كتَّاب إيلاف

"الخطوط الحُمر" الإسرائيلية تجاه إيران: نووية أم أمنية؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تسارعت في الآونة الأخيرة التطورات المرتبطة بالعلاقات بين إسرائيل وإيران، سواء من حيث الكشف رسمياً ـ من جانب وكالة الطاقة الذرية الدولية ـ عن وجود يورانيوم إيراني مخصب بدرجة تقترب من مستوى التخصيب العسكري ـ اللازم لصناعة سلاح نووي ـ أو من حيث التوقعات التي تزايدت مؤخراً بشأن موقف الحكومة اليمينية الإسرائيلية التي يقودها بنيامين نتنياهو حيال التهديد الإيراني.
في ضوء ماسبق يجد الباحث نفسه مستغرقاً في تحليل موقف حكومة نتيناهو تجاه إيران، وهل تمتلك هذه الحكومة "خطوطاً حمر" يمكن القياس عليها للتنبؤ بالسلوك الإسرائيلي المتوقع في حال الإقتراب من هذه "الخطوط" أو تجاوزها؟
في تحليل الموقف، يمكن الإشارة إلى أن خطوط إسرائيل الحمراء تجاه إيران ليست قابلة للقياس والمعايرة سواء لأنها غير معلنة، حيث تُفضل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة البقاء ضمن منطقة رمادية زئبقية في هذا الملف تحديداً حفاظاً على مصداقية قوة الردع الإسرائيلية، ولتوفير هامش مناورة مناسب لصانع القرار الإسرائيلي للتحرك في الوقت الذي يراه مناسباً تحقيقاً لأهداف إستراتيجية معينة.
كل ماسبق يبدو مفهوماً من الناحية الإستراتيجية في ضوء إرتباط عملية صنع القرار الإسرائيلي بمتغيرات عدة، لاسيما ما يتعلق منها بتوجهات الحكومات المختلفة، والتي تتباين ـ تكتيكياً ـ رغم الإتفاق المفترض على الثوابت والأطر المرتبطة بالأمن القومي الإسرائيلي. ما يمكن استخلاصه هنا أن أمن إسرائيل مسألة موضع اتفاق وخط أحمر ثابت ومستمر، سواء باتفاق داخلي أو مع الحليف الإستراتيجي الأهم، وهو الولايات المتحدة، ولكن تحقق هذا الأمر وضمانه يخضع لتقديرات متباينة.
بعيداً عن الشق النظري السابق، هناك واقع فعلي يتعلق بموقف حكومة نتيناهو الراهن بشأن إيران، وهل يمكن أن يكون بلوغ مرحلة التخصيب العسكري جرس إنذار يحرك الحكومة التي تتبنى بالفعل موقفاً متشدداً حيال إيران منذ وصولها للسلطة؟
واقعيًا هنا لدينا شواهد يمكن الإشارة إليها وقراءة أبعادها، أهمها على الإطلاق أن رئيس الوزراء نتنياهو يركز منذ وصوله إلى السلطة على ملف حلفاء إيران في سوريا ولبنان، ويضع هذا الملف في صدارة أولوياته، حيث أكد غير مرة على "الخطوط الحمر" الإسرائيلية فيما يتعلق بتوطيد النفوذ الإيراني في سوريا، وكذلك سلوكيات "حزب الله" اللبناني، حيث يراد هنا تحقيق هدفين إستراتيجيين مهمين هما: منع إيران من ترسيخ وجودها العسكري في سوريا، ومنع وصول المساعدات العسكرية الإيرانية إلى الحزب؛ وهما بالتأكيد هدفين مهمين للغاية من منظور الأمن القومي الإسرائيلي، وربما يفوقان ـ من حيث مستوى الإلحاح والتأثير الآني ـ ملفات أخرى مثل القدرات النووية الإيرانية، التي تبقى تهديداً إستراتيجيًا ملحاً، ولكنها ليست بمستوى الأول بالنظر إلى إعتبار القرب الجغرافي، فضلاً عن أن التهديد النووي يبقى خيار ردع أكثر من كونه تهديداً فعلياً بحسب ما تعكسه الممارسات التاريخية الفعلية.
الواقع يقول أن الميلشيات الإيرانية وتمركزها في سوريا ولبنان تمثل الذراع الطولي التي يمكن أن يعتمد عليها النظام الإيراني في توجيه "ضربة ثانية" محتملة، أو الرد على أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران، وبالتالي هما الهدف الأكثر إلحاحاً من وجهة النظر العسكرية المهنية.
هل يعني ماسبق أن بلوغ عتبة تخصيب اليورانيوم عسكرياً لا يمثل اقتراباً من الخط الأحمر الإسرائيلي؟ الجواب على هذا السؤال صعب للغاية ولاسيما أن المعلومة الخاصة بالتخصيب ليست مفاجأة ـ برأيي ـ بالنسبة للجانب الإسرائيلي، الذي يبدو على إطلاع كامل بأسرار الملف النووي الإيراني، وبالتالي من الصعب بناء تصور بشأن رد فعل محتمل على معلومة موجودة لدى إسرائيل منذ سنوات طويلة مضت.
تحليل الشواهد يقول أنه لا الجانب الإسرائيلي ولا الإيراني يريدان الحرب أو المواجهة العسكرية، ولكنهما يسعيان وراء تعزيز النفوذ وتحقيق المصالح الإستراتيجية لكل منهما، فضلاً عن توظيف الخطاب التصعيدي ضد بعضهما البعض في إطار الحرب النفسية المتبادلة، بجانب الأهداف الدعائية داخلياً وخارجياً، ولهذا فإن من الصعب بناء توقعات متماسكة بشأن أي تصعيد رداً على تطور كتخصيب اليورانيوم أو غيره.
إستراتيجيًا، فإن اسرائيل تواجه مهمة صعبة على المدى البعيد لإخراج إيران من سوريا، وإبعادها عن حدودها، وهذه مهمة يصعب تحقيقها بمواجهة عسكرية، وتحتاج عمل دبلوماسي وجهد سياسي بالتوازي مع ضغوط عسكرية متواصلة لرفع كلفة التواجد الإيراني العسكري في سوريا وإقناع طهران بما يطرح سياسياً في هذا الشأن، وهي مهمة ليست سهلة ويصعب أيضاً بناء توقعات مقنعة بشأن إمكانية تحققها قريباً، سواء لأن إيران لن ترتضي التخلي عن نفوذها في سوريا بالسهولة التي يتوقعها البعض أو من دون مقابل يوازي ما أنفقته ـ مادياً وبشرياً وسياسياً ـ على هذا الصعيد، أو حتى لأن روسيا، صاحبة النفوذ والدور الأقوى في سوريا، قد لا تقبل بفكرة خروج إيران وترك الساحة السورية خاوية في هذا التوقيت المعقد بالنسبة لروسيا المنشغلة بحربها في أوكرانيا.
إيران هي قضية مركزية في فكر نتنياهو السياسي، وهذا لا يعني بالضرورة أنها الأكثر إلحاحاً بالنسبة إليه رغم كل التصريحات في هذا الشأن، فخبرته السياسية العريضة تجعله كذلك أكثر وعياً بترتيب الأولويات الإستراتيجية، وهو مايفسر التركيز على فكرة خوض مواجهة شاملة ـ تقنية ودبلوماسية وسياسية ـ مع إيران بدلاً من التركيز على فكرة توجيه ضربة عسكرية. وبالتالي فإن الخطوط الحُمر الإسرائيلية تجاه إيران هي بالأساس أمنية وليست نووية، ورغم الإرتباط الواضح بين الجانبين، فإن الأمن هو الملف الأكثر الحاحاً وآنية بالنسبة لإسرائيل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف