كتَّاب إيلاف

هيروشيما ترومان والأوباماجورتي (2)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

الجزء الأول

لقد كشفت الوثائق السرية التي نشرت بعد خمسين عاما من انتهاء الحرب العالمية الثانية عن حقائق خطيرة تغير دفة النقاش في مدى صحة قرار الرئيس الأمريكي ترومان بإلقاء القنبلتين الذريتين على اليابان في شهر أغسطس من عام 1945. لقد ركز الحلفاء هجومهم على اليابان بعد أن انتهت الحرب على الجبهة الأوروبية. فاستمر اليابانيون في المقاومة، برغم الحصار الذي شل طائرتهم وسفنهم الدفاعية لعدم توفر الطاقة، وبالرغم من دمار القنابل التقليدية لمدنهم. كما رفضوا طلب الحلفاء بالاستسلام بدون ضمانة سلامة الإمبراطور، وحتى بعد أن ألقت الولايات المتحدة القنبلتين الذريتين على مدينتي هيروشيما ونجزاكي، ودخلت روسيا شمال البلاد. وحينما طالب دعاة السلام من الإمبراطور أن يوقف الحرب، ويخالف التقاليد السمورائية بالاستسلام، وافق الإمبراطور، وتبعه أغلبية البرلمان والجيش والشعب الياباني. ولم يتم ذلك إلا بعد أن ألغى الحلفاء بند، بدون شروط من عملية الاستسلام، وتأكد الشعب الياباني بعدم تعرض الحلفاء للإمبراطور بأي سوء.
لقد نشر الكاتب دوغ لونغ في بحثه، هيرشيما: هل كانت ضرورية؟ ما نوقش من خلافات بين المسئولين الأمريكيين حول قرار استخدام السلاح الذري. فعرض تعليق الرئيس الأمريكي، دويت أيزنهور، في كتاب، تفويض للتغير: "في يوليو عام 1945، حينما زارني وزير الدفاع الأمريكي ستمسون في ألمانيا، وأخبرني عن قرار ألقاء القنبلة الذرية على اليابان، كان جوابي بأن اليابان قد هزمت وليس هناك حاجة لهذه القنبلة. فعلينا تجنب صدمة الرأي العالمي باستخدام قنابل لم تعد ضرورية كوسيلة لانقاد الأمريكيين. وكان في اعتقادي بان اليابان كانت تبحث في تلك اللحظة عن طريقة للاستسلام بدون فقد ماء وجهها. وقد أبدى الوزير قلقا شديد من تصوراتي." كما ذكر الرئيس الأمريكي هربرت هوفر في كتاب، الرجل الغير العادي إنتصار هربت هوفر، بأنه وصى الرئيس ترومان في الثامن والعشرين من مايو عام 1945 بإنهاء الحرب على الجبهة الباسيفيكية وبسرعة، فكتب يقول: "إني مقتنع بأنك (ترومان) لو خاطبت الشعب الياباني وأكدت لهم بعدم التعرض للإمبراطور إذا استسلموا، وبدون ذكر الاستسلام الغير المشروط، ستحصل على السلام وستنهي الحرب."
وعرض بارتون برنستين في كتابه، القنبلة الذرية، مذكرة من جوزيف جرو، وزير الخارجية الأمريكي، في الثاني عشر من فبراير عام 1947، لهنري ستمسون، وزير الدفاع يقول فيها: "ففي ضوء المعلومات المتوفرة، فلو أعلنا عن قبول بقاء حكم الإمبراطور في مايو عام 1945، لقررت اليابان وحكومتها على الاستلام مبكرا، ولو تم الاستسلام في مايو عام 1945 وحتى في يونيو أو يوليو، وقبل دخول السوفيت في الحرب الباسيفيكية، وقبل استخدام القنبلة الذرية، لأصبح العالم منتصرا." كما علق مساعد وزير الدفاع الأمريكي جون مكلوي عن إعلان بوتسدام بقوله: "أحسست دائما لو أن إعلان بوتسدام ذكر المحافظة على حكم الإمبراطور، وتوفير المواد الخام للحكومة اليابانية مستقبلا، لقبل الشعب الياباني بالسلام. وقد أكد ذلك حديثي مع المسئولين اليابانيين بعد الحرب، واعتقد بأننا فقدنا فرصة استسلام اليابان بطريقة مرضية لنا، وبدون استخدام السلاح النووي."
وقد عرضا فريد فرييد وجيوفانيتي في كتابهما، قرار إلقاء القنبلة الذرية، مذكرة لمساعد وزير البحرية الأمريكي، رالف بارد، في 28 من يونيو عام 1945، أرسلها لوزير الحربية الأمريكي، هنري ستمسون، يقول فيها: " أقترح بأن تنبه اليابانيين لاحتمال استخدام القنبلة الذرية، وبتأكيد الرئيس لهم بالمحافظة على حكم الإمبراطور، وبمعاملة الشعب الياباني باحترام بعد الاستسلام، وفي تصوري هي فرصة ينتظرها اليابانيين. ولا أجد أية خسارة من ذلك، ولمعرفة الحقيقة عليك التجربة... ويبدو لي بان اليابان أصبحت اضعف واضعف، ومحاطين بحصار السفن الحربية الأمريكية، ولا يستطيعون استيراد أو تصدير أي شيء، ومع الوقت أتوقع بان ترضى اليابان بالسلام، ولم نكن في حاجة للقنبلة الذرية، ولا لدخول الروس لمنشوريا وشمال الجزر اليابانية... واعتقد بأن اليابان كانت مستعدة للسلام، وقد تواصلوا سريا مع الروس عن ذلك، ومع السويسريين. والتحذير بالقنبلة الذرية قد تكون لحفظ ماء وجههم، فهم كانوا مستعدين لقبول السلام. وفي وجهة نظري بأننا ربحنا الحرب قبل استخدام القنبلة الذرية. ولذلك لم نكن في حاجة لكشف خيارنا النووي، لنثير الروس فيطوروا قنبلتهم وبسرعة." وكتب لويس ستراوس المساعد الخاص لوزير البحرية الأمريكي في عام 1945، نصيحة لوزير البحرية جيمس فورستول، وصفها بقوله: "اقترحت على الوزير أن يكشف عن القنبلة الذرية قبل استخدامها، لقرب انتهاء الحرب. فقد كان اليابانيون مستعدون للاستسلام. ووصيت بإلقاء القنبلة على أحد الغابات القريبة من طوكيو، ليتبين تأثيرها لليابانيين، ولنحذرهم بأننا نستطيع تدمير أية مدينة من مدنهم. وقد وافقني على ذلك الوزير. وفي تصوري لم يكن هناك حاجة لاستخدام تلك القنبلة لإنهاء الحرب بنجاح، والتي سيؤدي استخدامها لسباق تسلح نووي مدمر."
وكتب الأدميرال وليام ليهي، رئيس موظفي الرئيسين روزفلت وترومان، في كتابه، كنت هنا، قائلا: "لم يكن استخدام السلاح البربري على مدينة هيروشيما ونجزاكي مساعد في الحرب على اليابان. فقد انهزمت اليابان وكانت مستعدة للاستسلام، بسبب الحصار البحري، ونجاح ضربها بالقنابل التقليدية. فالاحتمالات القاتلة لحرب نووية مستقبلية مخيفة، وإحساسي بكوننا أول من استخدمها، خلقنا معاير أخلاقية مرتبطة بالعصور المظلمة البربرية. ولم أتعلم أن أحارب بهذه الطريقة، فالانتصار في الحرب لا يتم بقتل النساء والأطفال." كما علق الكولونيل الأمريكي، جون كالان أولأوخلن، في الثامن من أغسطس عام 1945، بعد إلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما، بالقول: "استعمال القنبلة الذرية والقتل العشوائي للنساء والأطفال أغضب روحي. فقد كانت اليابان مستعدة للتفاوض منذ فبراير عام 1945، وقبل إلقاء القنبلة الذرية. ولو كانت هناك متابعة عاقلة، لما احتجنا لإلقاء القنبلتين الذريتين. كما أخبرت الجنرال ماكارثر عن مذكرتي للرئيس ترومان، في منتصف شهر مايو عام 1946، بأنه كان من الممكن الوصول للسلام مع اليابان وتحقيق أهدافنا. فوافقني ماكارثر على ذلك، وعقب بقوله، بأننا كنا تجنبنا الدمار والقنبلة الذرية ودخول الروس لمنشوريا."
ووصف وليم مانشستر في كتابه: القيصر الأمريكي: دوغلاس ماكارثر، انفعالات الجنرال ماكارثر بعد إعلان بوتسدام للحلفاء ضد اليابان، بقوله: " لقد كان الجنرال ماكارثر مرعوبا بعد إعلان بوتسدام في يوليو، الذي يطالب اليابان الاستسلام بدون شروط أو ستتعرض لدمار مطلق. فيعرف الجنرال ماكارثر بأن اليابانيون لن يتنازلوا عن إمبراطورهم، كما أن بدونه سيكون السلام مستحيلا، لأنهم لن يقبلوا باحتلال الحلفاء إلا صياعة لأمره. ومن سخرية القدر، حينما تم الاستسلام، كان مشروط، والشرط كان استمرار حكم الإمبراطور. فلو نفذت نصيحة الجنرال ماكارثر لم تكن الحاجة لإلقاء القنبلتين الذريتين." وعلق نورمن كوسونز في كتابه علوم الحرب المرضية، بالقول : "حينما سألت الجنرال مكارثر عن قرار إلقاء القنبلة النووية، اندهشت بأنه لم يستشار. وسألت عما ستكون نصيحته، فرد علي، بأنه لم يجد حكمة عسكرية لإلقاء القنبلتين الذرتين، وكانت ستنتهي الحرب قبل أسبوع، لو أن الولايات المتحدة وافقت المحافظة على حكم الإمبراطور، والذي وافقت عليه أخيرا."
وعلق بول نتزه، نائب الرئيس اللجنة المسئولة عن إستراتيجية إلقاء القنابل، والتي كتبت إستراتيجية الهجوم الجوي على اليابان في يوليو عام 1945، في كتابه، من هيروشيما إلى غلانزنوت، يقول: "فقد كانت خطتي المقترحة هي أن اليابان أصبحت معزولة خارجيا، ولم تبقى لديها وسائل للنقل غير القطارات والسفن الداخلية. وعلينا التركيز على تدمير وسائل النقل الرئيسية، وهي القطارات، وأنفاق هونشو وكيشو سيعزل الجزر اليابانية عن بعضها، لتشل العدو ولن نحتاج لتدمير المناطق الصناعية بالقنابل. وبينما كنت أعمل على خطة لهجوم جديد، استنتجت بأنه وبدون القنبلة الذرية كان من المحتمل أن تستسلم اليابان خلال أشهر. وكان في تصوري بأن تستلم اليابان في نوفمبر عام 1945." وقد كتب بارتون برنيستين في كتابه، القنبلة الذرية، ما نشرته اللجنة التي شكلها الرئيس ترومان لتدرس الهجوم الجوي على اليابان، في تقريرها في يوليو عام 1946، والذي تقول فيه: "اعتمادا على الأبحاث الدقيقة واعترافات القيادات اليابانية، فرأي اللجنة هو أنه قبل 31 ديسمبر 1945 عمليا، وقبل الحادي من نوفمبر 1945 احتمالا، كانت اليابان مستعدة للاستلام، وحتى لو لم نستخدم القنبلة الذرية، وحتى لو لم يدخل الروس الحرب، وحتى لم نخطط لغزو بري."
لقد تعلم الشعب الياباني من تجربة هذه الحرب بضرورة معالجة خلافاته الدولية بطريقة سلمية، حيث تؤكد المادة التاسعة من الدستور الياباني بعدم دخول اليابان في أية مجابهة حربية، كما تتميز آليات الجيش بأسلحتها الدفاعية، ولا تمتلك سلاح نووي، مع توفر الإمكانيات التكنولوجية والمادية اللازمة لإنتاج هذا السلاح. بل هي مصرة على إخلاء العالم من الأسلحة النووية. لذلك أنشئت مؤسسة مسئولة عن تذكير العالم بخطورة هذا السلاح، وبترتيب احتفالية سنوية لذكرى إلقاء القنبلتين النوويتين على مدينتي هيروشيما ونجزاكي. ويجتمع في هذه الاحتفالية عمداء مجموعة كبيرة من مدن العالم للعمل على أخلاء العالم من الأسلحة النووية. وقد ألقى بهذه المناسبة عمدة مدينة هيروشيما، تداتوشي أكيبا، خطابا يطالب فيه شعوب العالم المشاركة في الجهود لإخلاء العالم من الأسلحة النووية، تجاوبا لدعوة الرئيس أوباما لعالم خالي من أسلحة الدمار الشامل. وقد أيد الرئيس أوباما بقوله: "فنحن نؤيد الرئيس أوباما، وتلزمنا مسئوليتنا الأخلاقية للقضاء على الأسلحة النووية، والدور الحقيقي للأسلحة النووية هو في التخلص منها." كما أكد بأهمية المسئولية الملقاة على عاتق مؤيديه الداعيين للتخلص من الأسلحة النووية، ووصفهم "بالأوبماجورتي" أي الأغلبية المؤيدة للرئيس أوباما لإخلاء العالم من هذه الأسلحة. وأصر على باقي شعوب العالم للمشاركة في التخلص من هذا السلاح مع نهاية عام 2020، فقال: "فنحن نملك القوة ونتحمل المسئولية ونحن "أوباماجدورتي" ومعا سنخلص العالم من السلاح النووي، نعم نحن نستطيع." كما ذكر العالم بقول الرئيس أوباما في براغ: "الولايات المتحدة عليها مسئولية أخلاقية، كالدولة الوحيدة التي استخدمتها، للعمل لعالم خالي من السلاح النووي." والسؤال: هل ستتعلم منطقة الشرق الأوسط التعامل مع خلافاتها بطريقة سلمية؟ وهل ستلعب دورها لإخلاء المنطقة من السلاح النووي للوقاية من تحولها لهيروشيما هيدروجينية؟
سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اذا عرف السبب بطل ال
زياد -

ودخلت روسيا شمال البلاد،الامريكيين كانوا واثقين من كسب الحرب ولكنهم اسعجلوا استسلام اليابان لكي لا تشاركهم روسيا بها كما شاركتهم في المانيا،ولو لم يفعلوا فلربما كان هنالك اليابان الشماليه تحت سيطرة الروس واليابان الجنوبيه تحت سيطرة الامريكان .

فائدة القنبلة
مراقب (المعلم الثاني -

جاء هذا المقال الشيّق بالرد على كل من استنكر استعمال القنبلة الذرية...(((لقد تعلم الشعب الياباني من تجربة هذه الحرب بضرورة معالجة خلافاته الدولية بطريقة سلمية، حيث تؤكد المادة التاسعة من الدستور الياباني بعدم دخول اليابان في أية مجابهة حربية،)))....وهذا دليل قطعي على أن ترومان أصاب في إلقاءه بهاتين القنبلتين،فالتلويح بتهديد مجهول لا يؤثر مثل التنفيذ....فكل هزيمة لا تشكل سوى صدمة محدودة لا تغيّر عقائد العنف والعدوان عند القادة المجانين أو عند شعوبهم المغرر بها بل يجب إحداث زلزلة جذرية لاحداث أي تغيير حقيقي....دليلي حرب الخليج الأولى التي تركت ثورا هائجا جريحا يسيطر بالاعلام على عقول العوام فأمعن في الضلال و اتبع في ذلك مثله الأعلى الذي سمى هزيمته(نكسة) ...مازالت شعارات الناصرية تعيش في عقول الملايين المضلّلين لأن اسرائيل اكتفت بهزيمته حربيا دون اسقاط نظامه الفاسد