أمريكا.. الديمقراطية والإصلاح السياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكننا تلمس تراجع الاهتمام الأمريكي بملفات الديمقراطية والإصلاح السياسي وحقوق الإنسان من عدد من القضايا والمواقف الأمريكية حيالها، وهذا بات أمرا واضحا، ويكاد لا يجادل فيه؛ إذ إن أوباما ينتهج نهج الواقعية السياسية والبراغماتية بعيدا عن الانصياع الإيديولوجي، وفرض القيم على الآخرين، وقد صرح في مناسبات عديدة أنه لن يعمل على فرض الديمقراطية على أمم وشعوب لا تتقبلها، مع إصراره على أن الديمقراطية هي الفكرة الأرقى.
ولكن أمريكا التي اختارت أوباما بعد أن أخفقت سياسة الصدام ومحاولة التفرد التي انتهجها المحافظون الجدد تبقى في حاجة الوجه الديمقراطي الجذاب.
يرى البعض أن أوباما سيعمل على تفعيل ما يسمى بالقوة الحكيمة (Smart Power) وهو تعبير صاغه جوزف ناي العام 2006، والذي يعتبر القدرة على الدمج بين القوتين الصلبة والناعمة كاستراتيجية رائدة. ومؤخراً أشارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى نية الإدارة الأميركية لاستخدام القوة الحكيمة في مواجهة تحديات السياسة الخارجية الأميركية.
ولكن الملحوظ تفوق لغة المصالح واعتباراتها على قوة المبادىء والقيم، ولا سيما في ظل عدد من الأزمات المفتوحة التي تستنزف نفقات مالية عالية، في وقت لم تتعاف بعد فيه الولايات المتحدة من أزمتها المالية، فأمريكا، وهي على رأس قوات الناتو تدخل حربا في أفغانستان لا تعلم نهايتها. وفي العراق أوضاع شديدة الحرج، تنذر بإرباك الخطة الأمريكية فيه.
وثمة عامل آخر، لايخفى، يعمل لصالح تغليب الاعتبارات المصلحية هو نفوذ اللوبيات الاقتصادية في الولايات المتحدة، وهي تحد من قدرات الرئيس، وتكبح جماح طموحاته، في الإصلاح الاقتصادي، وفي الرعاية الصحية.
مؤشرات التراجع الأمريكي عن الإصلاح والديمقراطية:
زيارة الرئيس مبارك ولقائه بأوباما:
والتنيجة تراجع الاهتمام الأمريكي بملف الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي، وفي العالم، ولعل آخر الأحداث التي تؤشر على ذلك، ما انطوت عليه زيارة الرئيس مبارك لواشنطن؛ إذ شدد أوباما على العلاقات الوثيقة بين بلده ومصر، قائلا إن: "الولايات المتحدة ومصر عملا معا، وبشكل وثيق لسنوات عدة، وللكثير من تلك السنوات الرئيس مبارك كان قائدا ومستشارا وصديقا للولايات المتحدة" وبالرغم من إقراره بوجود"خلافات" إلا أنه لم يتطرق إلى الإصلاح ، ولا الوضع الداخلي المصري. وإن كان الرئيس المصري نفسه أشار إلى هذه القضيةعندما:" لقد بحثنا قضية الإصلاح داخل مصر، وقلت للرئيس أوباما بشكل صريح إنني دخلت الانتخابات بناء على برنامج إصلاح، وقد بدأنا بتطبيق بعضه، وما زال لدينا سنتان لتطبيقه".
وقد أشار تقرير أعده ستيفن ماك انيرني مدير برنامج الديمقراطية في الشرق الأوسط تحت عنوان تقرير "الميزانية الفيدرالية والاعتمادات للسنة المالية 2010، الديمقراطية والحكومة وحقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط" أن قضية الديمقراطية والحكم في مصر لم تعد أولوية في العلاقات الأمريكية ـ المصرية.
و أثار هذا الانخفاض في الأموال المخصصة لتعزيز الديمقراطية ردودًا سلبية داخل منظمات تدعيم الديمقراطية وحقوق الإنسان داخل القاهرة وواشنطن؛ لأنها المرة الأولى في تاريخ الكونجرس الذي يخفض الدعم المخصص للديمقراطية.
الموقف من انتخاب نجاد:
لم تختر إدارة أوباما التصعيد، أو التوظيف السياسي لأزمة الانتخابات في إيران بالرغم من حجم الاحتجاجات الهائل الذي عصف بإيران، وامتد إلى عواصم العالم، وبالرغم من كل ما قيل عن الانتهاكات، والسجن، للمعترضين على نتائج الانتخابات، وكانت المواقف الأمريكية تتسم بالهدوء، مع إبداء القلق، والتردد بين الاعتراف برئاسة نجاد، وعدمه، وإن كانت في المحصلة، وهي تستبقي سياسة اليد الممدودة، تقدم اعترافا ضمنيا بالرئيس المشكوك في صحة فوزه.
فقد غلَّبت واشنطن المصالح هنا، أيضا، على القيم.
الموقف من إغلاق معتقل جوانتانامو
لطالما نظر المراقبون والحقوقيون إلى موقف أوباما من معتقل جوانتانامو على أنه المحك الذي تُختبر فيه وعود الرئيس، وقدراته، وما زال سيد البيت الأبيض يواجه عقبات تحول دون ما وعد، بالرغم من أن موقفه هو السليم؛ ذلك أن اعتقال مشبوهين دون محاكمة أمر غير دستوري، ولا قانوني، وهو يتعارض مع القيم الأمريكية، ولكن قراره بإغلاق المعتقل قد اصطدم بعقبات ترتد في معظمها إلى المؤسسات الاستخباراتية والمؤسسة العسكرية؛ فلم يكن القرار، بحسب رأي كثير من المحللين الأمريكيين سوى الجانب الأسهل، وهذا يشي بطغيان الاعتبارات الأمنية، على رأي الرئيس وقدراته، وذلك مؤشر على تراجع الاعتبارات القانونية والحقوقية؛ فالمؤسسة الأمنية و العسكرية تتمتع في أميركا بقوة كبيرة جدا، وتفرض نفسها على أي مسؤول.
الموقف من النظام السوداني:
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب في حق المدنيين السودانيين في إقليم دارفور غربي السودان. وأشار القرار إلى مسؤولية البشير في أعمال تصفية المدنيين والتهجير القسري والتعذيب والاغتصاب.
ولكن القرار لم يُفعَّل، ولم ينفذ حتى الآن، ولم يكن الموقف الأمريكي يصب في ذلك؛ إذ لم تكن محاكمة البشير بالنسبة لواشنطن أولوية تقدمها على مصالحة بين الفرقاء السودانيين، تمهد به لـ "استقرار السودان" ولعل آخر التطورات في هذا السياق ما نقلته صحيفة (فيجين ديلي) إنَّ الولايات المتحدة أخبرت السودان من خلال مبعوث الولايات المتحدة إلى السودان سكوت جريشان أنَّها تنظر حاليًّا في رفع العقوبات المفروضة على السودان؛ لدفع الجهود المبذولة لتحقيق السلام الشامل في السودان.
وقال فيليب كراولي مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية:" إن الولايات المتحدة ستعلن خلال الأسبوعين القادمين عن سياستها الجديدة، والنهج الذي ستسير عليه في تعاملها مع السودان، بناءً على ما يتم تحقيقه خلال هذه الفترة من تقدم من قِبل الحكومة السودانية لتحقيق السلام في السودان".
غلّبت أمريكا، إذن اعتبارات التعاون مع النظام السوداني، وهي وإن تذرعت بأولويات تحقيق السلام في السودان؛ إلا أنها في الواقع تضفي مزيدا من القوة والشرعية على نظام الإنقاذ، ويشير الخط السياسي الذي تنتهجه حياله إلى مزيد من التعاون، وكان أُعلِنَ، منذ شهور، عن قرب الانتهاء من مبنًى جديدٍ وضَخْمٍ للسفارة الأمريكية في الخرطوم، وأكّد دبلوماسيون أمريكيون في العاصمة السودانية لـصحيفة "الشرق الأوسط"، أنّ المبنى الجديد يَحْتَلُّ مساحة 40 ألف متر مُرَبَّع جنوبَ الخرطوم، بمقدارِ مساحةِ مَدِينَةٍ بكاملها، وأن واشنطن تُعَوِّلُ على تلك السفارة الجديدة أنْ تَلْعَبَ في العاصمة السودانية دَوْرًا دبلوماسيًّا كبيرًا يُغَطِّي كل دول أفريقيا.
وفي الخلاصة: أن هذا التراجع عن ملف الديمقراطية والإصلاح قد بدأ منذ أواخر إدارة بوش؛ لما اصدمت بمخاوف واقعية كانت تنذر بخسرانها لقدر من مصالحها، دون أن تنجح بالمقابل، بالضرورة، في تحقيق الديمقراطية، والإصلاح السياسي؛ فآثرت العودة إلى الرؤية السابقة التي كانت تقدم الاستقرار على "التغيير والإصلاح".
ولا نحتاج إلى دقيق نظر؛ لكي نقول إن أمريكا، الدولة العظمى، لن تتردد؛ إذا خُيِّرت بين حماية مصالحها، و تكريس اقيم والمبادىء التي تؤمن بها، على الآخرين، أو حتى الالتزام بها ذاتيا، لن تتردد، على مستوى صانع القرار وراسم السياسة، في تغليب الأولى على الثانية.
o_shaawar@hotmail.com
التعليقات
هل أنت جاد
بهاء -أتصدق يا حضرة الكاتب أن الإدارات الأمريكية أرادت وسعت لنشر الديمقراطية؟ هل تقصد أن حربها المجنونة بالعراق كانت لنشر الديمقراطية؟ وأن حربها الهمجية بأفغانستان كانت لتطوير أفغانستان؟ هذا كلام هزل لا شك... ما يحاول أوباما أن يفعله هو لملمة بعض نتائج سياسة الإمبريالية المتوحشة التي بدأت منذ عصر ريجان وتوحشت بعصر بوش. أما الكلام عن نشر الديمقراطية فهو لحفلات العشاء ولعدسات الكاميرات. على فكرة أمريكا نفسها بحاجة لتعزيز الديمقراطية داخلها قبل نشرها للخارج، وهنا أقارنها بأوروبا الغربية ولا سيما سويسرا والسويد والدنمارك، فأمريكا بالنسبة لهذه البلدان بلد متخلف ديمقراطيا وحضاريا.