كتَّاب إيلاف

من شمولية النظام الى صبّينة السياسة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عانت ولا تزال معظم دول الشرق الأوسط وما شابهها من شمولية أنظمة الحكم وتفردها بدكتاتور اوحد او حزب قائد، ورغم كل عمليات التجميل التي صاحبت هذه الأنظمة بإضافة مؤسسات كارتونية تحت شعار الديمقراطية الا انها بقيت أسيرة العقلية الشمولية، رغم انها رفعت شعارات الديمقراطية الاشتراكية او المركزية لكنها لم تتجاوز شموليتها حتى وهي تؤسس أحزاب وجماعات معارضة مستنسخة لإظهار وجود رأي آخر شبه مختلف كما حصل في العراق وسوريا وإيران منذ عقود.

وإزاء هذا النمط من محاربة قوى المعارضة الحقيقية وإفراغها من مضمونها سواء باستنساخها او تصفية عناصرها في ظل نظام بوليسي مخابراتي محكم، أدركت انها غير قادرة تماما على إحداث تغيير نوعي في طبيعة تلك الأنظمة من خلال العمل المتاح لها في مساحات ضيقة جدا وربما مهيمن عليها، فاختارت واحدا من خيارين اما حمل السلاح وبدء حرب عصابات او الهروب الى الخارج والعمل من خلال الصحافة والاعلام، وللأسف ومع بعض التأييد لتلك المحاولات الا انها هي الأخرى لم تنجح في تغيير تلك الأنظمة حتى تدخل الطرف الثالث (الدولي) كما حصل في كل من إيران ومن ثم أفغانستان وبعدهما العراق وما تلا ذلك في ليبيا وتونس واليمن وافغانستان ثانية وغيرها.

إن ما حصل بعد التغيير الذي ازاح هيكل إدارة تلك الأنظمة لم يتجاوز الفوضى لأنه فشل في تغيير ثقافة المجتمعات التي ادمنت الشمولية في نظاميها الاجتماعي والسياسي، وتم غسل ادمغتها بشعارات وأفكار وسلوكيات طيلة عقود من الزمن، حيث ترسبت فيها أفكار وسلوكيات تلك الأنظمة، وبدأت بعد سنوات قليلة من التغيير استخدام اليات الديمقراطية المفترضة لإيصال مجموعات وكتل طارئة الى مواقع السلطة دونما اختيار حقيقي حر من قبل الشعب، وبتأثير بالغ وهيمنة قبلية ومذهبية بل ومناطقية، ناهيك عن الدور الكبير للمال السياسي وثقافة المحسوبية والمنسوبية التي حولت معظم مؤسسات الدولة ووزاراتها الى امارات قبلية او مذهبية واجتماعية من ذات انتماء مسؤوليها، حتى غدا كثير من السلوكيات في تلك المؤسسات اقرب الى صبينة سياسية وإدارية أطاحت بهيبة الدولة ومؤسساتها ورموزها.

إزاء هذا النمط من الحكم فقد المواطن الكثير من آماله وتطلعاته في نظام بديل مختلف عن الأنظمة السابقة، خاصة وانه واجه بعد التغيير الفوقي صراعا على السلطة بين مجموعات متناحرة تمتلك اذرعا مسلحة مهيمنة وتمتلك أسلحة وتمويلا خارجيا وداخليا، مما أهلها لتسلق سلالم المؤسسة التشريعية والتنفيذية من خلال هيمنتها على صناديق الاقتراع وإرهاب الأهالي او تخديرهم بشعارات دينية ومذهبية وقبلية أدى إلى ارباك عملية تأسيس نظام جديد حتى وصل الامر الى أن تحولت تلك المجموعات الى دولة داخل الدولة، تمتلك سجونا ومحاكم واستثمارات مالية وفرض ضرائب واتاوات جعلت المواطن المجروح من دكتاتوريات الأنظمة السابقة، يحن اليها بل يتمنى للأسف عودتها الى الحكم الشمولي وقوة الدولة والقانون على حكم مهجن تتقاسمه الأديان والمذاهب والعشائر ومجموعات مسلحة لا هوية لها ولا انتماء الا إرهاب الأهالي والهيمنة على مقدراتهم تحت شعارات مخدِرة، مستغلة العمليات الإرهابية لمنظمة داعش التي أصبحت تمنح هذه المجموعات شرعيتها بغياب الدولة وضعف مؤسساتها العسكرية والأمنية.

المشكلة لم تعد مشكلة نظام شمولي أم ديمقراطي، بل هي في النظام الاجتماعي والتربوي للمجتمعات واعرافها المتوارثة.

Kmkinfo.gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
من النظم الشمولية الى الصبينة
د. سفيان عباس -

احسنت ،،،اروع ما قرأت من مواضيع سياسية ذات طابع دستوري واجتماعي وتربوي . وحدة موضوع رائقة للمشهد السياسي في العديد من دول الشرق الاوسط وربما في القارات الخمس ..نعم النظم الشمولية بمختلف مرجعياتها الاجتماعية واصولها العسكرية والمذهبية والقبلية هي نتاجات بيئة غير سوية ثقافيا ومتخلفة وديماغوئية في عقولها الجاهلة .. فالعلة القاتلة تتمحور في هذه البيئة التي افرزت رجالات الصبينة السياسية واوصلتها الى دفة الحكم .. وكلاهما الساسة والبيئة تشكو الخواء الثقافي والحرمان والجاه والسلطة والمال .. ولهذا تدججت بالسلاح المنفلت ووضعت التشريعات الدستورية والقانونية ومعها القيم والمبادئ والاخلاق تحت اقدامها لكي تبقى متسلطة على رقاب الشعب المظلوم ،،، وهنا السؤال يطرح نفسه عنوة على وحدة موضوعك ،،، هل هذه الكارثة القاتلة تاريخيا لها اثرا في النظم السياسية الديمقراطية العريقة المحترمة .؟ الجواب الف كلا… ؟ . واعيد نفس السؤال موجه الى القارئ الكريم من باب المقارنة فحسب ..؟ . هل الشمولية والصبينة لها اثرا في النظام السياسي لاقليم كوردستان… ؟ . من جانبي الجواب يكون كلا ..؟ واترك الاجابة للقارئ… ؟ السبب ان الساسة القادة الكورد بمختلف درجاتهم وعلى رأسهم فخامة الرئيس مسعود بارزاني ليسوا طلاب سلطة بل هم اصحاب قضية عادلة وحقوق قومية مهضومة ومصادرة من تلك النظم الشمولية… ولهذا اسسوا نظام سياسي ديمقراطي رصين اسوة بالدول العالمية العريقة وقد افرزتهم بيئة صالحة ونقية … عرفتك اسد كوردستان مبدعا على الدوام.. بورك قلمك الحر

تسطيح العقول
يوسف سرحوكى -

ما هو تسطيح العقول ؟ وكيف تم تسطيحه ؟ ومتى تم ذلك التسطيح ؟ يتم ذلك منذ الصغر حيث تملئ العقول بمادة معينة او مسألة محددة لا يتقبل ذلك العقل فكرة اخرى بالدخول داخل العقل المتقوقع ضمن حيز محدود و لا يقبل الخروج منه رافضا جميع الافكار المطروحة تفيد المجتمع لان العقل المكتسب فترة الطفولة يدخل العقل الباطن ويبقى ذلك المكتسب عقليا الى الممات ، لهذا نجد تاثيرا قويا شاملا للعقل الباطن على مجريات الاحداث نعيشها على ارض الواقع . العادات المكتسبة تبدأ من البيت وايدلوجية رب البيت أذ ينحني الطفل الى ما ينحني اليه الاب ، وبعد تأثير البيت ياتي تأثير العشيرة ثم المجتمع على سلوكيات الفرد واخلاقه و تداعيات ذلك على الفكر بناء كان أم هداما على مجريات الاحداث. ورغم التأثيرات الداخلية القوية هناك تاثيرات خارجية لها باع طويل والطويل الآمد أن كان دينيا او مذهبيا او عرقياحيث تسمى الطرف الخارجي بالطابور الخامس ومفهوم الطابور الخامس أخذ مفهوما خاطئا لدينا اذ نحسبه موجودا بالداخل والحقيقة ليست كذلك فالطوابير الاربعة هم موجودين في الداخل حيث ينقسم الى فئات .. فئة الشباب وفئة الرجال وفئة النساء وفئة العجز .. اما الخامس فهو من يتحكم على افعال الداخل إما بشعارات دينية او مذهبية او عرقية عبر أذرع لها داخل المجتمع يأمر المؤمنين بفكرهم وتنفيذ ايدلوجياتهم لمصلحة الطابور الخامس دون الالفاتة يذكر لصالح الداخل وهذه العملية تسمى (تسطيح العقول) . تحياتي لك استاذ كفاح

مسلمات
ايهاب عنان سنجاري -

فعلاً المشكلة لم تعد مشكلة نظام شمولي أم ديمقراطي، بل هي في النظام الاجتماعي والتربوي للمجتمعات واعرافها المتوارثةوالتطبيع ايضًا بتلك الموروثات حتى تبات تصبح من المسلمات ..

مقال رائع
عبدالوهاب طالباني -

استمتعت كثيرا بطرحكم في هذا الموضوع المهم.. مقال رائع.. تسلم استاذ كفاح

واصلة الذيل
محمد سيف المفتي -

شكرا لطرحك المبني على رصد سليم للتطورات السلبية والقاتلة لكلمة مجتمع، المال السياسي من جهة والفئوية من جهة قتلت مفهوم المواطنة . في العراق يعيش الفرد بهويته الفردية المرتبطة بالمذهب والعشيرة واحيانا الحزب لهذا بدأنا نبحث عن العراقيين في العراق ولا نجدهم الا نادرا .