ثقافة الضجيج
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
برزت إلى السطح في مونديال جنوب أفريقيا الأخير أبواق الفوفوزيلا الصاخبة التي تفوق قوة صوتها قدرة أذن الإنسان على التحمل. وقد أحسن أحد المعلقين الرياضيين في وصفها بأنها ثقافة الضجيج..والسؤال هنا ما الذي يدفع الناس إلى عشق هذا اللون من الصخب والضوضاء، وهل ثمة عنصر جمالي خفي لا نراه في هذه الأصوات المزعجة..
يبدو أن ثمة أسراراً نفسيةً في تكوين الإنسان هي التي تقف وراء ظهور هذه الثقافة المحتفية بالضجيج، وإذا كانت هذه الثقافة قد تجلت في مثالها الأوضح في مونديال جنوب أفريقيا، فهذا لا يعني أنها مشكلة ثقافة معينة، فأكثر الناس من مختلف الثقافات يعشقون حياة الصخب والضوضاء بأقدار متفاوتة. فما هي الأسباب التي تفرز مثل هذا السلوك الغريب في حياة الإنسان..
من أوحى إلي بتناول هذه الفكرة هو صديقي أشرف حين قال لي إنه لاحظ من خلال مخالطته للناس طوال سنوات عمله أن الإنسان كلما كان أقل تعلماً كلما كان أكثر ميلاً للصخب والضجيج وتشغيل المذياع بصوت عال.قلت له: يبدو أن كلامك يحتوي على قدر من المنطقية، وقد فكرت في موضوع مشابه حين كنت أستقل سيارة أجرة وكان السائق يستمع إلى أغنية صاخبة وقد أعلى صوت الأسطوانة بدرجة جنونية أزعجت الركاب، مع أنه لا يعي شيئاً من كلمات الأغنية، فكل ما يبحث عنه هو الصوت العالي..
يمكن فهم فلسفة حب الضجيج بنفس الآلية التي نفهم بها شرب الخمر، فهي محاولة للهروب من أعباء الحياة والدخول في حالة ذهول عن الوعي، وهي بذلك حالة لا عقلانية تفقد المرء توازنه، ويكون فيها أشبه بحال السكران، ولنتأمل دقة تعبير القرآن في إطلاق صفة "السكرة" لوصف حالة الذهول والغياب عن الواقع "لعمرك إنهم في سكرتهم يعمهون"، "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى"..
يلجأ الناس إلى حياة الضجيج للهروب من الخلو مع أنفسهم حتى لا يكونوا في مواجهة أسئلتها الحرجة، وحتى لا يفكروا، لأن التفكير يكشف لهم أن هناك تناقضاً بين ما هم عليه وبين ما ينبغي أن يكونوا عليه، فيجهضون أي بادرة للتفكير ليتخلصوا من الإحساس بالتناقض ومن تأنيب الضمير..
إن الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره، وهو يسعى جاهداً لإسكات صوت الفطرة السليمة، فلا يريد أن يتيح لها فرصة التعبير عن نفسها، فيشغل نفسه بأي شيء، يملأ برنامجه بالرحلات والسهرات والولائم، والرقص والصخب، ولا يطيق أن يفارق أصحابه، فإن خلا مع نفسه بعد كل هذا سارع إلى التخلص من هذه الخلوة بالاستماع إلى أغنية أو مشاهدة فيلم، أو برنامج تلفزيوني..
إن البحث عن الضجيج والصخب يكشف عن شعور داخلي بالنقص..وحين يشعر الإنسان بهذا النقص فإنه يسعى لتعويضه بأدوات خارجية، من حفلات ورقصات وتدخين، وحتى المبالغة في الطعام والشراب فإنما تكشف عن فراغ داخلي، وهنا نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم بأن الكافر يأكل في سبعة أمعاء بينما المؤمن يأكل بمعي واحد، وهو حديث نفهمه في ضوء معرفة أسرار النفس البشرية، فالكافر يشعر بالضياع الداخلي، فهو غير متوازن، ومندفع، يبحث عن ملء وحشته الداخلية بأدوات خارجية..
أما حين يكون الإنسان ممتلئاً علماً وإيماناً فإنه يكون أكثر ميلاً إلى الهدوء والسكينة، لأنه لا يشعر بعقدة نقص تؤرق سكينته، وتطيش سكونه، مثل الحكماء من كبار السن والمتعلمين الذين يتكلمون بصوت هادئ لكنه يفيض بالحكمة والإقناع، بينما الفارغون يصرخون بأصوات عالية دون أن يقدموا دليلاً مقنعاً..
إن الضجيج هو وسط مضاد لصوت العقل والحكمة، والأفكار الصحيحة لا يمكن أن تنبت في وسط الصخب واللغو "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون"، والتفكير لا يكون إلا في وسط هادئ، وحين نتأمل سير الأنبياء والفلاسفة فإننا نعجب من التشابه الكبير في نمط حياتهم، فكانوا يبدءون بالانسحاب من معترك الحياة الصاخبة والاختلاء مع الذات في رحلة روحية للتأمل قبل أن يخرجوا إلى العالم بدعواتهم، هذه الخلوة نجدها في حياة سقراط وبوذا وإبراهيم وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام..
إن الانخراط في حياة الضجيج التي يلجأ إليها أكثر الناس يقتل ملكة التأمل والتفكير ومراجعة الذات في نفوسهم، ويبقيهم في حالة سكرة وذهول طوال حياتهم..
بينما الانسحاب من ضجيج الحياة هو مقدمة ضرورية للإبداع، والاهتداء إلى الحق والخروج بأفكار جديدة تنفع الناس، ومن هنا كانت دعوة القرآن للمكذبين به هي الخلوة مع أنفسهم "أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا"، لأن وجودهم في حالة الصخب والضجيج واللغو يمنعهم من التفكير الهادئ المتجرد..
إن مئات الآيات في القرآن تدعونا إلى التفكر، وفي الحديث عن النبي فإن تفكر ساعة خير من عبادة سنة، فمن أراد أن ينجو بنفسه، وينقذ إيمانه، وينفع الناس بأفكار إبداعية خلاقة، فإن هذا لن يتأتى له إلا بإبقاء مسافة فاصلة بينه وبين أجواء الصخب والمهرجانات والهتافات التي تحيط به من كل جانب، وتخصيص أوقات يخلو بها مع نفسه ليتفكر ويتأمل ويتدبر، فيهتدي إلى الحق..
والله أعلى وأعلم..
التعليقات
بين التواضع والتكبر
باسم العبيدي -وأنا أقرأ كلماتك تذكرت قصيده للشاعر كثير عزه عندما دخل على أحد حكام بني أميه فأستهزأ به كونه كان ضعيف البنيه وليس لديه نصيب من الجمال فرد عليه بقصيده رائعه قائلآترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصورويعجبك الطرير أذا تراه فيخلف ضنك الرجل الطريرضعاف الأسد أكثرها زئيرآوأصرمها اللواتي لاتزيرخشاش الطير أكثرها فراخآوأم الصقر مقلاة نزوربفاث الطير أطولها رقابآولم تطل البزاة ولاالصقور فأن أك في شراركم قليلفأني في خياركم كثيروبهذه الأبيات الرائعه رد على أستهزاءالحاكم الأمويوأضيف بأن سنابل القمح الممتلئه تكون منحنية ومطئطئه رؤوسها أما السنابل الفارغات فتراهن مرتفعات شامخات برؤوسهنأذن هذا هو قدر أهل العلم والتواضع الذي يرى فيه البعض ضعفآ أما المهرجين وماأكثرهم وغير المتعلمين الذين يعيشون مع الضجيج فهم ذوي التجاره الرابحه في أيامنا هذه فمتى نحترم الناس لمنطقهم وعلمهم وتواضعهم لا لزعيقهم وضجيجهم ودعاياته وتكبرهم وأولئك هم المنافقون مع أحترامي لكل أهل العلم والأيمان
وما رأيك؟
خوليو -عندما توقظك مكبرات الصوت الساعة الرابعة والنصف فجراً وهي تصرخ في سكون الليل بنغمات وطبقات صوتية مختلفة ترعب الأطفال الذين يجهلون مصدرها وتقلق المرضى وتتعدى بكثير درجة الصوت المخربة للخلاياالسمعية؟ ما رأيك بها ياسيد؟ أم أنها أصوات تجلب لك السكينة والطمأنينة؟ المصابون بالكآبة والبرانويا يميلون أيضاً لللإنعزال والصمت والنظرات الجامدة، أم أنكم توظفون كل شيئ للدعاية الدينية؟
الممتلؤون والفارغون
