هل الوطن شبيه بالأم؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يقف بعض الدعاة اليوم ينادون وبعمق عن حب الوطن من جانبهم، وجهله من جانب آخرين في الوقت الذي لم يعد الوطن يعني لهم أكثر من اسم فقط!
الوطن بالكاد يشكل اسماً، أو يرسم حالة عامة لم تعد تعني أي هدف. روح تخلو من الإحساس بالنسبة إلى كثيرين. ما زال الوطن هاجساً يتغنى به بعض الذين يظنون أنهم ما زالوا يعيشون ويغتسلون به، ويلجأون إليه، ويرفع عنهم الضيم والظلم والحاجة، ويرفع من شأنهم، ويدخلهم في جنات النعيم.
هو كذلك في حال كان الوطن ينبوعاً من الحنان، وأن يرفق بالحيوان قبل الإنسان، وهو الحامي له، والملبّي رغباته والداعم له. ليس الوطن بذاك البعبع الذي يخاف منه أبناؤه ويرمي بهم في سلة المهملات، ويمضي في القصاص منهم، بل ويتصيّد حكامه أخطاء أبنائه، ويهزأ بهم ويرميهم في السجون وفي المعتقلات، ويعمل على هدم بيوتهم، وأكثر من ذلك قطع الطريق أمام الوصول إلى رغباتهم، وتلافي معالجة شكواهم وتذمّرهم، وعدم الوقوف على معاناتهم وما يحتاجونه.
ظل البلد يعاني الكثير، وأهله يلتمسون الحلول بلا جدوى! ومن بين هذه الصور العميقة التي يطالعك بها شباب البلد، سواء في سوريا وفي غيرها من البلدان العربية التي عانى أبناؤها الفقر والحاجة، وسوء معاملة حكامها؛ ومن بين ذلك يظهر المغردون الذين تميل كفتهم بالطبع حيال هؤلاء الحكام لأنهم مستفيدين من عطاءاتهم، وولائهم لهم. وفي هذا الإطار بت أستغرب أن هناك بعض المهتمين من الصحافيين، من يدافع عن هذه الأنظمة القمعية، بل ويحترمها ويقدرها حق قدرها، في حين أنَّ هذه الأنظمة تعرّي أبناءها وترميهم في غياهب السجون وتقتص منهم، وتلاحقهم في كل مكان، وبالأخير يأتيك ذلك الأبكم والأصم المستفيد من وجود هذا النظام القائم ليكون بوقاً له، ويرفع صوته عالياً مدافعاً، وبكل تفاخر ويواجهك بكل وقاحة: إنه بلدك، وعليك الدفاع عنه. إنه الأم الرؤوم التي يجب أن تحتضن أخطاؤه، وتحافظ عليه، وتبادر إلى حماية حدوده، وتلبّي حاجته وتطيع أوامر حكامه.
أي وطن هذا، وأي بلد يمكن للإنسان أن يحترمه ويذود عنه الويلات، ويقدّر ما قدّمه ما دام أنّ العصابة التي تقوم على إدارته لا يهمّها سوى مصالحها الخاصة، وما تكسب منه، وما تدرّه أرضه عليها من خيرات. كل شيء لهم وحدهم دون سواهم، أما أبناءه الحقيقيون فلهم الفتات، وأدنى من ذلك؟
بقي أن نقول أي وطن هذا الذي يُشبه الأم؟ وأي وطن يمكن أن نحتضنه بقلوبنا ونخاف عليه، ونلهف إلى احترامه والسعي إلى أن نضمّه بالأحضان؟ لا أظن أن بلداً يساوي أو يمكن أن نقارنه بحضن الأم مهما كبر واتسع.