كتَّاب إيلاف

العراق في البيئة الدولية لظاهرة "الرق المعاصر"

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بدلاً من التحاقه بالمدرسة، يعمل الطفل علي (10 سنوات) في مطعم شعبي متنقل ببغداد، ويتعرض لأشكال مختلفة من عنف الشارع وقسوة البيئة المحيطة (الضوضاء والتلوث واحتمالات الحوادث وغير ذلك). وفي موقع آخر، تتسول سيدة في مفترق طريق، مستعرضة طفلها الرضيع بين حشود السيارات الكبيرة والصغيرة. وتشير التقارير الصحفية إلى اندراج هذه الظاهرة ضمن نشاطات منظمة تمارسها شبكات لتوظيف "شرائح هشة" من المجتمع في عمليات تسول ممنهجة. تمثل هذه الأشكال المختلفة من الاستغلال والاتجار بالبشر "عبودية معاصرة"، خطيرة في تأثيراتها الاجتماعية والتربوية والنفسية، لأنها تحول البؤس البشري إلى "سلعة" منظورة و"مقبولة" في تحد كبير لقيم التضامن والعدالة المتداولة الرسمية والمجتمعية.

يسير بنا فيلم "طفولة ما بعد الحرب"، الذي اختير كأفضل 10 أفلام في مسابقة الجزيرة الوثائقية للفيلم القصير لعام 2021، بين محطات حياة الطفل العراقي محمد (9 سنوات) اليومية، الذي هُجّرت عائلته من منطقة بادوش قرب مدينة الموصل بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها عام 2014، وانتقال العائلة إلى مخيم الحاج علي للنازحين جنوب الموصل. وبعد تحرير منطقتهم، عاد والد هذا الطفل ليتفحص أمر دارهم، فانفجر المنزل به لوجود لغم مزروع فيه منذ فترة الحرب وقتل. بهذه الطريقة، وجد محمد "الطفل" نفسه، معيلاً لعائلة، وعمل حمالاً في أسواق أربيل بمعدل يتجاوز 8 ساعات يومياً، وأُجبر في سبيل ذلك على ترك الدراسة.

يقول محمد للجزيرة الوثائقية: "أحمل بضائع الناس التي يشترونها من السوق إلى سياراتهم، وأتقاضى عليها قرابة 700 دينار (حوالى نصف دولار)، وفي نهاية اليوم قد أحصل على 4000 دينار كحد أقصى (قرابة 2.5 دولاراً)".

وفي مجال زواج القاصرات وارتفاع نسب الطلاق في هذه الشريحة، ذكرت وزيرة المرأة السابقة في العراق، بشرى القزويني، في تقرير لجريدة "الإندبندنت العربية" (14 حزيران - يونيو 2022)، أن "هناك من ينتحرن من بين المتزوجات من العوائل الفقيرة وهن غير متعلمات أو يتيمات الأبوين أو أحدهما…".

ولا تحجب هذه المشاهد القاتمة بالطبع، الجهود الحكومية الحثيثة لحل المشاكل الاجتماعية البنيوية بالتعاون مع منظمات دولية.

وبصورة عامة، لا يقتصر واقع العبودية المعاصرة على الأشكال المنظورة، بل يذهب بعيداً، وبشكل مفزع، إلى زوايا المجتمع الخفية، استناداً إلى تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والطفل، حيث تعتبر تلك المنظمات هذه "العبودية" بأنها غير مفهومة بشكل جيد، وتكمن خطورة بعض أنواعها في حدوثها بالخفاء داخل المنازل والمجتمعات المحلية وأماكن العمل.

وفي هذا السياق، تقول غولنارا شاهينيان، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بأشكال الرق المعاصر، وأسبابه ونتائجه إنَّ "العبودية المعاصرة، غالباً ما تحدث في المناطق التي يصعب الوصول إليها من الدولة أو ما يعتبر 'عالماً خاصاً'، كما هو الحال في حالة العبودية المنزلية". وتضيف أنه "في عالم اليوم، يأخذ الرق صوراً مختلفة: كالاتجار بالبشر والعمل القسري والسخرة والعبودية، حيث يتم التحكم في هؤلاء الناس وإجبارهم على العمل ضد إرادتهم وكرامتهم ويتعرضون للحرمان من حقوقهم".

وتصنف مجلة "ذا نيو هيوميتاريان" العبودية المعاصرة في العصر الحديث الى أنواع متعددة أهمها العمل القسري، حيث تعرف منظمة العمل الدولية في هذا المجال، العمل على أنه أي "أعمال أو خدمات تفرض عنوة على أي شخص تحت التهديد بالعقاب والتي لم يعرضها الشخص بنفسه طوعاً".

ويشمل هذا النوع الصناعات التي تفتقر إلى التنظيم أو التي تستخدم اليد العاملة على نحو كثيف مثل الزراعة ومصائد الأسماك والتشييد والتصنيع والأعمال المنزلية وصناعة الجنس.

وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أنَّ عدد ضحايا العمل القسري يصل إلى نحو 21 مليون شخص.

عبودية الدين، وهو ما يشكل، أكثر أنواع الرق المعاصر شيوعاً، وفقاً للجمعية الدولية لمكافحة الرق، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من لندن مقراً لها، حيث تقول إنَّ "الشخص يصبح عامل سخرة عندما يُطالب بالعمل كوسيلة لسداد قرض حصل عليه. ثم يخدع الشخص أو يضطر للعمل مقابل مبلغ زهيد جداً من المال أو من دون أجرة، وغالباً ما يكون ذلك لمدة سبعة أيام في الأسبوع".

الاتجار بالبشر، وهو ما يخص "تجنيد أو نقل أو تحويل أو إيواء أو استلام أشخاص"، عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو وسائل أخرى للإكراه "بغرض الاستغلال" استناداً إلى تعريف اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية.

الزواج القسري، وهو الزواج الذي لا يدخل فيه الرجل بعلاقة مع المرأة بموافقة حرة وكاملة. وفي هذا المجال، تصنف "الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق" لعام 1956 أي ممارسة يتم فيها "وعد امرأة أو التخلي عنها، دون أن يكون لها الحق في الرفض من أجل الزواج نظير دفع مبلغ من المال أو مقابل عيني لوالديها، أو الوصي عليها، أو الأسرة أو أي شخص آخر أو مجموعة" بأنها عمل غير قانوني. كما تحظر الاتفاقية تنازل الزوج عن زوجته مقابل مال".

استرقاق الأطفال، ويشمل ذلك أيضاً استخدام الأطفال في الصراعات المسلحة، كصنف آخر من الأصناف الشائعة للرق المعاصر، مشكلاً أبشع انواع عمالة الأطفال حسب تعريف منظمة العمل الدولية الذي يتضمن بيع الأطفال والاتجار بهم، والعمل القسري، والعبودية والاستخدام الإجباري للأطفال في الصراعات المسلحة. وفي مناطق عدة من العالم، يتم إرسال الأطفال من الأسر ضعيفة الدخل في ضواحي المدن أو الارياف إلى المناطق الحضرية للعمل كخدم في المنازل لمساعدة الأسر الأكثر ثراءً، وقد يتعرضون في مثل هذه الحالات للاستغلال.

العبودية التقليدية، التي تخص امتلاك شخص أو مجموعة من الأشخاص عبيداً والاتجار بهم، وهي الصورة الاقل شيوعاً في الوقت الحاضر، على الرغم من
وجودها في بعض مناطق أفريقيا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف