كتَّاب إيلاف

حبل "هنا لندن" كان قصيرًا!

أحمد كمال سرور، أول مذيع يقرأ نشرة في بي بي سي العربية في عام 1938
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حبل "بي بي سي العربية" كان قصيرًا، لكن بعض العرب لم يكتشف قصره حتى رحلت. استمرت "هنا لندن" اكثر من ثمانية عقود (1938 &- 2023) وظلت، طوال 85 عامًا، الصادقة الصدوقة في نظر أجيال من العرب. وصار حسن الكرمي وهدى الرشيد وسامي حداد ومحمود المسلمي وعلي أسعد وجميل عازر وباقي الأصوات العربية البليغة والمحترفة رموزًا للكلمة الفصل في الأخبار وشؤون السياسة والفكر والأدب. وهي ولدت من رحم أمها الانكليزية "هيئة الإذاعة البريطانية"، وهذه الأخيرة تأسست في عام 1927.


مقر هيئة الإذاعة البريطانية في لندن

كسبت "هنا لندن"، على مدى عمرها سمعة "هيئة الإذاعة البريطانية" الأم الموجهة للجمهور البريطاني، وبقيت حتى يوم رحيلها رمزًا للموضوعية، والحيدة المهنية، على الرغم من أن تمويلها يأتي من الموازنة العامة للحكومة البريطانية، من خلال منحة تمر عبر البرلمان، وتقع مكاتب إدارتها الخلفية في مبنى وزارة الخارجية. إنها خدمة فرضتها ظروف الحرب العالمية الثانية، في حين أن "بي بي سي" الأم يمولها دافع الضرائب، عبر رخصة التلفزيون التي بدأت في عام 1946، وتتمتع باستقلالية القرار، ولا تخضع لرغبات الجالسين على مقاعد السلطة والمعلنين والرعاة. وهي استطاعت أن تصنع خدمة إعلامية تتمتع بمهنية غير مسبوقة، قياسًا بنظيرتها الغربية، والأهم أنها منحت خدمتها باللغة العربية قدرًا كبيرًا من الموضوعية، والحياد المهني المصنوع بحرفية عالية، فضلًا عن تأثير الصحافيين والمحررين العرب الذين كان لهم دور في صناعة أسلوب ومطبخ "هنا لندن" الإخباري والمهني، ونجحوا إلى حد بعيد في ترجمة ونقل مهنية الصحافة البريطانية إلى اللغة العربية.

كسبت "هنا لندن" ثقة المستمع العربي، وتفوقت على قنوات الإعلام المحلي في جميع الدول العربية، حتى صار المواطن العربي، من المحيط إلى الخليج، يسأل عند كل حدث: "إيش قالت إذاعة لندن؟".

لم تستطع دول أخرى غربية، مثل فرنسا وألمانيا وأميركا، أن تحقق النجاح الذي حققته بريطانيا في مجال صناعة الإعلام الموجه بلغات أجنبية خارج دولها، أو ما يسمى الخدمة العالمية.


وزير الدعاية النازي جوزف غوبلز

لا شك في أن توقف "هنا لندن" يعني أن الدور السياسي الذي كانت تلعبه المحطة العريقة لم يعد مؤثرًا كما في السابق، فالأجيال العربية الجديدة شبت عن طوق الدعاية السياسية، حتى وإن كانت هذه الدعاية محترفة، ومعجونة بالبلاغة والأداء المتقن. لكن هذا لا يعني أن بريطانيا تخلت عن استخدام الدعاية السياسية في سياستها الخارجية. صحيح أنها أغلقت الخدمة باللغات العربية والفارسية والصينية، وبلغات أخرى أجنبية، لكنها في الوقت عينه زادت دعم هذه الخدمة في لغات دول مثل أوكرانيا وأفغانستان وروسيا، بسبب ظروف الصراع القائمة في هذه الدول.

الأكيد أن تجربة "بي بي سي" العالمية دليلٌ لا يقبل الجدل على أن الدعاية السياسية وسيلة قديمة تتجدد، وان شئت فإنها أفضل فنون الإعلام تعبيرًا عن دوره التقليدي. وإذا كان الإعلام يزرع فكرة، ويشكك في أخرى، ويقلع ثالثة، فإن الدعاية السياسية هي أفضل فنون الإعلام لممارسة هذه الثلاثية. ويشير بعض الدراسات إلى أن الدول بدأت في استخدام الدعاية السياسية في عام 970 للميلاد، لكن شكلها الحديث ارتبط باسم جوزف غوبلز، وزير الدعاية في عهد هتلر.


أحمد سعيد في "صوت العرب" في عام 1958

في رأيي أن المذيع المصري الشهير أحمد سعيد (1925 &- 2018)، مؤسس ورئيس إذاعة صوت العرب، لعب دورًا تاريخيًا في فن الدعاية السياسية خلال مرحلة حكم الرئيس المصري جمال عبدالناصر، لا يقل عن الدور الذي لعبه إوبلز.

كتبت قبل سنوات مقالةً في صحيفة "الحياة" أقترحت فيه وضع تجربة أحمد سعيد في الكتب وتدريسها في كليات الإعلام، بصفته رائدًا عربيًا في هذا المجال، فضلًا عن أن الإعلام العربي فشل بعد سعيد في صنع دعاية سياسية مؤثرة مثلما فعل صاحب برنامج "هذا عدوك" في صوت العرب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف