هل يكون الرد الإيراني "نووياً"؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيران ودولة إسرائيل تتفقان بشكل غير مباشر على أن المواجهة العسكرية المباشرة بين البلدين ستخلف نتائج كارثية للطرفين معاً، وبالتالي فإن الطرفين يستبعدان فعلياً امكانية التورط في حرب شاملة، ولكن إيران تبدو أكثر ميلاً للبحث عن مخرج يحفظ لها ماء الوجه من أزمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس الإرهابية" على أراضيها، ومالحق بها جراء هذا الفعل من إهانة تاريخية ستلاحق النظام الإيراني للأبد. والحديث الذي يردده البعض عن رغبة النظام الإيراني في الحفاظ على مصداقيته مسألة مثيرة للسخرية لأن هذه المصداقية قد تداعت فعلا منذ وقت طويل، والجميع في منطقتنا والعالم يعرفون أن التهديدات المتكررة التي يطلقها قادة النظام عقب كل استهداف لقادته السياسيين والعسكريين وحتى الباحثين والخبراء هي للاستهلاك المحلي وسرعان ما يطويها النسيان.
علينا أن نقر مبدئياً أن اغتيال هنية ليس أخطر تأثيراً من مصرع الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي جراء ما وصف بحادث سقوط مروحية لم تكشف التحقيقات عن أسبابه حتى الآن، وأن اغتيال هنية ليس أهم من مقتل الجنرال قاسم سليماني الرجل الثاني في التراتيبة الهرمية للنظام الإيراني بعد المرشد من الناحية الفعلية وليست المؤسسية، بل ليس أكثر أهمية من اغتيال محسن زادة العقل المدبر للبرنامج النووي الإيراني، بكل ما لهذا البرنامج من أهمية استراتيجية هائلة لدى النظام وقادته، وعليه فإن من الوهم الكاذب والاعتقاد الخاطئ بأن إيران يمكن أن تتورط في حرب كارثية شاملة ضد دولة إسرائيل بسبب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس الإرهابية"، الذي هو بالنسبة للنظام الإيراني بمثابة مرتزق فلسطيني يخدم الأجندة الإيرانية فقط ، ومايحدث الآن هو على الأرجح محاولة للبحث عن سيناريو ما لإخراج رد إيراني يوفر للنظام فرصة الادعاء بالانتقام وتنفيذ تهديداته، مع التأكد قبل كل شىء من عدم قيام دولة إسرائيل بتنفيذ رد مضاد يفاقم حرج النظام الإيراني ويضعه في زاوية أكثر صعوبة من ذي قبل.
السؤال الذي يقفز إلى ذهني كمراقب هو: هل يفضل النظام الإيراني الصمت التكتيكي ودفن الرأس في الرمال مؤقتاً مع التركيز على تسريع وتيرة عسكرة البرنامج النووي الإيراني والحصول على سلاح نووي في غضون الأسبوعين أو الثلاثة التي يحتاجها بحسب التقديرات الأمريكية الأخيرة؟ الحقيقة أن الملالي قد يعتقدون في اللحظة الراهنة أن امتلاك رادع نووي ربما يمثل أكبر إنجاز يردع دولة إسرائيل تماماً عن تكرار فعلتها بحق هنية وغيره من المرتزقة والوكلاء الإرهابيين العسكريين والمدنيين، ويستعيد هيبة إيران وكرامتها الوطنية، ويصرف الأنظار تماماً عن كل وقائع القتل والاغتيال التي نفذتها دولة إسرائيل بحق إيرانيين أو مرتزقة وارهابيين خارجيين وحلفاء لإيران، كما قد يعتقدون أن ابقاء دولة إسرائيل والغرب تحت ضغط الوقت وانتظار رد الفعل الإيراني كاف لإشغال الجميع ومفاجآتهم بإعلان امتلاك قدرات نووية عسكرية واستغلال المعطيات الاستراتيجية القائمة في الادعاء بأن هذه الخطوة كانت لازمة للدفاع عن النفس في مواجهة ماتتعرض له إيران من تهديدات إسرائيلية.
تحليل الشواهد يقول إن التوجه نحو الخيار النووي ربما يعد الأقرب لتفكير المرشد الإيراني علي خامنئي والدائرة المقربة منه، وكذلك هو الأكثر تناسباً مع الظروف والقدرات الإيرانية الراهنة، كما يوفر للنظام فرصة ثمينة للحفاظ على استقراره وتفادي التعرض لأي اضطرابات داخلية جراء أي رد عسكري إسرائيلي محتمل، وترويج ما يحلو له من ادعاءات بشأن قوة ما يعرف بمحور المقاومة الذي يمكن أن يصبح نووياً في هذه الحالة، التي يمكن لها أن تصيب إسرائيل بمفاجأة إستراتيجية كارثية، وتشل قدرة أي إدارة أمريكية قادمة، بما في ذلك إدارة ترامب المتوقع وصوله للسلطة في يناير المقبل، عن التحرك عسكرياً بشكل جزئي أو كلي ضد إيران أو حتى التهديد بذلك.
مجمل المكاسب الاستراتيجية التي يمكن لإيران أن تحصدها في حال لجأت لتفعيل الخيار النووي، يمثل كارثة استراتيجية حقيقية لدولة إسرائيل وبقية دول الشرق الأوسط، ويمثل تفكيراً خارج الصندوق للرد على محاولة دولة إسرائيل القضاء على هيبة إيران ونفوذها الاقليمي سواء باغتيال أحد مرتزقتها "هنية" في عقر دارها أو حتى توجيه ضربات موجعة لأذرعها الإرهابية الميلشياوية.
الخيار النووي، رغم ما سبق من مغريات استراتيجية، لا يخلو من مغامرة وكوابح وتعقيدات، والقرار الإيراني في هذا الشأن يبقى كذلك رهن اعتبارات بالغة الأهمية في مقدمتها الموقفين الصيني والروسي، ومدى دعمها لقرار إيران في هذا الشأن ومساندتهما لها في الأوساط الدولية، وهذا الأمر خاضع لحسابات كل من بكين وموسكو، ورؤيتهما المستقبلية للعلاقات مع إيران ودور الأخيرة في استراتيجيات الطرفين الخاصة بالتنافس القطبي والصراع الدولي على الهيمنة والنفوذ في القرن الحادي والعشرين.
هناك أيضاً الاعتبار الحيوي الخاص بقدرة إيران الفعلية على ترجمة خلاصة المعارف التقنية والخبرات التي راكمتها في تخصيب اليورانيوم والكميات المخزنة لديها والانتقال إلى مرحلة إنتاج سلاح نووي، ولو على سبيل التجريب، حيث لا توجد معلومات مؤكدة بشأن توافر القدرات المعرفية سوى التقديرات الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية في هذا الشأن، والتي تقلصت مؤخراً لتصبح أسبوعين لبلوغ إيران هذه المرحلة كما أسلفنا، ولكن صحة هذا التقدير تتوقف على المعطيات الفعلية لا ماتسربه إيران عمداً أو يطرح عمداً لجهة تضخيم التهديد الإيراني، ولاسيما في ظل حالة الضعف والاهتراء المعروفة عن الكثير من المؤسسات الإيرانية ناهيك عن الميل الإيراني الشديد للمبالغة والتضخيم أيضاً خاصة إذا تعلق الأمر بالقدرات العسكرية، وهي أمور يجب التعاطي معها بحذر سواء لجهة التسليم بالتقديرات الاستخباراتية أو فيما يتعلق بالتقارير الإيرانية التي تميل للجانب الدعائي بشكل واضح.
ثمة تحد آخر يتعلق بعدم قدرة النظام الإيراني على الاعلان عن بلوغ العتبة النووية والالتحاق بنادى القوى النووية من دون دليل كاف ومقنع يحقق الردع المنشود في الحالة الإيرانية، لاسيما أنه لا يمكن الادعاء بتحقيق هذا التطور سواء لأن ثمن الكذب والخداع سيكون مكلفاً، أو لأن هناك فاتورة سياسية/ استراتيجية محتملة ينبغي تحملها كرد فعل مباشر على ما تمثله إيران النووية من تهديد حقيقي كبير للأمن والاستقرار الاقليمي والدولي.