كتَّاب إيلاف

"كوب 28" والاختبار الأهم

مكان انعقاد قمة المناخ "COP 28" في دبي. 4 ديسمبر/كانون الأول 2023. أ ف ب
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لاشك أن مؤتمر "كوب 28" التي تستضيفه دولة الإمارات خلال الفترة النصف الأول من شهر ديسمبر الجاري ينطوي على أهمية بالغة ليس فقط في ضوء التأثيرات المتفاقمة للتغيرات المناخية المتسارعة، ولكن أيضاً لأن التعاون الدولي الجاد والفاعل لإحراز تقدم ملموس في العمل المناخي العالمي بات خياراً لا بديل له، حيث تتوافر فرصة سانحة لبناء توافق عالمي على أرض الإمارات التي تمتلك علاقات قوية ومتوازنة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، بما يؤهلها لأن تكون المكان الملائم لبلورة استراتيجية مواجهة مناخية تحظى بتوافق عالمي.
قمة "كوب 28" تركز على مجموعة من القضايا الحيوية الخاصة بتغير المناخ، مثل الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف العالمي مع الظروف المناخية القاسية، وتطوير مصادر الطاقة المتجددة، وصندوق التعويض عن الأضرار المناخية، مع تأكيد أهمية وضع الخطوات التنفيذية لعملية تمويل العمل المناخي، خاصة مع الدول النامية والفقيرة، التي تحتاج إلى دعم سخي لكسب تحدي المواجهة المناخية.

التحدي الأصعب الذي يواجه العمل المناخي حالياً يتمثل في ضخامة التمويل المطلوب لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات الحرارية، حيث تشير التقديرات إلى أن تحقيق الهدف الخاص بتصفير مؤشر الانبعاثات الحرارية وتحقيق صفر انبعاثات بحلول عام 2050 يتطلب تخصيص تمويل يقدر بنحو 4 تريليون دولار سنوياً، وهو سقف عال للغاية لا تستطيع الموازنات الحكومية الوفاء به، ويحتاج الأمر إلى مشاركات قوية للغاية من القطاع الخاص والابتكار والتحول الطاقي والبنى التحتية المبتكرة والتكنولوجيا النظيفة ومعالجة الفجوات القائمة في مجال التمويل وكذلك التخلص من الكربون وتنسيق الجهود العالمية في هذا الشأن. أي أن المرجو هو انخراط الجميع في ثورة صناعية نظيفة.

الجميع يدرك أن وعود خفض الانبعاثات لا تتماهى مع وتيرة ارتفاع درجات الحرارة عالمياً، ناهيك عن تنفيذ هذه الوعود، لاسيما في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها اقتصادات الدول الكبرى والنامية على حد سواء، والتي تجعل من تخصيص التمويل اللازم لتحقيق أهداف اتفاق باريس 2015 مسألة محفوفة بالشكوك في كثير من الدول في ظل الحروب والأزمات العالمية التي تلقي بظلالها على الاقتصادات.

ورغم أن الكثير من دول العالم تعاني تداعيات الظواهر المناخية المتطرفة، مثل الجفاف الشديد، وموجات ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع مستويات سطح البحر، وزيادة حدة الكوارث الطبيعية، مع ارتفاع معدل الاحترار العالمي بوتيرة سريعة، فإن الدول الفقيرة تدفع التكلفة الأكبر للتغير المناخي، سواء بسبب ضعف قدرتها على التكيف ومتطلباته مثل التحول الطاقي والتوجه نحو التكنولوجيا النظيفة والبنى التحتية اللازمة للتصدي لهذه التغيرات، أو بسبب عدم حصولها على دعم دولي كاف، فإن تأجيل التعاطي مع هذه التحديات ينذر بتزايد الفقر والجوع والنزوح واللجوء والصراعات، وجميعها إشكاليات لا تقتصر تداعياتها على الدول والمجتمعات المحلية بل تطال العالم أجمع.

يعاني العالم جراء حدة الانقسامات طيلة السنوات الماضية حول التمويل المناخي، وتسببت في تأخير خطط التعاطي مع الانبعاثات الحرارية المتزايدة، والآن يلتقي نحو سبعين الفاً من القادة والمسؤولين والمختصين والقطاع الخاص وغيرهم في الإمارات من أجل بناء توافق دولي حول أجندة مناخية قابلة للتطبيق وخارطة طريق واضحة للمضي في تحقيق أهداف اتفاق باريس 2015، ولاسيما فيما يتعلق بوضع خطة وآليات واضحة لتمويل صندوق الخسائر والأضرار الذي اتفق عليه في "كوب 27"، والانتقال الفعلي من مناقشة ووضع الأهداف إلى تحقيقها وتمكين الجميع من المضي قدماً وبدرجات متساوية على درب تحقيق هذه الأهداف، وإشراك القطاع الخاص والشركات الدولية عابرة القارات وتحفيز كل هؤلاء بدرجة كافية كي يلعبوا أدوارهم المنشودة عالمياً في الحد من تكلفة التغيرات المناخية وتحقيق العدالة المناخية المنشودة.

الهدف الذي يسعى إليه الجميع هو تحقيق الحياد المناخي، وهو ما وضعته دولة الإمارات وبعض دول مجلس التعاون مثل المملكة العربية السعودية، نصب عينيها، للتركيز في الوصول إليه بحلول عام 2050 بالنسبة للإمارات وعام 2060 بالنسبة للمملكة، وهي أهداف زمنية واقعية ومدروسة بدقة، حيث باتت الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بخفض الانبعاثات محركاً وطنياً للتنمية المستدامة في هذه الدول، ولا يجب ان ننسى هنا أننا نتحدث هنا عن قوى كبرى على صعيد إنتاج الطاقة التقليدية، فضلاً عن كونها لم تقتصر على خططها الوطنية بل تلعب أدوار رائدة عالمياً في دعم اقتصادات الدول النامية على صعيد التحول الطاقي ومعالجة آثار التغير المناخي والتوجه نحو التكنولوجيا النظيفة، كما لايجب أن ننسى كذلك أن الدول المنتجة للنفط تحديداً تمضي قدماً على درب التحول الطاقي والتكيف مع التغيرات التي يسببها الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وتعزيز التعاون الدولي في مجال الطاقة النظيفة، حتى تتمكن كل الدول من الاستفادة من فوائدها، مع الالتزام المسؤول بضمان أمن الطاقة بحيث تمضي جنباً إلى جنب مع تحقيق هدف خفض الانبعاثات.

التغيرات المناخية قد لا تكون مفاجأة لأحد في العالم، ولكن تسارع وتيرتها واتساع رقعة تأثيراتها يمثل المفاجأة الحقيقية للجميع، وهو أمر وصفته الأمم المتحدة بالكارثي، حيث انتهى عصر الاحتباس الحراري، وحان "عصر الغليان العالمي"، بحسب وصف أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، أي أن الحاجة إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، ولم يعد العمل ترفاً أو رفاهاً خططياً بل ضرورة حيوية ملحة وربما يكون طوق الانقاذ الأخير والوحيد للبشرية من مصير حتمي ينتظرها إن واصلت السير على درب الخلاف المناخي، او إن عالجت ملف المناخ بالأسلوب ذاته الذي تعالج به بقية التحديات التي تواجه الأمن والاستقرار العالميين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف