في أفراح أوبك: غاب عبدالله الطريقي وحضر الأمير عبدالعزيز
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في بحر أسبوعين أو ثلاثه احتفلت منظمة الأقطار المصدرة للبترول "أوبك" مرتين.
الأولى:
بمناسبة مرور ستين عاماً على إنشائها بعد ان تعثّر الاحتفال عدة مرات اولها في سبتمبر 1981 بعد عشرين عاماً من البناء والصمود، وآخرها سبتمبر 2020.
المناسبة الأولى عصفت بها الحرب العراقية الإيرانية، والثانية والثالثه تأجلت بسبب جائحة كورونا ولأسبابٍ أخرى.
ويعود الفضل للأخوة العراقيين في تحقيق الحلم وإعادة الفرحة لقاعة الشعب مهد المنظمة الأول في بغداد "مدينة الحب والسلام مهد الحضارة الإنسانية" على حد قول مذيعة الحفل البهيج.
نشرتُ في جريدة الشرق الاوسط 5 ديسمبر مقالة بعنوان "أوبك تعود الى مسقط رأسها بغداد". قلت فيها ان أوبك لم تولد في احدى عيادات البيت الأبيض او قصر الكرملين وإنما قامت متكئة على سواعد أبنائها. واقول الآن اذا سيد منا خلا قام سيد، غاب عن مهرجان بغداد عبدالله الطريقي وحضر الأمير عبدالعزيز بن سلمان.
وقد احسن الأخوة العراقيون صنعاً أن وضعوا الأمير عبدالعزيز في طليعة المتحدثين.
ألقى الأمير خطبة من عفو الخاطر، وسواء سمينا ماقاله خطبة "العروق والأوردة" او خطبة "العلكة" على حد قوله، فهو بلا شك بنبرته المتزنة خير من شرح سياسة المنظمة في عصرنا الحاضر، وما تلقاه من دعم من حكومة خادم الحرمين الشريفين.
من خطاب الأمير، يبدو واضحاً ان اعلان التعاون الصادر في العاشر من ديسمبر 2016 للتحالف (أوبك بلس) هو الوثيقة المرجعية لتنظيم السوق، لكن الأمير وهو يتحدث في بغداد يعرف ان ما كان مدعاةً للتندر من قضايا المناخ والطاقات المتجددة في عصر الستينيات اصبحت تتصدر الأجندة العالمية وعلى أوبك ان تكيّف خطابها مع هذه الثقافة الجديدة بكل مافيها من غث وسمين.
غاب عن كلمات الاحتفال موضوع أرى انه على درجة عالية من الأهمية. وهو الا احداً نوه بمؤتمرات القمة التي عقدتها أوبك في الأعوام الثلاثة 2007,2000,1975. وهي برأيي مرجعية قد تفوق في قوتها السياسية دستور المنظمة.
في القمة الأولى نشر الملوك والرؤساء اجندة المنظمة في التعاون مع الدول الصناعية، والدول النامية. وفيه ولدت فكرة انشاء صندوق أوبك للتنمية الدولية (OFID). وكنت اتمنى ان مدير الصندوق كان احد المتحدثين باعتبار ان أوفيد احد المنجزات الرئيسية لدول المنظمة.
اما القمة الثالثة التي استضافتها المملكة في نوفمبر 2007، فقد أعلنت المنظمة في بيانها الختامي وجهة نظرها حيال ما استجد من قضايا منذ القمة الاولى، هذه القضايا شملت تحديات سوق الطاقة، وقضية التغير المناخي والبيئة، ثم التنمية المستدامه واهدافها التي تبلورت لاحقاً بسبعة عشر هدفاً.
في بيان قمة الرياض 2007، حملت دول المنظمة لواء القضاء على فقر الطاقه قبل الامم المتحده بأربع سنوات.
كنت اتمنى والمهرجان يحظى برعاية دولة رئيس الوزراء في العراق الشقيقة ان يتذكر العالم ان هذه المنظمة التى قامت في سبتمبر 1960 في لقاء لم يحضره من بين ممثلي الدول الخمس المؤسسة سوى وزيرين لاقت فيما بعد هذه الحظوه لدى ملوك ورؤساء دولها.
الثانية:
واحتفلت أوبك يوم 5 يوليو مرة اخرى بندوتها التي تعقدها كل سنتين. هذه الدورة هي الثامنة، اخذت شعار ”نحو تحول طاقوي مستدام وشامل"
“Towards a Sustainable & Inclusive Energy Transition”
وهي الأولى منذ وصول الأمين العام الجديد هيثم الغيص الى سدة الأمانة. وقد اثبت من أول يوم في الندوة انه أاهل لهذا المنصب. لغةٌ جميلة وحضورٌ مشرّف وأسلوب مهني بليغ.
كان عراب أوبك الأمير عبدالعزيز هو ضيف الشرف والمتحدث الرئيسي، وحاوره السيد بول هورسنل احد خبراء الطاقه المخضرمين. كرر الأمير وهو يتحدث بلغة انجليزية واضحة ماقاله في مناسبات سابقة ان عهد التأرجح الفردي في حماية السوق قد ولى مع عهد الثمانينيات وذكر ماسماه بالتأرجح الجماعي Swinging together. وهو بهذا يشير الى ان عبء حماية السوق يقع على أوبك وحلفائها.
هذه القضية تُثير اشكالاً عند بعض من حضروا الندوة خاصة من ليسوا على علاقة قريبة من مجريات السوق البترولية. وهذه تتمثل في ان ثلاثة من أعضاء المجموعة لايزيد نصيبهم من هدف الإنتاج لاعضاء المجموعة عن نصف بالمائة من بينهم الدولة التي ترأس مؤتمر المنظمة هذا العام!
قد تكون التسمية الدقيقة لهذا التجمع فيما يخص بعض الدول، هي التضامن بدلاً من التحالف. وقديماً قالوا ان فاقد الشئ لا يعطيه.
عُقدت الندوة في اعقاب التصريحات المؤسفة التي صدرت من كل من أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيرش في 16 يونيو، ورئيس منظمة الطاقة الدولية فاتح بيرول التي اثارت الاستغراب بل والاستهجان عند الكثيرين. وهي مطالبة "غوتيرش" إيقاف الاستثمار في الوقود الاحفوري، والتحول نحو الطاقه المتجددة، ثم تلاه فاتح بيرول رئيس وكالة الطاقه الدولية الذي كرر هذا الكلام بطريقة فجّة (على طريقة مع الخيل ياشقراء كما يقول المثل الشعبي في المملكة العربية السعودية).
هذه التصريحات تعرّض لها بعض المتحدثين من اصحاب الخبرة. تراوحت التعليقات بين من يقول انها تتعارض مع هدف السلام والأمن الدولي الذي انتخب السيد "غوتيرش" لصيانته لأن تنفيذ ماطالب به يعني ان تعمّ الفوضى في الأسواق والعالم كله. وبين من يقول انه لم يقرأ ماتنشره الهيئة التابعة له وهي تنادي بتخفيض حاد للانبعاثات وليس الوقف الفوري للاستثمار في الطاقة الاحفورية خلال فترة التحول التدريجي، والإشارة هنا تنصرف الى تقارير الهيئة الحكومية للتغيّر المناخي المعروفة اختصاراً ب IPCC. وبين من يقول ان تنفيذ مطب "غوتيرش" يستحيل تطبيقه بشكل عملي على مستوى العالم كله.
فقر الطاقة كان له جلسة خاصة غاب عنها للأسف صندوق أوبك OFID الذي كان له باع طويل في مكافحة هذه المعضلة. فهو أول من كشف النقاب عن أهمية هذه القضية وكيف انها سقطت سهواً او عمداً من اهداف الألفية الثمانية، ولهذا اطلق عليه الهدف التاسع المفقود.
ثم اخذ ما نادى به الملوك والرؤساء في القمة الثالثة مأخذ الجد وحولها الى خطة عمل وعقد لأجلها اول ورشة عمل في ابوجا نيجيريا في يونيو 2008. وأردف ذلك بالتحالف مع شركات الطاقة، واهم من ذلك ارتفع نصيب الطاقه في نشاطه السنوي من 18% الى 30% في اغلب السنوات.
في احدى الحلقات صور مشكلة الفقر عموماً وفقر الطاقة خاصة أمين عام منتدى الطاقة الدولي بقوله "ان استهلاك مطار هيثرو من الطاقة الكهربائية يفوق استهلاك دولة افريقية مثل سيراليون، هكذا تركتها بريطانيا بعد استعمار دام سنوات طويلة لاتصل الطاقة الكهربائية الا لحوالي 10بالمئة من السكان والباقي وقودهم الحطب والجلّه (روث البهائم). ومع هذا الفقر المدقع يطلب "غوتيرش" ان تتحول دولة كهذه فوراً الى الطاقات المتجددة.
في النبذة التي قدمتها سكرتارية أوبك لموضوع فقر الطاقة لم اجد غير قولهم "ان العالم لايزال بعيداً عن تحقيق هدف القضاء على فقر الطاقة وان الجائحة ساهمت في ذلك".
ومما سمعته من المتحدثين لم اجد منهم من بنى مساهمته على اخر الأرقام التي نشرتها خمس منظمات دولية (ليس من بينها للأسف أوبك او صندوق أوبك) عن متابعة تحقيق الهدف السابع من اهداف التنميه بعنوان: Tracking SDG 7: The Energy Progress report 2023
وفيه ان عدد سكان العالم المحرومين من الطاقه الكهربائية انخفض من 1.1مليار نسمه في عام 2010 الى 675 مليون نسمه في عام 2022 كما انخفض عدد من يفتقرون لمواقد الطبخ الحديثة من 2.9 مليار نسمه في عام 2010 الى 2.3مليار نسمه في عام 2021، كما انخفض رقم التمويل الى الدول النامية من 11.9 دولار في 2010 الى 10.8 دولار في عام 2021.
وأنوه بان هذه الأرقام لاتشمل ما تسببت فيه الحرب الاهلية في السودان والنزاع المسلح بين روسيا و اوكرانيا. هذا التقاعس في تحقيق الهدف يؤكد مانوهت عنه السكرتارية في تقديمها للموضوع.
في الندوة برز موضوع مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين المقرر في خريف هذا العام في دولة الإمارات التي تستضيف منظمة الطاقة المتجددة "ايرينا"، وفي نفس الوقت تسعى جادة لزيادة طاقتها الانتاجية من الوقود الأحفوري، كما صرح بذلك وزير نفطها في الندوة.
كلٌ تمنى مايرجو من مؤتمر الأطراف تحقيقه لكن هناك موضوع استأثر بمداخلات بعض المتحدثين. وهو متابعة وتنفيذ مخرجات شرم الشيخ، واهمها وضع قرار انشاء صندوق الأضرار والخسائر موضع التنفيذ.
هناك إذن تحديان ينتظران السيد انطونيو "غوتيروش".
الأول: هو وضع الخطوات العملية لتفعيل هذا الصندق. وعليه ان يستعمل ما لديه من سلطة وحظوة مع الدول الغنية.
الثاني: تردد في الندوة ان كل ما يهم الدول الصناعية هو تنفيذ الهدف الثالث عشر من اهداف التنمية المستدامة الخاص بالتغيّر المناخي. وحتى عندما يتحدثون عن "الهدف السابع"، فإنهم يركزون على احد وسائل تنفيذه. وهي كفاءة استخدام الطاقة وزيادة مساهمة البدائل في مزيج الطاقة. وهو صحيح، وقد عاصرته وانا على رأس العمل في أوفيد.
وعلى السيد "غوتيرش" ان يعيد التوازن في فهم وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، اذ أن الفقر بكافة اشكاله وعلى رأسه القضاء على فقر الطاقه هو لبّ الأهداف السبعة عشر التي صدرت من الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015.
هنيئاً لأوبك عيدها الثالث والستين وهنيئاً لها بأمين عام على هذه الدرجة من الكفاءة والمعرفة. وأرجو من معاليه والقائمين على الندوة ان يطبقوا في السنوات القادمة "مبدأ الشمولية". وهو شعار الندوة بإشراك جمهور الحاضرين بجانب من المناقشات كما هي العادة. وقد اتى بعضهم من اقصى الدنيا وفي جعبته ماهو أجدى مما سمعناه من بعض المتحدثين.
اخيراً اوضح للقارئ العزيز ولمن تقع هذه المقالة في يده انني خدمت أوبك من خلال وجودي محافظاً لبلادي المملكة العربية السعودية في المنظمة خلال الفترة 2003-1990، ثم مديرًا عامًا لصندوق أوبك OFID خلال الفترة 2003-2018. وأكثر مايشغل فكري هو ميزانية المنظمة السنوية. وقد سألت، فقيل لي أنها لا تتعدى ثلاثين مليون دولار. وهو نفس الرقم الذي كنا منذ عشرين عاماً نصارع بعض الزملاء في المجلس لزيادته، ولا أظن الأمر يحتاج الى اي تعليق، فهنا تكمن نقطة الضعف في مسيرة المنطمة.