العيد واختفاء الأفراح؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لماذا يخلو العيد من الفرح؟ أعتقد أنَّ هذا السؤال يتكرر لدى الملايين من الناس في العراق ودول الخليج والشرق الأوسط، وإذ نكرره اليوم في موضوعنا فهو لا يخلو من "نوستالجيا"، أي حنين لطفولة تسللت من أعمارُنا هاربة برفقة الفرح!
تجوال بين مرايا الذاكرة تهدي المزاج بعضاً من حلوى زمن الطفولة الجميل وبراءاته وملابس جديدة و"گليجة" العيد "المعمول" والعصائر "الشربت" وتجمع الأهل والأحباب، واللهو في الأراجيح ومدن الألعاب والتقاط صور بالأسود والأبيض، والضجيح على مداخل أبواب السينما لأفلام الكابوي، وصوت المطرب ناظم الغزالي يغطي الأجواء بسؤاله المكتنز بالحب "أيَّ شيء بالعيد أُهدي أليك يا ملاكي"... ذلك هو العيد "الفرح"، الذي تركناه خلفنا مع طفولتنا التي نستعيد أطيافها في كل عيد يهرب منه الفرح.
الطفولة عالم منتج للفرح في عيد دائم، لأنها غير مثقلة بهموم الوعي وأسئلة الزمن المعاصر وتعقيداته، وكلما ابتعدنا وصعدنا بالعمر نحتاجها في ظل أزمة المعنى والإنسان وهذا الجنون المتوحش الذي يسود العالم، إذ تتلاشى موسيقى البراءة وقيم الإنسان الجميلة تترك مكانها لمناهج الزمن الكئيب وانقلاب المعاني، فما معنى العيد في ظل مجازر تتوزع دماؤها على أرض المعمورة وداخل بحارها وغاباتها المنسية.
العيد قرين الطمأنينة والعيش المستقر والسلام، وتراه يتصدع ولم يبق منه سوى الأسم والطقوس الروتينية مع انتشار الخوف من حرب عالمية، وتهديد الأمن الغذائي لأكثر من مليار إنسان فوق الأرض، أو في الطريق إلى المقبرة أو رحلة في منافي البحار المعتمة!؟
إقرأ أيضاً: الديمقراطيات العربية.. صراع الهويات الفرعية!؟
كانت أمي تقول "جميع أيام الله عيد، بس الله يخلصنا من الحرب"، كانت ترددها أيام حروب صدام قبل أربعين سنة، وما تدري أمي رحمها الله أن تلك الحروب تواصلت وتناسلت داخلياً، وبدل الحرب صرنا نخوض في حروب بعدها حروب؛ الحروب صارت تولد بعضها، طبقية، وطائفية، وطبيعية، وحرب مع الكوابيس ومع النوم والغربة والخوف من التغيير، نعم التغيير المناخي وتغيير معنى الصداقة وتغيير البلاد حيث تدفن ذكريات أعيادك وأفراحك، ويا لحزن الغرباء عن أوطانهم وعوائلهم حين يجلدهم الحنين في العيد، ولاشيء سوى كلمات باردة من خلال الهاتف المبلل بالدموع وزفير ساخن.
اختلاف معادلات الزمن ولهاثه الذي لا ينقطع اصطحب معه معاني وتعريفات مغايرة لمعنى العيد والفرح، سابقاً كانت الطفولة هي التي تترجم معاني العيد وتطبع أثر أيامه في الذاكرة، هذا في مرحلة العمر النيء، قبل أن تسلقه المعرفة وطرق الثقافة وهموم الفكر وتشظي مشاغل الإنسان ووحدة بنائه النفسي والعاطفي، من هنا صار معنى "الفرح" هو أن يمر يومك بأقل قسط من المزعجات والمنغصات، ويصبح بمستطاعك تسديد أجور الدراسة للأولاد ودفع فواتير السكن وأجور الكهرباء والإنترنت وطعام العائلة، أما شعورك بالعيد فهذا يرتبط بسعة الحلم الذي يعيدك لطفولتك وأيام الدراسة وتلك الوجوه المشرقة بالحب التي ضيعها اضطراب الزمن.
إقرأ أيضاً: الشعراء امتلكوا القمر قبل الشركات الأميركية
الأعياد الدينية والمذهبية ما زالت شاخصة ويمارس أتباعها طقوسهم حسب مواسمها، بعضها صارت تستيقظ بعد سبات لسنين طويلة، وأخرى صارت تتضخم وتستغل لأغراض سياسية أو استثمار تجاري، ولعل أكثر الأعياد التي يحرص الأتباع احتفاءً بها هي الأعياد الدينية كتعبير عن الهوية الإثنية أو القومية، لكن في أغلبها لا تشكل عمقاً في العبادة، وإنما تمارس كعادة للحفاظ على الهوية، وأحياناً توظف في مشاريع إيقاد الحروب الداخلية، عندها تنتهي تلك الأعياد في المقابر.
تتعدد الأفكار والقراءات التي تتناول العيد وما يحمل من معاني ودلالات وفق اختلاف الأزمنة وظروف العيش والمناخ البيئي والحضاري، لكن يبقى العيد يحتفظ بفلسفته ومقاصده التي تؤكد فكرة تجدد الحياة ودورتها السنوية التي تدعو للإحتفال بها في مواسم جديدة من الفرح المشتهى.