تركيا تخاطر بتوازناتها الجيوسياسية من أجل تمرير أسلحة لأوكرانيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عقب اندلاع الصراع في أوكرانيا، سعت تركيا الى عدم الإخلال بتوازناتها الجيوسياسية، من خلال اتباع سياسة الحياد الإيجابي، حيث رفضت المشاركة في فرض عقوبات على روسيا، في موازاة احتفاظها بعلاقات وثيقة مع أوكرانيا. وهذا ما كان موضع تقدير لدى موسكو التي عولت دائماً على التوازن الإيجابي في سياسات تركيا الخارجية، ليس بينها وبين أوكرانيا، بل بينها وبين الغرب الذي تعتبره خصمها الحقيقي، فيما كييف مجرد واجهة.
بيد أن ثمة العديد من السلوكيات والإجراءات التي تدعمها أنقرة، تهدف الى تقديم المزيد من الدعم الفني لكييف على حساب علاقاتها المتينة مع موسكو، مما يسهم بتقويض توازناتها الجيوسياسية وحساباتها الاستراتيجية الدقيقة، بشكل قد يؤدي الى ردة فعل روسية سلبية تنعكس على العلاقات الثنائية بين البلدين.
شركة تركية تصدر البنادق لأوكرانيا
يعتمد الغرب على تقديم مختلف أنواع الدعم لكييف من خلال قنوات متعددة مباشرة وغير مباشرة. إحدى هذه القنوات تشارك فيها شركة تركية بارزة في مجال تصنيع السلاح وهي Derya silah ve Ticaret Limited Şirketi، والتي تعرف أيضاً باسم "دريا آرمز" (Derya Arms). هذه الشركة قامت بتزويد الشركة الكندية O’ Dell Engineering بعشرين ألف بندقية نصف آلية من نوع TM22-A-18 وذلك من أجل نقلها الى أوكرانيا. وتهدف هذه العملية الى تلبية احتياجات القوات المسلحة الأوكرانية بغية استخدامها لأغراض عسكرية ضد الجيش الروسي.
وتعد "دريا آرمز" من الشركات التركية الرائدة في مجال تصنيع البنادق "نصف الآلية". وهي مسجلة في تركيا، وعنوانها محلة بايافشار في المنطقة الصناعية المنظمة في بيشهير بمدينة قونيا العريقة وسط الأناضول. تأسست عام 1998، عن طريق شريكين مؤسسين: عبد الستار إرزون، ومحمد تشيلير الذي يرأس مجلس إدارة الشركة الى اليوم. وترتبط بشراكة مع شركة أسيلسان التركية البارزة وشبه الرسمية، والتي تصنف ضمن أفضل 50 شركة صناعات دفاعية عالمياً حسب تصنيف مجلة Defense العالمية المتخصصة.
استخدمت واشنطن كندا وسيطاً في عملية توريد كمية كبيرة من البنادق التركية إلى أوكرانيا
تصدر "دريا آرمز" 95 بالمئة من إنتاجها الى نحو 65 دولة حسب البيانات المنشورة على موقعها الرسمي، وتبدي اهتماماً كبيراً بتطوير وتحديث إنتاجها من البنادق، ولا سيما بندقية TM22 نصف الآلية، والتي تصدرها إلى 13 دولة بينها أميركا نظراً لكفاءتها. وهذا ما دفع بواشنطن إلى استخدام كندا كوسيط في عملية توريد كمية كبيرة من هذه البندقية إلى أوكرانيا لاستخدامها في مواجهة الجيش الروسي.
تقويض وساطة أنقرة
هذه العملية لا يمكن أن تحدث دون علم الحكومة التركية، والتي يبدو أنها غضت النظر عنها لاعتبارها أنها تتسق مع عمليات التعاون العسكري بين البلدين، والتي شملت استيراد المسيرات التركية، إلا أن الأمر مختلف. إذ أن أنقرة لا تقوم بتوريد هذه البنادق مباشرة الى كييف، إنما عبر أطراف ثالثة، وبطرق ملتوية، تصب بالنهاية في مصلحة الناتو الذي يرفض الاعتراف بحقائق التاريخ والجغرافيا، ويعمل على توسيع الصراع، ومضاعفة معاناة الشعبين الأوكراني والروسي. وكانت موسكو اعترضت على تزويد أنقرة لكييف بالمسيرات، لكنه كان اعتراضاً مضبوطاً تماهياً مع العقود الموقعة بين البلدين السابقة لاندلاع الصراع.
علاوة على ذلك، فإن موسكو تنظر الى العلاقات الثنائية التركية الأوكرانية بطريقة مختلفة. فهذه العلاقات نمت وتحولت الى شراكة استراتيجية، حينما كان نظام الحكم في كييف صديقاً لموسكو، وليس أداة في يد الغرب، وبالتالي فهي غير مرتبطة بنظام الحكم الحالي. بالإضافة الى أن هذه العلاقات أتاحت لأنقرة فرض احترام اتفاقية "مونترو" للمضائق التركية على جميع الأطراف، وتحقيق رغبتها في رفض وجود أي قوة بحرية أجنبية في البحر الأسود من خارج دوله المتشاطئة.
تأسيساً على هذا التوازن الجيوسياسي الدقيق، شجعت موسكو قيام أنقرة بجهود وساطة لإنهاء النزاع، مما أثمر عن عقد لقائين بين ممثلي روسيا وأوكرانيا، قبل أن يتدخل الغرب وينهي هذا المسار التفاوضي من أجل استمرار الصراع، وعن إبرام اتفاقية ممر الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود برعاية الأمم المتحدة. وكذلك عمليات تبادل الأسرى، حيث أفرجت موسكو عن 5 قيادات من كتيبة "أزوف" الأوكرانية وسلمتهم الى الجانب التركي شريطة أن لا يبارحوا أراضيها.
إلا أن أنقرة عادت ورضحت لضغوط هائلة من الناتو وسلمت هذه القيادات الى الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي الى تركيا، الأمر الذي لم يكن موضع ترحيب أو قبول أبداً في موسكو. وتأتي عمليات الدعم العسكري التركي لكييف عبر أطراف ثالثة لترسم المزيد من علامات الاستفهام حيال الموقف الرسمي لتركيا بالتزام الحياد، وتهدد توازناتها الجيوسياسية ومصالحها الاستراتيجية. فهل تسارع تركيا الى تصحيح هذا الخطأ قبل أن يتوسع أكثر ويسهم في تقويض مساعيها بالتحول الى قوة إقليمية بارزة لا يمكن للغرب تجاوزها؟