ارفع الخفاق أخضر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حين سطّر شاعر النشيد الوطني إبراهيم خفاجي "سَارِعِي لِلْمَجْدِ وَالْعَلْيَاء، مَجِّدِي لِخَالِقِ السَّمَاء، وَارْفَعِ الخَفَّاقَ أَخْضَر، يَحْمِلُ النُّورَ الْمُسَطَّر، رَدّدِي اللهُ أكْبَر، يَا مَوْطِنِي.. مَوْطِنِي عِشْتَ فَخْرَ المُسلِمين، عَاشَ الْمَلِك لِلْعَلَم وَالْوَطَن"، وهي الكلمات التي سُرمدت في أفئدتنا وأذهاننا منذ صبا العُمر ونعومة الأظفار؛ حينها كان كاتب هذه المدوّنة الآن تلميذاً يشق خطواته الدراسية الأولى في صرح معهد العاصمة النموذجي بحي الناصرية في قلب الرياض، في ذلك الأوان كان يستهلّ اليوم الدراسي في طابوره الصباحي بالشدو هتافاً بنشيد الوطن بدويّ صوتٍ واحدٍ تلحقه جلبة صداه، يتنافس الطلاب من يُطاول الآخر بزهو وشموخ واعتزاز بهذا الوطن. وتصل المنافسة أوج ذروتها بين طلاب معهد العاصمة ومدارس الرياض المتجاورين في حي الناصرية نفسه، ومعها تتعالى جلبة الهتاف مبارزة بيننا، ونقف على نهاية النشيد: "عاش الملك للعلم والوطن"، وحينها يصبح للتباهي بالفخر معنًى آخر، معنًى أسمى يجسّد الوطن في ثلاث كلمات.
وبقي صوت جلجلة هذه الكلمات حاضراً في وعيي حتى هذه اللحظة.
تقدير خادم الحرمين الشريفين لهذا العلم بإصداره الأمر الملكي الكريم المتضمّن أن يكون الـ11 مارس يوماً للعلم الوطني باسم "يوم العلَم"، وهو اليوم الذي أقرّ فيه الملك عبدالعزيز - طيَّب الله ثراه - العلَم بشكله الذي نراه اليوم يرفرف، لا شكّ أنّ لهذا الأمر دلالاتٍ عظيمةً يحملها، وهو تقدير تاريخي للعلم.
والجدير بالذكر أن العلم السعودي مرّ بمراحل عدّة قبل وصوله إلى شكله الحالي؛ فعند تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود عام 1727م اعتُمد أول تصميم له فجُعل باللون الأخضر وكُتبت عليه شهادة التوحيد باللون الأبيض، واستمرّ في فترة الدولة السعودية الثانية بداية بفترة الإمام تركي بن عبدالله (راعي الأجرب) بنفس راية اللون الأخضر عليها شهادة التوحيد عام 1824م.
وبعد بدء حملات التوحيد بقيادة المعزّي الملك عبدالعزيز تشير أوائل الصور التاريخية لحملات التوحيد إلى أنّ العلَم استمرّ على شكله في عهد الدولة السعودية الأولى والثانية.
ثم أضيف في أعلى كلمة التوحيد سيفان متقاطعان بعد إعلان توحيد البلاد عام 1932م، ويشاهَد هذا العلم في الصور التاريخية، من ضمنها صور أول طائرات الملك عبدالعزيز داكوتا DC3 التي كانت نواةً لتكوين الخطوط السعودية فيما بعد.
إلى أن اعتُمد العلم السعودي باللون الأخضر وكلمة التوحيد وأسفلهما سيفٌ مسلول مقبضه باتجاه سارية العلم. ومنذ ذلك الحين استمرَّ العلم رمزاً للاعتزاز بالهوية السعودية، وأيقونةً للفخر على مدى القرون الثلاثة الماضية؛ لما يحتويه هذا العلم من دلالات عظيمة تشير إلى الرخاء والنماء والعطاء. إضافةً إلى واقعه التاريخي الأصيل في التعبير عن العُمق العربي والإسلامي في مكانته الجليلة المتمثلة في شهادة الإسلام التي تتوسَّطه، وهذا ما جعله العلَمَ الوحيدَ غير القابل للتنكيس في المناسبات والحوادث احتراماً لما كُتب عليه.
يرمُز السيف إلى صفتي القوّة والعدل في قادتنا (الأئمة والملوك)، واللون الأخضر إلى السلام والعطاء والنماء والتسامح الذي يعدّ من سمات هذه الدولة المملكة العربية السعودية.
ولعل هذا اليوم يشحذ همم الباحثين للكتابة عن هذه الراية العظيمة التي سطّر الأجداد أروع الملاحم التاريخية لتبقى عاليةً خفاقةً من أجل هذه البلاد، ولا يحضرني في هذا المقام سوى كتابٍ واحدٍ فقط قد سبق له توثيق هذه الراية، وهو للأستاذ عبدالرحمن الرويشد من إصدارات دارة الملك عبدالعزيز. فهل يُعقل ألَّا يوجدَ إلا إصدارٌ واحدٌ يوثّق قصة هذا العلَم في أرفف مكتباتنا؟ أتذكر أنه في عام 2018م كانت أولى مبادرات التوعية لنشر عُمق العلم من الدرعية قبل ثلاثمئة سنة تبنّتها هيئة تطوير بوابة الدرعية، وكانت المبادرة مثاراً لكثير من الأسئلة الدقيقة المتعلقة بعُمق علَمنا برغم انتشار بعض المفاهيم المنسوبة والمدرجة في كثير من المواقع الإلكترونية في الفترة الماضية عند البحث عن علم الدولة السعودية الأولى، فلنستذكر دورَنا الوطني في هذا اليوم، لنستذكر المعلومات التاريخية عن قيمة هذا اليوم، لنستذكر عُمقنا في هذا اليوم.
وارفع الخفاق أخضر، عاش المليك للعلم والوطن..