، بيروت، طبعة أولى، 2009.
عدد الصفحات: 206.
تتصدر القضايا الاقتصادية بالنسبة للعديد من دول العالم، ومن بينها الدول العربية، أولوية الحكومات في ظل معاناة الاقتصادات العالمية من منعكسات الأزمة المالية العالمية، سيما أن اقتصاد الدول العربية يعاني أساساً من الفساد والترهل، والاعتماد على موارد وحيدة هي عائدات النفط والثروات الباطنية، ولم ينجح حتى الآن في تنويع مدخولاته أو الاستثمار في تنمية الإنسان أو التقنيات الحديثة.
وتأتي أهمية كتاب (البنية الاقتصادية في الأقطار العربية وأخلاقيات المجتمع) الصادر عن المنظمة العربية لمكافحة الفساد في بيروت، في كونه يلخص الوقائع الكاملة للحلقة النقاشية التي أقامتها المنظمة يوم 24 أكتوبر 2008 حول العنوان ذاته، بحضور عدد كبير من الشخصيات العربية ذات الخبرة في الاقتصاد والقانون. وقد لخص الكتاب الذي تركز حول ورقة عمل للدكتور (زياد الحافظ) عن البِنْيَة الاقتصادية في الأقطار العربية وأخلاقيات المجتمع، صورة المشهد الاقتصادي في الأقطار العربية، وابتناءه على مفردتي (الفساد) و(الاقتصاد الريعي).
ففي لبنان، محور الورقة المقدمة، تمتزج عناصر الريع والفئوية والفساد لتثبيت سيطرة السلطة الحاكمة؛ إذ يرى (زياد الحافظ) أن بنية الاقتصاد اللبناني الريعية قائمة على تدوير الفوائض المالية النفطية ومن ثم المتاجرة بالنفوذ للنظام الطائفي وإيجاد ريع داخلي يتم تقاسمه عبر نظام المحاصصة. ومظاهر الفساد في لبنان، بالإضافة إلى النظام الريعي، الدين العام اللبناني؛ والذي يتراكم عبر تحويل واردات الدولة إلى فئات محدودة عبر إصدار سندات الخزينة بفوائد مرتفعة جدًا بالمقارنة مع الفوائد العالمية، الأمر الذي أمنّ ريعًا مضمونًا لأصحاب النفوذ المحليين والإقليميين على حساب المال العام، فيما تهدف محاولات الإصلاح تلميع صورة النظام السياسي القائم لجعله أكثر قبولًا في المجتمعات الدولية.
ثم تبحث الورقة في مظاهر الاقتصاد الريعي، فهذا النمط الاقتصادي مصدره خارجي وداخلي، ويقوم على أمور عديدة كالنفط والغاز والمعادن والسياحة والمساعدات الخارجية وتحويلات المغتربين خارجيًّا، والخدمات التابعة للدولة والتجارة والمضاربات المالية والعقارية والخدمات وتجارة النفوذ والسيادة داخليًّا. مولداً ثقافة خاصة به، تتلازم مع البنية السياسية القائمة التي يغذِّيها الريع، ويسهم في استدامة النظام السياسي والاقتصادي القائم. ومن أبرز تمظهرات هذه الثقافة اقتناصُ مجهود الآخرين من دون القيام بأي مجهود لإنتاج الثروة، ومع غياب المجهود، تغيب المساءلة والمحاسبة، لتصبح النُّخَبُ الحاكمة الريعية المحرك الأساس للاقتصاد والسياسة والمجتمع والثقافة، وترويج ثقافة الفساد البعيدة عن الإبداع والتطور.
ويدلي رئيس مجلس إدارة المنظمة العربية لمكافحة الفساد، سليم الحص، بدلوه فيما يخص الاقتصاد الريعي، معتبرًا أن المداخيل التي تتأتَّى من الفوائد على الرساميل وعائدات الأوراق المالية أو من موارد استثمارات خارجية أو دولية داخل البلد، أو من أرباح ترتبط بمواقع أو قيود أو مميزات معينة، تشجِّعُ على قيام ممارسات غيرِ صحيَّةٍ وآفات اجتماعية جالبة للفساد والإفساد.
فيما رأى وزير المالية اللبناني السابق جورج قرم، أنَّ الريع لا يتأتَّى من أموال غير ناتجة عن جَهْد، بل هنالك موارد ريع تأتي من مواقع احتكارية لنافذين في السلطات والدولة، وفيما يوجد حالات ريعية ناتجة من جهد، إلا أنَّ الإيراد يفوق بكثير الجهد المبذول، مثل الحالات الاقتصادية القائمة على السياحة. واعتبر أنَّ الفساد ليس عملية رشوة فقط، بل يتمثَّل في سكون المجتمعات بفعل اعتمادها على العائدات الريعية، لتنتج حالة من الخمول العام، وفي مفهوم الفساد الواسع يعتبر هذا الخمول مصدر الوهن العربي، سواء في المجتمع أو في السلطة.
بينما ربطت أستاذة العلوم السياسية في جامعة الإمارات، ابتسام المكتبي، بين الإصلاح في دول الخليج والإيرادات النفطية، واعتبرت أن حالة الفساد تقوم في السيطرة على المال العام لمصالح خاصة وضيِّقة. أما الدكتور المصري أحمد حجار، فقد أوضح أن أشكال الفساد في الاقتصاد الريعي متعددة، ولكنها تتعلق مباشرة بالمال العام؛ إذ أنه لا يدخل في موازنات الدول الخليجية سوى جزء ضئيل من عائدات النفط، فيما تذهب الحصة الأكبر إلى أماكن مجهولة، مشيرًا إلى نوع آخر من الفساد، وهو القائم على استغلال فائض قيمة العمل الذي يصل أحيانًا إلى 100% لمصلحة أصحاب رؤوس الأموال، ويتمثل ذلك في سياسات الأجور المتَّبَعة في عدد كبير من الدول العربية.
وشدد المدير العام للمنظمة (عامر خياط) على أنَّ الأزمة المالية والمصرفية التي يشهدها العالم ستؤدي إلى تغيير هيكلية النظام المالي العالمي الذي كان سائدًا عبر العقود الثلاثة الماضية، وبالتالي إلى انهيار مقولات كانت تستند إلى أطروحات فكرية اعتمدت حرية آليات السوق في تعزيز مساره وما رافق ذلك من إلغاء دور الرقابة والتدخُّل. ورأى سليم الحص في مداخلته أنَّ أخلاقيات المجتمع لا تتوقَّف على طبيعة الاقتصاد الوطني أو بِنْيَتِهِ فحسب، بل ترتبط بمعطيات معينة قائمة في المجتمع. وأكد أنَّ استفحال ظاهرة البطالة قد تكون سببًا لتفاقم آفة الفقر والعَوَز، ومن الممكن أن تنشأ حالات متزايدة من تجاوز القانون والأخلاق العامة كالسرقة والقتل والتخريب.
ويبدو أن التحولات في الهيكليَّات الاقتصادية المستقبلية في الأقطار العربية الناتجة من عدم قدرتها على مواجهة تحديات العولمة، ستؤدي ليس فقط إلى إضعاف قدرتها على مواجهة تحديات التنمية المستدامة، إنما إلى إضعاف قدرتها أيضًا على مواجهة الفساد، في ظل عدم توافر الرغبة السياسية في مكافحته حتى الآن.
هشام منور...كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com