تمترس الأوهام وراء الأحلام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عند الحديث عن الديمقراطية، يجدر بنا التساؤل عن مسوغ تمترس الأوهام وراء الأحلام غير الديمقراطية أو ترجيح الانتماء السياسي على قواعد ومفاهيم الديمقراطية بسبب مواقف تاريخية من أنظمة أخرى لها خصوصيتها وطبيعتها الاجتماعية والثقافية.
في مراحل الثورات وبروز الأنظمة الديمقراطية الدستورية، كانت التطلعات السياسية نحو تصدير الديمقراطية مشروعة، ولكنها لم تعد مشروعة في الحاضر كما كانت في الماضي البعيد، بل هي أوهام عبثية وأحلام مستحيلة، ومبالغة سياسية تغتال الواقع ومتطلباته!
لماذا لا يطبقون الديمقراطية؟!
تساؤل غير مشروع في تحليل طبيعة الأنظمة السياسية الأخرى التي لا تطبق الديمقراطية، وتفضل الشورى غير المنتخبة أو صيغة نظام سياسي محدد وليس بالضرورة الاقتداء بالجوار الديمقراطي، فلكل دولة حق الاختيار والتقرير.
الكويت لها نظامها السياسي الديمقراطي الدستوري الذي يحظى بالأجماع الرسمي والشعبي، واحترام المجتمع الدولي، ولكن ليس هناك مسوغ موضوعي لتبرير استمرار نزعات الفرض على أنظمة وشعوب أخرى، ولا تصدير الديمقراطية الكويتية بالقوة الإعلامية، والمبالغة في الحديث عنها.
الديمقراطية لها وجهها المشرق والغاضب، ولها عللها وامراضها وعثراتها اعتماداً على طبيعة النظام السياسي والبيئة الاجتماعية والمناخ الثقافي، ولا ينبغي نكران أن الديمقراطية تحتاج إلى التطوير والمراجعة وليس الوقوف عند مكان معين ولا زمن محدد.
اختارت السعودية والإمارات وقطر على سبيل المثال لا الحصر، ما يناسبهم من أنظمة سياسية وتطور لها اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، في حين اختارت الكويت نظاماً ديمقراطياً دستورياً لتجسيد ما يترجم تاريخها الوطني منذ العام 1921.
تجمدت وتعطلت التنمية الاقتصادية في الكويت منذ عقود، ولم تلامس الحلول السياسية الحكومية واقع الحال وتحدياته واخفاقاته وعثراته بسبب التردد في القرارات الرسمية ونعومتها، ولا يبرر توجيه اللوم للديمقراطية على تراجع الكويت ولا مقارنة الكويت مع جيرانها الخليجية.
حققت السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان قفزات تنموية وانجازات دولية باهرة...رؤى خليجية متعددة ومتنوعة قادت إلى تنافس خليجي-خليجي نحو الساحة الدولية والإقليمية، على حين تخلفت الكويت بسبب اضطرابات الحكومة وضعفها، وتأثر مجلس الأمة بهذه الاضطرابات، وليس تواضع دستور الدولة.
لا علاقة للنظام الديمقراطي الكويتي بالتخلف عن قطار التنمية، ولا علاقة للتحولات الاقتصادية الخليجية بعدم تطبيق الديمقراطية، فالقرارات في السعودية وقطر والامارات لها بيئة سياسية خاصة ينبغي احترامها وعدم الدخول في المقارنة الظالمة معها.
الكويت بحاجة ملحة للغاية إلى إصلاح سياسي عميق ومصارحة رسمية في الاعتراف في التحديات التنموية ومتطلباها والفجوات بين الحكومة والشعب، وبين مجلس الأمة والشعب بكافة اطيافه وفئاته وشرائحه ووقف زحف التيارات المتنفذة على القرار السياسي.
إذا كنا ننشد في الكويت حماية الديمقراطية وتطورها، فمن الواجب تحديد الأولويات الداخلية، والاعتراف بمصادر الضعف السياسي وأسباب وهن صناعة القرارات في السلطة التنفيذية، وليس اجترار النقد غير الموضعي وغير الديمقراطي للدول الأخرى!
لن تتحقق التنمية المستدامة في الانتظار للقرار الموعود حكومياً ونيابياً، ولا نكران واقع الشتات السياسي والاجتماعي الداخلي في الكويت، وغياب الرؤية السياسية الثاقبة، ولا تسخير طاقات المقارنة الظالمة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأنظمة لها خصوصيتها السياسية.
ليس من العسير تمترس الأوهام وراء الاحلام باسم الديمقراطية، وانما العسير في مواجهة الواقع الداخلي والشأن المحلي المتورم بصراعات سياسية مفتعلة، وسباق ديني وطائفي وقبلي بمباركة حكومية، ونظرات تقليدية للأزمة السياسية!