الدفاعي -1-انا اؤيد السيد باسم العبيدي على ما جاء في قصيدة الشاعر كثير عزة الذي كان (صديقه عبد العزيز بن مروان)..وهذا ما نراه مع الاسف في بلدنا من عنتريات وبطولات فارغة وضجيج عال جدا يقوم بها من تنكروا للقيم وللانسانية ضد لاجؤوا معسكر اشرف العزل ((من النساء والاطفال والشيوخ ))مرضاة لدولة الحقد الفارسي ...والسبب واضح لانهم لم يصلوا الى ما وصلوا ايه ببطولاتهم وشجاعتهم ...لذلك يفتعلون الصخب والضجيج ضد العزل والمضطهدين .2-ان مقالة كاتبنا الشاب المؤمن احمد ابو ارتيمة جميلة وتحمل معاني نبيلة في كل مفاصلها ...وانا معجب جدا بقوله ((أما حين يكون الإنسان ممتلئاً علماً وإيماناً فإنه يكون أكثر ميلاً إلى الهدوء والسكينة، لأنه لا يشعر بعقدة نقص تؤرق سكينته، وتطيش سكونه، مثل الحكماء من كبار السن والمتعلمين الذين يتكلمون بصوت هادئ لكنه يفيض بالحكمة والإقناع، بينما الفارغون يصرخون بأصوات عالية دون أن يقدموا دليلاً مقنعاً..)) مع التقدير
خوليو
عبدالله -ولماذا الكسل البليد والنوم حتى الرابعة والنصف صباحاً ياخوليو؟ هل لأنك لاعمل لك ولاشغل سوى كتابة التعليقات السمجة الغبية ضد الإسلام العظيم لدى كل مقال ينشر في إيلاف ؟ الإسلام العظيم قصد أن يستيقظ المجتمع من خلوده لراحة الليلة السابقة وقصد لنا أن نبدأ يومنا بعبادة الله وحمده وشكره ، ثم نمضي للبحث عن أرزاقنا وأقواتنا التي كتب الله لنا ، شخصياً أنا أذهب للعمل (والعمل عبادة لله في الإسلام ) أذهب للعمل كل يوم بعد صلاة الفجر مباشرة وعندما أعود للمنزل في المساء بعد أن أقوم بواجبات عملي في المستشفي كطبيب ، أكون متعباً وسعيد جداً أن الله سبحانه وتعالى إستخدمني وسخرني لخدمة عباده بالإشراف الطبي عليهم ، وفي نفس الوقت تكون أنت ياسيد خوليو قد قمت بما يرضي نفسك ، تحديداً جلوسك على جهاز الكومبيوتر طول النهار وكتابة تعليقاتك التي تسب فيها الإسلام ومقدساته عند ذيل كل مقال وإن لم يكن للمقال علاقة بالإسلام . نسأل الله أن يهديك !
كله عند العرب صابون
مازن -اذا الدوام يبدا على 8 الصبح ما في داعي يفيق على 4, وشو رايك باللي بيشتغلو مسائي او ليلي؟ وبعدين يا دكتور انت بدك تفهمنا انك بتلف على مرضاك على الخامسه الصبح وبتقلق نومهم؟ وشو ذنب الاطفال اللي مدارسهم على 8 يفيقو على 4؟ وبعدين السيد خوليو لا يسب الاسلام ولم ارى في اي تعليق له اي نوع من السباب او الشتم لاكنه ينتقد ويناقش؟ بل انت من يسب يادكتور انت اللي بتقول بليد, ولاكن لا عتب عليك فانت لا تفرق بين العمل الساعه 4 او الساعه 8, كله عند العرب صابون
الموضوع
خوليو -الموضوع يادكتور عبدالله هو عن الضجيج وأنا أسأل الكاتب وحضرتك عن هذا النوع من الضجيج والأصوات المخيفة عند الفجر فهل يدخل في ثقافة الضجيج أم لا؟ والدكتور عبد الله يحدثني عن مهنته وعمله والبحث عن رزقته التي سيعطيه لها إلهه كل يوم، وبدوري أرغب أن يكبرها لك إلهك من جيوب المرضى وآمل أن لاتكون مثل معظم الأطباء المؤمنين الذين يقبضون قبل بدء العمل الجراحي ومنهم من يعرف أن المريض سيموت بين يديه، فيتوقف عن التدخل ويخرج ليقول لأهل المريض إن كانوا لم يدفعون مسبقاً : إن لم تدفعوا فسأتوقف عن العمل الجراحي، أو مؤمن آخر يفتح الصدر لوضع المجازات الشريانية لشرايين القلب ولكنه لايضع شيئاً سوى شق الجلد،آمل أن لاتكون رزقتك من هذا النوع يادكتور، وهل لك أن تستخدم تعابير تليق بهذه المهنة؟
مقال جميل
ام احمد -ماشاءالله جزاك الله خيرا مقالك جميل بارك الله فيك تابع الكتابه , لا تنسى الشجرة المثمرة هي التي ترمى بالحجارة تابع وشكرا
الإاتزام بالمنطق
جمال عيسى -مع تقديري لمقالة الكاتب، أرى أنه بالغ في الإستشهاد بالمقولات والأفكار الدينية وياحبذا لو قدم لنا بعض إسقاطات علم النفس حول هذا الموضوع. أما تساؤل خوليو فهو مشروع برأيي لأن أصوات عشرات المؤذنين في نفس المكان والتوقيت لخمس مرات كل يوم هو إعتداء سافر على الراحة والحرية الشخصية. ويا(دكتور) عبد الله حبذا لو كنت أكثر منطقية في ردودك.