كتَّاب إيلاف

محمد السادس ووكالة بيت مال القدس: تقاطع العمل الميداني مع المبادرة السياسية لنصرة فلسطين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عندما تقرر إحداث وكالة بيت مال القدس الشريف، لتكون بمثابة الذراع التنفيذية لقرارات لجنة القدس بمبادرة من العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني عام 1995، كانت الغاية هي تأمين دعم مادي ومعنوي مستدام للفلسطينيين لمساعدتهم على تحمل تحديات الحياة اليومية في انتظار التوصل إلى الحل السياسي المتوافق عليه لقضيتهم.

من أجل هذا ، نقرأ في خطابات الملك محمد السادس، الذي تولى رئاسة لجنة القدس بعد وفاة والده الملك الحسن الثاني عام 1999 ، تجسيدًا لتقاطع مسارات العمل السياسي من خلال جهود الدبلوماسية المغربية، والعمل الميداني، عبر مشروعات وبرامج وكالة بيت مال القدس الشريف، المتواصلة في القدس منذ 25 عاما بإشراف شخصي من جلالته .

بيد أن الدعم العربي والإسلامي للوكالة في صنف مساهمات الدول، خلال هذه الفترة، لم يكن في مستوى طموحات التأسيس، إذ إن حجم المساهمات لم يتجاوز50 مليون دولار، توزعت على 11 بلدا إسلاميا من أصل 57 بلدا، وذلك رغم أن قادة بلدان منظمة التعاون الإسلامي، التي تنبثق عنها لجنة القدس، اتفقوا على أن الوكالة تُعدّ الأداة المثلى لتنسيق الدعم العربي والإسلامي الموجه للقدس.


الملك محمد السادس والرئيس الفلسطيني محمود عباس يتجولان في معرض المشاريع والمنجزات، الذي أقامته وكالة بيت مال القدس الشريف على هامش افتتاح أعمال الدورة العشرين للجنة القدس بمراكش يوم 17 يناير 2014

مع ذلك تستمر المملكة المغربية، بتوجيهات من الملك محمد السادس، في تأمين موازنتي التسيير والمشروعات بنسبة 100 في المائة في صنف مساهمات الدول، منذ عام 2011، ليستقر حجم الإنجاز السنوي في مشروعات التنمية البشرية والمساعدة الاجتماعية والصحة والتعليم والثقافة والتراث والشباب والرياضة وغيرها ما بين 3 و 5 ملايين دولار سنويا، وهي نسب لا ترقى إلى مستوى الطموحات، بالنظر للحجم المتزايد للطلبات على الوكالة.

الثقة والمصداقية المتزايدة للمؤسسات الفلسطينية في الوكالة
ويعكس هذا التوجه الثقة والمصداقية المتزايدة للمؤسسات الفلسطينية في الوكالة، التي لا تخضع الميزانيات الموجهة للمشروعات فيها لشروط مجحفة كتلك التي تفرضها مؤسسات دولية أخرى، إلا بقدر ما تستطيع فيه التأكد من وصول الأموال إلى مستحقيها، بشفافية وقابلية لقياس النتائج وتتبعها وتقويمها.

لذلك أخضعت وكالة بيت مال القدس الشريف مساطر قبول تمويل المشروعات لمقاييس الجودة العالمية (ISO) في الحكامة الإدارية، وتعبئة التمويل، وتأمين سلامة المعلومات، وذلك لتحصين المكتسبات التي حققتها بالعمل المنظم والموجه للمحافظة على المدينة المقدسة وصيانة موروثها الديني والحضاري الإنساني، في أكثر الظروف صعوبة وتعقيدا.

عوامل نجاح الوكالة في أداء مهامها لفائدة القدس والمقدسيين
يعود الفضل في النجاح الذي حالف نشاط الوكالة في أداء مهامها لفائدة القدس والمقدسيين، وجهودها المنبثقة من توجيهات الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، إلى منهجية عملها التي تنطلق من رسالة محددة، وترتكز على قيم معينة، وتتجه نحو أهداف دقيقة.

فأما رسالة الوكالة، فتتمثل في أنها تسعى إلى الحفاظ على هوية مدينة القدس الشريف وطابعها الديني والثقافي والحضاري من خلال تمويل المشروعات والبرامج التي تدعم وتعزز الوجود العربي والإسلامي فيها بالشراكة والتعاون مع المؤسسات والفعاليات العربية الإسلامية والدولية.

وبالنسبة للقيم التي تحرص على الالتزام بها في توجهاتها وعملها، فإن الوكالة تنطلق من قيم أخلاقية وإنسانية محضة لا علاقة لها البتة بأي اتجاه سياسي أو طائفي أو عرقي، لذلك، فهي تؤكد على القيم التي تضمن لها قدرا كبيرا من المصداقية في العمل والتمويل والإنجاز؛ وهذه القيم هي؛ الأمانة والنزاهة، والشفافية، والمحاسبة.

وفيما يتعلق بالأهداف، فإن النظام الأساسي للوكالة حددها في إنقاذ مدينة القدس الشريف، وتقديم العون للسكان الفلسطينيين والمؤسسات الفلسطينية في المدينة المقدسة، والحفاظ على المسجد الأقصى المبارك والأماكن المقدسة الأخرى في المدينة وتراثها الحضاري والديني والثقافي والعمراني وترميمها.

حصيلة مُشرفة في تحسين ظروف معيشة المقدسيين
يتبين من خلال التجربة المتراكمة في السنوات الـ 25 الماضية، أن وكالة بيت مال القدس الشريف حققت نتائج تحظى بإشادة شرائح مختلفة من الفلسطينيين والمقدسيين، فضلا عن تثمين دورها عاليا من طرف قادة الدول ورؤساء المنظمات وبيانات المؤتمرات والمنتديات العربية والإسلامية والدولية.

وفي سياق معطيات ونتائج حصيلتها خلال السنوات الخمس الماضية فقط (2019- 2024)، استطاعت وكالة بيت مال القدس الشريف، الذراع التنفيذية للجنة، أن تحقق منجزات في المدينة المقدسة بقيمة فاقت 13,8 مليون دولار .

وبحسب تقرير قُدِّم في آخر مؤتمر للقمة الإسلامية، والذي انعقد في بانجول، عاصمة غامبيا، خلال شهر مايو الماضي، فإن الوكالة واصلت، تحت الإشراف الشخصي لجلالة الملك محمد السادس، في النهوض بواجباتها لتحسين الظروف المعيشية للساكنة المقدسية من خلال مشروعات اقتصادية واجتماعية وسكنية وتعليمية وثقافية تركز على الاستجابة المباشرة لاحتياجات المقدسيين.

ومكنت حصيلة السنوات الأخيرة من تعزيز إشعاع الوكالة وحضورها الميداني في القدس وبخاصة من خلال برامج الدعم الاجتماعي ودعم قطاعات التعليم والشباب والرياضة والطفولة والمرأة وذوي الإعاقة، وحماية التراث والفنون الفلسطينية الأصيلة، واستثمار الجهود العلمية لتسليط الضوء على الهوية الحضارية الجامعة للقدس، ودعم الدراسات والأبحاث حول القدس الشريف.

كما توجه مجهود الوكالة لدعم قطاع الإسكان والترميم وحماية العقارات التاريخية، وكذلك دعم قطاع الصحة، ووضع برنامج الطوارئ للمساعدة على مواجهة جائحة "كوفيد 19"، والإعلام وحرية الصحافة، وحملات "عونة" السنوية تزامنا مع مواسم قطاف الزيتون.

وتحرص المملكة المغربية، على تنفيذ هذه البرامج والمبادرات في جميع الظروف والأحوال التي يمر بها الفلسطينيون والمقدسيون، بما فيها ظروف وأحوال الحرب الصعبة التي تشهدها المنطقة، ففي مارس الماضي، أعطى الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، تعليماته لتوجيه مساعدات إنسانية عاجلة عن طريق البر لفائدة السكان الفلسطينيين في غزة ومدينة القدس الشريف، وقد كان هذا الموضوع حدثا غير مسبوق، عبَّر عن التزام دائم للمملكة تجاه الشعب الفلسطيني.

التنمية الرقمية في خدمة التنمية في القدس
سواء تعلق الأمر بالمشروعات المبرمجة على المدى القريب والمتوسط، أو بالتدخلات الإنسانية العاجلة، فإن معظم المبادرات، التي يجري تمويلها بالكامل من طرف المملكة المغربية، تنصب على المشروعات الملموسة التي يعود أثرها على الفلسطينيين في القدس ومؤسساتهم، وهو ما ينسجم مع رؤية الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، الذي يولي اهتماما خاصا لهذا النوع من البرامج والمشروعات.

ولتجسيد هذا الاهتمام والحرص الملكي على دعم ومساندة المقدسيين من خلال توظيف التكنولوجيا الرقمية، اعتمدت وكالة بيت مال القدس الشريف إستراتيجية رقمية للفترة المقبلة (2024- 2027) تحت شعار "التنمية الرقمية في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القدس"، لدعم مقاولات ناشئة في القدس، كما افتتحت الوكالة مقرات حاضنة المشروعات في مجالات التجديد والابتكار (HUB Innovation BMAQ)، التي تضم كذلك إدارة المنصة الإلكترونية الخاصة بجمع التبرعات.

في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن المشروعات المدرجة في هذه الإستراتيجية تقدر ميزانيتها السنوية بما لا يقل عن مليون دولار ، وتضم منصة بيت المغرب لتوثيق وحماية الموروث الحضاري للمدينة المقدسة، ومشروع العيادة النفسية الرقمية، ومنصة التسويق الإلكتروني "دلالة" للتجارة الاجتماعية والتضامنية، ومنظومة التعليم عن بعد، بالتعاون مع جامعة القدس، إضافة إلى تطبيقات "هيّا" للألعاب والترفيه، وهي عبارة عن منصة تثقيفية موجهة للصغار واليافعين في فضائل بيت المقدس.

*مدير وكالة بيت مال القدس المكلف

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف